الديمقراطيّة خيار الوحدة اليمنيّة وحصنها

 
 
شبكة المنصور
عبد الكريم بن حميدة

من حقّ اليمنيّين الاحتفال بوحدتهم في عيدها العشرين. ومن حقّ الوحدويّين على امتداد خريطة الوطن العربيّ الكبير أن يشاركوهم احتفالاتهم. لكنّ واجب هؤلاء وأولئك ألاّ يتجاهلوا أنّ الوحدة اليمنيّة تعرّضت لأكثر من اختبار، ولا يبدو أنّ سلسلة الاختبارات قد توقّفت، وإنّما على العكس تماما تزداد عسرا، بمقدار ما تزداد الوحدة إصرارا على تثبيت كيانها وتقديم نفسها إلى أشقّائها العرب وإلى العالم كلّه على أنّها نموذج لما يمكن أن يكون عليه مستقبل العرب إذا ما صدقت النوايا وخلصت الإرادات.


لا جدال في أنّنا كنّا وما نزال مع وحدة اليمن أو لنقل مع إعادة تحقيق الوحدة اليمنية يوم 22 ماي 1990، لأنّ الوضع السابق للوحدة كان شاذّا بكلّ المقاييس. وعليه فإنّ إعادة توحيد شطري اليمن لم يكن سوى استجابة للحقائق الموضوعيّة، وتناغما مع الحقائق التاريخيّة والمعطيات الجغرافيّة، وقبل هذا وذاك كان استجابة لإرادة الشعب في كلّ مدن اليمن وقراه وبواديه، وانسجاما مع التطلّعات الوحدويّة لليمنيّين، وهي التي رسمت خطواتها الأولى منذ أوائل السبعينيّات من القرن الماضي، ولم تفوّت فرصة دون التعبير عن الطموحات الوحدويّة لأبناء اليمن ورغبتهم في إعادة الأوضاع إلى حالتها الطبيعيّة.


والحقّ أنّ الوحدة اليمنيّة شقّت طريقها وسط عواصف وأعاصير لم يكن آخرها حرب صيف 1994 التي قادها انفصاليّون من الجنوب حتّى وإن بدت تلك الحرب أقسى ما مرّت به تجربة الوحدة. وعلى الأجيال العربيّة الشابّة أن تتذكّر أنّ إعادة توحيد اليمن تطلّبت مئات اللقاءات والندوات والاجتماعات التي أدّت إلى توقيع عدد كبير من الاتفاقات والبيانات بين قيادتي الشمال والجنوب. ويمكن أن نشير إلى اتفاقية القاهرة وبيان طرابلس سنة 1972، ثمّ لقاء الجزائر ولقاء تعز-الحديدة سنة 1973، ثمّ لقاء قعطبة سنة 1977 الذي تلاه بيان صنعاء سنة 1979،ثمّ اتفاق صنعاء عام 1980 واتفاق عدن في السنة نفسها، وتلا ذلك اتفاق تعز عام 1981، وبعد عام واحد شهدت مدينة تعز نفسها اتفاقا جديدا عزّزته بقمّة 1988 التي هيّأت لقيام الوحدة اليمنيّة.


ومعنى هذا أنّ العقبات أمام وحدة اليمن لم تكن هيّنة. فالتاريخ يعلّمنا أنّ الأعمال الجسام لا بدّ أن تصطدم بصعاب جسام. ومن الطبيعيّ أنّ كثيرين من داخل اليمن ومن خارجه، من الشمال ومن الجنوب لم يكونوا ينظرون بعين الاطمئنان إلى الوحدة القادمة التي كانت تشقّ طريقها رغم كلّ شيء. وهؤلاء أنفسهم هم الذين يصوّبون خناجرهم اليوم باتّجاه الوحدة اليمنيّة ويدعون صراحة إلى الانفصال ويرفعون علم دولة الجنوب ويصرخون.. بل يدعون إلى تدخّل خارجيّ يقيم أسوار التشطير مجدّدا بين صنعاء وعدن.


لا عجب حينئذ أن نقرأ ونسمع من دعاة الانفصال حديثا غريبا ومفردات أغرب عن "سلطة احتلال صنعاء".. و"القضية الجنوبيّة العادلة".. و"شعب الجنوب".. و"ثورة شعبنا العارمة والمباركة في مواجهة المستعمر والمحتلّ"..
ليس هذا فقط..


لا يلبث دعاة الانفصال ممّن يدعون إلى الثورة على "اليمنيّ الشماليّ المحتلّ" (بمساعدة الأجنبيّّ الذي لا يُعَدّ محتلاّ!!!) أن يكشفوا عن ملامحهم القبيحة، فيسفرون عن خلفيّاتهم الإيديولوجية، ويُلقون في لحظة عُري كلّ أقنعة الزيف، فيصفون القومية العربيّة بأنّها «زائفة ومهزومة لا تعرف غير الإخفاقات لأنّها ما زالت مجرّد فكرة ذهنيّة". ووفق هذا المنطق الذي أصبح دعاة الانفصال يتبنّونه بوضوح وبلا أدنى لبس يصلون إلى الاستنتاج بأنّ "إنجاز الوحدة اليمنية الذي يتشدق به العرب ليس سوى مصيدة كبرى وموت محقق للجنوبيّين وهويّتهم.. بل هو مشروع إرهابيّ.. وعلينا أن نستعيد حقّنا في وطننا وهويّتنا ".


من المؤلم أن نقول إنّ هذا الخطاب التحريضيّ على الوحدة وعلى القوميّة، المعادي للأمّة العربيّة وتطلّعاتها قد أصبح يجد قبولا لدى قطاعات واسعة من اليمنيّين في الجنوب لأنّ الانفصاليّين قد نجحوا في تضليلهم وإيهامهم بأنّ الوحدة هي المسؤولة عن كلّ الخراب الحاصل في اليمن، وهي المسؤولة عن الفقر والأمّيّة وتدنّي الدخل الفرديّ، كما أنّها وحدها المسؤولة عن انحسار المساحات الزراعيّة وزحف الصحراء وتردّي الخدمات وانقطاع التيّار الكهربائيّ وتعطّل شبكات الصرف الصحّيّ...!!!!


مسكينة هذه الوحدة اليمنيّة.. ومسكينة فكرة الوحدة العربيّة ذاتها هذه التي باسمها تُرتكب الجرائم وتُنتهك الحقوق، ويُعتدى على الشعوب. وباسمها أيضا أو تحت رايتها تُذبح الحريّات ويُقاد أبناء الأمّة كما تقاد القطعان.
لسنا مع الانفصاليّين ولا قربهم.. ما في ذلك شكّ. لكنّنا أيضا لسنا مع ما يروّج عن انتشار الفساد الماليّ والإداريّ، وسيطرة الولاء القبليّ، وعمليّات السلب والنهب لثروات جنوب اليمن وأراضيه (ولا شماله بالتأكيد). كما أنّ جنوب اليمن ليس غنيمة حرب تقتضي إقصاء أبنائه من دائرة الشراكة في السلطة والثروة وصنع القرار.

 

وكلّ هذا يقتضي إعادة النظر بعمق وحكمة وتبصّر إلى قرارات كثيرة استهدفت أبناء الجنوب ومنها تسريح الضبّاط والجنود المنتمين إلى الجيش الجنوبيّ السابق، وإحالة كثير من كبار الموظّفين الجنوبيّين إلى التقاعد، وغيرها من القرارات التي بدت كأنّها استهداف مباشر لأبناء الجنوب ممّا سهّل الترويج لمقولة إنّ الجنوبيّ مواطن من الدرجة الثانية.


إنّ الديمقراطيّة هي الملاذ الوحيد الذي يمكن للوحدة اليمنيّة أن تعصم به نفسها من مزالق السقوط، لأنّ الوحدة القائمة على القهر والعسف لن تفعل سوى التنفير من أيّ عمل وحدويّ، وتعطيل مشروع الوحدة. وهذه المهمّة أي مهمّة البناء الديمقراطيّ في اليمن موكولة بالدرجة الأولى إلى السلطات اليمنيّة قبل أيّ طرف آخر.

 

akarimbenhmida@yahoo.com

للإطلاع على مقالات الكاتب إضغط هنــا  
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الخميس  / ٠٦ جمـادي الاخر ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٢٠أيـــار / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور