إن لم تقاوم ، فإن الله يقاوم

 
 
شبكة المنصور
علي الصراف
للبيت ربٌّ يحميه. ولكعبةِ المقاومة ربٌّ يحميها. فأفعل ما شئت. قاومت أم لم تقاوم، ساومت أم لم تساوم، فان الله هو الذي سيذهب بهم الى الجحيم.
والجحيم حاضرٌ. وها هو ملموس، والكل يغرق فيه. شركاء الجريمة يغرقون، ويغرق معهم المتواطئون، بل حتى الذين اختاروا الصمت يغرقون.
الكل يدفع الثمن.


لا يعرف حجم المأساة التي تواجهها دول العدوان والغزو إلا الذين يعرفون ما معنى الإنهيار الإقتصادي الماثل، وإلا الذين يعرفون عواقبه على شعوبهم.


فهل رأيت كيف كانوا يحرقون ويدمرون في أثينا؟ وهل رأيت كيف كانت تظاهراتهم في لشبونة؟ وهل رأيت الخوف كيف يجعل الأعين تبحلق في انهيار البورصات في لندن وفرانكفورت وباريس؟
بلدانٌ بكاملها، لا أفرادا ولا حتى شركات، هي التي تقف اليوم على حافة الإفلاس. ومن فتق الى فتق، تحاول المصارف المركزية أن ترتق الديون بالديون. ولا حل في الأفق. وكلما مرت كارثة، جاءت أسوأ منها.


والأسوأ لم يأت بعد.
لا. جورج بوش وديك تشيني وتوني بلير، ورفاقهم في غزو العراق، لم يكونوا وحوشا وشياطين إلا بمقدار محدود، يتعلق ربما، بنذالتهم الشخصية، أو بانحطاطهم الأخلاقي الشخصي. ولكن النظام كان هو الوحش والشيطان الحقيقي. هو الذي قادهم الى غزو العراق.
وهناك كان الله لهم بالمرصاد. فهم جاءوا لغزو أرض الله، وهم لا يعلمون.
ما من سبيل، على الإطلاق، لكي يفهموا كيف.
الكثيرون منا نحن لا يفهمون كيف.
حتى الكثير من العراقيين أنفسهم لا يعرفون.
ولكنها أرض الله.
وإن آذيتها، تؤذيك.


لك أن تؤمن. ولك ألا تؤمن. ولكن في الحالتين، فان الله موجود. وأرض العراق هي أرضه الأولى.
هذا لغزنا الخاص. انه لغزٌ حملناه على أكتافنا الى السفينة. وكان لنا فيها من كل زوجين إثنين!
ومهما قلت أو شرحت أو استعرت من قواميس الإيضاح والتبيين، فانهم لن يفهموا. بل حتى لو ترجمت لهم الميثولوجيا كلها، فان البنتاغون لن يفهم. ولن يفهم أي أحد آخر على طول الغرب وعرضه.
ولكن هل تعرف لماذا؟ لأن "وول ستريت" لن تفهم.
لا تقل لهم: للكعبة ربٌّ يحميها، وللعراق ربٌّ يحميه. ولكن دعهم يلاحظون كيف يفعل.


أولا، سَخّر لهم مقاومين أصابوا جنود الغزاة بالذعر والجنون.


ثانيا، سخّر لهم شعبا يعرف كيف يعوم على سطح المجزرة، ليصنع من قدرته على الوجود منفذا. وقد فعلها 20 مرة من قبل. لا مرة ولا مرتين. جاء غزاة، ورحل غزاة. جاء عملاء، ورحل عملاء. وبقي العراقيون ينتجون وجودهم حتى ولو من لا شيء.


ثالثا، سخّر للغزاة من أنفسهم شرّا يرميهم بحجارة من سجّيل.
ولعل لكل عصر "سجّيله". فهل تعرف ما هو "السجّيل"؟
انه (في عصرنا الراهن) امبراطورية الوهم التي تصنع "النمو" في الاقتصاد. هذا هو السجّيل.


اليوم فقط، يكتشف اقتصاديو الولايات المتحدة وحلفائها، ان "النمو" الذي يدفعهم الى ارتكاب كل ما يتاح لهم من جرائم قتل وأعمال نهب وغزو، هو الشيء المستحيل. ويقولون "لا بد من "انكماش" قبل أن يمكن إستئناف النمو".


ولكن إذا كانت هذه هي الحقيقة، فما بالهم يهرعون من فتقٍ الى فتق ليرتقوه؟ ما بالهم لا يتركون الدورة التلقائية تدور؟


في الحقيقة. هم يعرفون شيئأ آخر أكثر مما تقوله تلك الدورة. هم يعرفون انها ليست كباقي الدورات التقليدية التي تدور بين صعود وهبوط. وهم يعرفون، انهم طلبوا نموا، بالغزو ومشاريع الهيمنة المطلقة، أعلى من سطح العمارة، فانقلب الهبوط الى جحيم. وهم يعرفون ان أمامهم طريقين للإنهيار: الأول صادم، والآخر ناعم. وهم انما يردمون الهوة بالمزيد من الأعباء، من اجل انهيار ناعم!


هذا هو كل ما في الأمر.
ولكن الإنهيار حاضرٌ، وهو المآل الوحيد.
لقد كانوا يؤمنون بـ"النمو". هذا هو "الله" (المزيف) الذي كان يحكم عقلية التوسع. وهم به يؤمنون. انه الإله الواحد الأحد الذي لا شريك له في "وول ستريت".


في مطلع الألفية الثالثة، وجدوا ان الاقتصاد لم يعد قادرا على ان ينمو. ووجدوا ان آليات النفوذ تتضاءل وبالتالي لتتضاءل أمام شركاتهم فرص الربح. ووجدوا ان اقتصاد المعرفة يحمل شرّه معه (بالنسبة لهم). فهو بالتعريف "اقتصاد معرفة" والمعرفة تُكتسب من قبل الأبيض والأسود والأصفر على حد سواء من البشر. ووجدوا ان الاحتكار ينحسر. وان الدول "المستقلة" تتحول الى عقبة لانها، مهما كانت تابعة، تظل "صاحبة قرار" وتظل كيانا يتمتع بـ"السيادة" وتظل قادرة على أن تتحكم بـ"صناديق" للثروة. وكل ذلك يشكل عائقا للنمو.


كانوا يقولون أن الألفية الجديدة سوف تأتي بـ"تحديات جديدة"، والعارفون منهم كانوا يعرفون انها "تحديات نمو".
فما الحل؟


ضع قدمك في حذاء الشركات متعددة الجنسية، وستجد ان الغزو كان هو الحل. ولكي يكون "حلا" ناجعا، فقد كان لا بد للصيد أن يكون كبيرا.


فعثروا على العراق.
ولكنهم لم يعرفوا انه أرض الله الأولى. وانه سيكون بانتظارهم هناك، ببشر من سجّيل وبحجارة من سجّيل.
ولو حدث وترجمت لهم كل الميثولوجيا، فما كان بوسعهم إلا أن يضحكوا عليك. فـ"الله – النمو" كان هو الذي يرشدهم الى الغزو. وهو الذي قال لهم "هذا هو الطريق الوحيد". (كناية عن ذلك: قال جورج بوش ان الله قال له: "جورج، إذهب لتحرير العراق من الدكتاتورية"، وفي آية أخرى: "جورج، إذهب لتقيم ديمقراطية في العراق") و... جورج لم يكن سوى نبي الله المقيم في وول ستريت. فذهب جورج، وحمل معه جروه توني بلير، وجر وراءه كل "تحالف الراغبين".


الكل كان يعرف، من طوكيو الى باريس، ومن موسكو الى كانبيرا، ان "الله-النمو" هو الذي يطلب الغزو، ومصالح شركاته هي التي تمليه.


فحمل الغزاةُ عدتهم، وتواطأ المتواطئون في أربع جهات الأرض، وجاءوا وهم يؤمنون بما أنزل "الله" من آيات بينات على نبيه بوش.


وضع حواريو "الله" الطالحون في "سي.آي.أيه" السيناريو. صنعوا الأسطورة (11 سبتمبر) لكي يحولوا الإرهاب الى مبرر للغزو، والى أداة للإطاحة بمفهوم الدولة المستقلة. وقالوا "للراغبين": "شاركوا، لعلكم تكسبون". فشاركوا وهم صاغرين.


الصين موّلت الحرب بسندات الديون. وموّل الآخرون من صناديقهم السيادية ما اتيح لهم. وعلى رغم التراجع الثابت لقيمة الدولار، فقد ظل العملة التي يقيّمون بها تجارتهم الدولية واحتياطاتهم.


وبعبارة أخرى: اتاحوا لبنك الاحتياط الفيدرالي الاميركي أن يطبع لهم ورقا، وظلوا يخزنوه على انه... عملة!
ودأب الاحتياط الفيدرالي على أن يطبع ما شاء له الهوى، ليمول الانفاق الاتحادي، فيما يمول هذا الانفاق شركات تبحث عن سبيل للنمو. وفي مقابل كل دولار كانوا يحصلون عليه من الانتاج، كانوا يستدينون عشرة، من اجل التوسع.


التقديرات الأولى كانت تقول ان غزو العراق سيكلف نحو 200-250 مليار دولار. وكل الباقي، وما بعده، ربح.
ولكن الله كان ينتظرهم بالسجّيل.
جاءوا وكلهم أمل.


دمروا كل شيء، من اجل أن "يعيدوا بناءه" (لأغراض التوسع).
ومحقوا كل أثر للدولة (ليرسوا أساسا لنموذج دولة "ما دون الاستقلال").
حملوا لصوصا ودجالين الى السلطة، وهم يعرفون انهم لصوص ودجالون (ليقدموا مثالا لنوعية الحكومات التي تتوافق مع "تحديات الألفية الثالثة").


ومزقوا الكيان الاجتماعي برمته واعادوا خلقه على أساس طوائف ليغرقوا العراقيين بدمائهم (ليصنعوا "عملية سياسية" على مقاس القدم).


ولكن الله كان ينتظرهم بالسجّيل.
أولا، كل تقديرات الغزو (الكلفة، الخسائر، عائدات النفط) ظهر انها خطأ. وبدلا من 200 مليار قفزت الأرقام الى تريليون ونيف. ومعها، بطبيعة الحال، ارتفعت معدلات القتل. فحيال كارثة اقتصادية كهذه، كان لا بد للانتقام أن يكون وحشيا. حتى جعلوا الجثث تتراكم على الأرصفة اكثر مما تتراكم القمامة.


ثانيا، ظهرت مقاومة مسلحة لقنتهم الدرس تلو الدرس، حتى اخرجت ما يناهز 50% من قوة الغزو من أرض المعركة (بين قتيل وجريح ومصاب بالهستيريا).


ثالثا، وحيث لا أفق كان يظهر للنمو حتى بعد مرور عدة سنوات من الغزو، فقد كان لا بد للديون (التي كان يتم سترها بالديون) أن تتحول الى أزمة إئتمان. فسقط "الله-النمو" على وجهه في وول ستريت مضرجا بأكثر من 100 مصرف يعلن إفلاسه، وبانهيار العديد من عمالقة الشركات الأميركية.


ومن "حزمة إنقاذ" الى أخرى، فقد احتاجت الولايات المتحدة أن تضخ نحو 1500 مليار دولار من اجل الحؤول دون إنهيار الإقتصاد كليا.


ولكن هل سأل احد من أين جاء بنك الاحتياط الفيدرالي بكل تلك الأموال؟
لا يهم. الكل يعرف. بعضها طباعة. وبعضها استيلاء (ناعم) على "صناديق سيادية"، وبعضها ديون!
وما كان "توسعا" في الولايات المتحدة بأحلام العصافير، كان زقزقة وتغريدا في دول مثل آيسلندا واليونان والبرتغال وإيرلندا واسبانيا.


فهذه الدول كانت، هي الأخرى، تستدين لتنفق على أحلامها بالانخراط في مجتمع الاستهلاك والرفاهية.
ولكن الله كان ينتظرهم بالسجّيل.


لقد بدا، خلال العام المنصرم، ان المقاومة المسلحة في العراق تضعف. من ناحية، لأن سفك الدماء بلغ حدا من الترويع، ما بعده ترويع. ولكن من ناحية أخرى، لأن هناك من المقاومين من خارت قواهم، فآمنوا بنبي الله أياد علاوي و... بالعملية السياسية التي صنعها نبي الله بوش.


كان بعض المجانين يقولون: لا يهم، قاوموا أو ساوموا، فلن تفرق عند الله كثيرا. فهو أولى بأرضه. وهو الذي يحميها، ولو بنفر قليل.


وظل بعض المجانين يقولون: عدوكم يترنح، فأطيحوا به. ولا تعطوه متنفسا. انه وحش، والوحش لو عاد ونهض فانه لن يرحم أحدا منكم. أطيحوا به، فقد بلغ سيله الزبى ليس في الموصل والرمادي والفلوجة والناصرية والبصرة، فحسب، ولكن في بورصاته في نيويورك ولندن وباريس أيضا. أطيحوا به، فهزيمته هي ما سيصنع التاريخ، وهي ما سيعيد بناءه من جديد، ليس في العراق وحده، بل في فلسطين، وفي المنطقة برمتها، وفي العالم بأسره. وستتغير كل موازين العلاقات الدولية، وكل قيمها.


ولكن، وكأي "عملية سياسية" فانها كانت تعمل في "هامش المنافي" ما كانت تعمله "المنطقة الخضراء" لتغذي زقزقة العصافير بالعودة الى السلطة عن طريق نبي الله صالح المطلك!
فبُهت الذي كفر، إنما بانتخابات أعادت فتح "السبتيتنغ" نفسه!
وكان الله لهم بالمرصاد أيضا.


إذ ما يزال هناك، على أرض الله، من يعرف، من دون الحاجة الى ترجمة، ان المقاومة ضد الاحتلال، الأميركي والإيراني، على حد سواء، ومن دون تمييز، هي السجّيل.


والله يرميهم به، قاومتهم أم لم تقاوم. ساومتهم أم لم تساوم. انتظرتَ نبي الله نوح عائدا بالسفينة، أم انتظرت نبي الله علاوي عائدا بالتحالف مع الإيرانيين.


فالجحيم الذي لا يأتي من الفلوجة، سوف يأتي من "وول ستريت"!
وهو ذاته الجحيم.


فالمسألة، في الأصل، مسألة نمو. وهذا ما يكتشف الجميع اليوم انه مستحيل.
فإن لم ترمهم بحجارة من سجّيل، رماهم الله بأنفسهم، ليرتقوا فتق الديون بالديون، بينما الفتق يكبر لا ليشمل أفرادا ولا حتى شركات، بل دولا تقف، بكل جلالة قدرها، على حافة الإنهيار. وهي من دول "العالم الأول" ومن قلب حضارته، وليست كأي دول!


وهذه ليست، بعد، أكبر ما لدى الله من سجّيل.
إنس اليونان واسبانيا والبرتغال. قارن العجز واعباء الديون في بريطانيا وفرنسا، ثاني وثالث، اكبر قوتين في الاتحاد الأوروبي، وستعرف إن كان ما رأيناه حتى الآن هو الأسوأ، بالنسبة لوول ستريت.


دولاب الإنهيار ما يزال يدور.
وهو ما سوف يجعلهم كعصف مأكول.
آمنت أم لم تؤمن، فلك أن تقاوم، ولك أن تساوم.
لن تفرق عند الله كثيرا. فهذا تاريخ. رأينا منه ما رأينا 20 مرة. لا مرة ولا مرتين. فرحل الغزاة ورحل عملاؤهم، وظل العراقيون ينتجون وجودهم من لا شيء.
تلك هي أرض الله.
فإن آمنت بها، آمنت بك!
وإن آذيتها تؤذيك.


وإذا شئت ان تُصغي للمجانين، فقاوم. نوح كان مجنونا. والطوفان قادم. فإرفع سلاحك وقاوم. لا فرق بين إيراني أو أميركي أو عميل. ولا فرق بين عمالة داخل المنطقة الخضراء وعمالة خارجها أو عمالة تسعى اليها. فكلها من آيات نبي الله بوش.
وإذا أخطأت، فأصلح.


كل طلقة تطلقها، وكل عبوة تفجرها، تترك أثرا، وتنزل على رؤوسهم كحجارة من سجّيل.
ذلك هو طريق السفينة، ولسوف يكفينا منها لو انها حملت من كل زوجين إثنين!
وستجد، بحسب لغز من الله، انك ستكون من الناجين.

 

alialsarraf@hotmail.com

للإطلاع على مقالات الكاتب إضغط هنــا  
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الخميس  / ٢٠ جمـادي الاخر ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٠٣حزيران / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور