تأملات  / قراءة متأخرة لدروس إستراتيجية

﴿ الجزء الخامس ﴾

 
 
شبكة المنصور
سمير الجزراوي

وهنالك أمُرأخركانت قد وضعته في حساباتها الإستراتيجية الامبريالية العالمية تجاه مجابهتها للعراق بأن أثار الحصار الشامل و القاتل سوف تظهر على العراق وسوف لا يكون أمام نظامه الوطني إلا أحد الخيارين التاليين وهما أما:


(1) الانتحار البطيئ ومن ثم إرسال قطعان من القتلة واللصوص وبتنسيق مع نظام الملالي في طهران وتحريكهم مع حملة إعلامية منظمة بتزكية مواقفهم الشخصية الإجرامية سواء الجنائية أو الجزائية وتلميع أحزابهم أمام الرأي العام العالمي والتستر على شوفينية بعضهم تجاه القومية العربية,وطائفية الآخرين في الإسلام الحنيف الواحد, ووضع لهم بعض الرتوش وتقديمهم للعالم على إنهم المعارضة ,لكي يتقبلهم الرأي العام الدولي,لما يحمله هذا الرأي العام من ردود أفعال تجاه هذه الأنواع من الاتجاهات والأحزاب , وحقيقة هذا أللملوم المصنع في معامل السياسة الامبريالية الصهيونية قد تكشف لكل العراقيين والعرب والعالم بعد أن نصبتهم قوات الاحتلال كحكام سواء بالتعين المباشر أو عن طريق لعبة الانتخابات ,وكل هذه الصور الزائفة و المؤلمة يمكن ملاحظتها اليوم من خلال ما فعلوه بالعراق ومنذ الاحتلال في عام 2003ولا يحتاج المرء إلا إلى رؤية صادقة لعراق اليوم.


(2) أو الاستسلام للإرادة الأمريكية و يكون حاله حال الباقين وكفى تصدعا للرأس على قول أحد قادة هذه النماذج من أنظمة الاستسلام,ومن الذين لا يقوون على السير في طريق الحرية والعزة والكرامة بل يشيع بعضهم بأن المجابهة مع أمريكا طريق غير العقلاء والحل التسليم الكلي للإرادة الأمريكية والصهيونية,وبذلك نافياً بل محرماً طريق المجابهة والتي يمكن أن تكون باستخدام سترايجية متقنة في ثوريتها وبتكتيكات ذكية في مفردات التعامل السياسي..


والحقيقة أن حسابات الثوار غير حسابات الامبرياليين والعملاء,.وصمد العراق وأعاد بنا ما دمره العدوان في عام 1991 وبدء ينهض ويتجاوز كل حسابات الأعداء فكان قرار غزوه واحتلاله هو الحل الأمثل للامبريالية للتخلص من هذا النموذج الثوري الفريد,وأمام هذه الإستراتيجية الأمريكية والتي بدت واضحة,فأن العراق كان في حينه بحاجة لدبلوماسية تفشل هذا المخطط وتحافظ على النموذج الثوري الذي أقامه البعث الخالد في العراق,ولَيقْوَى بعد ذلك على المجابهة الحقيقية,فهي ليست بسياسة توافقية ولكنها تحمل مكر الأعداء ومهتدين بالآيات القرانيةالكريمة (ومكروا ومكرا لله والله خير الماكرين )(1).

 

ومبررين موقفنا السياسي بالرجوع للآية الكريمة(و مكروا مكراً و مكرنا مكراً وهم لا يشعرون)(2)كذلك الآية الكريمة (أفأمنوا مكرا لله فلا يؤمن مكر الله إلا القوم الخاسرون)(3)..إنها قوانين السياسة لم تكن ضرورية وفي نفس الوقت لم تكون مطلوبة بالتعامل بهاو معها في عصرنا فقط,وأيضا لم تكن مفروضة على المؤمنين في تاريخنا فقط ويكفينا تجربة صلح الحديبية وقبول المسلمين ببعض شروط قريش ,فقد بعثت قريش عنها سهيل بن عمرو ليعقد مع النبي صلحاً، وعندما بدأ الرسول (ص) في إملاء شروط الصلح على علي بن أبي طالب (ع) كاتب الصحيفة  اعترض سهيل على كتابة كلمة (الرحمن) في البسملة ، وأراد بدلاً عنها أن يكتب (باسمك اللهم)  لأنها عبارة الجاهليين ، ورفض المسلمون ذلك ، ولكن الرسول (ص)وافق على اعتراض سهيل. ثم اعترض سهيل على عبارة (محمد رسول الله) ،وأراد بدلاً عنها عبارة : ( محمد بن عبد الله) ، فوافقه أيضاً على هذا الاعتراض. ويحكي عمر بن الخطاب (رض) جاء إلى الرسول  (ص)غاضباً عند كتابة  ذلك الصلح ،  قال : ( فأتيت نبي الله ، فقلت : ألست نبي الله حقاً ؟ قال : بلى. قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ؟ قال: بلى ، قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذاً ؟ قال : إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري. قلت: أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف بت ؟ قال: بلى. أأخبرتك أنك تأتيه العام ؟ قال : قلت : لا . قال: فإنك آتيه ومطوف بت). وأتى عمر أبا بكر(رض) وقال له مثل ما قال للرسول (ص)، فقال له أبو بكر : إنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وليس يعصي ربه وهو ناصره ، فاستمسك بغرزه ، فواله إنه على الحق،و قال عمر : ما زلت أصوم وأتصدق وأعتق من الذي صنعت مخافة كلامي الذي تكلمت بت يومئذ حتى رجوت أن يكون خيراً  ولم تطب نفس عمر إلا عندما نزل القرآن مبشراً بالفتح,( إنًا فًتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبينا)(4)
الاتكفي هذه المواقف الحكيمة في التفنن في إدارة الصراعات عبرة للثوار المؤمنين اليوم ,إنه في فن السياسة يعتبر حنكة وحكمة وعمق في فهم الهدف ودراية عميقة بالمقابل أو الخصم وهي اليوم جزء من المتطلبات الأساسية في فلسفة التعامل مع الآخرين حتى وأن كانوا من المارقين والطامعين لابد إن نتقن التعامل معه ونتهئ للوثوب في لحظة نقربها وننضجها نحن, وبعدلك نحددها نحن وليس غيرنا,وقرارنا هذا يجب يكون خياراً لنا من مجموعة الخيارات التي قد ساهمنا نحن مع الظروف المحيطة بنا في إنضاجها,وإذا ما فقدنا حسابات التوقيتات وحسن الاختيار,فإننا سوف نعطي فرصتنا لخصومنا ليستغلوها ويمكنهم أن يحاصرونا في زاوية لا يكون لدينا إلا قرار واحدٌ من مجموعة خياراتنا لنظهر أمام الآخرين بأننا كنا مخيرين فيه, وحقيقة الأمر يظهر كأنه هو قرار من مجموعة خياراتنا لكنه بغير توقيته ونخسر جولتنا.

 

وهذا في تقديري ما استغلته الامبريالية الصهيونية وعملائهما في عدوانهم علينا عام 1991,وكذلك في غزوهم لبلدنا واحتلاله في عام 2003.أي بمعنى لم نستطع المساهمة في إنضاج الظروف ونُفَعِلُها بدقة مع المرحلة التي كانت تعيشها الثورة وأهدافها الإستراتيجية في وقتها ولكي نفترش كل خياراتنا,وهذا في تصوري ما كان يحصل في مجابهتنا مع خصومنا والامبريالية ووكلائها من ملالي طهران في عدوانهم على العراق في عام 4/9/1980.,فخيار المجابهة الغير المتكافئة مع الامبريالية والصهيونية كنامظطرين له ولم يتح لنا الظرف المحيط بنا أن نستعرض خياراتنا الكثيرة لأننا تركنا الظرف المحيط بنا سائبا ولأخر لحظات اتخاذنا القرار,مما جعلنا نؤشر على قرار اتخذناه في الحقيقة كنا مجبرين ولم نكن مخيرين لان اعدئنا أحكموا بالغلق على كل الخيارات التي أمامنا وضاعت علينا هذه الفرص والجولات.

 

أقول هذا بالرغم من حقيقة غزو العراق لم ولن تكون إلا قضية ترتبط بأهداف أمريكية في ضمان إمدادات النفط إليها, وأيضا تَعني أن الذي يكون قريباً من أبار نفط العراق والخليج يضمن التحكم بالكثير من سياسات دول العالم فالصين و اليابان وأوروبا لا يمكن لهذه الدول من الاستغناء عن النفط,وهكذا سيكونون مجبرين وغير مخيرين في مجاراة الولايات المتحدة في كثير من مواقفها وسياساتها .. فغزو العراق كان يعني بقاء للقوة الأمريكية فيه,وأما موضوع أسلحة الدمار الشامل العراقية أو وجود علاقة بين العراق والقاعدة أو إقامة الديمقراطية في العراق فهذه كلها أكاذيب سوقتها الامبريالية بنجاح لغرض تحقيق أهدافها في العراق.وأقوى شاهد علي ذلك من كان على صلة بالولايات المتحدة وينفذ أوامرها عبر عمله في لجان التفتيش عن الأسلحة وهوهانز بليكس كبير مفتشي الأمم المتحدة السابق الذي أجهضت أميركا مهمته في العراق. لقد قال أخيراً إن الحرب الأميركية في العراق «كان هدفها قبل كل شيء إزالة أسلحة الدمار الشامل التي لم تكن موجودة أصلا. وثانيا إقامة الديمقراطية ولم تحقق سوى الفوضى.

 

وثالثا كانوا يريدون القضاء على تنظيم «القاعدة» الذي لم يكن هناك ولكنه أتى إلى هناك بعد الغزو». ثم زاد ليكس «على رغم أن الطغيان مريع إلا أن الفوضى يمكن أن تكون أسوأ من الطغيان». وقال هانز ليكس أيضا إن واشنطن ربما ترغب في البقاء في العراق لضمان أمن إمدادات البترول هانز بليكس أخذ نصيبه من ضغوط وتهديدات الإدارة الأمريكية السابقة غير المعلنة كي يمنح غطاء لغزو العراق.وبالتأكيد هذا لا يبرئه من جريمة تدمير العراق ولكنه على الأقل قال الحق متأخرا..

 

-----------------------------------------
(1)سورة إل عمران الآية:54
(2)سورة النمل الآية:50
(3)سورة الأعراف الآية:99
(4)سورة الفتح:الآية 1

 

 

للإطلاع على مقالات الكاتب إضغط هنــا  
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاثنين  / ١٠ جمـادي الاخر ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٢٤أيـــار / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور