تأملات / قراءة متأخرة لدروس إستراتيجية

﴿ الجزء الثالث ﴾

 
 
شبكة المنصور
سميرالجزراوي

ولكي نكون منصفين في تناولنا للدروس التي يمكن أن نضعها في مقدمة الاستخلاص التي سنعمد في الوصول إليها وذلك من خلال الإجراءات التي تهمنا نحن العرب و العراقيين على وجه الخصوص ,وسأعتمد في ذلك من خلال خطوتين الأولى في إدانة الجريمة والمجرمين و ثانيا محاكمة الجريمة وبعدها يتحدد حجم الجرائم .


1-القراءة الاولى لجريمة غزو العراق:


أن جريمة غزو العراق جريمة واضحة ولا تحتاج إلى أدلة ,فهي مستكملة  وواضحة في جوانب أركانها ,فمسرح الجريمة كان ولازال في أرض الأنبياء العراق,والجاني هم دول العدوان الامبريالية وعملائها الرخيصين في المنطقة والطامعين بخيرات الآخرين ,والمجني عليهم هو شعب العراق والأمة العربية وحتى الإنسانية, والأدلة تكمن في مأساة شعب كامل تم قتل ما يزيد عن المليون والعدد في تصاعد وكذلك تشريد منه أكثر من أربعة ملايين , ونُهِبَتْ ثرواته ,واعتراف دولي بتحوله إلى المرتبة الأولى في الفساد الإداري و المالي ,وتمزيق لحمة الشعب وتقسيمه إلى طوائف و مذاهب و قوميات,وجر المنطقة بكاملها إلى حافة الصراعات والحروب ,وأمام كل هذا هنالك اعتراف واضح وصريح لمجرمي الحرب بارتكابهم لجريمة الغزو..أنها جريمة مكتملة في جوانب إدانتها.أن القائمين والمشاركين في الجريمة واضحين وقد اعترفوا بذلك وأن كل القوانين في العالم تتعامل مع المبدأ الذي يقول بأن الاعتراف سيد الأدلة. ولم تقتصر الاتهامات الكثيرة بين المجرمين أنفسهم بل إنسحبت على المؤسسات في إدارة بوش,فالنأخذ واحدة منها على سبيل المثال لا الحصر((لقد جرى تبادل اللوم بين البيت الابيض والكونغرس ووزارتي الخارجية والدفاع والاستخبارات المركزية:-


1- الرئيس الأمريكي بوش ومعه الكونغرس ذو الأغلبية الجمهورية(في فترة حكم بوش) إتهما الاستخبارات المركزية بتضليلهما بشأن أسلحة الدمار الشامل في العراق,وقد رد في حينه عليهم جورج تينيت المدير الاسبق لوكالة الاستخبارات الأمريكية بأن كبار صانعي السياسة في إدارة بوش لم يناقشوا بجدية قرار الذهاب إلى الحرب مطلقاً .ويضيف أيضا بأنه حذر مسؤولي الإدارة ولمرات عديدة من المصاعب التي ستجرى مواجهتها في احتلال العراق  و من دون جدوى.


2-  وزير الدفاع الأمريكي في عهد بوش الابن دونالد رامسفيلد قال في حينه أن الرئيس بوش لم يطلب منه المشورة مطلقاً بشأن قرار الذهاب إلى الحرب.

 
3-وزير الخارجية الأمريكي الاسبق كولن باول قال أن الرئيس بوش لم يطلب منه مطلقاً المشورة   بشأن قرار الذهاب إلى الحرب,وإنه فعل ذلك متطوعاً من دون أن يطلب منه الرئيس رأيه,ويضيف  ومع ذلك ذهبت أراؤه سدىً.


4-بول برايمر الحاكم المدني للعراق بعد الاحتلال يقول إنه عَلِمَ بعد  أشهر من الخدمة في العراق أن البنتاغون لم يكن يطلع البيت الابيض أو وزارة الخارجية على تقاريره التي كان يبعثها من العراق!


5-مسؤولين كبار سابقين في الاستخبارات المركزية قالوا أن البيت الابيض ووزارة الدفاع لفقا و بالغا في المعلومات الاستخبارية عن العراق لدعم ومساندة قرار الذهاب للحرب!!


إن هذا جزء من الحقيقة والجزء الأخر يكمن في استقالات لكبار المسئوولين الامريكين والبريطانيين ومن الدول التي ساهمت في غزو العراق..فقط أقول ماهو شعور المواطن الأمريكي وهو يطلع على التلاعب و الكذب والدجل الذي مارسوه هولاء القتلة ضد عقليتة شعوبهم وعدم احترامهم للمواطنة وإستخفافهم بثقة المواطن عندما اولاهم ثقته لقيادة بلادهم وعندما كذب عليهم والمصيبة تكون اكبر عند المواطن الانكليزي والذي جره رئيس وزرائه بلير إلى مستقع الكذب ولم يكترث بالامانة التي أعطاها له المواطن البريطاني عندما أنتخبه,فهو لم يخن الامانة فقط بل تسبب في الكثيرمن الخسارات والاحراجات لبلده,إلا يحق محكمتهم بتهم متعددة وإدانتهم على ما إقترفوه بحق شعوبهم إذا لم يكن هنالك حس إنساني تجاه ما جرى للعراق والمنطقة من هذه الأكاذيب,إنه   تسأول يجيب عليه المواطن الامريكي وقبله المواطن الانكليزي..


وألان كيف يمكن للعقلاء و المنصفين في بلدان العدوان أو من الذين شاركوا في الجريمة أو الذين كانوا يراقبون هذا الفعل الإجرامي أو حتى الذين يعيشون في بلدان عارضت العدوان,وأيضاً من العراقيين والعرب, ,كيف لكل هولاء أن يستفيدوا من دروس تستنبط من هذه الجريمة التاريخية الفريدة في حياة الأمم والشعوب  بل في الكرة الأرضية ,ولكي نكون منصفين لابد أن نذكر أن بعض االستراتيجين الامريكين قد تبنوا دراسة وتحليل الستراتيجية الأمريكية الهدامة في عهد المجرم بوش ومن ثم إعداد إستراتيجية جديدة تهدف بالأساس إلى تقليص رقعة العداء للولايات المتحدة من قبل العالمين العربي والإسلامي بسبب الأخطاء الستراتيجيةو الأمريكية في التعامل مع قضية العراق بوجه خاص وأفغانستان والقضية الفلسطينية أيضا وسياسة بوش (الفوضى الخلاقة).وقد تمثلت هذه الوقفة الأمريكية في تضافر جهود أكثر من ثلاثين من السياسيين السابقين و بعض أعضاء من الكونغرس الأمريكي وأكثريتهم من الحزب الديمقراطي الأمريكي,ومن بينهم مادلين أولبرايت(وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق)وريتشارد أري تاج(النائب السابق لوزير الخارجية)وديني روس(المنسق الأمريكي السابق لما يسمى بعملية السلام في الشرق الأوسط )وخبراء في حل الصراعات ومن الاختصاصين في الشؤون الإسلامية والمسيحية واليهودية,ووضعوا تقريراً تضمن الخطوط العامة للإستراتيجية الأمريكية القادمة(إن التقرير سبق تولي الرئيس أوباما للرئاسة الأمريكية).والذي يهم هو الجزء الخاص بإستراتيجية تحسين العلاقات مع العالم العربي والتي تعرضت للضرر البالغ في عهد بوش بسبب الموقف الأمريكي المعادي والذي تجلى في غزو و احتلال العراق ومساندة الكيان الصهيوني ودعمه في صراعه مع العرب وأن هذه الإستراتيجية قامت على ثلاثة ركائز:


1-الترويج للتحول الديمقراطي في البلاد العربية والإسلاميةوبإستخدام طرق ملائمة.
2-أقامة شراكات اقتصادية مع الدول العربية وتقوية المشتركات معها.
3-مساندة الجهود المبذولة للارتقاء بنظم الحكم وتعزيز مشاركة المجتمع المدني.


وقد صاغت هذه المجموعة من السياسيين الامريكين السابقين إستراتيجيتهم بالاعتماد على ثلاثة مصادر:


(الأول)_مبادرة مجلس العلاقات الخارجية برئاسة الوزيرة السابقة مادلين أولبرايت والذي صدر في عام 2007.
(الثاني)_تقرير ببكر هاملتون(وهو تقرير مشترك أعده الديمقراطيون و الجمهوريون).


(ثالثاً)_تقرير الرئيس باراك أياما الذي نشر في تموز/أب من عام 2008 والمتضمن جدول إعمال أسياسة الخارجية.


أن كل الفرق و اللجان والهيئات التي يشكلها سواء الكونغرس الأمريكي أو الإدارات الأمريكية في المراجعات الدورية للسياسة أو لوضع الإستراتيجيات المرحلية للولايات المتحدة تنطلق من قاعدة واحدة هي مصلحة الولاياة المتحدة الأمريكية,وكل الاصلاحات أو المعالجات المستقبلية تبنى على تجاوز الاخطاء السابقة للإدارات ولكن بدون أي نظرة أو لفتة إلى الجدية في إصلاح الضرر الذي سببته الادارة السابقة تجاه شعوب العالم ,فهي وحسب طريقة تفكيرهم تقع ضمن الخسارات المحسوبة للدفع بالسياسة الاحسن وكما هو الحال الذي حصل في العراق بعد احتلاله وما حصل للدولة اليوغسلافية من تهديم وتقسيمها إلى دويلات عرقية وطائفية,و الاضرارالتي لايزال يتعرض لهاشعبنا الفلسطيني من أذى صهيوني وبدعم أمريكي,  ,ولكن الاجتهادات أو الخطط التي تضعها أو تتبعها هذه الإدارة دون تلك تكون مبنية على الظرف الدولي وقدرة الإدارة على تحقيق مصلحة الولايات المتحدة بغض النظر عن الأذى الذي يلحق بالآخرين وهذا يعطي للإدارات اجتهادات في اتخاذ خطوات جريئة وقد تصل حد الإجرام كما هو أمر الذي حصل في غزو العراق,فإدارة بوش استطاعت إقناع المؤسسات التشريعية والشعب الأمريكي وعبر استغلال الإعلام المشبوه بأن النظام الوطني في العراق قبل الاحتلال شكل خطراً على أمن الولايات المتحدة وهذا كان كافٍ لكسبه التأييد من الكونغرس و من الشعب الأمريكي وخاصة أن أمريكا لم تكن بعد أن صحت من  الضربة المؤلمة لها في أحداث 11 أيلول في 2001وترسيخ القناعة بأن العراق يمتلك لترسانة كبيرة من أسلحة الدمار الشامل والتي قد تشكل خطراً على أمريكا وخاصة بعد إعلان العراق نجاحه في تصنيع صواريخ عابرة للقارات,وكذلك أستطاع بوش وإدارته من كسب التأييد للذهاب للحرب ضد العراق بعد ضربه للكيان الصهيوني أثناء الحرب عليه في عام 1991 وأستغل ذلك بتحويله من خطوة دفاعية إتخذها العراق للدفاع عن نفسه إلى مصدر تهديد لمصالح الولايات المتحدة وخاصة في مسألة تأمين استمرار تدفق النفط الذي يشكل حاجة ضرورية لاستمرار الحياة في أمريكا ومستغلين عدم تشجع العراق لإمداد أمريكا بالنفط وهذا يقع في الاولويات بالنسبة للفرد الأمريكي الذي يتخوف من أي ضائقة يتعرض لها بسبب الوقود. وأستغلوا موضوعة الكويت وبأخراج دقيق صورو أن النظام الوطني في العراق يشكل مصدر تهديد لأصدقاء أمريكا في المنطقة وخاصة إسرائيل وبعض الأنظمة في المنطقة.وأن استغلالهم لضروف الحرب العراقية الإيرانية وموضوعة الكويت كان استغلالا بشعاً في تهويل الخطر العراقي وتشبيهه بالعدواني.ولكنهم وبكل ما يمتلكه المارقين لم يكشفوا عن الحقيقة بأن العراق ضرب ودمر في عام 1991وفرض عليه حصاراً شاملا قطع عنه حتى الحبوب لصناعة الخبزوأستغلوا شجاعة واعتداد القيادة العراقية بتصويرها بالمتمردة على ما أسموه القوانين الدولية وقد ساهم النفوذ  وكذلك اللوبي الصهيوني في تشويه الحقيقة مستغلين وبعناية و دقة وبكل مكر ودهاء أي تصرف أو خطوة للعراق وتوصيفها لوضعها في المكان المناسب الذي هم اختاروه للاعداد لضربه والتخلص من دوره الوطني و القومي المشَرفْ والذي كان السبب الرئيسي لتصفيته.


لابد أن ندرك أن للإعلام كان دوراً أساسياً في تهيئة كل الظروف و الإمكانيات لغزو العراق ولوكأن الأمر محصوراً بأسباب امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل فإنهم يعرفون حق المعرفة بهذه الكذبة ولو كان العراق وحسب رواياتهم يشكل خطراً على جيرانه فالعراق ولغاية عام 2003 كان يعيش تحت حصار شامل وقتل 1.5 مليون عراقي وقيادته مشغولة بإيجاد مصادر للعيش الكريم للعراقيين ولكن حقيقة الأمر أن الموقف الوطني والقومي للعراق وهو تحت حصار قاتل تسبب في أضعاف الكثير من قوته وأفقده القدرة على التحرك في الوسط العربي والدولي بسبب حصار الأشرار السياسي أيضا,وهو إحدى الأهداف الأساسية من محاصرة العراق, وبالضرورة هذا يعطي دلالة أكيدة على إن العراق لا يملك أي سبب من أسباب التهديد لأي بلد في العالم.أن الحقيقة الواحدة التي لا تقبل الشك أن الامبريالية الصهيونية وعملائهم وصلوا إلى القناعة التالية إن 13 سنة من الحصار الشامل والقاتل لم يروض العراق القوي الثوري وأن الرأي العام الدولي بدء يشعر بأن الحصار المفروض على العراق لم يعد له مبرراً وأنه يحمل في حقيقته جزء من العصا الدامية للامبريالية الصهيونية لتطويع العراق وتدجينه واحتوائه وليس لاسباب أٌخرى وبالأخص الدول الأوروبية والتي سجلت أقوى دوله موقفاً( وهما فرنسا و المانيا) معارضا لغزو العراق ولأنهما أكتشفتا وبشكل متأخر إنها  المتضرر الأكبر من حصار العراق وأنها أيضا أي الدول الأوروبية تنطلق من الحفاظ على مصالحها إن هذا أرعب الامبريالية الصهيونية لان الدعوات بدئت ترتفع لرفع الحصار عن العراق,وإن نجاح قيادة العراق في ترميم العلاقات مع الدول العربية أعطى للصهيونية إنذاراً ,والاقوى منه كان التفارب السريع والقوي بين القطرين العراقي والسوري وهذا أفقد الكيان الصهيوني صوابه لأنه بالضرورة سوف تتكون جبهةعربية قوية وأول قوتها وحدة الفكر وليس أي فكر أو أيديولوجية إنه البعث قادم من دمشق وبغداد ولم يكن من معالجةذلك إلا بالاسرع بضرب العراق,ووأد هذا المشروع الوحدوي. وأن الاكتفاء بضرب العراق سيعرضها للإحراج في أيجاد مسوغات قانونية واعتبارية وقد لايفي بأغراضهما الشريرة ,إي ما هو الجديد لضرب العراق وحيث أن لجان التفتيش قامت بتفتيش حتى الأماكن السيادية والاعتبارية,ولم تجد ما يشير إلى مخالفة عراقية للالتزامات الدولية,وأن العراق عضو في الأمم المتحدة وتعرضه لضربات بسب شكوك لبعض الدول حول امتلاكه لأسلحة دمار شامل سيحول الأمم المتحدة إلى هيكل فارغ وليعدم أهمية لوجودها,

 

إذن لابد من البحث عن مسوغات يقبلها أولا المواطن الأمريكي ومن ثم العالم والمهم أن يكون كل ذلك يصب في الستراتيجية الأمريكية الجديدة ,فكانت بدعة الديكتاتورية ومساعدة الشعب العراقي في أقامة الديمقراطية ومن خلال استغلال مجاميع متضررة من إجراءات النظام الوطني في العرق وهذه المجاميع منها اللصوص ومنها القتلة و منها العملاء ومنهاالطائفين ومنها الحاقدين على القومية العربية وجمعهم الحقد على المشروع الوطني القومي في العراق(وهذا ما تأكد من خلال الاحداث في العراق بعد الاحتلال والاصطفافات الطائفية والعرقية ولغاية اليوم).وجمعتهم الامبريالية الصهيونية وحكام طهران وحولتهم وعبر وسائل الإعلام إلى ما أطلقوا عليهم بالمعارضة العراقية,وبدء الإعلام المشبوه بالترويج لإقامة الديمقراطية في العراق وهي في حقيقتها ضمن بنود وأهداف الاجندة الأمريكية الصهيونية والايرانية في المنطقة التي تريد الترويج لما سمته بالديمقراطية في البلاد العربية والإسلامية والتي بنيت على أسس المحافظة على المصالح الأمريكية في العالمين العربي والإسلامي من خلال إقامة أنظمة قائمة على ركائز الارتباط بالاجندة الاجنبية والتي ستضمن الحفاظ على مصالح الأجنبي ومن دون النظر لمصلحة المواطن أو حتى بتفاوت نسبي يتراوح في حجم المصالح بين نسب عالية لصاح الأجنبي أمام نسب محدودة للمواطن,هذه هي النظم السياسية التي يريدون أقامتها والتي تؤمن مصالحهم فقط..قد نتفق أذا كانت المشاريع تراعي أية مصلحة أجنبية ولكن على الاقل أن تكون لصالح المواطن أيضا وحسب تناسب منطقي يراعى فيها مصالحنا أولاً..

 

 

للإطلاع على مقالات الكاتب إضغط هنــا  
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الجمعة  / ٣٠ جمـادي الاولى ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ١٤ / أيـــار / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور