تأملات / قراءة متأخرة لدروس إستراتيجية

﴿ الجزء الثاني ﴾

 
 
شبكة المنصور
سمير الجزراوي

وإن هذه المجريات كان قد تم احتسابها من قبل مهندسي السياسة البريطانية التي أيضا هي بدورها لا تعرف الصدق و الوفاء ,فإنها بهذه الخطوات تركت الولايات المتحدةتغوص في المستنقع العراقي لوحدها, إنها الحسابات المادية والمبنية على المصالح فقط, وبالضرورة لم تخرج بريطانيا من العراق بدون مكاسب مادية وخاصة في مجال ألاستثمارات النفطية التي طرحتها حكومات العملاء.. 

 

بكل دهاء السياسية فان المفكر البريطاني قام بإختيار أية محاكمة صورية للقيادات التي أخذت أو ساهمت في قرار غزو العراق ,وكما هو حاصل مع رئيس ومجلس وزراء البريطاني المجرم بلير لا يعني كثيراً في مسارات الديمقراطية الحقيقية, ولايمتد إلى تحقيق العدالة ولكنها خطوات بهذا الاتجاه. إن العدالة تتطلب الإجابة على السؤال التالي هل الذي حدث بالعراق و بالمنطقة يرتقي إلى طبيعة التغير في موازين المصالح للدول الكبرى,والذي جرى لمصلحة من؟.وهل هنالك قضاء عادل قادر أن يضع الخسائر العراقية والعربية والدولية سواء المادية والمعنوية والاعتبارية بصيغة إدانات للحكم في هذه الانواع من الجرائم؟ ,المادية تشرحها أرقام بالبلايين من الدولارات,فهدم دولة وبكل مؤسساتها ومسح قاعدتها المادية ومسح كل البني التحتية لها وسرقة ممتلكاتها وثرواتها لا يمكن أن تكون خسارتها إلا في مئات التريليونات من الدولارات وهذا موضوع توضحه أرقام مأهولة إذا ما تم حسابها بدقة و أمانة,وحال الدول العربية أيضا تتحدد خسارتها بأرقام كبيرة جداً وخاصة الدول التي قدمت الدعم للغزو الأجنبي, وكذلك  هنالك دولا عربية خسرت الكثير من الدعم الذي كان يقدمه النظام الوطني في العراق قبل الاحتلال وهو في ظروف الحصار,فعلى سبيل المثل لا الحصر ما كان يتمتع به القطر الأردني الشقيق من تزويده بالنفط العراقي المدعوم من العراق والقطر اليمني الشقيق, وأيضا الشعب الفلسطيني الشقيق وثورته اللذين كان يتمتعا بدعم قيادة الحزب و الثورة في العراق ,والاهم من كل ذلك كانت الأقطار العربية تضع العراق الغني والبلد ذو الإقتصاد القوي والقائم على ثرواته الكثيرة, واليوم أصبح العراق يشكل مشكلة للدول العربية وخاصة الخليجية بسبب ظروف احتلاله,بالتأكيد تحسب خاسرات دول العالم بهذه المعايير أيضا فالمليارات التي صرفت على الجهد العسكري والذي يشمل جميع الأفعال والاجراءات العسكرية وكذلك إلى جانب التذبذب الذي لحق بالكثير من الأسعار وخاصة النفط والتي لا زالت أثارها إلى اليوم تؤثر على الاقتصاد العالمي .أما الخسارات المعنوية والاعتبارية فيكفي أن نذكر أن غزو العراق في عام 2003 الغير شرعي ولا القانوني, لم تحظى هذه الخطوة الإجرامية بتأييد دولي أو عالمي هو أكبر إهانة للمجتمع الإنساني بتجاوزدول العدوان للرأي العام العالمي. يمكن أن تكون هذه هي أحدى بنود ديمقراطيتهم التي لم نعرف إن نتعامل معها لا قبل 2003 ولا بعد احتلال,وكل من لا يقبل بديمقراطيتهم العدوانية يصنف مع الديكتاتورية .. بل بالعكس شهد العالم مظاهرات ضد إجراءات الغزو ,وهومن جانب أخر استخفاف بالقانون الدولي وبحقوق الشعوب و ضربة قوية لحرية وسيادة الدول ولولا الخوف من جبروت القوة الغاشمة الأمريكية لكان العالم كله طالب وعمل على إحالة المجرم بوش وبلير وزبانيتهم إلى محاكم بتهمة الإبادة الجماعية للبشرية وخرقهم لحقوق الإنسان واحتقارهم للأمم المتحدة كمنظمة دولية ولقيمتها الاعتبارية في العالم وخاصة أن بعض هولاء المجرمون وبعض من زبانيتهم في إداراتهم اعترفوا بلا شرعية غزو العراق وأنه بني على الكثير من الأكاذيب.

 

واهم إهانة قدمتها دول العدوان للشرعية الدولية وللعالم بأنها استخفت بعقول قادة دول العالم وأستهزئت بطريقة تفكيرهم عندما ملئت خطابات العدوان بالأكاذيب وخدعت الرأي العام العالمي بأكذوبة أسلحة الدمار الشامل وفي مقدتهم بلير وهوالذي يقول وبصريح العبارة وأثناء إستجوابه في اتحقيقات الأخيرة, أن العالم لا يسعنا مع وجود قادة العراق الإبطال وهوالسبب الرئيسي لغزو العراق! أي ستخفاف وعدم احترام للعالم؟ وأية ديكتاتورية عالمية هذه؟!                                  

                                                             
وفي العراق سيبقى جرحُ كبير وألم عظيم سوف يتذكره كل عراقي وعربي شريف وبالمهزلة والسيناريو الإجرامي في تصفية قيادات الحزب و الدولة والذي أخزى المحتل عندما تبنى مجموعة من الجهلة والمتخلفين للتعبير عن حقد المحتلين على قيادة العراق, وأقولها وبكل صراحة ووضوح أن أكثر ما أصاب الولايات المتحدة من عار بعد قصف هيروشيما و ناغازاكي اليابانيتين في الحرب العالمية الثانية هو مهزلة المحاكمات الإجرامية التي جرت بحق رموز العراق من قبل عصابات التخلف والسرقات والقتل وبهذه المسرحيات التي أخرجها المحتل الأمريكي والإيراني وقام أبدورها شلة من المتخلفين الحاقدين,وبالرغم من ذلك فان المتهمين من قيادة العراق الشرفاء في هذه المهازل تحولوا لمقاضاة الأقزام الذين وضعهم المحتل على سدة القضاء والذين لوثوا القضاء العراقي عندما اعتلوا منصة القضاء زوراً وارتدوا ملابس القضاة احتيالا .قد كان الأمر واضحا من خلال سير المهزلة والتي تعرضت للكثير من مشاهدها إلى القطع في البث المباشر و أعادة بثها بمونتاج يخفف عليهم فضيحتهم وكل ذلك سوف يتضح عندما يعود العراق معافى و صحيحاً ويعود يحكمه الشرفاء و الوطنيين ,أقول كيف تقبل دولة عظمى وتدعي التحضر والديمقراطية بأن يكون ممثلوها في مجلس الحكم و الوزارات المتعاقبة بعد الاحتلال مجموعات القتل والتخلف و الذين لا يفهمون من الحكم إلا النهب والسلب وقتل الشعب و ديانتهم التبعية للأجنبي سواء الذي جاء من الشرق أو الذي جاء من الغرب ولا يعرفون من السياسة الاالبكاء و العويل عند أقدام الأجنبي والمحتل الإيراني الذي علمهم كيف يبكون ويزرعون الحزن والبكاء عند الآخرين,ودربهم على لبس الحزن وزرع فيهم التشكيك بأنفسهم بأنهم أحفاد خونة زوراً وبهتاناً,وحملهم مأساة سادة الشهداء في هذه الأمة وحول حياتهم إلى الم وبكاء وحزن وهو فيلسوف هذه التراجيديا المتخلفة و التي تعبر عن بؤس شخصيته وصدرها لهم بمزايدة سياسية ليس دينية والتي حبست الفكر و القدرات وقتلت فيهم طموحاتهم للتطور والتقدم فأصبح لهم هذا الدجال الأجنبي مرجعية بعد كانت أُمتناهي مرجعية لكل شعوب وأمم العالم فمن أرضنا نبعت أول الشرائع ومن سمائنا نزلت أديان السماء فأي زيف للحقائق بعد هذا الزيف,وأما نحن فسوف لا نبكي شهدائنا والذين استشهدوا في سبيل قضايا الأمة العربية والإسلامية سواء كان قاتلهم حاكم أو خليفة أو أجنبي أومتشرد بائس وعلى مدى تاريخ هذه الأمة بل سَنٌحَولْ ذكرى استشهادهم إلى منابر للشعر والعلم وتقوية الإرادات ومنصات نُعَلمْ الآخرين الدين وبتواضع المؤمنين, ونرشدهم إلى الإيمان ببساطة المتصوفين,ونزرع الشحاعة في نفوس أجيالنا لنقترب بالروح من شهدائنا, ونكون نموذجاً أن شاء الرب لكل من يؤمن برسالات السماء, ونلتزم بدورنا ولن نتخلى عنه  والذي منحه رب السماء والأرض لأمة العرب,

 

ونجعل من ذكرى سادة شهدائنا في معركة الطف والقادسية الثانية وأم المعارك وشهداء الحج وكل شهيد من قيادتنا الأفذاذ وكل من سيروي أرضنا المقدسة من أبطال المقاومة العراقية البطلة في سبيل تحرير العراق و الأرض العربية إلى أعراس نفتخر بهم وبتضحياتهم وشجاعتهم ويكونون لنا رموزاً ورايات للفخر والعزة وتدفعنا ذكراهم الخالدة للثقة بالنفس وبالامة وبالقيم التي ضحوا من أجلها وعندما نكون في مسيرة الأمم والشعوب في هذه المرحلة من التأريخ العالمي ولنخلد ذكراهم بمفاخر العرب في الأدب والفن وكل نشاط إجتماعي في أقطارنا العربية.إن حال العراق اليوم كالشريف إلي فقد شرفه وانكفأ على ذاته ليبحث عنها في داخله,وكالأسد الجريح الذي وقع في شباك وتدور حوله بنات أوى تسخر من سقوطه,بعد أن كانت ترتعد في جحورها من وقع أقدامه.إن هذا ليس بتجني فيمكن لأي مراقب أن يلاحظ كل ذلك في العراق بعد الاحتلال. أعود لأقول لماذا يسمح الشعب الأمريكي والشعب البريطاني المحبين للسلام والديمقراطية والإنسانية أن يسئ إليهم و لبلدانهم إدارات حاقدة مثل بوش وبلير ويتركونهم بدون حساب حقيقي, ليبرئ هذين الشعبين الراقيين الذين عٌرفَ عنهما بودهما وعطفهما على شعوب العالم كلها, وبتضحياتهما الكبيرة  في إقامة مؤسسات لدولهم المتحضرة والمتقدمة والذي يتمنى كل إنسان أن يتعامل ويعيش في كنفها ويفتخر بها.لذلك أصبح من الضرورات التي تقتضيها مكانة هذين الشعبين الراقيين مهمة تفوق شعوب العالم الأخرى لأنهما وحسب ما عرفنا عنهما لا يرتضيان إلا بإحكام القوانين ولأجل أن يحصل التطابق بين المبادئ والسلوك عند هذه الشعوب لابد من محاكمة كل من وضع وساهم في هذه الستراتيجية العدوانية,و التي أساءت إلى هاتين الدولتين شعباً و مؤسسات ولكن بصورة جدية وشجاعة وبدون تردد ووفق قوانينهما ونحن واثقون من عدالة هذه القوانين ولكننا نحتاج إلى قضاة عادلين ويتمتعون بالشجاعة ويؤمنون بالديمقراطية حقاً. لان من مبادئ الديمقراطية الحقيقية هي الاهتمام بحقوق الإنسان وتحقيق العدالة,وأن مثل هذه التحقيقات التي تجري في إنكلترا اليوم لا تكفل حماية أي إنسان أو شعب من تكراراً لهذا النوع من الجرائم التي اعتادت عليها  مثل هذه الفلسفات الحاقدة وأيظاً تتفادى تكرار وصول هذا النوع من الشخصيات المريضة لمراكز الحكم فيهما.. وهل من العدل أن لا يُجًرمْ من ساهم في قتل و تشريد الملايين وهدم بلد بالكامل؟

 

وإذا ما قارنا المحاكمات الجنائية في نفس البلد وبقضية قد تشكل نسبة الأجزاء والأجزاء من جريمة بلير,فعلى سبيل المثل ماهوحكم أي قاضي عادل في إنكلترا تجاه مجرم قتل عشرة مثلاً وتحت ذريعة حاجته لمالهم؟هل يمكن لمثل هذا القاضي أن يبرأ المجرم بسبب حاجته للمال وبهذه الوسيلة الشريرة ,أوقاتل يسطو على بيت أمن بسبب عدم إرتياحه لصاحب العائلة ويقتل رب لبيت ويسلب الدار ويشرد العائلة ولمجرد أنه لايرضى بسلوك رب البيت أو لايعجبه !هل هذا سلوك متحضر؟ فكيف الحال إذا كانت حاجة بلير لمصادر الطاقة  لإخراج بلده من أزمة على سبيل الفرض أو لعدم إرتياحه لقيادة العراق وهذا ما قاله في إحدى جلسات التحقيق معه بشأن الحرب على العراق,أتمنى أن أحصل على إجابة  أمن أي قاضي إنكليزي عادل بمرادفات هذه القضية..  وبهذه الطريقة التي لا يمكن لأي بريطاني منصف وهو كثيرون وقد شاهدهم العالم في مسيرات الاحتجاج في شوارع لندن وباقي المدن الانكليزية قبيل الغزو على العراق الكثيرون منهم,وهل يرتضي الشعب البريطاني أن يسلم إدارة بلده مثل هذه  الشخصيات وبهذه العقد المريضة ؟؟! إذن العدالة تكون غائبة كما هي غائبة في محاكمة بلير ,وناهيك عما سببه هذا المجرم لبلده أيضا من أذى و أساء لسمعة بلده العريق .. إن جريمة غزو العراق يمكن أن نتناولها كجريمة ضد البشرية وفي طياتها تحمل الإبادة البشرية من خلال تحديد الإدانات وطريقة الإدانة وحجم وتأثيرات الجريمة.وفي تصوري إنها أحدى الدروس الأساسية والمهمة والتي تتطلب وقفة تحليلية إستنتاجية لاستنباط قواعد جديدة عند وضع الستراتيجيات ورسم السياسات لهاتين الدولتين بشكل خاص والدول القوية الأخرى بشكل عام.         

 

إني متحمس لتناول هذا الموضوع لعل الإدارة الجديدة لاوباما ومن كان يعلق الآمال على قدرة الرئيس أوباما وإدارته الجديدة أن تحدث تغيراً في مسار السياسة الأمريكية وتنجز انعطافا دراماتيكياً في رسم وتخطيط الستراتيجيات القادمة وإصلاح الإضرار التي أحدثتها الإدارات السابقة وبنفس القياسات ينطبق على بريطانيا أيضاً وهي تشهد تنافساً حاداً بين المحافظين والديمقراطيين الأحرار وحزب العمال أن استخدام الولايات المتحدة للقوة المفرطة في معالجة خلافاتها مع خصومها وخاصة بعد إنهياروزوال الاتحاد السوفيتي وإنفراد الولايات المتحدة بالعالم لترويع وتركيع وتدجين خصومها وشعور الإدارات الأمريكية بعدم تجرأ من يقف أمام سطوتها جعل سلوكها يكون تسلطياً ويصح أن نطلق عليه بالديكتاتورية وخاصة في عهدي بوش الأب وبوش الابن, وهما لم يستطيعا أن يقاوما مغريات السلطة أولاً وتبلور الظرف الدولي لصالح الولايات المتحدة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ولأنهما ضعيفا أمام القوة والإرادة اختارا طريق العنف واستخدام القوة وهو أسهل الطرق سلوكاً للوصول إلى حل النزعات مع الآخرين, وتَحَمَلَ شعب الولايات المتحدة والعالم حماقة هذين الرجلين الذين جرا العالم إلى ماسي كان من الممكن تجازوها إذا توفرت عندهما الرغبة السلمية في حل مشاكل العالم. والسؤال المهم هل يستطيع الرئيس أوباما وإدارته على تغير هذا السلوك الديكتاتوري للولايات المتحدة في تعاملها مع دول العالم وإعادة المفاهيم والقيم والسلوك الديمقراطي للإدارة الأمريكية وفي ظل ضغط صهيوني عبر أقوى لوبي صهيوني (منظمة إيباك) ونفوذ لليمين واليمين المتطرف الذين لا يقبلون بأمريكا الا وهي تقود العالم بالقوة؟إن إدارة  أالرئيس أٌوباما ومهما كانت قوة الحزب الديمقراطي ونفوذه الداعم لسياسة أوباما لا يستطيعان أن يلغيان السلوك البيروقراطي والفوقي لتوجهات بعض العقليات والزعمات وواضعي السياسات ومن أصحاب النفوذ في أمريكا والذي نَجَمَ عنه السلوك الديكتاتوري للولايات المتحدة مالم يتوجه الرئيس أوباما إلى الشعب الأمريكي مباشرة وخاصة بعد سلسة من الخطوات والإجراءات التي تخدمه وتكسب ثقته ويحصل على دعمه بدلاً من دعم أصحاب النفوذ واللوبي الصهيوني وبذلك يستطيع أوباما من فرض ثقافة جديدة لا تقوم على النظر للولايات المتحدة كقوة أعظم بل عظمى في العالم.

 

هذا إذا افترضنا أن الرئيس أوباما وإدارته والذين يدعمونه يؤمنون حقاً بالعدالة وحقوق الآخرين.

 

 

للإطلاع على مقالات الكاتب إضغط هنــا  
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الخميس  / ٢٩ جمـادي الاولى ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ١٣ / أيـــار / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور