الادمان على المفاوضات

 
 
شبكة المنصور
محمد العماري

تفضي جميع المفاوضات, سواء كانت بين أحزاب أو دول أو أفراد, الى نتيجة ما إيجابية أو سلبية, باستثناء المفاوضات التي تجريها الأنظمة العربية والأحزاب الدائرة في فلكها. وإذا حصل في مكان ما أن تستغرق المفاوضات بين طرفين أياما أو أشهرا, فان مفاوضات الحكام والساسة العرب تستغرق دهرا كاملا حتى يضيع عليهم الخيط والعصفور كما يُقال. والفرق بين المفاوض العربي ونظيره الأجنبي هو أن العربي يتفاوض من أجل الاستمرار في التفاوض, الذي يصبح بالنسبة له هدفا بحدّ ذاته ويعتبره نوعا من الانتصار! بينما الأجنبي يتفاوض بصبر وحماس وجديّة تامّة من أجل هدف واضح ونتيجة محدّدة.


فالمفاوضات التي تجريها السلطة"الوطنية"الفلسطينية مع العدو الصهيوني, والتي أصبح لها خبراء كبار ربما تحسدنا عليهم الدول الأخرى, ما زالت تراوح في مكانها منذ حوالي عقدين من الزمن. وكلّما تقدّمت خطوة الى الأمام, طبعا بعد تضحيات جسام من قبل الشعب الفلسطيني وتنازلات كبيرة من طرف سلطته في رام الله, تقهقرت الى الوراء عشر خطوات. فالكيان الصهيوني واعٍ لكل حركة ونقلة يقوم بها ولديه أهداف ثابتة وخطوط حمراء. أما سلطة الرئيس محمود عباس والحلقة المحيطة به فليس لديهم لا خطوط حمراء ولا أهداف ولا حتى تصوّر واضح عن عملية التفاوض نفسها. وحالهم حال الذي يجري لاهثا خلف سراب يتبدّد في أفق شاسع.


وقد يبدو التخلّص من الادمان على المخدرات, في حالات كثيرة, أيسر وأقلّ كلفة من التخلّص من الادمان على المفاوضات. خصوصا في الحالة الفلسطينية, والتي أصبح فيها موضوع التفاوض, مع عدو غاصب همجي وخارج عن القانون, المادة الأولى وربما الوحيدة, على جدول أعمال سلطة السيد محمود عباس وإمارته المحاصرة في المقاطعة. الى درجة أن مآسي وهموم الشعب الفلسطيني اليومية, والذي ما زال منذ أكثر من ستة عقود يقدّم الشهيد تلو الشهيد دون توقّف, إصبحت آخر ما يخطر على بال عباقرة وفلاسفة"أوسلو" وأخواتها.


ومن نافلة القول أن المفاوضات, في أي مكان في العالم, لا تجري بين قوي وضعيف ولا بين سيدّ وعبد ولا بين عميل تابع وغاز محتل لأرضه ووطنه, كما هي حالة حكام العراق الجديد, ولا بين ذليل مهزوم فقدَ حتى الغريزة الفطرية في الدفاع عن نفسه ضد المخاطر المحدّقة به وبين متجبّر متغطرس يملك كل وسائل البطش والقوة والارهاب.


إن رجال سلطة الرئيس محمود عباس يحاولون عبثا إقناع الشعب الفلسطيني والشعوب العربية معه بانهم يتفاوضون بشكل جديّ ويبذلون مساعي حثيثة بغية تحقيق إنجاز ما, سيكون باهض الثمن بكل تأكيد, بعد أن شابت رؤوسهم وتسلّل الضعف والوهن الى أجسادهم وعقولهم وهُم يستقبلون مبعوثا, من أمريكا أو أوروبا أو الأنظمة العربية, ويودّعون آخر وعلى وجوههم ترتسم علامات الخيبة واليأس والهزيمة.


وعلى ضوء ذلك لا يبدو أن ثمة أمل, من أي نوع كان, للشعب الفلسطيني المغلوب على أمرهم بوجود مثل هؤلاء الساسة لسبب بسيط هو أن الغالبية العظمى منهم فقدت, منذ زمن بعيد, أية شرعية دستورية أو سياسية أو أخلاقية لها. ولو كان لدى السيد محمود عباس الارادة والرغبة والقدرة على التحرّر من وضعه الراهن, فان أول خطوة ينبغي أن يقوم بها برأيي المتواضع جدا هو التخلّص من الحلقة"المفرغة" التي تحيط به, من رجال أكل الدهر عليهم وشرب عشرات المرات.


ولا يبدو أمر حكام المنطقة الخضراء في بغداد المحتلّة مختلفا كثيرا عن رفاقهم في السلطة"الوطنية"الفلسطينية , خصوصا وإن الاحتلالين, الأمريكي والصهيوني للعراق وفلسطين, يمثلان الوجه البربري البشع للامبريالية الصهيوأمريكية التي تريد فرض أرادتها على الشعوب والدول المستقلّة بالحديد والنار والحصارات الجائرة.

 

وإذا كان رجال السلطة الفلسطينية يدورون في فراغ المفاوضات القاتل ويجدون أنفسهم دائما في نفس نقطة الانطلاق, فأن رفاقهم في بغداد المحتلّة, طبعا مع بعض الفررق والاختلافات, أبلوا بلاءا حسنا في مفاوضات الكل مع الكل دون أن يتقدّموا شبرا واحدا الى الأمام.


وطبيعي أن يكون الفشل الذريع نتيجة أية مفاوضات عندما تكون الرؤيا شبه معدومة والنوايا غير صادقة ومصالح الوطن والمواطن تحتلّ المرتية الأخيرة في إهتمامات أصحاب الشأن, الذين لا يرون من دنياهم شيئا غير المنصب الكبير والكرسي الوثير. ولذا فاننا لا نستغرب ولا نُصاب بالدهشة عندما نرى ساسة المنطقة الخضراء, رغم كل ما توفّرت لهم من إمكانيات هائلة لحكم البلاد, يهيمون على وجوههم في وادي المفاوضات الحالك الظلام. ولو كان همّهم فعلا المصالح الوطنية للعراق وشعبه لحسموا أمرهم في بضعة أيام, كما حصل مؤخرا في بريطانيا.

 

مع إعتذاري الشديد طبعا على هذه المقارنة.

 

 

للإطلاع على مقالات الكاتب إضغط هنــا  
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الخميس  / ٠٦ جمـادي الاخر ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٢٠أيـــار / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور