البعث في العراق واستراتيجية المواجهة على مر التاريخ

 
 
شبكة المنصور
صرخة قلم يطلقها : سعد فوزي رشيد

بعثٌ تشيده الجماجمُ والدمُ ... تتهدمُ الدُنيا ولا يتهدمُ
  لما اعتنقنا البعث كنا نعلمُ  ... أن المشانق للعقيدة سُلَمُ


البعث ومنذ بواكير نشأته اتخذ مبدأ المواجهة المعلنة ضد أعداء الأمة، ولم يداهن أو يساوم أو يتخذ مبدأ الالتفاف والمراوغة، ولم يعتمد أسلوب الطعن بالظهر وتكتيكات مخابراتية، فهو صاحب مبدأ وأهداف واضحة منذ انطلاقته الأولى، فلو عدنا إلى تاريخ البعث قبل ثورة تموز 1968 لوجدنا أن طلائعه شاركت بصورة علنية في حرب 1948 في فلسطين، بل إن حتى محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم لم تكن بتوجيه مباشر من القيادة العليا للحزب آنذاك، بل جاءت وفق تخطيط خلية من خلايا الحزب دون توجيه القيادة، وعلى الرغم من ذلك فإن عملية الاغتيال تم تنفيذها في وضح النهار وأمام الجماهير دون تستر أو تخفي، أي إنها عملية واضحة وبمواجهة معلنة، ولم تكن عملية خطف وقتل في دهاليز مظلمة، لأن البعثيين لا يخشون المواجهة، ولا يعرف منهجهم استراتيجية التخفي.. واستمر حال البعث في المواجهة قائماً حتى قيام ثورته البيضاء عام 1968، عروس الثورات التي استطاع البعث من خلالها استلام السلطة رسمياً في العراق بعد نكسة 1963.


البعث منهجه ثابت لا تشوبه أية شائبة في موقفه المعلن من قضايا أمته العربية، خاصة تجاه قضيته المركزية فلسطين، وموقفه الثابت والمعلن بعدم اعترافه بالكيان الصهيوني الغاصب وبأن (إسرائيل) دولة.. وعلى الصعيد ذاته من موقفه تجاه قضايا الأمة، فقد شارك البعث رسمياً وفعلياً من خلال قيادته في العراق التي سارعت بإرسال جيش العراق الأبي ليقف إلى جانب أشقائه السوريين في التصدي للعدوان الصهيوني عام 1973، ولم يكتفِ بمجرد دعم لوجستي تحت الغطاء لسورية الشقيقة.


وعندما بدأت حكومة طهران في مطلع الثمانينيات من القرن المنصرم بتجاوزاتها على الحدود العراقية، إضافة إلى محاولاتها زعزعة الأمن العراقي من خلال استهدافها لعناصر في القيادة العراقية وتفجيرات الجامعة المستنصرية وما تبعها من اعتداء من داخل السفارة الإيرانية في بغداد على مسيرة تشييع شهداء الجامعة المستنصرية، لم يرد البعث في العراق بمثل هذه الأساليب الملتوية التي تتبناها إيران منذ نشوء حكم الملالي فيها وحتى يومنا هذا، فالبعث لم يرد على تفجيرات إيران في العراق بتفجيرات مماثلة داخل إيران، وإنما واجه إيران عسكرياً بصورة مكشوفة بعد أن نفد صبر العراق جراء التجاوزات الإيرانية.. كذلك تعامل البعث مع قضية الكويت بعد تجاوزات حكومة آل صباح على الآبار العراقية وسرقتها للنفط العراقي في البصرة، ثم محاولاتها ضرب الاقتصاد العراقي بتخفيض أسعار بيع برميل النفط في الوقت الذي كان فيه العراق بأمس الحاجة إلى استقرار أسعار البيع كونه خارج من حرب دامت ثمان سنوات يدافع فيها عن الجناح الشرقي للأمة العربية ضد الأطماع الفارسية.. تصرفات حكومة الكويت المستفزة آنذاك لم تدفع البعث في العراق للقيام بأعمال مخابراتية لإسقاط حكومة آل صباح، ولم يستخدم أساليب ملتوية من خلال تفجيرات أو اغتيالات وما شابه ذلك، لأنه لم يعتمد هذه الاستراتيجية أبداً، بل اعتمد مبدأ المواجهة العسكرية العلنية في توجيه صفعة تأديبية لآل صباح جراء تطاولهم على العراق يومها.


ونعود هنا قليلاً إلى الوراء لنذكّر بأسلوب الطعن من الظهر الذي استخدمه الكيان الصهيوني في قصفه لمفاعل تموز العراقي أثناء انشغال العراق بالحرب مع إيران، إلا أن العراق خلال معركة أم المعارك الخالدة قام بقصف (إسرائيل) علناً وبصورة رسمية ولم يستخدم الأسلوب الملتوي ذاته الذي استخدمه الكيان الصهيوني معه.


أما صفحة الغدر والخيانة التي تلت انسحاب الجيش العراقي من الكويت، والتي يُطلق عليها العملاء تسمية (الانتفاضة)، فقد عالجها البعث بصورة معلنة وصريحة، ولم يفتعل تفجيرات في المدن التي طالتها أيادي الزمر المخربة القادمة من إيران، ولم يرسل إلى تلك المدن فرق اغتيالات لمعالجة الوضع بهدف إظهار الصورة وكأنها حرب عصابات اقتتلت فيما بينها وليس للبعث يد فيها، بل كانت المعالجة لصفحة الغدر والخيانة بفرض سيطرة الجيش العراقي بصورة علنية على جميع المدن التي استطاعت عناصر إيران الوصول إليها، واقتلاع تلك البذرة الفاسدة من أرض العراق قبل أن تنمو.


أما احتلال العراق وما بعده من أحداث، أثبتت مصداقية البعث ووجهه الناصع في جميع مواقفه، فقيادة البعث في العراق كانت صادقة مع هيئات التفتيش الدولية حول أسلحة الدمار الشامل وبأن العراق لا يمتلك تلك الأسلحة، لأن البعث لا يعرف المراوغة والخداع، ولا يسلك الطرق الملتوية لتحقيق أهدافه، بل هو واضح وصريح ومباشر كما قالها علناً الشهيد القائد صدام حسين في إحدى المرات، عندما أوضح بأنه لو أراد أن يراوغ سياسياً في السلك الدبلوماسي كباقي الأحزاب السياسية لاستطاع ذلك، لكنه لم ولن يفعل ذلك لأن الحق يحتاج إلى قول وفعل مباشر كي يُفهم.


البعث لا يعرف الخفاء، لذلك كانت قيادته بين الحين والآخر تقوم باستعراض قواها بصورة معلنة، من خلال الاستعراضات العسكرية للجيش العراقي الباسل بكافة صنوفه وأسلحته، فهو لم يكن يخشى أن يعلم الأعداء مدى قوته، ولم يخفِ شيئاً عن المفتشين الدوليين وقد أثبت الزمان هذا كما أشرنا سابقاً.


إن سياسة المراوغة والاحتيال والتخريب، ليست من ضمن استراتيجية البعث ولم تكن على مدى تاريخيه العريق بالمواقف الثابتة الصلبة، فهذه الأساليب الملتوية الغادرة نراها على مر التاريخ في أجندة الصهاينة والصفويين، وقد ذكرنا أمثلة كثيرة عن هذا الأمر ومنها قصف مفاعل تموز، وتفجيرات الجامعة المستنصرية، وصفحة الغدر والخيانة وما احتوته سطورها من قتل وحرق وتخريب، نراها ذاتها في العراق اليوم، ويتم إلصاق التهمة بـ(البعث الصدامي) على وفق تعبيرهم الساذج هذا، وكأن الشعب العراقي لا يعلم الفرق بين تاريخ البعث واستراتيجيته في المواجهة، وبين تاريخ الصهيونية العالمية والصفوية الفارسية واستراتيجيتهما في الغدر والطعن وعدم المواجهة.


ولكي لا نذهب طويلاً في تصفحنا للتاريخ، دعونا نقف اليوم عند صورة حية تؤكد استراتيجية البعث الصامد في المواجهة، وهي تلك الصورة المشرقة التي نراها متمثلة بأبطال المقاومة البواسل الذين يقاومون المحتل تحت راية القيادة العليا للجهاد والتحرير والخلاص الوطني، فلم نسمع أو نشاهد أية عملية لإحدى فصائل هذه القيادة تكون عبر سيارة مفخخة أو تفجير انتحاري أو استهداف مدنيين، بل كل إصداراتهم المرئية تشهد عمليات مواجهة بطولية ضد الاحتلال الغاشم.


هذا هو البعث، وهذه هي استراتيجيته الثابتة في المواجهة، لم تتغير مهما دار الزمان وانقلب ولن تتغير، ويبقى رفاقه الميامين على ثباتهم في التحدي والمواجهة مهما عصفت عليهم رياح الغدر، ونعقت ضدهم غربان الشر.

.
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الثلاثاء  / ٢١ ربيع الثاني ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٠٦نيسـان / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور