الخداع الإيراني للسعودية وللعرب

 
 
شبكة المنصور
أ.د. كاظم عبد الحسين عباس - أكاديمي عراقي
اشتغلت الحوزة الإيرانية في النجف لسنوات طويلة تمتد إلى ما قبل الشاهنشاهية، بوسائل لا تعد ولا تحصى سياسية واقتصادية واجتماعية ودينية طائفية، لكي تصل إلى اللحظة التي تستولي فيها على العراق وتضمه إلى مشروع الدولة الطائفية الشيعية تحت إمرة الولي الفقيه الإيراني، والى أن أتتها الفرصة بالاتفاق مع أميركا على غزو العراق واحتلاله واستلام زمام الحكم تحت الإدارة الأمريكية العسكرية والمدنية حيث التقت أهداف الطرفين في إسقاط التجربة الوطنية والقومية العروبية الثورية التقدمية البعثية في العراق والتخلص من قيادته التاريخية التي هيأت أعظم فرصة للعراق والأمة للنهوض والتقدم في كل مناحي الحياة. واليقين إن تعاون الحوزة ومرجعياتها مع الاحتلال الأمريكي لم يأت من باب العمالة لأمريكا ولا من باب المحبة لوجه أميركا، بل لانجاز المشروع الطائفي الفارسي ولاستكمال مسيرة التخطيط الطويل لإسقاط العراق في أحضان الدولة الطائفية الفارسية بعد تخطي العقبة الكأداء التي مثلتها الدولة الوطنية العراقية وقواها المناهضة والرافضة والمناضلة ضد المناهج الطائفية والعرقية المدمرة. بكلمة أخرى إن تعاون الحوزة المعلن والمكشوف مع الاحتلال الأمريكي يهدف إلى ترويض الأوضاع المستجدة بعد الغزو والاحتلال والتعاطي معها على إنها مرحلة عابرة, مهما طال اجلها, ستنتهي بالسيطرة على العراق وإسقاطه في شباك ودوائر المشروع الإيراني. لقد كانت دعوة السيستاني إلى الانتخابات في شهور الاحتلال الأولى تحت غطاء منح الديمقراطية للعراقيين في تقرير نوع الحكم والحكام ودخوله المباشر في تقرير الاتجاهات العريضة للدستور بما يخدم ذات المخطط الإيراني ودعوته العلنية والضمنية إلى تجنب ضرب القوات الغازية تحت ذريعة حقن دماء العراقيين، هي كلها محطات في تنفيذ المخطط الفارسي الذي ادخله الغزو الأمريكي إلى حيز التنفيذ بقيادة السيستاني والأحزاب التابعة للحوزة والتي اشتغلت الحوزة ومرجعياتها للوصول إليها منذ عشرات السنين, وقد كتبنا عنها عندما كانت مثل هكذا كلمات تضيع في خضم الموج الإعلامي المتلاطم لفترة ما بعد احتلال بغداد ولكنها صارت الآن تجد آذانا صاغية بعد تكشف وتهتك أسرار وخفايا المشروع الحوزوي الفارسي.


إذن الانتخابات هي وليد من رحم الاحتلال وبتخريج طائفي تبناه السيستاني والحوزة. ولا يحتاج الإنسان إلى كثير ذكاء ليعرف إن جند الحوزة والمرجعية الذين سحلتهم قوافل الغزو وراءها والمتعاقدين الآخرين مع مشروع الغزو والاحتلال هم مَن ستدور حولهم رحى الانتخابات ولا احد سواهم ولا سوى أجنداتهم العرقية والطائفية وبهذا ضمَنَ السيستاني إعطاء نوع من القبول الشعبي والمشروعية السياسية لأزلامه وشركاءهم من الخط الثاني لأهمية الحضور السياسي في مرحلة ما بعد الغزو مثل الحزب الإسلامي العراقي والذين لا يشكلون أي خطر على فيَلة المشروع الطائفي _ العرقي الإيراني الكردي، بل هم في واقع الحال جزء من عجلة الاحتلال. وجوه وهويات مزوّرة العراقية تحركها أجندات الطائفية الإيرانية هي التي تعاقدت مع الغزاة وبقيادة المرجع السيستاني، وهي التي دحرجت العملية السياسية تحت الإشراف الأمريكي وحمايته لتوصل العراق إلى حالة الأمر الواقع الطائفي. وحيث سيطرت الأجندة الطائفية _ الكردية يصير أمام الخط الثاني من عملاء التعاقد الاحتلالي واحد من أمرين أحلاهما حنظل:


1- التعاطي مع الواقع الطائفي العرقي بمسايرته وقبول أي فتات يهبه هذا الواقع ليسمي الحكومة حكومة شراكة أو محاصصة لا فرق وربما يسميها تمويها وزورا حكومة وحدة وطنية. الخط الثاني هذا وقع في المنطقة الرمادية التي يمكن من خلالها تظليل شعبنا ليوصف بأنه خط وطني.


2- الخروج من المولد التعاقدي المذل بلا حمص ونحن واثقون بان هذا الاحتمال هو الأرجح كما قلنا مرارا وتكرارا لان خطة الغزو والاحتلال تقتضي باستلام الحوزة وجندها الإيرانيين ومعها الأحزاب العرقية الكردية المجرمة.


في كل الأحوال يستمر نفَس الصبر والمطاولة الحوزوي الفارسي يسير الأحداث بالمباشر أو بغير المباشر وتحت غطاء الاحتلال ومنح المشروعية للعملية السياسية وفرض الأمر الواقع على العراقيين بالقتل والتجويع والتهجير والإقصاء والمداهمات والاعتقالات والتغييب.


سقطت معظم الأنظمة العربية في شراك مخطط الغزو الإيراني _ الأمريكي _ الصهيوني بعد أن أرغمت القيادة العراقية على مواجهات دفاعية واستباقية لا يمكن لأية قيادة وطنية ذات قضية قومية وعقيدة سياسية تحررية كريمة عزيزة مؤمنة إلا أن تتصدى لها. ومعلوم أن كثرة المؤامرات والمواجهات والتدخلات التي توضع أمام عجلة أية قوة ثورية وثورتها يمكن أن تقود إلى قرارات ملجئة وأخطاء طبيعية لا يمكن حث السير إلى الإمام من دون الوقوع بمثلها مع حالة التحفز والطوارئ لكي لا تسقط وتتراجع التجربة الثورية التقدمية برمتها حيث انتمى للدفاع عنها مَن عشقها مؤمنا محتسبا وقدم التضحيات الجسيمة ليظهرها ويكرس وجودها وحيويتها، ألا وهي عقيدة التأسيس لفكرة القطر العربي المحرر المنطلق نحو غايات وأهداف الأمة الواحدة. لقد أذعنت معظم الأنظمة العربية لضغط أميركا وحلفاءها وتعاونت وقدمت الدعم بأشكال مختلفة ومن بينه توفير الأرض والمياه والأجواء العربية لوأدها.


تبين للأمة كلها وللعالم إن الغزو والمتعاقدين معه وفي مقدمتهم الأحزاب الإيرانية قد دمر العراق ومزق وحدته البشرية والجغرافية لإضعافه كدولة وتحويله إلى ضيعة ذليلة تابعة لإيران، ويسير تدريجيا نحو فقدان هويته العربية. ورغم مرارة الحلقوم العراقي العروبي المسلم من الدور الرسمي العربي في القبول والتهيئة والإسناد للاحتلال بهذه الدرجة أو تلك من قبل الأنظمة العربية المختلفة وخاصة الأقطار المجاورة للعراق، فان أي تطور في الموقف العربي من الشأن العراقي يمكن النظر إليه ايجابيا إذا كان الهدف منه إنقاذ هوية العراق العربية ووحدة أراضيه وشعبه وإعادة سيادته المسلوبة.


هذه الأهداف المرجوة للعرب في العراق لايمكن أن تتحقق عن طريق التعاطي مع الاحتلال وسياساته وعملاءه لان هكذا تعاطي لن يثمر شيئا سوى منح المشروعية للعملاء وعمليتهم السياسية الإيرانية وان على العرب إن أرادوا حقا الدخول في برنامج إنقاذ العراق أن يتحركوا بالاتجاهات الآتية:


1- تقديم الدعم المادي والمعنوي, السياسي والإعلامي للمقاومة العراقية باعتبارها ممثلا لشعب العراق والمنقذ الوحيد لعروبته وإسلامه ووحدة شعبه وأراضيه والقوة الوحيدة المؤهلة لاستعادة سيادة العراق.


2- قطع الطريق على زبانية الاحتلال وأدواته المدنية وعمليته الاستخبارية وعدم السماح لهم بأي حال من الأحوال اكتساب أي قدر من المشروعية .


إن الجولات الأخيرة لبعض أقطاب وأطراف العملية السياسية الاحتلالية وخاصة المراهقين عمار الحكيم ومقتدى الصدر إن هي إلا مؤامرة إيرانية تهدف أولا إلى تسويق هذين العميلين على أنهم قادة وإنهم قادرين على الانفتاح على بيئة العراق العربية التي سرقوه منها واختطفوه بيد الأمريكان وإيران والصهيونية. إن حقيقة هذين المجرمين هي أنهم واجهات إيرانية وجزء لا يتجزأ من مشروع التمطط الطائفي الإيراني فضلا عن كونهم هم وميليشياتهم وأحزابهم أدوات إجرامية بيد الاحتلال المركب وجزء خطير من خطة إنهاء عروبة العراق والحاقة بدولة أو إمبراطورية فارس المغطاة كذبا وزورا بوزرة المذهب والدين.


لم يتجه الحكيم وتيار مقتدى والطالباني وغيرهم إلى الرياض إلا بعد إن استلموا تعليمات وتوجيهات وتفاصيل اتجاه الحوار ومحاضر جلساته تفصيليا من طهران. هذه حقيقة لا غبار عليها، وعلى السعودية شعبا وقيادة إن تنتبه إلى مخطط إيران في زجها كمعادل طائفي لتعطي الشرعية للكفة الأخرى في ضفتي الطائفية أي إيران. ومثل هكذا إقحام للعرب عموما وللسعودية خصوصا ( التي سوقت أصلا إلى العالم على إنها قائدة العالم الإسلامي السني )، وبعد سبع سنوات من الاحتلال البغيض المدمر قد يكون خطوة متقدمة باتجاه تنفيذ برنامج الفدرلة. إن الظروف التي أفرزتها مرحلة ما بعد مهزلة الانتخابات ومازالت تتشكل وتنمو كلها توحي باقتراب تنفيذ جريمة فدرلة العراق. ونحن لا يمكن أن نقبل للعرب أن يكونوا بهذا الشكل أو ذاك جزءا من خطة تفتيت العراق، فهكذا جريمة لن تكون مبررة ولا مسوغة حتى أمام رب العزة على ذات الطريقة التي برروا فيها شراكتهم في مخطط الغزو والاحتلال، وهي لا تشبه بأي حال من الأحوال جريمة مشاركتهم بغزو العراق تحت المسوغات والمبررات ألمعروفة والتي سوقها النظام الرسمي العربي لاحتلال العراق واقنع كيانه والعالم بها. لقد قالوا أنهم ضد النظام العراقي العربي القومي الوطني الذي أسقطوه ... فماذا سيقولون لو شاركوا في تقسيم العراق ... العراق أبقى من كل الأنظمة وأسمى من كل السياسات فانتبهوا يا عرب ويا جلالة المملكة العربية السعودية.


إيران تدعم علنا أحزابها وميليشياتها ومخابراتها في العراق بغرض تفريسه، ومن يريد أو يدعي انه مع عروبة العراق عليه أن يدعم الجهة الوحيدة الضامنة لهذه العروبة وهي المقاومة العراقية البطلة.

 

aarabnation@yahoo.com

للإطلاع على مقالات الكاتب إضغط هنــا  
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الخميس  / ٠٨ جمـادي الاولى ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٢٢ / نيسـان / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور