المؤامرة على الأمة والإسلام حقيقة أم أوهام ، دراسة علمية تاريخية لمؤامرة التشيع الفارسي

﴿ الجزء الخامس

 
 
شبكة المنصور
حــديــد الـعـربي

الفصل الثاني

المؤامرة الكبرى

 

لم يكن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وحاشاه أن يكون {مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}(1) وهو أحد أوعية القرآن الكريم، كتاب رب العالمين، وأحد منابت علمه، والسابق إلى الإسلام، وأقرب قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والناشئ على فضائل خلقه وفي كنفه منذ الطفولة.

الحريص أشدّ الحرص على اجتماع الكلمة ولم الشمل حتى لقي ربه، وهو التقي النقي الورع، وأقضى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، المواصل لمسيرة الزهد والعدل.

 

فلم يكن الذين شايعوه برأيهم المجرد من كل الأغراض والأهواء ونوايا السوء بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مما لا يخرج عن الإجماع وعن مفهوم الشورى ووفق قيم الإسلام وثوابته، فالصديق كان هو الآخر قد شايع غيره من الصحابة في اجتماع السقيفة حينما رشح لهم عمر بن الخطاب وأبو عبيدة عامر بن الجراح، ولم يكن في ذلك بأس أو خروج عن الجماعة، بل هي الشورى بعينها.

 

ذلك إن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام كسائر صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم السابقين لم يكن في سلوكه إلا من أشد المتمسكين بالجماعة ووحدة الصف، فكان خير عون وسند لإخوانه الذين سبقوه إلى ولاية أمر المسلمين، يشاورهم، ويقضي لهم، ويخلف على عملهم، ويحرص على حياتهم، ويسدي لهم النصح والرأي، رغم انه كان يجد في نفسه ما يؤهله لأن يكون وليا للأمر، وهو جدير بذلك، وكيف لا يرى ذلك في نفسه، أو يراه غيره فيه، وهو على ما هو عليه من سابقة وعلم وشجاعة وتقوى وعدل واستقامة واقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم؟

 

وإن كان لا يبعد في هذا كثيرا عن إخوانه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان كثير منهم مدارس في التفرد والإعجاز، مهاجرهم وأنصاريهم، حرَّهم وعبدهم، أبيضهم وأسودهم، غنيّهم وفقيرهم، فكانوا النخبة والصفوة حقا، وكان كل واحد منهم يشرِّف الإمارة ولا يشرف بها، يعلوها ولا تعلو عليه، وكيف لا يكونوا كذلك وقد قال الله تعالى فيهم { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ }(2) وحق لتلك المدرسة المحمدية أن يخرج من أولى صفوفها نخبة زانت دنيا الإسلام بعلمها وإيمانها وتقواها وحسن أدائها، وإلا فأي عصر وأي صف يُرتجى أن ينجب أمثالهم؟

أليسوا هم من بشرهم الله تعالى ورضي عنهم، أولئك الذين خاضوا غمار بدر الكبرى، فخصهم الله تعالى ببشراه { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ }(3) والذين أربحوا تجارتهم مع الله تعالى في بيعة الرضوان، فقال فيهم جلَّ في علاه { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً }(4)

 

ولم يكن موضوع ولاية أمر المسلمين أو الحكم مدعاة للاختلاف في حقيقته، فهو أمر أراده الله تعالى هكذا، فيه من الصعاب ما يجعل القائمين عليه على جانب كبير من الحيطة والحذر والتحسب، لخطورة نتائجه لو أسيء استخدامه.

 

والشورى مهمة خاضعة لقوانين التطور وفقا لمراحل التكوين الاجتماعي والرقي الحضاري، على خلاف أسس وأركان الدين، فالتوحيد والعبادات ليست خاضعة بمعناها العام والخاص لقوانين التطور، لأنها تتسم بالثبات والرسوخ، وعدم القدرة على التحول أو التبدل، على عكس ولاية الأمر أو القيادة السياسية فهي تخضع لمؤثرات متعددة ومختلفة، وتتطور أساليبها ووسائلها وفقا لمتطلبات الحياة والظروف التي تتحكم في شكلها ومضمونها، وهي على أقل تقدير تختلف في شروطها المرجحة، باستثناء شروط الإيمان والقدرة والكفاية من ظرف إلى آخر، فقائد الحرب مثلا قد لا يصلح لقيادة السلم، وقائد مرحلة التكوين قد لا ينجح في قيادة مرحلة النماء، وهكذا.

 

ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حدد شكلا مقننا أو أسلوبا محددا لنقل الولاية قبل وفاته، لربما صار الناس فيما بعد إلى الضيق والحرج، لأن ذلك كان سيصبح سنة واجبة الأخذ بها، والخروج عليها بدعة.

فلو جعلت وراثة مثلاَ وانقطع فيما بعد نسل الوارث، كما حدث في تاريخ الملوك والممالك مرات عديدة، فماذا كان سيفعل العرب المسلمين؟

 

ولو جعلها بالتعيين والوصية، أي تسمية شخص بعينه، لما صح غيرها، ولأوصى كثير من الحكام، كما حدث في تاريخنا العربي الإسلامي مرات ومرات بعد الخلافة الراشدة، لمن لا يستحق شرعا أو منطقاً ولاية ولا حكما، بل قد تنتهك حتى ثوابت شروط التولي من إيمان وقدرة وكفاية، ولنا في المناظرة التي تمت بين وفد الخوارج والخليفة الرائع عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه عام مئة هجرية ما يؤكد تلك المخاوف بل ويجعلها حقيقة واقعة،  فقد قال اليشكري، وهو مندوب شوذب الخارجي للخليفة عمر: " أرأيت رجلا ولي قوماً وأموالهم فعدل فيها ثم صيَّرها بعده إلى رجل غير مأموم أتراه أدى حق الذي يلزمه لله عز وجل أو تراه قد سلم؟ فقال عمر: لا. قال: أفتسلم هذا الأمر إلى يزيد - يريد به يزيد بن عبد الملك - من بعدك وأنت تعرف أنه لا يقوم فيه بالحق؟ قال: إنما ولاه غيري والمسلمون أولى بما يكون منهم فيه بعدي، قال: أفترى ذلك من صنع من ولاه حقاً فبكى عمر..."(5) فما أبكى الخليفة عمر إلا هذا الوهن الذي وقعت فيه الأمة نتيجة الاستخدام الخاطئ للتولي؟ تلك الدموع الشريفة التي اختطت في الأرض جرحا انسكبت فيه دموع العرب المسلمين فيما بعد حتى صارت وديانا.

 

وحينها كانت سنة النبي صلى الله عليه وسلم ستتهم، وكذا الحال مع أي نمط أخر أو اسلوب لنقل ولاية أمر المسلمين من شخص إلى آخر.

 

وهو بذلك صلى الله عليه وسلم لم يترك المسلمين هملاً، ولم يسلمهم للخلاف والفرقة، ولم يكلهم إلى نفوسهم، كما توهم البعض، بل أوكلهم لشرع الله وأمره، { وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}(6).

 

فنظام الشورى كمنهج عام يتيح التعامل معه وفقا لمتطلبات الحياة ومستجداتها دونما تفريط بثوابتها، وتلك هي العدالة بعينها، خاصة وان الإسلام وضع للشورى ضوابطها وشروطها العامة في صفات المؤمنين، حيث بينها الله تعالى في كتابه العزيز، وأوضحها النبي محمد صلى الله عليه وسلم بسنته الشريفة، وكل من حاز صفات الإيمان قادر على أداء مهمة الشورى والقرار فيها، بما يضمن حقوق العباد وسياستهم وفق شريعة الإسلام، فالمؤمن من وحد الله وشهد برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وأخذ بحكم القرآن وسنة النبي، أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، حلل حلاله وحرم ما حرم الله، وصدق، وأحب لأخيه ما أحب لنفسه، عدل واستقام، ولم ينافق، وقبل ذلك كله طهر روحه وأمكنها من تطويع العقل والغرائز لإرادتها.

 

ولم تمتحن الأمة في هذا الأمر في بداية عهدها، ولم يحدث شيء من هذا على عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين، فكل ولاياتهم أحكمتها الشورى، حتى تولي عمر بن الخطاب، فهو لم يعيّن من قبل الصديق بمعنى التعيين، لكنه كان ترشيحا أخضعه للشورى الحقّة، وذلك جانب من جوانبها، فهو لم يكن تعيينا أجبر عليه المؤمنين، بل كان رأي استصوبوه دون قسر أو إجبار من أحد حتى الخليفة ذاته.

 

والذي حدث فيما بعد للمسلمين لم يكن بسبب الشورى، بل هو بسبب مفارقتها إلى سبيل آخر، فقد طمع الناس، وبرروا أطماعهم بالاختلاف، فالمرحلة التي سيطرت فيها الروح وأخضعت فعل العقل والغرائز لقوانينها الصحيحة، قوانين الفطرة، على عهد النبي الكريم وخلافتي الصديق والفاروق، شهدت انسجاماً وتلاحماً بين الأمة وعقيدتها، فيما شهدت السني الأخيرة من خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه تراجعاً تدريجيا لهذه الهيمنة والسيطرة نتيجة الضغوط الكبيرة من العقل والغريزة بهدف التحرر والانفلات من فطرة الروح، وذلك نابع أصلاً من دوافع خزين الإرث الجاهلي المستقر في خبايا نفوس بعض المسلمين وزواياها المظلمة، الإرث الذي تشكل بعيداً عن الفطرة، بعد أن تشيطنت العقول وتحيونت الغرائز، خلال العهود التي استحوذ الشيطان فيها على أغلب مضارب العرب، فحرفهم من الحنيفية السمحة، دين أبويهم إبراهيم وإسماعيل، إلى عبادة الأوثان، وبخاصة من الذين لم يكن إسلامهم اختياراً صعباً، بل من الذين أسلموا بفعل عقولهم وليس أرواحهم خلال السنوات التي بدأ العقل يحسب للإسلام والمسلمين حسابه، قبيل الفتح وخلاله وبعده، وهذا ما يفسر لنا سبب عدم تراجع الروح أمام العقل والغريزة لدى الصحابة الأوائل، من المهاجرين والأنصار، وعلى ذلك شواهد من التاريخ كثيرة جداً، لمن يقرأ التاريخ ببصيرة واعية، فكم من الأنصار وقف بوجه أبرز مقدميهم و أشرافهم سعد بن عبادة حينما دعاهم لمبايعته في سقيفة بني ساعدة حين شعروا بأن ذلك سيشكل خطراً على وحدة الأمة؟ وكم كان عدد الذين تطهرت أرواحهم بالإسلام من أمثال الصحابي عُويم بن ساعده الذي قيل كان فيمن نزلت فيهم الآية الكريمة: { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}(7) والصحابي معن بن عدي، الذي قال قوله المشهور: " لكني والله ما أحب أني متّ قبله حتى أصدقه ميتاً كما صدقته حياً"(8) حينما سمع من يقول ياليتني مت قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم خشية أن يفتن، وكم كان من مثل سهيل بن عمرو وهو حديث عهد بالإسلام وليست له سابقة، رقَّت روحه وأيقنت يوم أوفدته قريش ليعقد صلح الحديبية مع رسول الله ليسري بعد ذلك في جسده وعقله مما رآه من رسول الله وأصحابه من نور وسكينة أسبغها الله تعالى عليهم ببيعة الرضوان، ما نفى عنه كل إرثه من خبايا نفسه حتى أسلم، فصدق إسلامه، ووقف وقفته المشهودة يوم أرادت قريش الردة عن الإسلام كغيرها ممن أسلم بعد الفتح حال وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فردهم إلى الصواب.

 

أما الخليفة عثمان بن عفان فلم يكن من الذين نبّت في أعماقه مخلفات الجاهلية، أو غمزته الدنيا فهام بمفاتنها، وحاشاه أن يكون كذلك، وهو المتطهر منها منذ أسلم فكان من السابقين للإجابة، لكنه لا يملك كل خصائص القيادة التي امتلكها من سبقه، فنفذ إليه أهل الدنيا ممن أسلموا، متوسلين بصلة الرحم التي أوصى بها الله على غير محملها، وملكوا عليه أمره، ساعدهم في ذلك ما فيه رضي الله عنه من لين ومزيد حياء، وشتان بين نواياه ونواياهم، فأغشوا على بصره أن يرى أو يسمع حتى استحكمت الفتنة وسرى فعلها، وإن كانت هذه الفتنة قد اقتفت آثار أقدام المجوسي أبو لؤلؤة بجرأته على حرمة ولي الأمر من قبل وتبديد حصانته، ففرطوا بجانبٍ هام من موقع الروح، وبذلك أمسكوا بمعول الهدم، والهدم أيسر من البناء، فما يُبنى بسنين يُهدم بساعات أو دقائق، وما تبنيه سواعد كثيرة يهده ساعد واحد وإن قزم أو حقّر، ولو كان الصفّ متماسكا والجدار منيعاً لما أفضت هذه الهفوات إلى ما أفضت إليه بنتائجها التي استمرت حتى يومنا هذا، فلوا مُنع الفرس تنفيذ خطة انتقامهم بسبب ذهاب ملكهم، واليهود من تنفيذ مؤامرتهم الكبرى بأسبابهم الكثيرة، التي لم تتوقف عند اغتال حرمة ولي الأمر مرة أخرى وتبديد المزيد من حصانته، لعاد المسير سريعاً إلى خط سيره، وسُويت الحفر واستقام المسير، لكن هيهات فقد انفلتت العقول من فطرتها، والغرائز من سجنها، وبرز دور العقل يرتد عن فطرته، فسخر الدين لدنياه، وطغت الغرائز مكتفية بالدنيا عن الآخرة.

 

أُعطيت المؤامرة التي توسعت أطرافها زخماً ودفعا، فقد أضافت للصليبيين واليهود والمجوس جيشاً جديداً، حين تحول الهجوم من خارج الحصون إلى داخلها، بما يثيره من رعب وإرباك وضبابية في الرؤيا، ومبررات لا تعد ولا تحصى، فقد تداخلت الخنادق، وصار من السهل أن يكون العدو صديقاً، والصديق عدوا.

 

حتى أمسكت فيما بعد بكل خيوط المؤامرة الشيطانية واستقطبت حولها كل طامع وحاقد ومتربص فمزقت العرب والمسلمين كلّ ممزق، وسلبتهم دورهم الحضاري العظيم، فأذهبت ريحهم، وفرضت عليهم التخلف والجهل، وطمست فيهم الروح وسيدت عليهم العقل والغرائز، بعد أن عادت بها إلى حيث يطاع الشيطان ويؤتمر بأمره، إلا قليلا، فقد استوطن الخلاف عقولهم وشغل جلَّ مساحات تفكيرهم، فصار خبز عقولهم تتغذى منه وتعتاش عليه، حتى لكأنهم تخلوا عن رسالتهم التي أودعهم الله ورسوله في لهو خلافاتهم.

 

والاختلاف عادة هو ناتج عن تباين الرغبات والأهواء والنوازع وقدرة الإدراك، فالرغبة هي التي تتحكم في وعي المختلف أو المؤتلف، لا الشيء المُخْتَلَف أو المتفق عليه، يتصور كل واحد الأشياء وفق متطلبات الرغبة وأسبابها وليس البصيرة والمنطق، وعلى هذا فولاية الأمر ليست إلا وسيلة لهدف وغايات، فأينما ذهبت النوازع والرغبات اتخذ صاحبها من الولاية سبيلا لها، وكلما قُننت الغايات ووضحت مفرداتها وتسلحت الرعية بثوابتها ومارست دورها في رقابتها كلما قلّ احتمال انحرافها.

 

ولهذا فإن كل إنسان يصوغ مفردات وعيه وفقا لهذه المتطلبات، فتكون أرائه منصبة كليا على إقناع الآخرين بصحتها وشرعيتها، وهذا يتطلب أن يسلك كل واحد منهجا، قد يتفق مع هذا ويختلف مع ذاك.

 

وللإدراك أثر فعال في الاختلاف، فلا يمكن أن تتساوى المدارك، كما لا يمكن أن تتوحد المدركات لدى الجميع، فلكل واحد قدرات إدراكية وهبه الله إياها، لا تطابق قدرات غيره، كما هي بصمة الإبهام أو عدسة العين.

 

يقول ثمامة مخاطبا المأمون"لقد مررت منذ أيام في شارع الخُلد وانأ أريد الدار، فإذا إنسان قد بسط كساءه وألقى عليه أدوية، وهو قائم ينادي عليها: هذا الدواء لبياض العين والغشاوة وضعف البصر. وإنَّ إحدى عينيه لمَطموسة، والأخرى لموشِكة. والناس قد انثالوا عليه، وأجفلوا إليه يستوصفونه فنزلت عن دابتي، ودخلتُ في غمار تلك الجماعة فقلت: ياهذا، عيناك أحوج من هذه الأعين إلى العلاج، وأنت تصف هذا الدواء، وتخبرُ أنه شفاء لوجع الأعين، فلِمَ لا تستعمله؟ فقال: أنا في هذا الموضع منذ عشرين سنة، ما مرَّ بي شيخٌ أجهل منك. قلت: وكيف ذاك؟ قال: ياجاهل، أتدري أين اشتكت عيني؟ قلت: لا. قال: بمصرَ. قال: فأقبلت عليّ الجماعة فقالوا: صدق الرجل، أنت جاهل، وهموّ بي، فقلت: لا والله ما علمت أن عينه اشتكت بمصر. قال: فما تخلّصتُ منهم إلاّ بهذه الحُجّة"(9) كان ثمامة بإيراده لتلك القصة الموحية بجهالة الرعية وعدم امتلاكها قدرة الوعي اللازم لتبيان الحقائق الكامنة خلف التبريرات الظاهرية الساذجة، يريد ثني المأمون لتراجعه عن تطبيق قرار كان قد اتخذه بمشورة ثمامة نفسه، يقضي بإشاعة منهج السبّ والشتم لمعاوية بن أبي سفيان والخلفاء الأمويين، ردّاً على منهجهم السابق في سب الإمام علي بن أبي طالب وآل بيت النبي عليهم السلام من قبل، حين نصحه ابن أعثم بأن هذا السلوك سيمزق وحدة الرعية، وسيخرج الخليفة عن حياديته فيتهم بالانحياز إلى فئة دون أخرى، وإن هذا لا يليق بولي الأمر.

 

والحقيقة أن الخليفة وحاشيته ومستشاريه لم يهتدوا جميعاً إلى السبيل الصحيح والعلاج الشافي لتلك العلّة، فكل واحد منهم ذهب يتعامل مع تداعيات العلّة وأعراضها، ولم تذهب إلى العلّة ذاتها ليكتشف أسبابها وغاياتها ليتمكن من نفيها عن العقل العربي المسلم، ويزيل بذلك آثارها التي لم يتفقوا على طريقة علاجها.

 

فكان الأجدر بهم جميعاً أن يذهبوا إلى خيار دراسة تلك المشكلة وأسبابها والجهات التي أججتها، والمصالح التي دفعتها إليها، بعقول حيادية لا تبحث إلا عن جوانب الحقيقة الخفيّة، بما يجعل الرؤية شاملة معبرة بصدق عنها، ثم يذهبون بعد ذلك صوتاً واحداً يصحح في وعي الجماهير ويضعها على المسار الصحيح.

 

فقد كانوا هم ومن سبقهم يغفلون أمر الله تعالى بقوله:{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}(10)مع إنهم كلهم كانوا يدّعون أنهم حماة للعقيدة وشريعتها، ويعملون باسمها على خلافها، وهم لم يكونوا مدركين لحقيقة أن إشاعة سلوك السبّ والشتم مجدداً سيعيد في أخلاف الذين تراجعوا عن السبّ والشتم لأن يعودوا لمنهج أسلافهم، وبذلك سوف لن تتغير سوى مبادلة الأدوار بين المتشاتمين، فالذي كان يسب في العلن محتمياً بالسلطة تحول ليمارسه بالخفية، فيما يتحول الذين كان سبهم خفياً إلى المجاهرة به.

 

كما إنهم ليسوا صائبين بتسكين أعراض ذلك المرض، فتسكين الآلام لا ينفي المرض ولا يزيل أعراضه.

بل كان الحق أن يصحح الوعي ويعدل المسار، ولأن ذلك هدف صعب التحقيق، ويحتاج إلى جهود جبارة وصبر جميل وإرادات قوية وعمل لا يهدف لتحقيق أغراض آنية تنعكس مباشرة على واقع ذلك النظام ومن يمثله، بل يهدف لتصحيح مسارات قد لا يؤتى أُكُله إلا بعد زمن طويل من العمل المثابر والمخلص، فإن كل الذين تعاقبوا على ولاية أمر العرب والمسلمين اختطوا لأنفسهم مسارات تتجاوز المشاكل التي ورثوها من أسلافهم، محاولين بذلك تجنب مواجهتها وتعديل مساراتها، وماكانوا يعلمون أنها تسير بنفس وتيرة سيرهم ولم تتوقف عند الموقع الذي تجاوزوها فيه، لأن لا مشكلة بدون سبب، ولا مشكلة يمكن لها أن تعيش إن لم يكن هناك من يتبناها ويتعهدها بالرعاية والعناية ويمدها بسبل القدرة على البقاء والصراع.

 

ولهذا فان المشاكل التي استجدت خلال القرن الهجري الأول لازالت تواكب مساراتها المجتمع العربي الإسلامي حتى القرن الخامس عشر الهجري وتفعل فيه الأفاعيل، حملت خلال مسيرها الطويل كثيرا من وسائل وأساليب القدرة على المواصلة والاستمرار، حتى تعقدت وصارت حلولها اليوم أصعب بكثير مما كانت عليه حين بروزها.

 

فقد أفرزت مراحل الصراع إرثا هائلاً من الحقائق والتزييف والأكاذيب حتى ضاع اليوم على الناس أيهما الغاية وأيهما الوسيلة؛ العقيدة أم الإنسان!

 

فإذا كانت العقيدة الإسلامية قد انزلها الله تعالى وفرضها لأجل أن يكون الناس على بصيرة من أمرهم ولهم الخيار، فريق في الجنة وفريق في النار، وفي ذلك كل العدل، فهي بذلك وسيلة غايتها الإنسان. لكنها من جانب أخر أريد لها أن تكون وسيلة تحتم شرعية هذا الإنسان أو ذاك في الحكم والسلطة، فتحولت وكأنها ليست إلا وسيلة لتسلط هذا أو ذاك على البشرية. والحقيقة لا يمكن لعقيدة إلهية أن تكون هكذا، فحتى الأنبياء والرسل لم يكونوا هدفاً، بل كانوا مبلغين للرسالة التي أوكل الله تعالى إليهم تبليغها إلى الناس، ولم يحقق احد منهم منصبا سلطويا بدعوته، فكيف تكون لمن هو دون الرسل والأنبياء هدفاً! حين أرادوها وسيلة للحكم وتزكية لحقهم فيها؟

 

إن كل الذين اصطرعوا حول هذه الدعوة الزائفة طيلة خمسة عشر قرنا لو كانوا قد بذلوا كل تلك الجهود الكبيرة من اجل نشر العقيدة بين الناس لكانت حاجتهم اليوم إلى الحاكم والسلطة لا تساوي عشر قيمتها وأهميتها، فحين تولى أبو بكر الصديق أمر المسلمين تولى عمر بن الخطاب القضاء، جلس عاما كاملاً لم يطرق بابه متخاصمان، وذلك كان نابعاً من إخلاص النية في تبليغ العقيدة للناس وليس لقلة في أسباب التخاصم ودواعيها.

 

التشيع الفارسي انضج فيما بعد حركته السياسية وأرساها على قاعدة أن الإمامة ركن الدين، ولا يصح بدونها، وجاؤوا بعلل واهية لتسويق منهجهم، منها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوز أن يترك الأمة هملاً دون أن يسمى لها ولياً لأمرهم من بعده، وساقوا أمثلة عديدة، منها أنه كان يعهد لأحد الصحابة شأن المدينة حين يغادرها لغزو أو لغيره، وإن الأمة لابد لها من رأس يقودها، لكنهم يتناسون أمر الله تعالى بالشورى كمنهج يحققون به مطلبهم هذا بعد غياب النبي، وإلا لو كان الله تعالى قد جعل للإمامة شأناً آخر كما يدعون، أي أنه نص على الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، فذلك كان سيظهره كما أظهر أركان الدين الأخرى، التي يدعون أن تعيين الإمام واحدة منها، بل هي أهمها، وبعضهم وضعها بالمرتبة الثالثة بعد التوحيد والرسالة، والله تعالى لا يستحي من قول الحق، فأيهما أهم وأحق؛ ولاية أمر المسلمين إن كان الله قد سمى أحداً لها بعد رسوله، أم آداب التعامل مع الرسول، التي وضحها بقوله تعالى في سورة الأحزاب، الآية 53:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً} وهل آية الدَين الواردة في سورة البقرة (282) بصفحة كاملة استوفت كل تفاصيلها، أهم من ركن الدين كما يدعون! أم إن اسلوب التخاطب مع النبي أهم من ركن الدين، كي يورده تعالى الله بقوله في سورة الحجرات، الآية 2:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ}ولا يذكر هذه الولاية التي أهلكت الأمة ودينها منذ ذلك الوقت حتى يومنا هذا! أيسمع الله تعالى قول المرأة التي ذهبت تجادل الرسول صلى الله عليه وسلم في زوجها ولا يعلم بحيرة المسلمين بعد وفاة نبيهم، ولا ينزل آيات وآيات تسمي لهم خليفة وإماما، إن لم تكن الشورى هي أمره وهي الوسيلة للاختيار! فإذا كان الله تعالى أنزل آيات بخصوص أمور ليست من أركان الدين، كالآيات التي نزلت في حق امرأة زيد مولى رسول الله، بقوله تعالى في سورة الأحزاب، الآية 37: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا }فكيف لا تنزل آية واحدة عن ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام؟ أيعقل هذا!؟ أما أركان الدين كالتوحيد والنبوة والمعاد والصلاة والزكاة وغيرها فإن ذكرها تكرر في القرآن الكريم عشرات المرات، لكن الولاية بالصيغة التي أرادها التشيع الفارسي لم تنزل بها آية واحدة، فكيف يمكن هذا! أم أن الولاية أقل شأناً من حقوق الأيتام التي وردت سبع عشرة مرة؟ والرسول صلى الله عليه وسلم لو كان مأموراً بتولية أحد، عليّ أو غيره لسماه وأعلنه وفصّل أمره جلياً واضحاً لايختلف عليه اثنان، ولو كان صلى الله عليه وسلم يخشى الناس لما قرأ عليهم الآيات التي نزلت في سورة الأحزاب حول زينب بنت جحش، لكنه ينطق بالحق، وترك أمته لأمر الله تعالى الذي أنضج فيها العقل وجعلها قادرة على أن تدير شؤونها بنفسها، فكيف لأمة لا تستطيع اختيار ولي لأمرها وهي تملك الشورى، أن تنهض بتبليغ رسالة نبيها إلى البشرية كلها؟

 

إن الشرّ الذي تأتى من اختلاف المسلمين حول موضوع الخلافة كان كبيرا، على الرغم من انه لم يمس جوهر الدين، فلم يتعرض لوحدانية الله تعالى ونبوة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يقترب من حقيقة أن القرآن كلام الله تعالى أنزله على نبيه بالحقّ، ولم يتخلل أصول الفرائض وطرق أدائها، كذلك ما عُلِمَ من الدين بالضرورة من تحريم وقواعد الميراث وغيرها، فإنه تسبب في تدمير كيان الأمة السياسي، واستهدف المجتمع في وحدته فبدد تماسكه، وهو شرط قوتها وصمودها بوجه المحن والصعاب، مما سهل على الأعداء صولاتهم على العرب والإسلام معاً، فما أخافهم الإسلام وهو مخطوط على الرقاع بقدر ما أخافهم وأرعبهم وهدد كياناتهم وأقض مضاجعهم حينما بدأت أنواره تشع على روح الإنسان فتطهرها من خبث الشيطان وتسيدها على العقل والغريزة لتعود بها إلى فطرتها التي خلقها الله تعالى نقية من وساوس الشيطان ومكره.

 

ظهر التشيع الأصيل للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام إثر وفاة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، حينما احتج المهاجرون على الأنصار بأنهم أولى بالخلافة وولاية أمر المسلمين لأسباب عدة، من بينها موقع قريش بين القبائل العربية، وموقع مكة بين مدن الجزيرة، بالإضافة إلى قرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وسابقتهم في الإسلام.

 

وكان الأنصار قد اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة بهدف التداول في الواقع الجديد الذي خلفه غياب قائد الأمة وحبيبها، مع ما رافقه من فزع شديد نتيجة الغياب الذي ما كادت تستوعبه كثير من العقول، وهنا برزت الرغبات والنوازع المتباينة، فالراسخ إيمانه كان يبحث عما يحفظ على الأمة وجودها وفقا للصورة التي شكلها المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهناك من ذهب إلى أبعد من واقعه يقرأ المستقبل ويتصور ردة من أسلم ولم يصدقه فؤاده، وهناك من تحفزت فيه أطماع الدنيا بفعل حسابات العقل الذي لا زال يخبئ بين تلافيفه رواسب وساوس الشيطان وعناد الجاهلية.

 

ولأن محور الاجتماع كان ينصب كلياً على سدِّ الفراغ، والمكان الذي عقد فيه، وخاصية المحتشدين، فقد أعطاه بعداً فئوياً، وكأن عامل التوحيد قد زال مفعوله، مما استلزم أن يتشكل في مقابله تجمعاً آخر تكتمل فيه الصورة، فالموضوع عام وهام، وغير مختص بفئة معينة، ولو كان انعقاد الاجتماع هذا قد تم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحضره كل المسلمين لاختلفت الصورة كلياً، ولما اتسمت المواقف بالفئوية الضيقة، لكنها هكذا كانت، الصدمة كبيرة ذُهِلت من هولها العقول، ومع عدم وجود تجربة سابقة يقتدى بهديها، وتستحضر خلالها آليات حصر من يشمله التنافس، ومن هم أهل الشورى، وممن يستمدون شرعيتهم، فانخلع الباب سريعاً للرأي والاجتهاد والنظر والترجيح، ولولا التسرع الذي أوجبه اجتماع السقيفة لوجدت كل هذه الأسئلة إجابات وافية شافية من كتاب الله وسنة نبيه، فبرز من هذه الآراء ما هو رصين نابع من نقاء الروح، ومنها ما هو متسرع أُطلِق دونما تروٍ أو إعمالٍ للفكر، وبعضها حمل في طياته ردة صارخة للجاهلية، أرادت استغلاله استغلالاً يخرج عن تلك المقاصد، كما في دعوة أبي سفيان مثلا، وبعضها كان فئويا، كما في أمر سعد بن عباده الذي خرج على إجماع الأمة ولم يبايع حتى توفاه الله.

 

وكان من بين هذه الرؤى رؤية لا تخرج عن مفهوم الشورى الصحيح، تلك هي أحقية الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام بولاية أمر المسلمين، تبناها الهاشميون وعدد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يجمع بعضهم النسب.

 

احتجَّ المنحازون لعلي بأنه أقرب قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو المنطق ذاته الذي احتج المهاجرون به على الأنصار في السقيفة، فضلاً عن انه من أسبق السابقين للإسلام، إن لم يكن أسبقهم، وهو من الناصرين لدين الله ونبيه.

 

على إن ظهور هذا الموقف كرأي كان مجرداً من التخطيط المسبق والنوايا المشروعة في الحاجة إلى من يقوم بأمر الأمة لرعاية مصالح الدين وهي مصالحها، كما هو شأن الآراء الأخرى التي رافقتها، كما خلت تماماً من النوايا المبيتة، وهي وجهة نظر مشروعة وصحيحة حالها حال وجهات النظر الأخرى، التي تم تداولها في حينه، إلا ما كان من أبي سفيان، فقد وئد رأيه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام نفسه، أما سعد بن عبادة فهو لم يتهم في دينه لأنه طرح نفسه كمرشح، رغم اعتماده المنطق الفئوي، فقريش أيضا استخدمته، ولا ضير فيه إن لم يكن في طياته مرضا عنصريا، وإن كان ما يبتعد عن مفهوم الأجزاء أفضل وأصوب حتى من الناحية النفسية، فالذي يطرح نفسه باسم الأمة أصوب ممن يطرحها باسم جزء منها، فقد يستثمر لتأجيج الفرقة والتناحر، ومع إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبقى للأنصار اسمهم وأبقى للمهاجرين اسمهم، ووضع فوقهم جميعا خيمة المؤمنين، لكنه عدل الأنبياء، وما من أحد يلحق به وإن جد واجتهد.

 

و كلُّ فريق يعتمد سابقته وفضله ودوره وموقعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم كنوع من تكوين صورة التزكية، ونعتقد أن هذا بعض من مستلزمات الشورى والاختيار الصحيح في حركة المجتمعات عندما تنهج المنهج السليم في التولي والتفويض.

 

وحيث إن الأمر صار إلى بيعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، بعد أن بايعه المهاجرون والأنصار، فقد برز أمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه والذين قالوا بأحقيته السؤال الهام التالي، عليٌ أم الإسلام؟ الفرقة أم الجماعة؟

 

وما نضن أن أحداً سبق الإمام علي إلى جواب الحسم الصادق، فعلي لم يجد نفسه يوماً من الأيام هدفاً وسيلته الإسلام، حاشاه وألف حاشاه أن يكون كذلك، إنما هو جندي نذر نفسه في سبيل الله وإعلاء كلمة الدين، منذ أن هبط الوحي جبريل عليه السلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهو يعلم أن الإسلام باقٍ وهو وغيره إلى زوال، وكيف لا يكون كذلك وهو الفدائي الذي نذر حياته كلها في كف الفداء للإسلام والنبي صلى الله عليه وسلم منذ ليلة هجرته المباركة إلى المدينة المنورة، فربط فناءه المادي ببقائه الأبدي في سماء الإسلام وصيحات المكبرين، وهم يستمدون من سيرته العزم في مسيرة الذود عن الدين الذي أنزل الله وبلغه نبيه ومصطفاه.

 

وهل كان له من هدف أسمى وأجلّ من مؤازرة رسول الله صلى الله عليه وسلم على تبليغ دعوته إلى الخلق أجمعين، بل هل كان له هدف يدانيه؟

 

وما كان لرجل بمنزلته وإيمانه أن يبيح ثلمة ولو كانت قدر خرم ابرة في جدار وحدة المسلمين، وما أتى على شيءٍ من هذا خلال سيرته العطرة كلها، ذلك انه كان يعلم جيدا ما لوحدة المسلمين من أهمية عظمى في مستقبل الإسلام والأمة معاً، ولما وجد في هذا الأمر ما يمكن أن يسبب ثلمة في جدار الجماعة أسرع إلى أبي بكر مبايعاً، خاصة وان الذي تصدى للمهمة لا يشكّ في قدرته ولا إيمانه ولا سابقته وفضله، وذلك ما لم يجده فيما بعد مكتملا في معاوية بن أبي سفيان فجرد له السيف، كما إن الذي بين الإمام علي وكبار الصحابة لم يكن مما تنفصم عراه من أول تلّة، فهو يعلم أنه وإياهم ممن قال الله تعالى فيهم: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ }(11)وحريّ بأبي الحسن أن يكون كذلك وهو أجدر به، وغير هذه الصورة الرائعة لا تليق بعلي وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، مما حُشِر في زوايا التاريخ ظلما وعدوانا، فذلك هو المنطقي والمعقول، وكل معطيات ذلك الواقع تؤكده.

 

فكيف يمكن لمن تربى ونشأ على فضائل خلق من قال له الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}(12) أن يطعن و يرى سبّ صاحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوي زوجتيه وخليفتيه وأميري المؤمنين اللذين أشار عليهما وصلى خلفهما وتولى أعمالا لهما وخلف على زوجة الأول وصاهر الآخر؟ كيف لا يكون كذلك وهو الذي نهل من خُلق سيد الكائنات، فكان من المتميزين في درسه وتحصيله، النبي المعلم الذي صلى على عبدالله بن أُبيّ بن سلول حين مات وأقام على قبره حتى فُرِغ منه، ويرد على بعض أصحابه حين اعترضوا لما رأوا من ابن سلول النفاق والعداوة والأذى بقوله صلى الله عليه وسلم: " قد خُيرت فاخترت، قد قيل لي { اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ }(13) ولو علمت أن لو زدت على السبعين غُفِر لهم لزدت"(14) مع إن ابن سلول خذل المسلمين في مسيرهم إلى أحد وعاد بأتباعه وبدر نفاقه، وهو القائل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه: قد كاثرونا في بلادنا، وفضح الله تعالى قوله {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ}(15) فهل يصدق على من نهل من علم وخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون لعاناً شاتماً كما يفعل أدعياء التشيع له فيما بعد ويدَّعون أنه قدوتهم وهم أتباعه؟

 

كيف يتهم بأنه ترك المنازعة عن حقه المسلوب خلافا لأمر الله ووصية نبيه -كما يدعون - تقية وخشية على حياته من بطشهم وعجزاً منه عن مغالبتهم؟ وكيف يدعون أنه ما بايع إلا مجبرا بحد السيف، وهو قاهر السيوف، وكأن وحدة المسلمين لا تعنيه بقدر ما تعنيه الإمارة والخلافة؟ وهذه الأكاذيب تفندها سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو لم يكن في يوم من أيام حياته الشريفة كذلك حتى قبل النبوة، وعلي تربى في كنفه وعلى نهجه، والفرس فاتهم وهم يلفقون التبريرات لأكاذيبهم أنهم كانوا بها ينفون عن الإمام علي أهلية الولاية والاستخلاف، من خلال التهم الباطلة التي ألصقوها به، وحاشاه أن يكون كذلك.

 

كيف وقد وقف هذا الموقف من هو أدنى منه منزلة وأحدث إسلاما، ذلك خالد بن الوليد أحد أبطال العروبة والإسلام، فكيف تسكن الروح ويكن العقل حينما يجدان المزورين وهم يصورون الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام على غير حقيقته، ليس كرها له وحقداً عليه فحسب، إنما لأجل أن تصدق أكاذيبهم على من هم على شاكلتهم، رغم إنهم يدعون حبه وولايته، فأي ولاية هذه التي تصوره بتلك الهيئة المشوهة الممسوخة، حينما يفترون أن سكوته ومبايعته لمن سبقه من إخوانه لولاية أمر المسلمين كان من باب التقية، خشية على نفسه أن يُقتل، وهل تصح مثل هذه الأكاذيب على رجلٍ هو من بين أشجع شجعان العرب وصناديدهم، ليس بالقول لكن بالأفعال الموثقة الصحيحة، أليس هو الفدائي الأول في الإسلام؟ أيمكن للفدائي أن يكون بالصورة التي اختطتها مخالب الكفر والشرك والنفاق؟ كلا والله هذا لا يستقيم، يأباه حتى عقل المعتوه، ويأنف سماعه، بل هو والله أحق أن يقال فيه صائن الجماعة وعدو الفرقة، وهو كذلك.

 

خالد بن الوليد الذي قاد المجاهدين حتى اليمامة حيث حديقة الموت فأخمد فتنتها، ومنها إلى حيث يجثم الفرس المتغطرسين الحاقدين عُباد النار على أنفاس العراق وأهله، ومنه إلى حيث الروم عُباد الصليب، سراعاً يقطع بجنده الفيافي والقفار ولا يقارب الفرات كي لا تطول المسافات، وهاهو أمام جيش الروم العرمرم وفي لجتها ولهيب سيوفها يأتيه البريد من الخليفة الجديد عمر يعزله عن الإمارة ويولي أبو عبيدة عامر بن الجراح ويأمره بأن يُكذب نفسه أو تُنزع عمامته وتؤخذ نصف أمواله، فيضع الرقعة في كنانته ويصول بجند الرحمن على حشود الروم فيوقع فيهم الهزيمة المنكرة، وما أن ينتهي القتال حتى يسرع نحو أبي عبيدة عامر بن الجراح بالراية ويسلمه البريد ويمتثل لأمره، فينزع عمامته ويقاسمه أمواله، وهو طائع ممتثل، وقد كان أمير المؤمنين فعل هذا تجنيباً للمسلمين أن يفتنوا، فقد كادوا يُلحقون انتصاراته الباهرة المذهلة بعبقريته وشجاعته، وهي لرحمة الله ونصره، بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالد حينما أسلم، فماذا فعل خالد عند ذاك؟ هل غضب، أم انزوى في ركن وتمتع بما تبقى من أمواله؟ وهل تشبث بالموقع الذي نُحي عنه، أو سعى إليه مجددا؟ بل وهل تمرد وتحصن بجيشه الكبير الذي هزم به جموع الروم؟ لم يفعل شيئا من هذا كله، بل سار من فوره مع الأمير الجديد أبو عبيدة نحو مواصلة المهمة بلا إمرة، فما يفعل بالإمرة وهو يريد وجه الله؟ حتى حطوا الرحال على أسوار قلعة دمشق وقد دام حصارها سبعين يوماً دون أن تظهر أمامهم بارقة أمل، لكن خالد الذي لم يكن فقدان الإمارة ليثنيه عن أداء الواجب على أتم وجه، فيستغل احتفال أهل المدينة بمولودٍ قد أتى للبطريق ليتسلق السور بالحبال وينقض برفقة القعقاع ومذعور بن عدي على حراس الباب ويفتحها ويبدد ملل الانتظار الطويل بنصر مؤزر.

 

وهل علي بن أبي طالب عليه السلام إلا المغوار الذي صال على يهود خيبر ففتح الله على يديه، أليس هو من قيل فيه " فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم فضربه يهودي فطرح ترسه من يديه فتناول علي بابا كان عند الحصن تترس به عن نفسه فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتحها الله على يديه، ثم ألقاه من يده حين فرغ..."(16) ؟ يقول أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فلقد رأيتني في نفر سبعة أنا ثامنهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب فما نقلبه"(17) وهو الفدائي الذي وضع نفسه مشروع استشهاد دائم وقائم، لا يخشى في الله لومة لائم، اختبرته حومات بدر الكبرى وأحد ولم تكن آخر مشاهده نزال أعتى شجعان العرب في معركة الأحزاب عمرو بن عبد ود العامري وقهره، فهو في كلّ هذا كان يركض بحياته فداءً لله ولنبيه ولدينه، ولم يخطو في يوم من أيامه نحو إمرة أو وزارة.

 

تماسك صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وآل بيته الطاهرين استشعاراً منهم بحجم الأخطار التي يشكلها هذا الأمر لو أمكن أعداء الله من استغلاله واستثماره، ودام الحال كذلك إمارة الصديق والفاروق رضي الله عنهما، فقد بلغ الحرص والتوجس حداً أن عمر بن الخطاب منع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج من المدينة إلى الأمصار إلا بإذنه، وحدد مدداً لمن يأذن لهم بالخروج، لأنه كان يخشى من خروج أثريائهم إلى الأمصار الإسلامية بعد أن اتسعت رقعة الدولة، فيتخذوا من نِعم الحياة وسيلة بما يجلب عليهم الأتباع فتتحزب الأمة فتنتقض عرى وحدتها، ولهذا كان يرد المعترضين على هذا القرار بقوله: "... ألا وإن قريشاً يريدون أن يتخذوا مال الله معونات دون عباده، ألا فأما وابن الخطاب حي فلا، إني قائم دون شِعب الحرة فآخذ بحلاقيم قريش وحجزها أن يتهافتوا في النار"(18) كما كان يتابع عماله على الأمصار وقادة جيشه متابعة دقيقة للغاية، تكاد تكون فريدة من نوعها، بشدته وصرامته وحرصه، فما أن يجد في عمل أحدٍ منهم بعض هوى الدنيا ونعيمها حتى يقتلعه من موقعه قلعا ويحرّم عليه أن يلي له أمرا، لكن بعضهم انفلت من عقاله في خلافة عثمان بن عفان فانطلقوا وساحوا في الأمصار كيف شاءوا، فاستقبلتهم الدنيا بحفاوة ما بعدها حفاوة، حتى وقع في حبائلها من وقع وسلم من سلِم، وافتتن كثير من الجهلة بهم، ساعدت على هذا المدد الطويلة التي قضاها بعض الأمراء في مواقعهم حتى لكأنهم اختصوا بها واستقلوا، وشابت مفردات حياة ووعي وعمل وسلوك بعضهم تأثيرات الثقافات اليونانية والصليبية أو المجوسية الفارسية من مخلفات ما قبل عمليات التحرير، وكلها تنصب على هدفٍ واحد هو مساعدة العقل وتمرينه على الانفلات من سطوة الروح وقيودها وكذا الغرائز المتأججة الجامحة.

 

كان اليهود كما هو حالهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يبحثون وينقبون بين جموع المسلمين بعد أن أعياهم البحث والتآمر بين صفوف المشركين من قبل، وبخاصة بين من هم حديثي عهد بالإسلام، عن كل ضعيف في إيمانه أو صاحب غرض وهوى ومن فيه بذرة سوء ليستغلوه ويسخروه في مسار الأفكار التي استحضروها من كل منهج موبوء بكيد الشيطان ومكره، لمزجها في وعيه وسلوكه بالمتحصل من العقيدة الإسلامية، تشويها للإسلام وإفقادا لقدرته التي وحدت العرب بعد أن كانوا شراذم، حين حول أشتاتهم إلى وحدة اجتماعية متماسكة وفاعلة وممسكة بأسباب الفعل الحضاري المميز، وقادرة على مواجهة التحديات والصعاب، والتغلب عليها بتميز فريد.

 

وقد لقي هذا المنهج اليهودي كل الدعم والتأييد من قبل الصليبيين الذين كانوا متنعمين بجزء كبير من أرض العرب وخيراتها، والذين امتلأت أفئدتهم حقداً وغيضاً، وهي من فعل العقل المجافي للفطرة والغرائز المنفلتة عنها، بنتائج اندحارهم في معركة اليرموك عام 13هـ وما تلاها من معارك لتحرير الشام من دنسهم، وبذلك فقد استحوذ اليهود على دعم الغرب المتاخم لثغور الأمة وحدودها، وأنضجوا حلفاً سيتسع ويتطور فيما بعد.

في ذلك العام أيضاً كان الفرس المجوس قد بدأ تدهورهم وتراجعهم أمام ضربات الجيوش العربية الإسلامية، حتى اكتسحتهم جيوش الرسالة في العام التالي بملحمة القادسية الأولى واستمرت تطارد فلولهم المندحرة حتى عام 16هـ حيث أُعلن عن لفض الإمبراطورية الفارسية آخر أنفاسها، وبذلك تلاحم عداء الشرق مع الغرب يربط بينهما وينسق جهودهما اليهود فاكتملت عناصر الحلف الشيطاني الكبير ضد العرب والإسلام، وقد كان في انضمام الفرس بكل ما يملكون من صلف وعنجهية لهذا الحلف تتميماً لمكر اليهود وحقد الصليبيين، كما أن الثقافات الفارسية والشرقية عموماً وجدت أماكنها في مسار عملية التشويه والتمزيق، بما تملكه من كم هائل من الأساطير والخرافات ومسالك الشرك المجوسي والبوذي الظاهر والباطن.

 

وبذلك تكاملت عملية التطويق الفكري الذي دبت جراثيمه في الجسد العربي سريعا، فقد كشرت الأفعى اليهودية عن أنيابها وسارت باتجاه الشمال والغرب فتغذت بحقد الصليبيين ووحشيتهم فانشطر منه رأسا ثانيا ثم واصلت مسيرها نحو الشرق فأتخمت جسدها بصلف المجوس وخبثهم وأفرخت رأسا ثالثا ثم عادت أدراجها قافلة حيث ذيلها على أرض العروبة والإسلام، الذيل الذي أوقفت فيه بقايا الشرك والنفاق والجاهلية ريثما تعود برأسها ويحين دورها فكانوا رأساً رابعاً لها، وكان حري باليهود أن يكونوا الرأس المسيطر، فهم الأجدر والأقدر على قيادة مؤامرة خبيثة ماكرة من هذا النوع وهذا الطراز، بكل ما أوتوا من مكر وخبث بالإضافة إلى وجودهم بين العرب المسلمين ومعرفتهم الدقيقة بالإسلام نتيجة معايشتهم له يوما بيوم، فتكالبوا على الإسلام بكل الوسائل والسبل، متخذين من أساليب التخفي والسرية التامة سبيلا لعملهم، ولهذا فإن أغلب محركي خيوط المؤامرة التي بدأت عام 23هـ مازالوا مجهولين إلى يومنا هذا سوى اليهودي الواجهة عبدالله بن سبأ، والذي ظهر فيما بعد، وهو الأخر كانوا قد أحاطوه بغموض جعل البعض ينكر وجوده، فلم يعرف شيء حتى يومنا هذا عن العقول التي كانت تقف خلف تنظيمه الذي انتشر كالسرطان في جسم الأمة خلال فترة زمنية قصيرة جداً، فمن المستحيل أن يكون ابن سبأ وحده الذي عبأ كل هذه الأعداد من المشاغبين في البصرة والكوفة ومصر، ناهيك عن العبيد والموالي وأعراب الحجاز، فما كان يمكن للذي تحقق أن يتحقق لولا وجود حاضنة تؤويهم وتسهل عملهم في مقر الخلافة، وجمعها في مكان ووقت واحد لتعصف بعاصمة الدولة التي ذهبت أمام قوتها أعتى إمبراطوريتين أدراج الرياح خلال بضعة أعوام.

 

وفقا لهذا فقد تشكل في رحلة الأفعى اليهودية ما يشبه السياج، عدته ليس الحجر واللبن والطابوق، بل الحقد والعداء والتآمر بالمكر والدهاء والتقية، فالعداء أعمى الأبصار وقارب بين رؤوسٍٍ شتى ليحكم تلاقيها في مسار واحد اختط محيطه الشيطان حول أمة القرآن، واستخلصوا من الإرث الفكري والسلوكي والنفسي لكل رأسٍ من هذه الرؤوس ما يعزز الرأس الآخر ويقوي حجته، فما الذي قارب بين هذه الأهواء والملل ثم وحد جهودها، وما الذي أغراها بالعرب والإسلام دون سواهما، وما هي حقيقتهم؟

 

إنها بكل بساطة كل القوى التي أفقدها الإسلام بواسطة العرب بعضاً من وسائلها، وأخرج كثيراً مما كان في أيديها، ومنع عليها سبلاً كانت فيما مضي تسلكها.

 

هم من قال فيهم الله تعالى{فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(19) وهم من نبه الله تعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم إلى استحكام العداء والحقد في نفوسهم بقوله تعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}(20) وهل يرتجى ممن يزور ويحرّف كلام الله متعمدا قاصدا أن ينصاع للحق، كلا والله لا يفعلون، لأنهم ذهبوا إلى أبعد من ذلك حتى جعلوا تجارتهم في الكذب على الله { فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ}(21) هم أهل الفرقة والتناحر، أعطوا ربهم مواثيقهم أن لا يسفكون دمائهم ولا يخرجون أحدا منهم من ديارهم ثم سرعان ما نكثوا ونقضوا وعادوا { ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}(22) وهم أهل الهوى وسنامه {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ}(23) وهم أهل الردة وروادها { وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ}(24) وهم أهل الجدل العقيم والعقل السقيم { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}(25) هم عشاق الشرك والوثن {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ}(26) وهم عشاق الدنيا وملذاتها { وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ }(27) هم أهل الضغن والطعن { قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}(28) وهم أتباع الشيطان { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ }(29) وهم أهل الحسد { وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ }(30) أهل الأحزاب والفرقة { وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}(31) وقد قال الفرس مثل قولهم وفعلوا مثل فعلهم، وألبسوا قولهم وفعلهم ثوب الإسلام والتشيع لآل بيت النبي زوراً، ولا يرجوَّن أحد منهم رجعة ولا عودة {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ }(32) وقد اتبعوا ملتهم فقالوا كما قالوا{ وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً }(33) هم من اتخذوا لله أنداداً من مخلوقاته { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ }(34) فسجدوا لعبيد الله وقدسوا، وهم عبيد الجهل { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ}(35) وقد نهض الفرس بكل ما ملكوا يسابقون اليهود والنصارى على قيادة فعل التآمر والاستئثار به، فهم الذين قالوا إن كتاب الله الصحيح أخفاه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام خشية التحريف حين شاهد أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب الآيات التي تفضح القوم، وان القرآن الحالي مزوَّر ومحرَّف، كما ورد في الاحتجاج للطبرسي وغيره من زعامات التشيع الفارسي، وفاتهم إن الإمام علي من حفظة القرآن، ويقرأ قول الله تعالى { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}(36) فأرادوا بذلك تشويه الإسلام وتحطيمه كما سعوا لتشويه صورة رواده ومسخها على غير ما كانوا عليه وفي مقدمتهم علي بن أبي طالب عليه السلام، فهو على قولهم الباطل قد كتم ما أنزل الله.

 

فرواد المؤامرة وأطرافها إذن هم: الصهيونية رأس اليهود والصليبية رأس النصارى والمجوسية رأس الفرس والردة رأس الجاهلية، هذه عدة الأفعى وعتادها وبوصلة مسيرها.

 

ولم تمض سنين كثيرة حتى تمكنوا من أول أهدافهم، ذلك هو بداية النخر في أساس وحدة الأمة، التي كانت سرّ نجاحها واقتدارها على نشر رسالة رب العالمين في أصقاع الأرض، غربها وشرقها، مستغلين بعض الهنات التي استجدت في حياة الأمة وبروز ما كان الخليفتان الأول والثاني يمنعان حصوله في السنوات الأخيرة من خلافة الثالث، وإن كان لا يقل عن سابقيه في إيمانه وعلمه وتقواه، إلا إنه كان سهلا هينا أمكن قريش من الانتشار في الأمصار، وهناك صيغت التكتلات، لأنه " لم يأخذ الناس بما أخذهم به عمر ولان جانبه ورقت حاشيته لهم، فانساحوا في البلاد، فلما رأوها رأوا الدنيا ورآهم الناس، انقطع إليهم المغمورون من الناس وصاروا حاشيتهم وأتباعهم وأملوهم وقالوا في أنفسهم غدا يؤول الملك إلى هؤلاء فنكون قد عرفناهم، وتقدمنا في التقرب إليهم والانقطاع إليهم. وهكذا وجد التمزق بحاله إلى وحدة الأمة وظل هكذا حتى كان بعد فترة من أمر هذه الأمة ما مزقها وأضاع وحدتها(37)".

 

وكاد كيان الأمة يتهاوى لولا حكمة الإمام علي بن أبي طالب وولده الحسن رضي الله عنهما وشعورهما بالأخطار الناجمة عن تفريق كلمة الأمة، فراحا يذودان بكل قواهما عن اجتماع الكلمة ووحدة الصف، وتصديا لمريدي الفتنة ومروجيها ومن أُرْغِموا على السير في دروبها بما أوتيا من قوة.

 

لكن الأيدي الخفية كانت تمسك بأسباب فتنها بكل عناد وصلف ولم ترتدع ولم تتراجع، بل همت وعزمت على المضي في استغلال ذلك الرأي المجرد من النوايا والأغراض الذي تبناه من شايع علياً لتحوله إلى منهج فكري وسياسي استغلته أبشع استغلال لأغراض ليس من بينها توفير فرصة لأحد من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم كي ينال ولاية أمر وإن كانت شكلية، وتشعبت مفرداته وتطورت أساليبه سريعا، فحولتها إلى نص قرآني وأمر إلهي ووصية نبوية بإمامة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ثم جعلوا من إمامته ركن الإسلام وأصل الدين، لا يكتمل ولا يصح إلا به. { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ* وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ* وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْأِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ}(38).

 

كانت تلك المفاهيم قد لعبت دورا هاما وخطيرا في تمزيق الأمة وتعويقها عن أداء دورها الحضاري الإنساني الذي أراده الله تعالى لها، حيث تمكنوا من خلال استجلاب الأتباع حول دعوى محبة آل بيت النبي وتوليهم ومشايعتهم، وتلك كانت الثغرة الأجدى من غيرها بما تمتاز به من حوافز عديدة تتفوق على غيرها من الثغرات، لأنها تتخفى بثوب الإسلام بما يجنبها الظهور بمظهر العداء، ولأنها تستند لأشخاص لهم من المكانة الكبيرة في نفوس العرب والمسلمين ما يعمي الأبصار عن رؤية حقيقتها وطبيعة نواياها، آخذين بنظر الاعتبار أن آل بيت النبي هم أقل العرب حرصاً على طلب الولاية والإمرة، بل ويضعون بينهم وبينها حاجزا إذا اتسمت بالشقاق والفرقة، فهم ليسوا من دعاتها ولا من مروجيها وهي ليست من أولوياتهم، إلا بقدر ما تعزز من استحكام شريعة الإسلام ونشر مبادئه بين الناس، وذلك يشكل ضمانة أكيدة بعدم تمكين أي من آل بيت النبي بتولي إمرة وولاية للمسلمين كي لا يبطل مسعاهم ويتفرق شملهم، وقد وضعوا من المعوقات وابتكروا من الأساليب وخططوا لفتن ما يمنع أي من تولى منهم عن أداء واجبه بشكله الصحيح، وذلك هو السر الدفين خلف كم المتاعب التي واجهت الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام أيام خلافته من قِبل شيعته أنفسهم، والحسن بن علي بعده والحسين وما جرى له في فاجعة كربلاء التي كان أبطال جريمتها شيعته وشيعة أبيه، وزيد بن علي وحتى انقضى العدد الذي اختطوه لوجودهم كأئمة والذي بنهايته انفتحت الأبواب مشرعة للتشويه والتآمر دون خوف أو منغصات. فآخرهم قد غاب ولا أحد يملك الردّ عليهم أو تكذيبهم، وذلك المكر بعينه.

 

فذاك علي بن أبي طالب عليه السلام صار إماماً المسلمين وخليفةً لهم عام 35 هـ، فماذا فعلوا به وبولايته؟ هم لم يفعلوا أكثر من الذي فعلوه حين نفذوا مؤامرتهم واغتالوا الخليفة عثمان، فعن أيام تلك المؤامرة يجيب الإمام علي على تساؤل ولده الحسن بالقول:"أما قولك لو خرجت من المدينة حين أحيط بعثمان، فوالله لقد أحيط بنا كما أحيط به" وقدرة قوى التآمر وسيطرتهم على مقاليد الأمور يقول:"ووالله ما زلتُ مقهوراَ مذ وليت منقوصاً لا أصل إلى شيء مما ينبغي".

 

وهاهم أدعياء التشيع الحالي يمسكون بأسباب الأمر والولاية، فماذا فعلوا وماذا أجرموا؟ فذلك ما يطول عنه الكلام وليس هنا محله.

 

وقد اعتمدت الأفعى برؤوسها كثيراً على أقوام بذرت في وعيهم حقدا شعوبيا على العرب، حملة رايات الإسلام، عن طريق تحفيز كل ما هو غائر في نفوسهم، وتصوير العرب على جانب كبير من القبح والدونية، واستخدموا لذلك شتى الأساليب والوسائل، حتى خلقوا فجوات عميقة بين الشعوب وولاة أمورها، فهم وفقا لمفاهيم النص والوصية وركن الدين(الإمامة) قد جعلوا من كل وليّ للأمر غاصبا وظالما ومستبدا بغض النظر عن سيرته وعمله، وبذلك سوغوا في نفوسهم الخروج عن طاعتهم والتمرد عليهم، والعمل بكل ما يسيء لهم من فعل وقول، فكان الدسّ والتشويه في أحداث التاريخ يأخذ شرعيته من قولهم ذاك، وكانت النتيجة أن أُبيحت مناهج التخريب والتآمر والتجسس، وحتى الاستعانة بالكافر والعدو، فالدولة دولة ولي الأمر، وولي الأمر غاصب وجاحد لحق غيره، " تولت القوى المدحورة أمام لواء الإسلام، وخططت قوى الشر والظلام التي توارت بظلمها وظلالها أمام ضيائه الذي أشرق على المظلومين فاستردوا به حقهم في الحياة لمؤامرة ينفذون منها إلى وحدة الأمة التي صنعها الإسلام، ولم يجدوا أمامهم ثغرة ينفذون منها سوى أن يشيعوا في الناس فكرة أن آل بيت رسول الله أولى وأحق بالخلافة من أولئك الذين تقلدوها، وكان الهدف الخبيث يومها سياسيا بالدرجة الأولى فقد استهدف إشعار المسلمين بأنهم يقاتلون خلف من اغتصبوا الخلافة أو على الأقل من لا يستحقها"(39).

 

ولضمان الاستمرار والمطاولة ودوام التأثير فقد أدخلوا في هذا المنهج مفاهيم جديدة، كل واحدة منها تلبي حاجة أو غرضا أو أغراضا متعددة، كلها سياسية خالصة لا علاقة لها بالعقيدة الإسلامية، بل تتعلق بالحكم ووسائل الوصول إليه. ولعل المفكر الشيعي الشيوعي هادي العلوي كان ممن أصابوا كبد الحقيقة حين قال:" وعلاقة الشيعة بالفلسفة علاقة قديمة ترجع إلى أيامها الأولى حين كانت حركة سياسية اجتماعية، ثم استمرت معها بعد أن قطعت صلاتها بالسياسة وتحولت إلى طائفة دينية"(40).

 

والحقيقة أن التشيع لم يقطع علاقته بالسياسة، لكن الفرس استحوذوا عليه وحولوه إلى عقيدة دينية، من خلال تطويعهم للإسلام والتشيع لأهدافهم السياسية بصيغة مذهب وطائفة، وذلك لم يتم إلا بعد خدعة ما سمي بالغيبة، حيث تمكنوا من إجراء الموالفات بين الأفكار والمناهج والثقافات المجوسية واليهودية والصليبية لينتجوا من خلالها مذهباً يناقض العقيدة الإسلامية بتفاصيل كثيرة جداً، كلها تساعد على إضعاف العرب،" ومنذ عهد الوكلاء الأربعة - المسمى عصر الغيبة الكبرى – بدأت الأمامية تحيط نفسها بجو فكري كثيف وتجمع حولها جمهرة من رجال الفكر؛ من فقهاء ومفكرين وأدباء وعلماء فلك وشراح فلسفة..."(41).

 

فكان الكافي ليعقوب الكليني دستوراً لهذا الحزب الإسلامي، صيغ بعيداً عن رقابة آل بيت النبي ورقابتهم، اعتماداً على الموروث الفلسفي الغربي والشرقي"...ولكن الموقف الشيعي كان على الدوام أكثر تسامحاً مع الفلسفة فلم يفرض حظر رسمي على الدراسات الفلسفية مما جعل هذه الدراسات تأخذ مجراها دون عائق، سوى التزام البقاء داخل أسوار العقيدة، وضمن هذا الالتزام، تطورت العناية بالفلسفة إلى مستوى هيأ لإقامة بناء فلسفي معقد كان موجهاً في الأساس لخدمة عقائد الامامية"(42).

 

وبذلك فقد كان البناء هجيناً باعتماده على عقائد فلسفية مختلفة، نقلاً عن أفلاطون وأرسطو وأفلوطين وابن سينا والسهروردي وابن العربي، وهو ما سمي بفلسفة العرفان النبوي، والتي امتازت " بالاتساع والتعقيد وخصوبة الخيال...أما المضمون فهو للأسف عقيم ومحدود. ويمكن القول إن هذا التراث الواسع لم يقدم مساهمة فعلية في تاريخ الفكر الإسلامي خاصة، والإنساني عامة، وقد ظل حبيساً بين جدران اللاهوت ومكرساً، حصراً، لأداء وظيفة دينية في غاية السلب والتزمت"(43).

 

والحقيقة أن الفترة بين وفاة الحسن العسكري وغيبة ولده محمد(المهدي) عام 260هـ وبين وفاة الكليني عام 329هـ كانت مرحلة تكوين فكر سياسي يتستر بالدين الإسلامي، يهدف إلى تقويضه ونفي تأثيره الايجابي عن العرب، الذين توحدوا به وأطاحوا بعروش الفرس والروم وأوكار اليهود.

 

فالتقية خاصية تفوق وتتعدى مفهوم العمل السري، لأنها ببساطة تحليل وتحبيذ للكذب والنفاق والخداع على حدٍّ سواء، كي لا يشعر الأتباع بالضيق والحرج والصَغَار عند ممارسة هذه القبائح بأسمائها الصريحة، فهذه الرذائل كلها جمعت في مفهوم التقية، وأسموه عبادة، أي شيء محبب، بل وواجب.

 

وعصمة الإمام تعطيل للفكر والعقل، يجعل التابع خانعا خاضعا مصدقا للمتبوع دونما شعور منه بالخضوع والقسر والإجبار والتعطيل، فليس على التابع أن يفكر، لأن من يفكر له هو الإمام، والإمام معصوم من الخطأ، فكل ما يقوله إذن هو الصحيح بل مقدس ولا غير، والعقل إذا ما سُلب و الغرائز قيدت خارج فطرتها فقد اقتيد الإنسان حيثما شاء القائد ومتى أراد.

 

وانتظار الإمام الغائب، اتكالية مثالية تعزز فكرة العصمة وتدعمها، إلا إنها تنفي القيود عنها، فلا يسأم التابع من عدم تحقق أي نتيجة تترتب على فعله وتضحياته في مسار التشيع، حتى يصبح المجهول كله معصوما، وكل لحظات الغياب هي مشروع للظهور، أملٌ بالسراب، يجعل التابع لا يكل ولا يمل من الدوران حول نفسه طوال حياته كالناعور بلا ساقية تستحصل من رفعه الماء سقيا، دوران متواصل دون أن يجد له ثمرة أو نتيجة، إلا الرجاء بظهور الغائب، وهذا يمنع على المتشيع عرض الأفكار على العقل والمنطق ليتبين مدى صدقها وصلاحيتها، فذلك لا يتم إلا حين يكون هناك عمل وتطبيق، والانتظار يمنع التطبيق أو يرجئه إلى المجهول، وذلك من المكر، فالمنتظر كالمرأة التي تغلي الماء في القدر على النار حتى يغفوا الأطفال الجياع من فرط انتظار أن تنضج النار الطعام، ولا طعام، سيخرج الأمل المرتجى، لكن متى؟ حين يغفو الجياع، فهذا ما لا يمكن معرفته مطلقاً، لكن مظاهر الانحطاط والتخلف والفقر والفواحش هي من بوادر الخروج، فانظر كيف يدفع بك هذا الماكر الخبيث إلى السوء، وكيف يجعلك ترضى به وتقدسه، بل وتساهم في صنعه تعجيلا للفرج، أليس حال مثل هؤلاء مسلوبي الروح والعقل مما ينطبق عليه قول الله تعالى: { هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ}(44) لكن الفارق فيها أنهم أرادوا من صاحب الزمان والعصر أن يكون سببا في أن يفعلوا بالمسلمين كما فعل الله بيهود بني النضير على يدي رسول الله والمسلمين، حين أذلهم على أيديهم هاربين إلى الشام ليس لهم إلا ما حملت الإبل إلا السلاح، ثم لينظر إلى أثر مثل هذه الفكرة في تعويق نهوض الأمة بعد تخريب ما بنته، كيف لا والمنتظر لا يخرج حتى يعم الفساد والجور والظلم والفقر.

 

مع إن العشرات إن لم نقل المئات على مرّ التاريخ طفح بهم الكيل وملوا الانتظار، فشمروا عن سواعد الجد حالما سنحت لهم الفرص للوثوب على كرسي السلطة، فأعلن كل واحد منهم أنه هو المنتظر، ومنهم من حالفه الحظ، أو ربما كانت به حاجة وغاية، فحكم سنين طويلة، كما حصل للدولة الفاطمية التي حكمت مائتي سنة بمنتظر إثر منتظر، لكنهم جميعاً أُكذبوا من قبل قادة التشيع الأشباح المتخفين، وهذا أمر طبيعي، فليس هناك مهدي ظهر فأحيى قريش وعذبها، وليس هناك من ملأ الأرض عدلاً، والأهم من كل هذا أن هذه الفكرة صارت منذ قرابة ألف سنة ركن التشيع الأساس، وعليه تعتمد وترتكز كل عمليات التخريب والتدمير التي تستهدف الأمة العربية، فلا يصح التخلي عنها والأهداف الكبرى لم تتحقق كاملة.

 

وليس غريبا مع حالٍ كهذا أن تفترق رؤوس هذه الأفعى وتأخذ كل منها موقعا مناسبا لها، تنفث فيه سمومها، فبعد أن تطورت الأساليب والأفكار خلال تجارب الميدان العديدة، اتخذ كل رأس مع هدفه الأساس أهدافاً أخرى خاصة به، إضافة إلى أن الإفرازات الفكرية كانت متعددة المصادر والمناشئ وبعضها متضاربة أيضا، لكن القاسم المشترك بينها جميعا ظل القناع الإسلامي، وقد حققت خلال القرن العشرين ومستهل القرن الحادي والعشرين جميعها تقدماً كبيرا على صعيد الميدان.

 

فالرأس الصهيوني كان ينفث بسمومه على الغرب الصليبي حتى أجبرهم على وضع أقدامه على أرض فلسطين تخلصاً من شروره، وإن كان الوجود الصهيوني على أرض العرب يحقق لهم بعض ما يريدون بالعرب والإسلام، وهم بذلك كانوا كالذي يضرب عصفورين بحجر واحد، فهم من جانب قد خلصوا شعوبهم من خبث اليهود وشرهم، فيما زرعوا وسط أعدائهم العرب المسلمين مصدراً للخطر والتهديد من جانب أخر، وها قد أصبح هذا الكيان واقعا مفروضا على العرب والمسلمين وكابوسا مخيما على صدورهم، وحاجزا كبيرا أمام وحدتهم أو مجرد التقارب بين شراذمهم وأقطارهم.

 

والرأس الجاهلي كان قد ساعد على ترسيخ فرقة العرب وحافظ عليها، وأوجد كل أسباب الفرقة والتناحر بما يجعل توحدها ليس إلا من باب ليت ولعل، وأوصل في سبيل ذلك حكاما لأقطارهم، أبرز ما يميزهم أنهم عبيد للكراسي، لا يجلسون على وثيرها المستورد لكنها تجلس على هاماتهم، تذكرهم كل يوم بسطوة الصليبيين وفضلهم، كل شيء مباح عندهم، إلا العمل على وحدة العرب والإسلام، فئران على أعدائهم، أسود على أهليهم.

 

والرأس الصليبي لم يتوقف عند هذا، فقد احتل العرب بحملات صليبية جديدة بغير جنود، وهكذا أوحى لهم اليهود، فاستحوذوا على الإرادة والمقدرات، كما فعل الفرس وغيرهم من قبل، يوم احتلوا قرار وإرادة الخلفاء العباسيين بلا جيش أو قتال، إلا ما كان من العراق فشنوا عليه حملتهم الصليبية الصهيونية المجوسية واحتلوه عام 2003م بعون من أفعى العرب.

 

وأما الرأس المجوسي فقد أنجب الظاهرة الخمينية، التي حلت إشكالية الانتظار بولاية الفقيه كنائب عن الغائب، يتمتع بكل قدسيته وجبروته، ويتحلل من الخوارق التي أُلْزِم الغائب بها، فهو غير قادر على إحياء الأعداء الموتى كي يعذبهم، وليس بمقدوره تحقيق العدل المطلق والرفاهية المثالية، كما ليس بإمكانه القضاء على العرب المسلمين ( النواصب)، وفي ذلك كفاية لتحقيق ما تعين على هذه الرأس أن تؤديه، كما إن ولاية الفقيه تأتي كحل مثالي لإشكالية إعلان ظهور الغائب بذاته، تجنباً للتكذيب كما حصل لمن سبقه فتتوقف المهمة وينتهي زمن الانتظار، فيطالب المنتظرون منذ ألف سنة بتحقيق ما وُعِدوا به.

 

ولا يستغرب من هذا فالدور الفارسي كان منذ البدء أساسياً وفاعلا، وتأثيره كان ولا يزال كبيرا، سواء في الصياغة الفكرية لمؤامرة التشيع الفارسي أو في مناهجه السياسية وأساليب الأداء، ذلك أن الفرس قد وجدوا في النص والوصية والعصمة التي قال بها اليهود ما يتفق كليا وتركيبتهم النفسية وواقعهم الاجتماعي قبل أن يحل الإسلام بديارهم، فقد كانوا يعظمون ملكهم وآل بيته ويعتقدون فيهم أنهم ذوي الأصول النبيلة التي تحل فيها روح الآلهة، ويسجدون عند أقدامهم، فكان أفضل بديل لأولئك الملوك الأكاسرة الذين ذهبوا هم آل بيت النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهم أيضا لا يقلون عن اليهود والنصارى حقداً وكرهاً للعرب والإسلام اللذين أذهبا ملكهم وملوكهم وآلهتهم " ان زعماء الفرس لم يكونوا أبدا مخلصين لهم - آل بيت النبي -  ولا لدينهم بل كانوا زنادقة من اليهود والفرس يريدون من التشيع تفريق كلمة العرب وضرب المسلمين بعضهم ببعض لإسقاط ملكهم"(45).

 

تضافرت الأحقاد اليهودية والصليبية تسهل أمر الفرس وتسنده جاهلية العرب لتنتج حزباً فريداً متميزا، تعددت فيه الأفكار والعقائد واختلفت الأهداف إلا من هدف واحد، هو ضرب العروبة والإسلام حتى يذهبا، فقد وظفوا فيه التجسيم والتشبيه والحلول والتناسخ، حتى أوجدوا الاعتقاد القائل أن الله تعالى - جلّ شأنه - قد حلّ في جسد الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، فصيروه إلهيا بشريا في آن معاً، لذا فهو لا يموت، ويعلم الغيب، ويحشر الناس إلى جهنم، وهذه الفكرة في أصلها مستقاة من الفكر الصليبي القائل بالناسوت واللاهوت، حيث يعتقدون أن عيسى بن مريم عليه السلام مزيج من البشرية والإلوهية فاتخذوه إلها وابنا لله والعياذ بالله.

 

أما التقية، أي القول أن لكل ظاهر باطنا،فهو مأخوذ من خزين اليهود، وهو طاغٍ بقوة، حتى قالوا جريا على عادة اليهود بتحريف القرآن الكريم، {مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ }(46) كما ورد في التلمود الذي وضعه حاخامات اليهود تفسيرا للتوراة ما وجد فيه الفرس ضالتهم فالصقوه بالتشيع كالقول:"غير مصرح لليهودي أن يوجه السلام إلى الكافر إلا إذا كان يخشى ضرره أو عداوته والنفاق جائز ولا بأس من إدعاء محبة الكافر إذا خاف اليهودي من أذاه" و القول" على اليهودي أن يؤدي عشرين يميناً كاذبة ولا يعرض أحد إخوانه اليهود لضرر ما". وذلك أصل مبدأ التقية الذي وضعه الفرس كأساس في التشيع.

 

وقالوا بتحريف القرآن، يقول الكشي في تفسيره للآية 73 من سورة التوبة {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}أنها محرفة، وأصلها هكذا [ يَا أيهَا النبي جاهد الْكفار بالْمنافقين ] للتدليل على أن كل صحابة رسول الله وآل بيته منافقين، فواقع الأمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل الكفار بصحابته وآل بيته، ولم يستنجد بمنافق أو مشرك لقتال الكفار، وحتى الذين أسلموا ثم نافقوا من أمثال ابن سلول وأتباعه فقد كانوا يتخفون بنفاقهم بين المسلمين ولم يكشفهم إلا تهربهم من الجهاد، وأحداث معركة أحد خير شاهد، ولعل أهم ما في فكرة التحريف لكتاب الله أنها تهدف إلى إيجاد فجوة بين الأمة وعقيدتها وبينها وبين ولاة أمورها، وهو هدف سياسي خالص، حيث أن دعوى التحريف انصبت بشكل أساسي على تكفير الصحابة لتنفير المسلمين منهم، ولم يستثنوا إلا عددا من الصحابة وعدد مماثل من آل بيت النبي موزعين على زمن امتد أكثر من قرنين من الزمن، فمنهم اكتفى بالعدد سبعة ومنهم من جعله اثنا عشر محاكاة لعدد أسباط بني إسرائيل وحواريو عيسى ابن مريم، ولم يعتدّوا بغيرهم ولم يجعلوا عصمة ولا ولاية لسواهم.

 

أما النص والوصية بخلافة وإمامة علي بن أبي طالب عليه السلام فقد كانت من بنات الفكر اليهودي جاء بها ابن سبأ نقلا عن دعواهم في أن يوشع بن نون هو وصي موسى عليه السلام.

 

فيما كانت نظرية التآمر على الخلافة مستقاة من الفكر اليهودي أيضا، فقد ورد في سفر التكوين، الإصحاح 34 المؤامرة التي صيغت باسلوب الغدر والحيلة، والتي تزعم أن رفقة وأبنها يعقوب نهضا بها حين علما أن إسحاق سيولي أمره لابنه الأكبر عيسو، وحين ذهب عيسو إلى البرية ليصطاد صيدا ويصنع لأبية طعاماً، قالت ليعقوب:" فالآن يابني اسمع لقولي فيما أنا آمرك به، اذهب إلى الغنم وخذ لي من هناك جديين من المعزى فاصنعهما أطعمة لأبيك كما يحب فتحضرها إلى أبيك ليأكل حتى يباركك قبل وفاته، فقال يعقوب لرفقة أمه: هو ذا عيسو أخي رجل أشعر وأنا رجل أملس، ربما يجسني أبي فأكون في عينيه كمتهاون وأجلب على نفسي لعنة لا بركة...وأخذت رفقة ثياب عيسو ابنها الأكبر الفاخرة التي كانت عندها في البيت، وألبست يعقوب ابنها الأصغر، وألبست يديه وملاسة عنقه جلود جديي المعزى...فدخل إلى أبيه...فقال يعقوب لأبيه: أنا عيسو بكرك، قد فعلت كما كلمتني، قم اجلس وكل من صيدي لكي تباركني نفسك...فجسه وقال: الصوت صوت يعقوب ولكن اليدين يدا عيسو...فليعطك الله من ندى السماء ومن دسم الأرض...لتستعبد لك شعوب وتسجد لك قبائل كن سيدا لإخوتك" هكذا في أعرافهم تؤخذ النبوة وولاية الأمر بالخديعة والغش.

 

وكما قلنا فان الفرس اعتنقوا في عهد الملوك الساسانيين الذي دام ملكهم زهاء أربعة قرون عقيدة الحق الإلهي المقدس، ولما ضاع هذا الملك عام 16هـ لم تنهزم هذه العقيدة من نفوس الفرس الذين أسلموا إلا قليلا منهم، ذلك أن " من العسير أن يمحو الجديد القديم كلية ومن هنا نخطئ كثيرا إذا تصورنا أن انتقال الفرس من أديانهم السابقة محا نهائيا تصوراتهم السابقة عن نظام الحكم"(47).

 

وحيث إن الإسلام أوجد انقلابا هائلا أصاب المعتقدات الفارسية بالصميم، فقد تولى الأمر بشر ليس فيهم من الآلهة شيء وليسوا معصومين وليست لهم قدسية، وحتى مظهرهم لا يوحي بشيء مما تختزنه الذاكرة الفارسية عن ملوكها، فشرط مشروعية ولاية أحدهم أن يقيم أمر الله، وحسابه واجب إن أخطأ أو قصّر، وعزله أوجب إن انحرف عن موجبات هذا التكليف، وذلك ما لم يكن معهودا في وعي الشعوب الإيرانية مطلقاً، فالزرادشتية تمزج بين الزعامتين السياسية والدينية في شخص الملك الذي تجري في عروقه الدماء النبيلة، وينطق باسم الإلهة، وحصر هذا الأمر في بيت واحد كحق إلهي ثابت.

 

وقد وجدوا في شخص الإمام علي خير بديل وعوض عن ملوكهم في ظل الواقع الجديد، بعدما أوحى لهم اليهود بذلك، وهو الجامع لقيم النبل والشرف والشجاعة والعلم والتقوى وابن عم رسول الله وزوج ابنته فاطمة الزهراء رضي الله عنها، أسنده عامل آخر هو أقرب كثيرا لوصل الواقع الجديد بالماضي التليد، فزين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين تسري في جسده الدماء الملكية الفارسية، لأنه أبن بنت أخر ملوك الفرس الساسانيين يزدجرد، والتي كان قد سباها المسلمون في معركة جلولاء مع أختين لها، ولكل ما سبق ذكره فلم تعترض أصحاب الأفاعي صعوبات كبيرة في إقناع فئات عديدة من الشعوب الإيرانية بتقبل هذا الدين المؤقلم وفقا لمتطلبات الخلفية الثقافية الفارسية واحتياجاتها، فنسجوا من حول آل البيت النبوي من موروث ثقافتهم من الأساطير وتأليه البشر حتى أخرجوا أنفسهم من الإسلام تماما وهم لا يعلمون.

 

أما إشاعة الفواحش بالمتعة، فهي مستقاة من عقائد اليهود والمجوس معا، في إباحة نكاح حتى المحرمات من النساء، وهما يشتركان بخاصية فريدة أن الأخ يحل له الزواج ببنت أخيه، وإذا صادف أن توفي الزوج فيحل للأخ أن يتزوج بأرملته، فيصادف أن تكون ابنته فيتزوجها، كما يشتهر عن النصيرية من الشيعة أيضا.

 

لم يكن زمن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام قول أو حتى تلميح بتحريف القرآن الكريم، ولو كان ذلك لوجدناه فيما نُقل عنه، أو ماروي عنه في نهج البلاغة مثلا، كما لم نجد نصا قال به أحد ممن تشيع لعلي في عهده، ثم إن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب في طليعتهم كانوا لا يترددون في قتل الأخ وابن العم من المشركين إعلاء لكلمة الله ونشر رسالة نبيه وصيانة لدينهم، فهل يمكن أن نتصور خيرة هؤلاء الصحابة، النفر الذين بُشروا بالجنة ومات الرسول وهو راضٍ عنهم يرتضي أحد منهم أن يُمس كتاب الله بسوء ناهيك عن التحريف لو كان حقا هناك تحريف كما يدعي المجوس واليهود سالبي فكرة التشيع من أصحابها ومؤسسي حزبهم بذريعتها؟

 

ولهذا فإن التشيع الذي نسجه الفرس عبر مراحل تكوينه مرورا بالمرحلة الصفوية الحاسمة وانتهاء بالمنهج الخميني فيما بعد لا علاقة له من قريب أو بعيد بمن تشيع لعلي بن أبي طالب يوم السقيفة، وخلال حياته رضي الله عنه.

 

فقد تطور هذا الفكر في مراحل لاحقة ليتشظى إلى فرق كثيرة، لتلافي مهاوي السقوط، وكان من بين أهم تلك الشظايا، الإمامية أو الإثنى عشرية، والتي ارتدت ثوبا يوهم الرائي بأنه معتدل، لكنه في حقيقته يحمل في طياته أخطر هذه المفاهيم وأبعدها أثرا، فقد اعتمدوا منطقا يبدو كأنه عقلاني حينما قالوا بأن ليس في الدين الإسلامي أمر أهم من تعيين الخليفة أو الإمام حتى تكون مفارقة رسول الله صلى الله عليه وسلم للدنيا على فراغ قلب من أمر الأمة، فإنه بُعِثَ لرفع الخلاف وتقرير الوفاق، فلا يجوز أن يفارق الدنيا ويترك المسلمين هملا يرى كل واحد منهم رأياً ويسلك كل واحد منهم طريقا لا يوافقه على ذلك غيره، بل يجب أن يعين شخصا هو المرجوع إليه، وينص على واحد هو الموثوق به المعول عليه، ووفقا لهذا فإنه قد عين علياً عليه السلام.

ولعلنا نجد في جانب من مناظرة أجراها القاضي أبو بكر العربي مع أحد مراجعهم في ذلك الحين حقيقة هذا الفكر الهادف للإساءة لآل بيت النبي وتشويه صورتهم:"فقلت: أمات الإمام المبلغ عن الله لأول ما أمره بالتبليغ أم هو مخلد؟ فقال لي: مات...فقلت هل خلفه أحد؟ فقال: خلفه وصيه علي، فقلت له: فهل قضى بالحق، وأنفذه أم لا؟ قال: لم يتمكن لغلبة المعاند، قلت له: فهل أنفذه حين قدر؟ قال: منعته التقية، ولم تفارقه من يوم العهد إلى يوم الموت، إلا أنها كانت تقوى تارة، وتضعف أخرى، فلما ولي، بقيت من التقية بقية، فلم يمكن إلا المدارات للأصحاب لئلا ينفتح عليه، من الاختلال أبواب، قلت: وهذه المدارات هي حق أم لا؟ قال: باطل أباحته الضرورة، قلت: فأين العصمة؟ قال: إنما تتعين العصمة مع القدرة، قلت: فمن بعده إلى الآن وجدوا القدرة أم لا؟ قال: لا، قلت: فالدين مهمل، والحق مجهول محمل، قال: سيظهر، قلت بمن؟ قال: بالإمام المنتظر"(48) وفي هذا المنطق الخطير إضافة إلى التجني على الإمام علي والحط من قدره واتهامه بالتفريط والمخالفة بعلة التقية، فإن هؤلاء ما أرادوا إلا إفراغ العربي المسلم من إسلامه وإفراغه من خزينه الحضاري على مرّ العصور، ففكرة كهذه تحقق هدفين مترابطين هما من أخطر ما حيك للأمة من مكائد:

 

أولهما: تجاهل أن الله تعالى قد اختار هذه البقعة من الأرض لتكون مسرحا، واختصّ هذه الأمة بكل مكوناتها من بين الأمم لتكون هدف الإعداد لاستخلاف الأرض، مرتبطة بتوحيد الله والإيمان به وسائر الفضائل والمكارم، منذ آلاف السنين، وعبر كل الرسل والأنبياء، فقد قال تعالى: { قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ}(49) وحتى آخر رسالاته السماوية التي ختم بها عملية الإعداد والتكوين القيادي، مبينا فيها كل ما يحفظ الإنسان من السقوط في مهاوي الزلل والخروج عن الغايات التي من أجلها خُلق { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}(50) وينسخ بها كل الشرائع التي سبقتها { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً}(51) وتكليفهم بما لم يطقه من كان قبلهم أو يقوى على النهوض به، فأعادهم بذلك إلى جادة الصواب، الحنيفية السمحة والفطرة السليمة، ورسخ فيهم قيمها وشرائعها وسلوكياتها بعد أن أزال عنها كل ما هو دخيل عليها، فقد قال تعالى: { وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ}(52) وشاء الله تعالى أن تكون هذه المخاضات العسيرة والممتدة على مسافة الزمن السابق سبيلاً لتربية هذه الأمة وإنضاجاً لها لتكون مرتكزاً للقيم والمثل، وسطاً بين الغلو والتفريط، فكل منهما على حافتي هاوية، فقال تعالى: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً }(53) وجعل ذلك لمن أوفى لله بحقه وعهده وانصاع لأمره وإرادته، فقال تعالى{ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}(54) وجعل الجهاد سبيلا لعقاب الله في الدنيا للكافرين والمجرمين مالم يكن من قبل، حيث كانت العقوبات تتم عن طريق الملائكة.

 

وثانيهما: محاولة الاستحواذ على مقدرات المسلمين بدواعي العصمة ليفعلوا ما كانوا يسعون لتحقيقه، فمفهوم الأئمة الإثني عشر يتيح لهؤلاء التلاعب بالإسلام كيفما شاؤوا ومتى أرادوا، والعمل على تغيير شرائعه وقيمه، ناهيك عن تشتيت شمل العرب، وهم عنصر هام وأساس فيه، فهم رواده، وتراثهم هو بعض قيمه، ولغتهم هي لسان وحيه، وهم نقطة الارتكاز الحافظة لشريعة الإسلام ودستوره، فنهاية هؤلاء الأئمة كانت ستعني نهاية الأمة والإسلام، والزمن الذي اختطوه حتى انقضاء عهد آخر هؤلاء الأئمة كأنه هو الزمن اللازم لمحو الإسلام وتحطيم كيان العرب، فلو كُتب لهذا المشروع أن يكون ما كانت ستفعل الأمة منذ عام 260هـ وحتى يومنا هذا؟ حتما كانت ستؤول إلى التشتت والضياع، وما كان سيعبد الله تعالى بعد ذلك، وذلك ما كانت وستبقى الأفاعي تسعى إليه، فهذه العقيدة لا تبيح إتباع إلا المعصوم وكل ما عداهم طغاة ظالمين مغتصبين، فمن كان سيتولى أمر الأمة إلا أن تقتسمها رؤوس الأفعى، كلٌّ له حصته، وها هي اليوم تقتسم بفعل آثارها.

 

وتلك والله هي الخدعة الكبرى التي أراد بها أعداء الله والإسلام والعرب أن تتحقق، وسلكوا في سبيلها كل الوسائل والسبل، لكن الله رؤوف رحيم بعباده وهو متم نوره ولو كره الكافرون.

 

ما قلناه آنفا ليس من هوى النفس أو من نسج الخيال، بل هي حقائق استندت إلى أحداث التاريخ ومصائبه منذ ألف وأربعمائة سنة من الزمن وحتى يومنا هذا.

 

فالشيعة - ولا نقصد هنا الذين شايعوا آل بيت النبي بتجرد من النوايا والأغراض، إنما حباً بهم وبرسول الله صلى الله عليه وسلم، إقراراً بفضلهم ومكانتهم، وهم كل أمة محمد - لكنا نقصد هؤلاء الأعداء الذين استغلوا آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم أبشع استغلال لتحقيق مآربهم، كانوا على مرّ التاريخ عونا وسندا ومحرضا لكل عدو وطامع بالعرب والإسلام، فشيعة الفرس كانوا سبباً دائماً في إضعاف كيان الأمة وتمزيق شملها وإضعاف دولتها منذ اغتيال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وحتى يومنا هذا الذي يشهد حلفهم المدنس مع الصليبيين والصهاينة وأفعى الجاهلية على تقاسم العراق  بعد احتلاله عام 2003م، فكما كانوا عون المغول وسندهم في احتلال بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية عام 1258م، وكما كانوا سند الصليبيين في غزواتهم للشام انطلاقا من سواحلها التي أمنها لهم الشيعة النصيرية، وكما كانوا ( الشيعة الفاطميين) حلفاءهم الذين أمكنوهم من فلسطين، هم اليوم حلفاء الأمس القريب حينما توحدت جهود الشيعة الفرس الصفويين مع حلفائهم الصليبيين واليهود فأوقفوا زحف العثمانيين على معاقل الصليب، ولن يكون العراق آخر من تنقضّ عليه رؤوس الأفعى الأربعة لتغرز أنياب سمها في جسده، فلا زالت في أمة العرب بقية ولا زال من الإسلام الكثير.

كما إن مفهوم العصمة والتوريث منافي للشورى التي أمر بها الله تعالى بقوله: { وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}(55) هذا القانون الذي وضعه الله تعالى كثمرة من ثمار الأهلية للنهوض بأعباء التكليف في استخلاف الأرض، فالشورى نظام شامل ومتكامل يحفظ للجماعة وحدتها وتماسكها ويمنع عليها أن تسقط في مهاوي الفرقة والتناحر، كما إنها الأسلوب الأمثل لاختيار ولي الأمر، ذلك أن الشورى توافق وانسجام ومراعاة لمصالح الجميع، والقرار الذي يصدر بالشورى يُلزم الجميع، لأنهم جميعا قد شاركوا في صنعه، كما إن إسناد المنتخب بالشورى من قبل أهل الشورى أمر تتطلبه اعتبارات اختيارهم، تماماً كما تفرض عليهم رقابة مسيرته من الزلل.

 

والأحداث كثيرة، بطون التاريخ حبلى بها، لكن أغلبها مبهم غير واضح للعيان نتيجة المكر والتقية التي أظهرتها في كثير من الأحوال على غير حقيقتها، وأحالتها إلى غير أسبابها.

 

وخلاصة القول فإن اليهود وضعوا ديناً وألزموا الفرس اعتناقه طائعين مختارين أو مرغمين، بعدما أحيوا فيهم ما خفت بريقه وغاب نجمه من إرثهم الحضاري بنور الإسلام وعدل العرب، شجعهم ودفعهم لذلك النصارى، وكلٌّ له أسبابه وغاياته ونواياه.

 

فالظاهر والباطن اتخذه الشيعة من علوم اليونان وثقافة اليهود وبخاصة من اليهودي فليون السكندري ( 30ق.م -54م)، وقد كان من أبرز الدارسين للفلسفة اليونانية والمتأثرين بها نصير الدين الطوسي الذي طبعها في منهج خلفه المجلسي.

 

أما الرجعة فقد جاء بها اليهودي عبدالله بن سبأ من النصارى، فيما جاء بالوصية من اليهودية، وتابعه تلميذه ابن حرب فنقل عقيدة الأسباط الاثنى عشر، ثم جاء بيان بن سمعان وهو من أصل يهودي كذلك بمناهج التأويل والتشبيه، ثم لحق بهم المغيرة بن سعيد بمظهر وصيغة مطورة من التشبيه، وهو وإن لم يكن يهودياً فإنه كان يتعلم السحر على يد يهودية وينهل من خبثها، وقد أسلفنا في فكرة الغائب المنتظر التأثيرات المسيحية واليهودية.

 

ولعل المنتظر بصيغته الشيعية الفارسية يدل دلالة قاطعة على كل ما قلناه، فهو مصمم كليا لضرب الإسلام من جذوره، وتشويه أنصح صفحاته حتى في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يختلف اثنان على أن عصر الخلفاء الراشدين كان أنقى العصور وأدقها تعبيرا عن رسالة النبي ومنهجه، وهم يستهدفون بهذه الغيبة والانتظار تلك المرحلة بكل تفاصيلها، فجعلوا أولى مهامه بعد الظهور ليس محاربة أعداء الله اليهود والنصارى والمجوس، وكيف يفعل وهو من بنات أفكارهم، بل هي الحرب على خلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم، فكيف يُعتزّ بتاريخهم إذن؟

 

والدليل نلتمسه من المهمات التي تنتظر المنتظر لينهض بها عند ظهوره وإلا لن يكون مهديا، فماذا سيفعل؟

يحكم بحكم داود وسليمان ولا يُسأل بينة، كما ورد في الكافي للكليني 1/462، وهذا تكذيب للإسلام، فشريعة محمد صلى الله عليه وسلم ناسخة لكل الشرائع التي قبلها في كتاب الله، لقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً}(56)

 

يضرب " فساطيط يُعلّم فيها القرآن على ما أُنزل فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم لأنه يخالف فيه التأليف" كما ورد في كتاب الإرشاد للمفيد ص365، وهذا يعني أن كتاب الله، دستور المسلمين، قد حُرِّف وبُدِّل، والله تعالى يقول : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(57) فهو تكذيب لقول الله تعالى، وهو أيضا تنفير من الإسلام، فإذا كان الدستور قد حُرِّف بأي شيء يعتدّ المسلم إذن، وعلى أي دستور يعتمد؟، ولهذا لا تجد منهم من يقرأ كتاب الله، القرآن الكريم، أو يهتم بشؤونه إلا ما ندر، وهو ما يجعلهم يستخدمون الدعاء في الصلاة والمناحات في المساجد، بدل القرآن الكريم، فأي إسلام يعتنقون وقد تخلوا عن دستوره.

 

يعرج إلى الجزيرة فـ" يهدم المسجد الحرام حتى يرده إلى أساسه، ومسجد الرسول" كما ورد في كتاب الغيبة للطوسي ص284، وهذا تشكيك آخر يمس ركنا من أركان الدين، فالمسجد الحرام قبلة المسلمين في صلاتهم، فهم إذن يتوجهون في صلاتهم إلى قبلة مزورة، فلِم الصلاة إذن؟ والحج إلى بيت الله وهو المسجد الحرام، وقد بُدِّل فلم الحج؟، وبهذا فقد هدموا كل ما في الإسلام كما ترى وباسم الإسلام وآل بيت النبي. وهو لايعرج قبل كل شيء -حسب زعمهم- صوب المسجد الأقصى ليحرره من غاصبيه اليهود الأنجاس، تقديراً للصهاينة على دعمهم وانسجاماً مع حلفهم!.

 

ثم ( يخرجهما " الشيخين" غضين رطبين فيلعنهما ويتبرأ منهما ويصلبهما ثم ينزلهما ويحرقهما ثم يذريهما في الريح ) كما ورد في بحار الأنوار للمجلسي 52/386، وهذا كما قلنا بهدف خلق الفجوة بين أفضل عصور الإسلام والمسلمين كي لا يقتدوا بها ولا يمدون الجسور إليها ليستنهضوا الهمم، وفي هذا انتقاص من الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، وأي انتقاص، فهل كان رضي الله عنه وهو الشجاع المغوار الثابت على الحق مسلوب الإرادة فيتولى هذين المُراد صلبهما ويصلي خلفهما ويشاورهما ويتولى أمورهما وهما على ما وصفهما أهل الصلب وذرّ الرماد؟ ثم أليس في هذا تشويه للإمام علي بتصويره على أنه خائف وجبان ولا يجرؤا على استخلاص حقوقه، فكيف يستخلص حقوق الرعية إذا كان كذلك؟ حاشاه والله من زورهم وبهتانهم، لكنهم اتهموا من هو أكرم منه، فقد اتهموا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدم إتمامه الرسالة، وسيكملها هذا المنتظر، فهذا تأكيد على أن هذا التشيع الذي اختط مناهجه اليهود والنصارى والمجوس يسندهم جهَّال العرب، ما كان ليكون إلا لنكبة العرب في اعزّ مقدساتهم، واستعادة كل ما سُلبوه. وإلا لو كان الأمر يتعلق بالحدود وإقامة العدل أو الانتقام ممن أساء لآل البيت الطاهرين فكان أوجب عليه أن يستخرج يزيد بن معاوية الذي في عهده أُرتكبت أبشع جريمة وأخسها، حينما احتزت هذه الشيعة بسيوف جيش عبيدالله بن زياد راس الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام وأبادوا أهله وقتلوا أطفاله وأذلوا نسائه، وطافوا برأسه الشريف المدن والبلدان، أو على الأقل الذين نفذوا تلك الجريمة النكراء، أو يستخرج الأشقى ابن ملجم الذي اغتال أمير المؤمنين وخليفة المسلمين وإمام شيعته علي بن أبي طالب عليه السلام، أو يستخرج الشيعة الذين نهبوا إمامه الثاني الحسن بن علي عليهما السلام وسلبوه ثوبه وطعنوه، أو يستخرج قتلة جده زيد بن علي بن الحسين عليهم السلام فيقتلهم ثم يصلبهم ثم يحرقهم ثم يذروهم في نهر الفرات كما فعلوا به من قبل، لكنهم والله ما أرادوا هذا، فهم الذين كانوا خلف هذه الجرائم المنكرة كلها، هم أغروهم ودفعوا بهم ثم خذلوهم وسلموهم للقتل، كما فعلت اليهود قتلة الأنبياء من قبلهم. وهم ما كانوا يريدون لأحد من آل البيت خيرا، ولاهم لهم من الناصحين، ولا أرادوا لأحدهم ولاية أمر، بل أرادوهم وسيلة لتحقيق جملة من الأغراض والأهداف الشيطانية، وقد اتخذوهم وسيلة لتحقيقها، فحتى الغزو الصليبي الصهيوني للعراق عام 2003م صالوا في أذياله مدعين نصرة آل بيت النبي، فأي نبي وأي آلٍ هؤلاء الذين يعبر عُباد الصليب واليهود الكفار بكتاب الله العزيز البحار والمحيطات ويفتكون بالعرب والإسلام ويريقون دماء الملايين منهم كي يمنحوهم حقاً ضائعاً وملكاً مغتصبا؟ فقد فعلوا بزيد بن علي عام 121هـ كما فعلوا من قبل بالحسن والحسين تماما، دعوهم وأغروهم والحوُّا عليهم حتى إذا ما صاروا تحت أيديهم أسلموهم للقتل والتنكيل، ثم يذهبون بعدها للبكاء والنحيب عليهم، وقد يعجب البعض ويستغرب من هذا، لان هذه الأحداث الأولى كان مسرحها العراق والكوفة تحديدا، وليس ارض فارس، فذلك لأنهم لا يعرفون كل حقائق التاريخ وحيثياته، بعدما وضعت رؤوس الأفعى بينهم وبين تاريخهم حواجز نفسية عديدة، كما بينا، فالفترة التي نتحدث عنها غير منفصلة عن سابقتها، والعراق كان محتلا من قبل الفرس حتى عام 13هـ حيث بدأت معارك التحرير، وبعد اكتمالها عام 16هـ لم يُطرد الفرس واليهود والنصارى الذين كانوا يقطنون العراق ممن لم يحملوا السيف بوجه العرب المسلمين، بل أقروهم على أعمالهم وأموالهم، تؤكدها شهادات التاريخ، فقد " كانت ولاية خالد - القسري - العراق في شوال سنة خمس ومائة وعزل في جمادي الأولى سنة عشرين ومائة، ولما ولي يوسف - بن عمر الثقفي – العراق كان الإسلام ذليلا والحكم فيه إلى أهل الذمة "(58) بل لقد تعزز وجود هؤلاء أكثر فأكثر بعد تحرير العراق، ولا ينسى أن العرب طيبون كرماء يأوي إليهم الغرباء فيوسعون لهم الأجفان والقلوب، وتلك فطرتهم، فالقدس وعموم أرض فلسطين لم يكن فيها من اليهود إلا أعدادا قليلة جدا تكاد لا تذكر، والعرب يعلمون بما يطمح له اليهود ولما يسعون، مع ذلك لم يمنعوا عليهم الهجرة إلى فلسطين والتكالب عليها حتى صاروا نسبة تعد بين النسب ثم غلبوا أهلها عليها بالمال والقوة. ثم من أين جاء هذا المنتظر بالرخصة في إخراج الأموات من قبورهم وصلبهم ولعنهم وحرقهم وكلها تمثيل بهم، والرسول محمد صلى الله عليه وسلم نهى عن المُثلة أن تُمارس على الكافر، فكيف بالمسلم!.

 

وقبل كل هذا يبدأ بقريش يقتلهم أرتالا، كما فعل الفرس بأسرى العراق العُزّل عام 1981م في البسيتين حينما قتلوهم أرتالا، لكنه لا يقتل ملوك الفرس الذين نصبوا أنفسهم آلهة، ولا يقتل اليهود قتلة الأنبياء، ولا يقتل النصارى الذين جعلوا لله شركاء من خلقه، بل يذهب إلى قريش الذين مهما فعلوا فهم يقولون: لا إله إلا الله لا نعبد إلا إياه.

 

ثم يُعرض عليه " كل ناصب عليه فإن أقرّ بالإسلام وهي الولاية وإلا ضربت عنقه أو أقرّ بالجزية فأداها " كما ورد في بحار الأنوار للمجلسي أيضا 52/373، وفي هذا يجعلون الإسلام يُختصر بولاية المهدي، وكل شريعة الإسلام غير مطلوبة بل يعدونها كفراً بإسلامهم، وهذا غاية المطلوب وبيت القصيد.

 

ثم يستخرج " من ظهر الكعبة سبعة وعشرين رجلاً، خمسة عشر من قوم موسى الذين يقضون بالحق وبه يعدلون، وسبعة من أصحاب الكهف، ويوشع وصي موسى، ومؤمن آل فرعون، وسلمان الفارسي، وأبو دجانة الأنصاري ومالك الأشتر " كما ورد في بحار الأنوار للمجلسي 52/346، فما كان أجدى له أن يستخرج جده الإمام علي بن أبي طالب فهو أقضى من آمن برسالة ربه الخاتمة والناسخة لما قبلها، ثم كم هم أهل الكهف إن كان يستخرج منهم سبعة فقط؟ ألا تلاحظ أن كل الذين تمت تسميتهم لأهداف تتعلق برؤوس الأفعى وإن اختلفت النسب، فلأن الأدوار مختلفة، أما أبو دجانة فقد حُشر حشرا واضحا للتمويه أو ربما لتعزيز الصورة بأحد الشجعان المشهود لهم، وأما الأشتر فحسبته معروفة لأنه من رؤوس الفتنة التي ذهب ضحيتها الخليفة عثمان ين عفان رضي الله عنه، وهو من الذين غلبوا الإمام عليّ على أمره حين توليه أمر المسلمين.

بعد هذا الذي خططوا ونفذوا هل أبقوا من الإسلام شيء؟ لا حول ولا قوة إلا بالله.

 

دلائل كل هذا في بطون التاريخ بأحداثه الجسام، مرّ عليها الكثير ولم يلتمسوا فيها دليلا ولا برهانا، فالسرية التامة والتقية الخبيثة كانت في أغلب الأحوال عائقا أمام العقل أن يستشف منها شيئا، وسنحاول في الفصل التالي أن نبين حقيقة بعض هذه الأحداث وأهدافها الخفية بما يعزز ما ذهبنا إليه.

 

--------------------------------

(1) سورة الروم، الآية: 32.

(2) سورة الأنفال، الآية: 72.

(3) سورة الأنفال، الآية: 74.

(4) سورة الفتح، الآية: 18.

(5) ابن الأثير، الكامل في التاريخ، المجلد4، ص319، دار الكتب العلمية، ط1، بيروت 1987م.

(6) سورة الشورى، الآية:38.

(7) سورة التوبة، الآية:108.

(8) ابن هشام، السيرة النبوية، ص817، دار الكتاب العربي بيروت 2005م.

(9) الزبير بن بكار، الأخبار الموفقيات، ت د. سامي مكي العاني، ص47، عالم الكتب ط2،1996 بيروت.

(10) سورة الحجرات، الآية:11.

(11) سورة الحجر، الآية: 47.

(12) سورة القلم، الآية:4.

(13) سورة التوبة، الآية:80.

(14) ابن الأثير، مصدر سابق، المجلد2، ص161.

(15) سورة المنافقون، الآية:8.

(16) ابن الأثير، مصدر سابق، م2، ص102.

(17) ابن الأثير، مصدر سابق، م2، ص102.

(18) الطبري،ج5،134.

(19) سورة الأنعام، الآية:43.

(20) سورة البقرة، الآية:75.

(21) سورة البقرة، الآية:79.

(22) سورة البقرة، الآية:85.

(23) سورة البقرة، الآية:87.

(24) سورة البقرة، الآية:89.

(25) سورة البقرة، الآية:91.

(26) سورة البقرة، الآية:92.

(27) سورة البقرة، الآية: 96.

(28) سورة البقرة، الآية:97.

(29) سورة البقرة، الآية:102.

(30) سورة البقرة، الآية:109.

(31) سورة البقرة، الآية:113.

(32) سورة البقرة، الآية:120.

(33) سورة البقرة، الآية: 116.

(34) سورة البقرة، الآية: 165.

(35) سورة البقرة، الآية:170.

(36) سورة البقرة، الآية:174.

(37) د.صابر عبدالرحمن طعيمة، دراسات في الفرق، مكتبة المعارف، الرياض.

(38) سورة البقرة، الآيات:204-206.

(39) د.صابر عبدالرحمن طعيمة، مصدر سابق، ص13.

(40) هادي العلوي، نظرية الحركة الجوهرية عند الشيرازي،ص24، مطبعة الإرشاد ط1 1971 بغداد.

(41) المصدر السابق، ص24.

(42) المصدر السابق، ص25.

(43) المصدر السابق، ص25.

(44) سورة الحشر، الآية:2.

(45) رشيد رضا، تفسير المنار،ج1،ص10.

(46) سورة النساء، الآية:46.

(47) د صابر طعيمه، الأصول العقدية للإمامية،ص13، مكتبة مدبولي، ط1،القاهرة 2004م.

(48) القاضي أبو بكر العربي، العواصم من القواصم،ج1،ص46،دار التراث القاهرة.

(49) سورة آل عمران، الآية:137.

(50) سورة الذاريات، الآية:56.

(51) سورة الفتح، الآية:28.

(52) سورة الحج، الآية:78.

(53) سورة البقرة، من الآية:143.

(54) سورة النور، الآية:55.

(55) سورة الشورى، الآية:38.

(56) سورة الفتح، الآية: 28.

(57) سورة الحجر، الآية:9.

(58) ابن الأثير، مصدر سابق، م 4، ص439.

 

 

للإطلاع على مقالات الكاتب إضغط هنــا  
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الجمعة  / ٠٩ جمـادي الاولى ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٢٣ / نيسـان / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور