حيرة الدبلوماسية العراقية بين قمتي سرت و نوروز

 
 
شبكة المنصور
ضحى عبد الرحمن - كاتبة عراقية
تضطلع وزارة الخارجية بمهام رئيسية أهمها التمثيل الدبلوماسي في دول العالم بغية بناء وتطوير العلاقات السياسية والإقصادية والثقافية مع العالم الخارجي. علاوة على إدارة العلاقات الدولية وتنظيمها في المؤتمرات والإجتماعات في المحافل الدولية وتوظيفها لخدمة المصالح الوطنية العليا, كذلك عقد الإتفاقيات والمعاهدات الثنائية أو المتعددة الأطراف, ورعاية مصالح الدولة ومصالح مواطنيها في الخارج.


وزارة الخارجية كما هو معروف تعتبر القناة الرئيسة لتنفيذ السياسة الخارجية لأي بلد وهي التي تصيغ القرارات السياسية للقيادات العليا في الدولة ضمن إطار العلاقات الدولية وتقدم التوصيات اللازمة بشأنها. كما انها تتولى مسئولية التفاوض بشأن المصالح الوطنية مع بقية الأطراف سواء كانت حكومات أو منظمات أو أحلاف دولية. ووسيلتها في إنجاح المفاوضات يعتمد على إمكاناتها التفاوضية وخبرتها في مجال القانون الدولي والأعراف الدولية وإستيعابها للغة الحوار وتبادل الأراء وفهم التطورات الجارية فى الساحة الدولية وتأثيراتها الإقليمية، والمشاركة في تعزيز الأمن والسلم الإقليمي والدولي، مع توفر كم هائل من المعلومات ذات العلاقة بعملها وتنوع طرق الإتصال والمرونة في المحادثات والتأني في إطلاق التصريحات.


احتل العراق بعد الغزو الأمريكي أدنى مرتبة في تأريخه الدبلوماسي ـ شأنه شأن بقية القطاعات ـ والذي كان مشرقا وموضع اعجاب العالم. وشهدت اروقة الأمم المتحدة أعرق الوجوه الدبلوماسية العراقية منذ تأسيسها ولغاية الغزو, كما شهدت وزارة الخارجية وزراء مميزين في تأريخهم السياسي الحافل وحضورهم الفاعل في الساحتين العربية والدولية. ومنذ الغزو لحد هذه اللحظة استأثر الأكراد بوزارة الخارجية وبقى الزيباري في ساحتها بإعتباره (ممثل الاكراد الدائم في وزارة الخارجية) فلا أحد يستطيع ان يزحزحه من منصبه بما في ذلك المالكي وسلفه وربما خلفه. والزيباري ينفذ توجيهات البرزاني ولا يقبل وصاية رئيس الحكومة. كما ان مصالح العرب العليا لا قيمة لها أزاء مصالح الأكراد. وعليه لم نشهد له موقفا مميزا لخدمة الوطن منذ تسلمه منصبه الاكسيري الدائم. ونستذكر الفوضى في التصريحات الهزيلة التي جرت خلال إحتلال إيران آبار نفطية في مجنون قبل عامين تقريبا وطرد الفنيين العراقيين منها والإعتداء على البعض منهم. الذي تلاه صمت دبلوماسي مطبق إتجاه إحتلال مناطق في الشلامجة من قبل جارتنا المسلمة للنخاع. فلم تشير وزارة (آل زيباري) لها وتكتمت عنها لغاية في قلب يعقوب! نفس الأمر تكرر مع إحتلال جزيرة أم الرصاص وميناء خور العمية. أما إذا نطقت الوزارة فتكون المصيبة أعظم ونتذكر مواقفها المثيرة للسخرية بشأن المشكلة مع سوريا سبق ان تحدثنا عنها في مقال سابق حيث أثبتت فيها وزارة الخارجية بكفاءة منقطعة النظير بأن درجتها التفاوضية في إدارة الأزمات تعادل الصفر على المحرار الوطني والعربي. وان موقف الوزير الزيباري كالزئبق صاعد نازل حسب سخونة مناخ المصالح الكردية!


هذا الاسبوع بدأت أعمال القمة العربية في الجماهيرية الليبية وقد تميزت مشاركة العراق بمستوى ضعيف مثله وزير(غير عربي) يكره العرب في (محفل عربي). أما الرئيس الطالباني الذي حظي بإستهجان فخم يليق به من الرؤساء المشاركين في القمة بسبب سخافة تعذره عن الحضور. فهو الأخر لاعلاقة له بالعرب بل هو وتؤأمه في العمالة البرزاني يزدرون كلمة عرب! وكلاهما من المتفوقين في امتحان مادة الدستور الخبيث وإستئصال العراق من خارطة الأمة العربية واعتبار الشعب العربي في العراق جزء من الأمة العربية! لذلك فقد فضل ان يشارك في قمة نوروز بدلا عن القمة العربية. لكن الحقيقة ليست كذلك كما انطلت على البعض! وإنما لأخذ موافقة الولي الفقيه في شأن سفيه وهو تشكيل الحكومة القادمة وفقا لوصاية الفقيه على السياسيين القاصرين. وقمة نوروز هي اعتراف صريح من الطالباني بأن الطريق إلى إيران أفضل من الطريق إلى العرب. وقد استصحب معه نائبه عادل زوية وتبعه محمود المشهداني ونوري المالكي كما أن مقتدى الصدر الذي يجري بروفة لدرجة آية الله موجود هناك. وهذا التصرف غير المسئول من شأنه ان يلجم فم كل تافه وأحمق ينكر التدخل الإيراني في الشأن العراقي. فلم نرى عمالة بهذا المستوى الرقيع.


الزيباري الثعلب الدبلوماسي الكردي الذي نجح في تحويل وزارة الخارجية العراقية وسفاراتها إلى منبر خاص بالأكراد وحقق الكثير من أحلامه الصفراء، ظن من السهل خداع العرب البعيدين مع الأسف عن الساحة العراقية بإنجزات حكومتة السرابية التي هبطت بالعراق إلى الدرك الاسفل من الفساد. مطالبا ان يجري الإجتماع القادم للقمة في العراق حسب التسلسل. وقد فات البعض بأن الزيباري الذي تذرع بالأوضاع الأمنية الجيدة كان يرمي لأمر آخر وهو دفع العرب لعقد القمة القادمة في اقليم كردستان وهي أكبر دعاية يمكن أن يظفر بها. لكن وزير الخارجية السوري وليد المعلم كشف اللعبة متذرعا بأن عقد القمة في العراق يعني الأعتراف بالأحتلال الأمريكي من جهة والاعتراف كذلك بتحسن الأوضاع الأمنية من جهة اخرى وكلاهما أمر خطير. الحقيقة ان هذه المهمة انيطت بالمعلم حصرا ليعبر عن الإرادة العربية. لأن بلده يستضيف حوالي مليون ونصف عراقي فأي تحسن أمني يسفسط به الزيباري! أن فشل المسرحية الزيبارية جعل مخرجها في موقف الجندي المهزوم. لذلك ركل الدبلوماسية جانبا وهجم على نظيره السوري بكلام لا يتفوه به ابن شارع. واستقبل ضرغام الدبلوماسية السورية إنفعال الثعلب بإبتسامة هادئة كأنه يقول للزيباري" زيباري وين دبلوماسية وين".


الحقيقة ان الزيباري حضر القمة بوجه مكهفر واعصاب تالفة ليثير المشاكل وليس ليناقشها أو يحلها. بعد أن طرق سمعه لقاء الزعيم الليبي معمر القذافي بوفد عراقي غير رسمي امتعض من هذا اللقاء. متجاهلا اهم عرف في الدبلوماسية وهو مراعاة حدود الضيافة وعدم تجاوزها فالرئيس القذافي رئيس دوله ذات سيادة حقيقية وليس مزعومة كالعراق! ومن حقه ان يلتقي بمن يشاء اينما يشاء وقتما يشاء سواء بوفود رسمية او غير رسمية، وهو غير معني بتفسير تصرفه لأحد سواء لوزير خارجية يجهل ابسط الأعراف الدبلوماسية أو لغيره.
المزحة الثقيلة كانت في توجيه المالكي للزيباري بأن ينسحب من القمة ويترك الحبل الدبلوماسي بيد رد لألوسي وهذا الأخير كان بدرجة سكرتير ثالث قبل أن يهرب وينضم لجماعة أياد علاوي بعد صدور أمر نقله للعراق. ومنصب سفير مثل بدلة قياسها أكبر من حجمه بأضعاف.

 

الحقيقة من الصعب فهم وتفسير الدافع الذي حدا بالمالكي لهذه المزحة! فهو يعلم جيدا بأن الزيباري لم ينفذ أوامره وهو في أوج قوته وسلطته كرئيس حكومة فكيف سينفذها وقد صرف من منصبه؟ لكن الزيباري إستعان لحل هذا السؤال بقريب وليس صديق( مسعود البرزاني) الذي اكد له بأن يستمر في تمثيل العراق وضرب توجيه المالكي عرض الحائط كي يكسب المليون. وهكذا فعل الزيباري وهكذا سكت المالكي.

.
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الجمعة  / ١٧ ربيع الثاني ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٠٢ / نيسـان / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور