هل الوطنية شعار مرحلة أم منهج عمل في العراق ؟

 
 
شبكة المنصور
د. مثنى عبد الله - باحث سياسي عراقي
ها قد وضعت حرب –الانتخابات – أوزارها في العراق أو هكذا كان يفترض لها أن تكون , بعد أن فاز فيها من فاز وخسر فيها من خسر , وبعد أن أستخدم الجميع كافة الاسلحة ضد بعضهم البعض , بدأ من التخوين الذي هو القاسم المشترك الاعظم فيما بينهم , مرورا بنشر الغسيل القذر الذي مورس خلال السبع سنوات الماضية , والذي أشترك فيه الكل , وصولا الى أتهامات التزوير التي طالت الجميع , والتي كان خطها البياني يخبو أو يعلو , حسبما يشعر كل طرف بأن الطرف الاخر قد بدأ يأكل من جرفه , سواء بأرادة المواطن الحرة أو بأرادة القوى الاقليمية والدولية التي تقف خلف هذا أو ذاك , لكن أوارها قد أستعر أكثر من السابق , فلوح البعض بأستخدام الحل العسكري أن خرج الموضوع عن نطاق السيطرة , والقاء القبض على عناصر ماتسمى الهيئة المستقلة للانتخابات , التي سارع المحتل لتطويق مقرها بالمدرعات الامريكية وحماية صناديقها الانتخابية من محاولات حكومية قد تجري بهدف السرقة أو التزوير , كما هددت القوائم الفائزة بأنزال عناصرها ومؤيديها الى الشارع في محاولة لفرض الامر الواقع الذي أفرزته صناديق الاقتراع , وتشكيل حكومة تحقق أهدافها وبرنامجها الانتخابي , بعد أن رفعت المحكمة الاتحادية في تفسيرها لمعنى القائمة الفائزة , الغطاء الدستوري الذي تمسك به الاخرون في أحقيتهم بتشكيل الحكومة المقبلة , عندما أفتت بأن الذي يحق له تشكيل الحكومة هو من سيدخل قبة البرلمان منفردا أو متحدا مع قوائم أخرى , ومحققا أكبر عدد من المقاعد الانتخابية التي تمكنه من تشكيل أغلبية مريحة , تمكنه من فرض مرشحه على الاخرين .


لقد وضعت نتائج الانتخابات الاخيرة أصحاب ( العملية السياسية ) رأسا برأس ووجها لوجه , كل يستعد لمناطحة الاخر بقرون أمريكية ومن يحالفهم من العرب , وأيرانية وتركية وأسرائيلية ولان ليس من بين الجميع من له قرون طين , فأن الخاسر الاكبر سيكون شعب العراق , أذا مادوى الانفجار الاكبر , وأصطرعت على أرضه كل هذه القوى , كل يبغي تحقيق مصالحه الستراتيجية وتأمين متطلبات أمنه القومي وجعل العراق حديقة خلفية لهم , يقطفون ثمارهم منها أنا يشاؤون , والتي ظهرت بصورة مقززة في تحركات أمريكية تدعم هذا الطرف على حساب الاخر المحسوب على أيران , ليس لسواد عيون العراقيين بل لتعبيد الطريق لقوات الغزو كي تستقر في قواعدها الامنة من دون خسائر , أو لتأمين رحيل قسمها الاخر الى محرقة أفغانستان , كما أن أيران تحركت هي الاخرى لجعل مستقبل حلفائها مضمونا وتحت السيطرة في صورة أكبر قتامة وأستفزازية , بعد أن أوعزت لهم فتقاطروا عليها زرافات ووحدانا , بعضهم بحجة المشاركة في أحتفالات نيروز التي لاتدانيها قمة سيرت العربية , وبعضهم بحجة الوقوف على رأي الشركاء السياسين الفارين الى أيران المعارضين لتولي المالكي ولاية أخرى
بينما الهدف الحقيقي هو الاستماع الى أراء نجاد , الذي سبق ودعى في خطاب رسمي الى منع البعثيين من دخول الانتخابات , في تدخل فاضح على أعلى المستويات , والتي قصد بها كافة القوى التي لاتصطف مع نهجه , وكذلك توجيهات قاسمي سليماني الحاكم الفعلي للقسم الشرقي من المنطقة الخضراء .


لقد سقط لباس الوطنية التي أرتداها زعماء الكتل والاحزاب المشتركة بما يسمى ( العملية السياسية ) في أول محطة أختبار للمصداقية , وتبين زيف أقوالهم التي شنفوا بها أسماع الناس , وأدعاتهم الباطلة بالحرص على العملية الديمقراطية , وهم يتدافعون بالايدي والمناكب من أجل المناصب مستقوين بالاجنبي كي يقصي بعضهم بعضا , متناسين بأنهم أنما يدخلون الشعب والوطن في نفق مظلم من أجل مصالحهم ومصالح من يدينون بالولاء لهم , كما سقطت شعاراتهم التي أمتلات بها ساحات الوطن , وصورهم التي كانت تشير بجمل مبنية للمجهول لمدى الحقد والضغينة التي يحملها بعضهم للاخر , وها هم يكرسون مجددا وضعا أنقساميا تشرذميا مستفزا , يعيد أنتاج صور الجثث المجهولة الهوية , والتقسيم الطائفي الحاد على وقع الاصوات الهاتفة ( انت لها يا أبا حمزة ) فيجيب الطرف الاخر ( أنت لها يا أبا أسراء المالكي ) برفقة عشرات الكتاب والقنوات الفضائية العراقية والعربية , التي بات من السهل جدا تشخيص بأسم من يكتبون وينطقون , وبمال من يسطرون ويبثون كل هذه السموم الطائفية والعنصرية


وكأن قدر العراق أن يبقى محكوما بهذه الثنائية البغيضة , بينما تختفي الاصوات المعارضة لهذا المنهج لاسباب موضوعية يحكمها قانون الارهاب العالمي الذي وضع على رقابهم كالسكين , أو لاسباب ذاتية سببها عدم مقدرة البعض على مغادرة الماضي , والعمل الموحد من أجل العراق , فلازال المعارض الشيوعي الوطني يتجنب التلاقي بالقومي , والقومي بالاسلامي بسبب صور الماضي التي لازالت في الذاكرة , في وقت يفترض أن تكون فيه محنة الوطن الحالية خير موحد لنا .


أن القول بمغادرة الطائفية السياسية , ونجاح خيار الصندوق الانتخابي , أنما هي أبغاث أحلام
فها هي الصناديق اللعينة تنتج نفس الوجوه التي حكمت وشاركت في مأساة العراقيين , وتعيد الينا ماكان موجودا أصلا في الساحة السياسية , وأذا كانت قائمة ما قد حققت تقدما طفيفا على غيرها , أعتبره البعض بأنه فتح الفتوحات , فأن السبب في ذلك لم يكن لمنهجها العلماني كما قالوا , بل لاحتوائها على رأس أستقطاب طائفي معروف مارس السلطة طوال سبع سنوات , ورأس أستقطاب عشائري رافق المالكي نائبا له , ورأس أستقطاب مناطقي , ورؤوس أستقطابات أخرى , أضافة الى زعيم القائمة الذي يعترف بأنه وكيل الاحتلال وأجهزته منذ أن كان في المعارضة , وبذلك فلا يغرنكم قول البعض بأنهم المنقذين من الظلال , وأصحاب التغيير والتجديد ودولة القانون , لانهم هم أنفسهم الذين تعاملوا مع قضايا الوطن والمواطن على أساس حسابات الصفقة ( خذ وهات ) فيما بينهم , من أجل بقائهم على سدة الحكم ولو كانوا صادقين في أقوالهم , لانتخوا لشعبهم وغادروا مواقعهم التنفيذية والتشريعية , وأصطفوا معه في معاناته , لا أن يخصصوا جلسات البرلمان العتيد لسن قوانين الحصانات والامتيازات الخاصة بهم , والتي كانت تمر سريعا مرور البرق , بينما غالبية شعبهم يعاني الجوع والبطالة والفقر المدقع , فهل بعد كل ذلك يمكن أن تغطى الشمس بغربال ؟


أن المنهج الستراتيجي الوحيد القادرعلى أنقاذ العراق من مأزقه, هو أعادة بناء خيمته الوطنية دون ربطها بأوتاد أقليمية ودولية, بل بأرادة وطنية ونفس عروبي يستنهض تاريخه وتراكماته الحضارية , وأن هذا الدور هو يقينا حكرا على أصحاب المنهج المقاوم في العراق والامة .

.
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاثنين  / ٢٠ ربيع الثاني ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٠٥نيسـان / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور