صراع الإرادات بين القط الأمريكي والفأر الإيراني ... إلى أين ؟!!!

 
 
شبكة المنصور
دجلة وحيد

قصة الصراع الظاهري بين الولايات المتحدة ونظام ملالي قم وطهران قصة طويلة ترجع جذورها الى نهاية العقد السابع من القرن الماضي بعد سقوط نظام الشاه وسيطرة خميني وأعوانه على أمور البلاد من خلال إلتفافهم على القوى اليسارية والشعبية التي قامت بالتمرد الفعلي ضد نظام الشاه  محمد رضا بهلوي وأسقاطه الى مزبلة التاريخ. ضرب القوى اليسارية والشيوعية الإيرانية من قبل أعوان خميني قبل سطوهم الكلي على نظام الحكم لم يكن يحصل بدون مساعدة مخابرات الدول الغربية وخصوصا وكالة المخابرات المركزية الأمريكية التي ساعدت على إزالة الشاه ومهدت الجو والظروف الموضوعية لمجيئ خميني الى إيران لأن الدول الغربية لم تتقبل نظام يساري في طهران مجاور الى الإتحاد السوفيتي الذي كانت له علاقة طيبة مع النظام الماركسي الحاكم في أفغانستان آنذاك والذي تدخل فيها وإحتلها بشكل مباشر فيما بعد. السماح لصعود خميني واعوانه الى دفة الحكم في إيران كانت أيضا بداية لمحاولة زعزعة النظام الوطني في العراق ضمن خطة هنري كيسنجر لإحتلاله وتقسيمه والإستحواذ على موارده النفطية.

 

النزاع الظاهري الأولي بين نظام خميني والولايات المتحدة حدث بعد حصول الإحتجاجات في طهران على إثر زيارة الشاه المخلوع الى الولايات المتحدة في نوفمبر/تشرين ثاني عام 1979 من أجل علاج مرض السرطان الذي اصابه. الإحتجاجات الإيرانية المطالبة بعودة الشاه من الولايات المتحدة الى إيران والقصاص منه ورفض إدارة الرئيس جيمي كارتر لتلك الطلبات أدت الى دخول الحرس الثوري الإيراني وبعض الإيرانيين المتعاطفين معه الى السفارة الأمريكية في طهران وإحتلالها وإحتجاز 53 موظفا أمريكيا فيها. العلاقات الأمريكية-الإيرانية زادت سوءا على إثر المحاولة الفاشلة للقوات الأمريكية لإنقاذ الرهائن الأمريكان الذين إستمروا محجوزين في السفارة المحتلة لمدة 444 يوما. خلال تلك الفترة وبصورة سرية ساعدت المخابرات المركزية الأمريكية أعوان خميني على السيطرة على أمور الدولة الإيرانية ومطاردة القوى اليسارية المضادة لحكم خميني الثيوقراطي الذي خان مبادئ الثورة وتضحيات الجماهير الإيرانية، وفي نفس الوقت ساعد نظام خميني الحزب الجمهوري على هزيمة الرئيس الديموقرطي جيمي كارتر وإنتصار رونالد ريغان والحزب الجمهوري في الإنتخابات الرئاسية عام 1980 من خلال رفضها حل مشاكل إحتجاز الرهائن مع إدارة الرئيس جيمي كارتر. وفعلا مشكلة الرهائن حلت في عهد الرئيس ريغان وأطلق سراحهم في عام 1981.

 

العداء الأمريكي – ألإيراني الظاهري تحول الى تعاون سري بين الدولتين حيث أن الولايات المتحدة زودت إيران بالأسلحة والمعدات التي تحتاجها عن طريق الكيان الصهيوني أثناء حرب الثمان سنوات بين إيران والعراق. تلك الفضيحة عرفت في الولايات المتحدة بإيران جيت. التعاون بين نظام ملالي قم وطهران والشيطان الأكبر تطور الى تحالف إستراتيجي حيث أن إيران إشتركت في التأمر على العراق مع الولايات المتحدة في حرب 1991 وسرقت الطائرات الحربية والمدنية العراقية المودوعة لديها وارسلت عملائها ومخابراتها الى العراق أثناء فتنة الغوغاء التخريبية التي أعقبت إنسحاب الجيش العراقي من الكويت، كذلك إشتركت في الحصار الشامل الظالم على العراق، كما أنها إشتركت في مؤتمرات التأمر على العراق وشكلت وأوت أحزاب شيعية صفوية طائفية معادية للنظام الوطني في العراق وأخيرا سهلت عملية إحتلال وتدمير العراق في عام 2003 ومن ثم أصبحت المحتل الثاني للعراق بعد الولايات المتحدة.  التعاون الأمريكي – الإيراني في العراق إزداد عمقا على الرغم من إدراج إيران في قائمة محور الشر البوشية حيث أن إدارة بوش سمحت للنفوذ الإيراني بالتوسع داخل العراق وسلمت زمام السلطة بيد الأحزاب الشيعية الصفوية الموالية لإيران. مقابل ذلك قامت إيران بصورة مباشرة وغير مباشرة بمساعدة قوات الإحتلال الأمريكية على ترسيخ أقدامها في أرض العراق من خلال فتاوي دجالين الحوزة العلمية وزرع بذرة الطائفية المقيتة وخلق شرخ عميق في صفوف مكونات المجتمع العراقي الرئيسية ومطاردة وقتل الشرفاء من أبناء العراق بمساعدة عملائها المحليين.

 

الخلاف الظاهري بين إيران والولايات المتحدة يذكرني بالخلافات المؤنسة بين القط توم والفأر جري في أفلام ديزني ورلد الكارتونية لأن كلاهما مرتبطين بالتعايش معا ولهم مصالح مشتركة  وكلاهما يتقبل بعضهما البعض رغم التنافس والحزازات المعروفة والمتوقعة. على الرغم من أن توم وجري يدخلان في معارك جانبية بعض الأحيان وينصب أحدهم الفخاخ للأخر إلا أن مثل هذا المعارك والثارات لم تحصل بين إيران والولايات المتحدة منذ أن حلت مشكلة الرهائن الأمريكان عام 1981. المتابع للأحداث في العراق منذ إحتلاله يجد أن الولايات المتحدة قد إتهمت إيران بشتى الإتهامات الكبيرة والصغيرة ومنها مساعدة المنظمات الإرهابية في العراق وتزويدها بالسلاح وقيام المخابرات الإيرانية وعملائها بإختطاف وقتل الجنود الأمريكان والموظفين الغربيين العاملين مع حكومة المنطقة الخضراء العميلة والتدخل في الشؤون الداخلية في العراق .....الخ إلا أن الولايات المتحدة لم تقم بأي عمل عسكري أو غير عسكري ابدا لردع أو معاقبة إيران أو تقزيم دورها التخريبي في العراق رغم أن إيران كانت ومازالت مدرجة ضمن قائمة دول محور الشر البوشية التي كانت تضم كل من إيران والعراق وكوريا الشمالية. ولم تقم الولايات المتحدة بحماية الأراضي العراقية ومنع الإحتلال الإيراني لبعض المناطق الحدودية العراقية أو قصفها بالمدفعية الإيرانية ولم تمنع إيران من إحتلال حقول النفط العراقية رغم أن من واجبها كقوة محتلة للعراق وحسب القانون الدولي والمعاهدة التي وقعها المجرم بوش الصغير مع العميل نوري المالكي أن تحمي العراق وارضة من الإعتداءات الخارجية. على عكس ذلك قامت الولايات المتحدة بإجتماعات مباشرة وغير مباشرة مع كبار المسؤولين الإيرانيين في العراق وخارجه لبحث التعاون الأمريكي الإيراني في العراق خصوصا وفي منطقتنا العربية عموما. إذن الخلافات بين الولايات المتحدة وإيران هي خلافات مصالح ونفوذ وليست خلافات عدائية كما تبدو. القوات البريطانية المحتلة التي كانت متواجدة في البصرة لم تتخذ أي إجراء أيضا ضد إيران حينما إختطفت إيران جنود بريطانيين في شط العرب وإحتجزتهم وأهانتهم لعدة أيام. يبدو في هذه الحالات أن الفأر جري يسرح ويمرح ويعيث في الأرض فسادا دون رد فعل من القط توم وهذه الحالة حالة غريبة حتى في افلام الكارتون. وهنا ينطبق المثل العراقي الشعبي "إذا غاب القط إلعب يا فأر".

 

الخلاف الأمريكي – ألإيراني الظاهري حول النشاطات النووية الإيرانية هو أيضا خلاف سطحي ولا يتعدى سوى خطابات التهديد والوعيد الإعلامي الفارغ لأن أمريكا وكما ذكرنا في عدة مقالات سابقة لا تستطيع القيام بأي عمل عسكري ضد إيران لمنعها من الإستمرار في تخصيب اليورانيوم أو صنع القنبلة النووية الإيرانية الأن أو غدا. أمريكا وكما ذكرنا في مقال سابق نشر تحت عنوان "المفاعلات النووية الإيرانية والتحركات العسكرية الأمريكية في الخليج العربي ... الى أين؟!!!" هي التي زودت إيران بأول مفاعل نووي من خلال عقد إتفاقية تعاون وقعت بينهما عام 1958  ومن ثم توسع التعاون في هذا المجال ليشمل أيضا كل من ألمانيا وفرنسا والكيان الصهيوني. إيران ايضا وقعت عقودا فيما بعد وعلى مر السنين مع شركات هندية وصينية واخيرا مع شركات روسية لتكملة بناء محطات مفاعلاتها النووية. إضافة الى ذلك أن الصين الشعبية قد زودت إيران بكميات كبيرة من وقود نووي غازي في بداية العقد التاسع من القرن الماضي يستعمل في عملية تخصيب اليورانيوم الخام دون إعلام الوكالة الدولية للطاقة الذرية بذلك.

 

التهديد الأمريكي والصهيوني الفارغ المستمر على مر الأشهر والسنين بضرب إيران عسكريا إن لم تنصاع الأخيرة الى الإرادة الدولية والتوقف عن الإستمرار في تخصيب اليورانيوم وإمتلاك قدرات نووية متقدمة توج مؤخرا بإعتراف وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس في مذكرة سرية أرسلها الى البيت الأبيض في يناير/كانون ثاني الماضي وحسب ما نشر في صحيفة نيويورك تايمز بأن أمريكا لا تمتلك خطة فعالة طويلة الأمد ضد إيران لردعها من الإستمرار في هذا النهج. بعد أن إستخفت إيران من هذا التصدع في الرأس الأمريكي والشعور بالغثيان والتجشؤ من شدة الضعف في إتخاذ القرارات الحاسمة التي تعاني منها إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما وعدم تحمل تاثير المسكرات السياسية سارع وزير الدفاع روبرت غيتس بعد صحوته للإعلان بأن أمريكا جاهزة لردع إيران من خلال سلسلة من الإجراءات التي لم يعلن عنها. في نفس الوقت صرح الأميرال مايك مولن، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، بأن  الضربة العسكرية الى إيران ستكون الخيار الأخير وأنها إن حدثت فإنها ستساعد كثيرا على تأخير البرنامج النووي الإيراني. هذا يعني أن الضربة العسكرية الأمريكية وحتى إن شارك فيه الكيان الصهيوني فإنها سوف لن تنهي البرنامج النووي الإيراني أبدا. الرد الإيراني على التخبط الأمريكي في السياسة الخارجية جاء على شكل تحدي حاد ألا وهو "البدأ في إنشاء محطة تخصيب جديدة". الإعتراف بضعف إدارة أوباما بإتخاذ قرار صارم لردع إيران من إستمرارها في الحصول على قدرات نووية متقدمة وحتى إمتلاكها للسلاح النووي جاء في خبر نشر أمس في موقع الجزيرة على لسان مسؤول دفاع أمريكي كبير سابق رفض ذكر إسمه. فقد ذكر هذا المسؤول وحسب الخبر المنشور "أن إشارات خاطئة أرسلت لطهران حيث كان هناك حديث في البداية عن عقوبات موجعة ثم أعقبها الحديث عن عقوبات معجزة والآن لا يعلم أحد مدى شدة العقوبات القادمة. فالأمر يعتمد على مستوى التأييد الذي تقدمه روسيا والصين، لكن ليس من المتوقع أن تؤيد أي منهما إجراءات ضد قطاع الطاقة الإيراني".

 

أمريكا لا تستطيع لوحدها في الوقت الراهن توجيه ضربة عسكرية الى إيران أو القيام بإحتلالها ومن ثم تدمير مفاعلاتها النووية لأن وكما ذكرنا في الكثير من مقالاتنا السابقة أن إيران مثل الكيان الصهيوني حليف إستراتيجي لها في المنطقة، ولأن حتى لو قررت أمريكا القيام بهذا العمل ضد إيران فإن تجربتها في العراق قد لقنتها الدرس المر خصوصا بعد أن افشلت المقاومة العراقية المسلحة الباسلة مشروع الشرق الأوسط الكبير. كذلك لأن توم دائما بحاجة الى جري لزعزعة الإستقرار في المنطقة وذلك لإشغال العرب بأمور جانبية تبعدهم عن التفكير بمستقبل وحدتهم ومستقبل وجودهم والإحتفاظ بخيراتهم الطبيعية.

 

إذن ما هو الحل؟!!! هل يتقبل العرب أو العالم دولة ملالي قم وطهران مسلحة بأسلحة نووية تهدد جيرانها العرب وتوسع إمبيراطوريتها على حسابهم وحساب مستقبل أجيال أمة العرب؟!!!

 

الأجوبة على هذه الأسئلة أتركها الى مخيلة القارئ الكريم وانهي مقالي هذا بإقتباس بعض الجمل من مقالي السابق الذي عنوانه مكتوب أعلاه:

 

"نعتبر التضييق على هذا النظام ومحاصرته وإسقاطه مطلب إنساني يخلص المنطقة العربية من شروره ويخلص الشعوب الإيرانية بالدرجة الأولى من أساليبه القمعية. جوابنا هذا لا يعني أن للكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة الحق في إمتلاك أسلحة نووية وتهديد الدول العربية ومحاولته السيطرة والهيمنة على المنطقة العربية بكاملها وقضم اراضيها ولا يعني مساندة الولايات المتحدة المحتلة للعراق تهديد إيران من أجل حماية الكيان الصهيوني فقط"

 

 

للإطلاع على مقالات الكاتب إضغط هنــا  
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاربعاء  / ٠٧ جمـادي الاولى ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٢١ / نيسـان / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور