احتــــلال العـــراق بين التتـــار والأمريكـــــان

 
 
شبكة المنصور
سلام الشماع
مع الاحتلال الأمريكي‮ ‬للعراق واجهنا أرقاماً‮ ‬فلكية حدثتنا عن أن هناك أكثر من مليونين و500‮ ‬ألف شهيد‮ (‬حسب إحصائيات وزارة الصحة العراقية والطب العدلي‮ ‬حتى ديسمبر‮ ‬2008‮)‬،‮ ‬ومليون أرملة عراقية‮ (‬حسب إحصائية رسمية صادرة عن وزارة المرأة العراقية عام‮ ‬2008‮) ‬وأربعة ملايين طفل‮ ‬يتيم‮ (‬إذا كان معدل العائلة العراقية من‮ ‬4‮ ‬إلى‮ ‬6‮ ‬أطفال حسب تقديرات وزارة التخطيط‮) ‬و800‮ ‬ألف مغيب‮ (‬حسب إحصائيات الدعاوى المسجلة لدى وزارة الداخلية العراقية حتى ديسمبر‮ ‬2008‮)‬،‮ ‬و340‮ ‬ألف سجين في‮ ‬سجون المحتل وسجون الدولة الحالية وما‮ ‬يسمى إقليم كردستان‮ (‬حسب إحصائيات مراصد حقوق الإنسان،‮ ‬علماً‮ ‬أن القوات الأمريكية المحتلة كانت قد اعترفت رسمياً‮ ‬بوجود‮ ‬120‮ ‬ألف سجين لديها،‮ ‬وأربعة ملايين و500‮ ‬ألف مهجَّر خارج العراق‮ (‬حسب إحصائيات المتقدمين إلى جوازات فئة‮ (‬ج‮) ‬لدى مديرية الجوازات العراقية حتى نهاية ديسمبر‮ ‬2008‮) ‬إضافة إلى مليونين و500‮ ‬ألف مهجر داخل العراق‮ (‬حسب إحصائيات وزارة الهجرة والمهاجرين والمهجرين العراقية‮). ‬ وطبعاً‮ ‬هذه الأرقام قفزت منذ عام‮ ‬2008‮ ‬إلى الآن وارتفعت‮. ‬

 

قارنوا الآن بين ما حدث في‮ ‬بغداد عام‮ ‬1258‮ ‬وما جرى لها في‮ ‬عام‮ ‬2003‮ ‬وإلى الآن،‮ ‬وإلى أن‮ ‬يخرج المحتل مدحوراً‮ ‬تلاحقه لعنات اللاعنين‮.‬ أردت من خلال هذا الحديث أن أتطرق إلى كلام مؤسف‮ ‬يتداوله بعض الناس هنا وهناك من دون أن‮ ‬يخضعوه إلى منطق العقل،‮ ‬وهو قولهم أن لا مقاومة في‮ ‬العراق وإن ما‮ ‬يحصل هو عمليات إرهابية،‮ ‬وهذا هو ما‮ ‬يشيعه المحتل الباغي‮ ‬عبر مكانته الإعلامية الهائلة،‮ ‬مع عدم امتلاك المقاومة الوطنية العراقية إعلاماً‮ ‬يصل إلى الناس‮.‬ إن هذا‮ ‬يشبه ما روّجه الإعلام التتري‮ ‬عقب احتلال بغداد سنة‮ ‬1258م والذي‮ ‬وصل إلينا عبر كتب التاريخ التي‮ ‬تحدثت لصالح الاحتلال التتري،‮ ‬مثال هذه الرواية التي‮ ‬تقول إن جندياً‮ ‬من المغول بمفرده أسر أربعين رجلاً‮ ‬من أهل بغداد،‮ ‬وأمرهم أن‮ ‬يقفوا مرفوعي‮ ‬الأيدي‮ ‬على حائط بيت من بيوت بغداد،‮ ‬وألا‮ ‬يتحركوا من أماكنهم؛ حتى‮ ‬يعود إليهم ويقتلهم،‮ ‬وبالفعل ظلّ‮ ‬هؤلاء الأشخاص في‮ ‬أماكنهم حتى عاد إليهم الجندي‮ ‬المغولي‮ ‬بعد فترة من الوقت وقتلهم‮!!!.‬

 

لكن التاريخ حدثنا عن مقاومة البغداديين للتتر وأن التتر لما حاصروا بغداد لم‮ ‬يقووا على فتح ثغرة في‮ ‬سورها الذي‮ ‬يحيط به خندق تجري‮ ‬فيه المياه من بقاياه الآن حديقة الأمة في‮ ‬الباب الشرقي،‮ ‬فلا باب الطلسم ولا الباب الوسطاني‮ ‬ولا باب كلواذى ولا باب السلطان انهارت أمام هجماتهم فعمدوا إلى أوهن نقطة في‮ ‬هذا السور هي‮ ‬برج العجمي‮ ‬واخترقوا بغداد منها وجرى قتال شرس دام حسب كتب التاريخ أربعين‮ ‬يوماً‮.‬ وقد رأيت بعيني‮ ‬القتال الشرس للبغداديين والعراقيين عموماً‮ ‬سواء قبل احتلال بغداد أو بعده عام‮ ‬2003‮ ‬وتنقلت بين أكثر من محافظة ولمست رعب الجيش الأمريكي‮ ‬من الأساليب القتالية‮ ‬غير المسبوقة التي‮ ‬اتبعتها المقاومة العراقية الباسلة والتي‮ ‬لاتزال إلى الآن توقع الخسائر بالمحتلين‮. ‬فهل الأعداد الكبيرة من ضباط الجيش الأمريكي‮ ‬وجنوده الذين حملوا في‮ ‬توابيت إلى واشنطن ومن الضباط والجنود البريطانيين الذين حملوا في‮ ‬توابيت إلى لندن كان سبب موتهم صعقة كهربائية،‮ ‬أم هو فعل المقاومة التي‮ ‬دوختهم والتي‮ ‬لم‮ ‬يتوقعوها،‮ ‬بل كانوا‮ ‬يتوقعون الاستقبال بالورود؟‮.‬

 

إنهم‮ ‬يريدون تصوير الأمور على وفق هواهم،‮ ‬فقد روجوا أن المقاومة محصورة في‮ ‬المثلث السني،‮ ‬في‮ ‬حين أن أرض العراق كلها قاومتهم،‮ ‬من أم قصر في‮ ‬الجنوب إلى زاخو في‮ ‬الشمال،‮ ‬ثم قالوا إن المقاومة تشعلها‮ (‬فلول البعث‮)‬،‮ ‬وإذا العراق كله‮ ‬يقاوم وصار كل شبر فيه‮ ‬يلد قتلاً‮ ‬للمحتل أو خوفاً‮ ‬وهلعاً،‮ ‬وإذا رجال المقاومة من العرب والأكراد والتركمان،‮ ‬من المسلمين والمسيحيين،‮ ‬من السنة والشيعة،‮ ‬وكل عراقي‮ ‬يقاوم بطريقته الخاصة‮. ‬وقالوا إن هناك عصابات إرهابية تقتل الناس،‮ ‬والعراقيون عرفوا الفرق بين فعل المقاومة وبين فعل هذه العصابات التي‮ ‬أطلقها المحتل نفسه‮.‬ وأريد أن أوجه هذا السؤال لمن صدق أضاليل المحتلين‮: ‬هل‮ ‬يوجد شعب في‮ ‬الأرض لا‮ ‬يقاوم محتلاً‮ ‬يغزو بلده؟‮.. ‬وإذا كانت لكل شعب‮ ‬غيرة على بلده فلماذا‮ ‬يُستثنى العراقيون من هذه الغيرة،‮ ‬وهم المعروفون بحبهم لبلدهم؟‮.‬

 

إن المقاومة العراقية قلبت حسابات المحتل كلها،‮ ‬واستعجلته على الرحيل والانسحاب من العراق وأثبتت له أنه من الحماقة بحيث‮ ‬غزا شعباً‮ ‬لم‮ ‬يدرس تاريخه وطباعه قبل أن‮ ‬يفكر بغزوه،‮ ‬وسيأتي‮ ‬اليوم الذي‮ ‬تثبت فيه هذه المقاومة المظلومة التي‮ ‬لا‮ ‬يحتضنها إلا شعبها أنها انتصرت على جيوش أعظم إمبراطورية في‮ ‬العالم بسلاح هو من صنع‮ ‬يديها وبأساليب‮ ‬يبتكرها رجالها‮. ‬ولسوف ترينا الأيام المقبلة أن أعظم جيوش الدنيا لا‮ ‬يمكن أن تنتصر إرادته على إرادة شعب مهما كان هذا الشعب من الضعف أمام جبروتها التكنولوجي،‮ ‬فكيف بشعب العراق الذي‮ ‬هو شعب مقاتل أصلاً؟‮..‬ وأين هم التتر الذين‮ ‬غزوا العراق عام‮ ‬1258؟‮.‬

 

ولسوف نقول‮ ‬يوماً‮: ‬وأين هم الأمريكان الذين‮ ‬غزوا العراق عام‮ ‬‭,‬2003‮ ‬كما قلنا في‮ ‬القرن الماضي‮: ‬وأين هم الإنجليز الذين‮ ‬غزوا العراق عام‮ ‬1914؟‮.‬

.
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الخميس  / ٠٩ ربيع الثاني ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٢٥ / أذار / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور