رد على ''مناقشة'' ,  دين الإسلام يدعو إلى الانفتاح على الآخر

 
 
شبكة المنصور
طلال الصالحي

في البداية , أرجو أن لا يفهم ردّي هذا أدناه على انّه  دفاع عن السيّدة  "هند كامل"  الممثلة التراجيديّة العراقيّة , بل هو لتبيان بعض من الحقيقة ومحاولة تقريبها  من الفهم الصحيح للدين والدين الإسلامي على وجه الخصوص والضائعة بين طيّات طبيعة الفهم السطحي للدين والدين الإسلامي على وجه الخصوص  لدى عموم الناس في أيّ مكان من العالم والفرد المسلم على وجه الخصوص ..

 

والحقيقة في هذا الأمر باتت مختلطة لدى شريحة متفاوتة الكم العددي من "المسلمين" بين فاهم للدين على طريقة فهم "الزبدة"  من دون أن يتيح لنفسه صاحبها يوماً فسحة تحسسّه للمُوصِلات التي أدّت به لقطف فهم "التحصيل حاصل" هذا  الذي بات عليه فنطق بالحقّ من دون دراية  , ومثل  هذا وأمثاله يبدون وفق هذا الفهم الجاهز عن الإسلام  من منطلق حسن النيّة كمن ربح الرقم السرّي لبطاقة الحظ حين فهم الدين الإسلامي على أنّه "أكيد هو هكذا" وفق استجواب المنطق من نقطة اللاّشعور , ومنهم  السيّدة  "هند" كنموذج  "الإسلام دين الاعتراف بالآخر"  بحسب ما تفضّل صاحب  "المناقشة" السيّد خضير طاهر وسمعها منها عبر "الشرقيّة" بحسب ما ذكر هو في مناقشته , ومنهم من خلط  في تناوله بين الدين الإسلامي الصحيح وبين التطبيق السيء  له  أو طرق تواتره المختلفة  التي أوصلته إلينا جهود متناحرة فيما بينها عبر الورق والآثار , فبات من اختلط عليه الأمر في هذا وهو لا يدري يتحسّس الدين من سلوكيّات مدّعيه أو من ركام الكمّ الهائل من مؤلفات وشروحات وتفاسير ورسائل الدين التي طرحتها عشرات القرون من التقلبات السياسيّة والأهواء , وجميع هؤلاء , والذين هم الكثرة الكاثرة من مئات الملايين من المسلمين التي ترى الإسلام هو هكذا , أي أخذه هذا البعض العارف  بالدين من لدن هذه الكثرة ومّما تراكم في وعيهم من سلوكيّات يحسبوها من الإسلام  عبر 1400  عام  تراكمات من تلال من كتب وشروحات وتفاسير واستنتاجات وعنعنه الخ  ومن ثم التحجّج بها من قبل هذه النخبة ساعة الضرورة , أيّ تسلّح البعض من المهتمّ  بالاجتماعيّات , ومن دون أن يدري أيّ بعدما سبقت نيّته السليمة  فهم إسلام آخر غير الإسلام الذي نزل , قد ترسّب في وعي الغالبيّة العظمى من "المسلمين" أو في وعي من غير المسلمين نحو الإسلام أيضاً , كان نتاج انحراف  في التطبيق وشذوذ عن الدين الإسلامي الصحيح , فالذي تسلّح بمثل هذا النوع من التسليح المعرفي وبحسب ما وصله من علم عن طريق هذا الكم من المؤلفات التي ذكرنا , فحسبها , وغيرها , وكأنها قرآن غير قابل للتحريف , مثل السيّد  "طاهر" صاحب "المناقشة" ...

 

هذا باختصار لبّ الموجب للردّ الذي تصدّيت له في ردّي المختصر والموجز هذا .. بل والشديد الاختصار والاختزال ..

 

فمن الممكن , وبهذه العجالة , سيكون ردّي مقنع , وإذا لم يكن مقنع فليس ذلك معناه بطلان ما أقدّمه بقدر ما سيعني ذلك عجزي عن إيصال المعلومة الداحضة المثبّتة في صلب الدين الإسلامي "القرآن"  ومن ثمّ تقديمها للقارئ الكريم  بالشكل الصحيح وفي سياقها الواجب ..

 

الدين الإسلامي دين منفتح على الآخر ويعترف به , ولكن بشرط ! ؛ أن هذا الآخر يجب أن يوحّد الله !! فهل توحيد الله يتحمّل الجدل بين مؤيّد ومعارض له !!! من المؤكّد أن منطق الأشياء يقول عكس ذلك , حتى أن جميع المفكرين والفلاسفة قديمهم وحديثهم ومن مختلف الملل والنحل  يبحثون عن  "واحد"  عبر تسلسل العلّة والمعلول الّلتين لا تنتهي احترابهما ما دام الوعي الإنساني  يشغل حيّز وعينا .. فمن المؤكّد  أن الإسلام يخاطب العقل السويّ بالحجج والبراهين العقليّة  ـ أفلا يتدبرون أفلا يعقلون  وما يفكرون أفلا ينظرون أفلا يتفكّرون أفلا يبصرون ـ الخ مما ألحق  بكل نص يوجب مثل هذه التساؤلات , والقرآن بهذا لم يكن يخاطب العقل المشوّش , وعليه , ولذلك , سمّيت  "الديانات الثلاث" اليهوديّة والمسيحيّة والإسلام بديانات التوحيد !  أيّ أنّها طرحت نفسها منذ نزولها  هكذا , موحّدة .. فكانت حجّة الإسلام عند نزوله على متصدّري الديانتين اليهوديّة والنصرانيّة  بعد قرون من الزمن مرّت على هاتين الديانتين زرعتا خلالهما وألغمتا بالكثير من سمات الابتعاد عن تعاليم الديانتين الحقيقتين  وهو أمر عادةً ما يحدث ويستفحل حدوثه كلمّا ابتعد الزمن عن نقطة بدء دعوة ما أو رسالة ما , حجّة مفحمة عليهم , لأنّه يطالبهم  العودة إلى أصل رسالة كلّ منهم "اليهوديّة والنصرانيّة" الحقيقيّة  ونبذ التعزير ونبذ التثليث ونبذ كل دخيل عليهما وعلى باقي المعتقدات الدخيلة على الديانات الأخرى والتي دخلت فيها سلسلة هذه البدع شيئاً فشيئاً  وعبر قرون وأزمان ودهور أهواء القائمون على أمور جميع الديانات السابقة للإسلام المحمّدي  وبسبب رغبات الناس في تشجيعهم رجال الدين* لديهم على التحريف بما يتماشى وأطماع  هذا النوع من الرجال الذين همّهم  المنصب بالدرجة الأولى وسلالمه الدنيويّة  باحث عن الجاه والحظوة لدى وليّ أمره  بمبرّرات "الشبّاك عايز كده"  , وعموم الناس أيضاً تبحث عمّن "يسهّل" لهم رغباتهم وفق  حجج "العصر عايز كده" ووفق مفهوم , خطيّة .. مظلوم .. معتاز .. اللمّة حلوة .. الله ارحم الراحمين .. مشّي .. دَعبل .. شسويّ ؛ مجبور ..    الخ ..

 

أمّا كيف آن لنا أنّ نعرف أنّ شرط التوحيد هو فقط نقطة الخلاف وليس رفض الآخر , فنستطيع أن نلقي جواب ذلك ممّا ورد في الكثير من آيات القرآن  :

 

(( ليسو سوآء , من أهل الكتاب أمّة قائمة يتلون آيات الله  آناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله وباليوم الآخر !!! )) .... الخ , من سورة البقرة ..

 

يعني أن  قسم من النصارى واليهود لازالوا موحّدين وهم باقون على دينهم  ودينهم صحيح  ومعترف به من قبل القرآن حتى وإن لم يدخلوا الإسلام !  .. وذلك  وحده دليل كاف جدّاً على الاعتراف بالآخر , لكن ,  و"الإشكال" هنا , قد التبس على النوع الثاني من الشريحة فاختلط عليهم الأمر بين تلمّس الإسلام الحق بالفهم الصحيح للنص القرآني دون ليّ أعناق آياته تحت مسمّى "التفسير"  وبين التطبيق العشوائي له , والإشكال هنا هو ذلك الذي يطرحه الإسلام  لتصحيحه بخطاب واضح ومبسط  وباستمرار , ألا وهو  "نبذ الشرك" ومن ثمّ  دعوته إلى "الرجوع"  للمسيحيّة أو اليهوديّة الحقّة , بالضبط كما يدعوا عقلاء الدين الأسلامي اليوم , وهم قلّة قليلة مع الأسف , إلى نبذ الإشرك  المتخفّي تحت عباءة  التبرّك بـ"الأولياء" !!!   ومن ثمّ العودة إلى عبادة الله وحده ونبذ التحريف تحت مختلف التسميات وفظ التجمعات و "التبرّكات واللمّات" وكل ما يمت لمظهر القطيع والحيوانيّة من التي ما أنزل الله بها من سلطان تراكمت في الوعي وازدادت جيل بعد جيل وترسّخت على أنّها من الدين طيلة قرون وتراكمات من أطنان من الموروث الذي يحمل هو الآخر  أطنان من أسفار التزييف والتي أراد الإسلام أو "المسيحيّة" أو "اليهوديّة" في صلب دعواتها إبعاد الإنسان  عنها  بل وتعزيز خصوصيّته في ذاته وتنميتها بما يخدم  تطبيق "في أحسن تقويم"  وبما يكون مؤهّل ذو علم متعلم  ونبه ولا يُضحك عليه يمتلك ناصية رأيه وبكل ما يليق بالوقوف بين يدي الخالق  يشكره على ما أنعم عليه , لا أن يكون "أسفل سافلين" جاهل وسخ قذر متخلّف أبله غافل منزوع الإرادة اأخذه الرجفة من هيبة العمامة ولا تأخذه الرجفة من وصايا القرآن المنذرة  ياكل ويشرب وفق  "نظام" التجمعات الحيوانيّة ما أراد الله بها أن يكون خليفته  في الأرض  يقف بين يديه بهذه الصورة المزرية .. كما وأنّ العودة لله وحده تعني فيما تعنيه أيضاً  تؤدّي نتائج السعي أليها  إلى توحّد المسلمين في نهاية المطاف آليّاً ودون شعارات !

 

بالضبط كما تحقق ذلك بعد أنّ نادى بالتوحيد رسول الله صلى الله عليه وآله وحطّم  مئات الأصنام التي كانت تعبد من دون الله في مكّة  والتي  طالما تسبّبت في حروب طائفيّة مريرة طيلة قرون طويلة  كان يغذيها الفرس والروم  "وهو نفس ما يحدث اليوم" نتجت من تحريف لدين إبراهيم إلى ملل ونحل ومذاهب بعكس ما كان عليه العرب قبل الانحراف وتصنيم الحياة  عندما استمرّوا بضع قليل من الزمن  على ملّة إبراهيم ,  واليوم , للمتبحّر المدقّق سيرى عودة الجاهليّة من أوسع أبوابها تطلّ على الناس من جديد بعد أن ترك الناس منذ قرون طويلة دين محمّد كما ترك الذين من قبل محمّد دين إبراهيم  !! 

 

أي أن الغالبيّة من المسلمين اليوم , فيما عدى الذين  ((يذكرون الله آناء الليل وهم يسجدون)) يعني يذكرون الحيّ الدوّام  يعني لا يذكرون فلان وعلاّن من الذين قضوا وأصبحوا نفطاً وحرقناهم بمواقدنا دون أن ندري , غالبية المسلمين اليوم قد أصبحوا داخل محيط وحيّز دائرة الذين يجب أن يخاطبوا اليوم بنفس ما كان يخاطب به النص القرآني اليهود والنصارى حين كانت الآيات تنزل على محمدّ ! .. لأن المسلمين أصبحوا اليوم , ومن دون أن يشعروا , بعد أن انحرفوا عن جادّة الصواب  وفق بعض من العوامل التي ذكرنا , أصبحوا سواء بسواء كغيرهم من أصحاب الديانات الأخرى التي انحرفت بعد أنّ غلبتهم الشهوات والبدع , وعلى نفس النهج , أي بات المسلمون يخضعون لما  سبق وأن خضع له اليهود والنصارى حين نزل القرآن أوّل الأمر ! وبذلك دخلوا نادي من يصحّ عليهم  بيت الشعر القائل , كلّ يدّعي وصلاً بليلاه , وليلى لا تقرّ بذاكا ! , أي تحوّلوا إلى نادي العصبيّة والتعدّديّة والطائفيّة التي تدذعي كلّ منها امتلاكه الحقيقة  "يعني أصبحوا جاهزين للاحتراب والتصادم فيما بينهم مثل غيرهم من البروتستانت والكاثوليك وغيرهم  بمجرّد إشعال عود ثقاب !"   حين ابتعدوا مع مرور الزمن عن فهم حقيقة جوهريّة أنّ  الديانات جميعها هي دين واحد في الثوابت الجوهريّة , وحاشا لله أن يغيّر "تفكيره" بين دين ودين آخر , فهو منزّه عن التجارب ! ...

 

((وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع !!))  يعني أنّ من اليهود والنصارى هنالك من تدمع وتفيض عيناه من كثرة الدموع التي تترى فيها حال سماعه أن آية أو سورة قد نزلت على الرسول , مع أنهم باقون على ديانتهم , النصرانيّة  , واليهوديّة !!  وهذا دليل آخر على أن الإسلام الحق هو دين الاعتراف بالآخر الذي يوحّد الله بغض النظر أكان تحت مسمّى النصراني أو تحت مسمّى اليهودي أو تحت مسمّى المسلم !!!  "توجد بعض القبور في مقابرأوروبّا لا تحمل الصليب فوقها كون أصحابها لازالوا على ملّة التوحيد الذي جاء به عيسى , ومنهم حتى من لا زال يستحرم تعليق صور آدميّة أو حيوانيّة في منزله!" , كما وأنّ " الآخر" , ولأنّه على ديانته الحقّة "يهودي أو نصراني"  فهو أيضاً يعترف بالآخر "أي الاعتراف بالإسلام" !! عكس المشركين الذين لا يعترفون بالآخر ..

 

ولهذا يا سيّدي "طاهر"  ترى الذين لا يعترفون بالآخر والذين تحججت انت أو غيرك بهم  هم من صنف "المشركين" المدّعين اليهوديّة  أوالنصرانيّة ومنهم  الكثير أيضاً من الذين يدّعون الإسلام ! بينما هم بعيدون جدّاً عنه سوى من التعصّب الذي لا دين له , فالمشركون وحدهم هم الذين لا يعترف كلّ منهم بالآخر , يعني شرائح واسعة جدّاً , بل الغالبيّة العظمى من جماهير المسلمين أصبح نمط رؤيتهم للإسلام لا تختلف إطلاقاً عن الغالبيّة العظمى من جماهير أيّ دين آخر ! , فلذلك تراهم  محتقنون فيما بينهم ويكفرون بعضهم بعضاً وهم لا يدرون أنّهم ملّة واحدة فيما بينهم ولا علاقة لهم بأصل دينهم ولكنّ الذي يشخص الحال كما هو بعيداً عن أن يتلمّس الجذور يراهم جميعاً سواء ايضاً !!!  ..

 

وبذلك , وفق هذا العرض الشديد الإيجاز  "نقول ما قالته هند"  أنّ الإسلام  في حقيقته هو دين يعترف بالآخر , ولكننا نحن المجهّلون عبر أطنان من الموروث الخليط  لا نعترف بالآخر ..

 

 

  مصطلح  "رجل  دين"  الشائع مصطلح  خاطئ  اعتاد الناس على إطلاقه , والأصح  أن نقول  "عالم دين"  لأنّ الدين لا يستطيع أن يحدّ حيّزه رجال  بل الرجال هم بإمكانهم أن يزحزحوا أنفسهم  ضمن  محيط دائرة الدين لو أرادوا

 

 

للإطلاع على مقالات الكاتب إضغط هنــا  
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

السبت  / ١٠ جمـادي الاولى ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٢٤ / نيسـان / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور