الحروب الإيرانية بالوكالة - السطوة والنفوذ مقابل تواجد عربي خجول

 
 
شبكة المنصور
سعد الدغمان
منذ انتهاء الحرب الباردة بين القطبين الرئيسين في العالم الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي السابق والتي استمرت لعقود طويلة وكان من ملامح نهايتها أن انفرط عقد السوفيت وتجزئ إتحادهم إلى دويلات عدة؛ظهرت الولايات المتحدة الأمريكية وكما هو معروف القوة الأوحد أو الأعظم كما يحلوا للكثير أن يطلقوا عليها تغزلا بأمريكا مما حدا بها أن دعت إلى قيادة العالم وفق نظرية العولمة والقطب الواحد.


ومنذ بداية تلك الحقبة وهناك صراعات عديدة تحدث هنا وهناك على خارطة العالم تقودها توجهات معينة وأفكار البعض منها يميني شوفيني والأخر يطلق عليه يساري تقدمي إضافة إلى صراعات راديكالية أخرى مبنية على أساس ديني أو طائفي أو عرقي كما حدث في صربيا وكوسوفو ولبنان واليمن والصومال والسودان وما يحدث في العراق الآن وأفغانستان وغيرها من مناطق العالم الأخرى ؛ومن التوصيفات التي تتسم بها هذه الصراعات أنها محاولة لزرع مفاهيم معينة تؤمن بها طائفة على حساب مصالح وتوجهات الطوائف والمسميات الأخرى المتصارعة معها أو التي تعمل بالتضاد أو الاختلاف في وجهات نظرها عن التكتل أو الكتل المواجهة لها؛كما حدث في حرب اليمن الأخيرة والتي توصف بأنها حربا بالوكالة خاضها الحيثيون ضد المملكة العربية السعودية نيابة عن إيران وهو ما يعني تصارع وجهات النظر التي تؤمن بها القيادة الإيرانية والتي تتعارض مع ما تعتقد به المملكة العربية السعودية من تبنيها للإسلام كمنهج يعتمد الوسطية؛وهو مايعني أيضا أن حربا شنها الحويثيين تجاه السعودية مدفوعة الثمن من الأراضي اليمنية بالنيابة عن إيران؛الحرب الثانية التي شنت بالنيابة عن إيران هي تلك التي خاضها حزب الله في لبنان ضد الكيان الصهيوني وهي أيضا مما يطلق عليه حربا بالوكالة أو النيابة أعتمد فيها النظام الإيراني على مقاتلي حزب الله؛والجدير بالذكر أنها شكلت أول هزيمة لهذا الكيان في القرن الواحد والعشرين؛وتطول القائمة إن أردنا أن نعدد تلك الحروب ؛إلا أن الذي يعنينا هو ما تديره إيران من حرب بالنيابة على الساحة العراقية منذ احتلال العراق والى يومنا هذا؛وهو ما تعتقد إيران من خلاله أنها حيدت القوة الأمريكية في العراق وأخرجتها من ساحة المنازلة وهو زعم غير صحيح وليس له من الواقع شيء ؛إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار عمليات المقاومة العراقية الباسلة التي جاءت على الآلة العسكرية الأمريكية الغازية وأوجعتها ضربا مما حيد تأثيراتها على الساحة العراقية؛وهو مايلمسه المتتبع من عمليات الغدر الإيراني بتلك المقاومة من خلال جواسيسها وأتباعها ومحاولة التقليل من شأن تلك المقاومة الباسلة.


هذا التقاتل بالإنابة الذي يجري تصعيده الآن في فترة ما بعد الانتخابات الأخيرة تدور رحاه على الساحة العراقية وتقدم من أجله أرواح بريئة كوقود لإدامة واستمرار حمامات الدم يوميا ومنذ سبع سنوات ولا تزال تلك الحرب مستمرة تدور رحاها في بغداد ومدن العراق الأخرى هو محصلة لما تدفع به إيران من زخم التقاتل وإذكاء نار الفتن بعد أن شعرت إن هناك ربما نوعا من المنافسة لدورها تؤديه بعض الدول العربية من خلال دعمها لبعض القوائم أو التكتلات التي شاركت في الانتخابات وجاءت مشاركتها تلك بنتائج ملموسة بل وحققت ما لم تحققه قوائم محسوبة على الجانب الإيراني وتتلقى الدعم المتواصل من لدنه على مدى السنين الماضية مما أثار حفيظتها وترجمته بتصريحات أطلقها أحد المسئولين الذين تدعمهم في الحكومة العراقية والقاضية بعودة العنف للشارع العراقي مالم تحقق قائمته السبق في نتائج الاقتراع؛وهو ما كرس العمل به حقيقة واقعة على الأرض مثلتها الأنفجارات الأخيرة التي وقعت يوم الأحد في بغداد وراح ضحيتها العديد من الأبرياء بين قتيل وجريح.


الحركات الداعمة للإرهاب بالعراق تفرض نفسها من خلال الدعم الإيراني الذي تديره الزمر المرتبطة بذلك النظام الأخطبوط مما اوجد مساحة واسعة لدعم واضح ومفضوح تقدمه إيران بلا حياء لأحزاب بعينها ومليشيات متسلطة في السلطة العراقية مما يثير فوضى واضحة المعالم تحدث إرباكا كبيرا على واقع المشهد العراقي وبدموية ؛هذا الإرباك هو مايخلط الصورة ويعكر صفوا الحياة العراقية ويعقد مشهدها على المواطن البسيط نحو تسليط الضوء على اتجاهات بعيدة عن الواقع وتطرح جهات الفوضى تلك الاتهامات على جهة معينة تتمثل بالبعث وربما القاعدة على الرغم من أن القاعدة في العراق قد استجلبها النظام الإيراني وفق نظرة مقاتلة القوات الأمريكية الكافرة؛مقابل الدعم العربي الخجول أو المعدوم في أحايين كثيرة على الملعب العراقي منذ اندلاع الأزمة ولحد الآن؛حيث تجلى ذلك التصور وبشكل صريح ومباشر في التفجيرات الأخيرة التي شهدتها العاصمة العراقية ؛وحيث تتمثل هذه المعركة التي هي على طرفي نقيض في الأفكار والمعتقدات وتتمثل بدعم أطرافا عربية لقائمة معينة مقابل الدعم الإيراني المتواصل لقوائم تعمل بالضد من توجه القائمة الفائزة في الانتخابات والتي تؤسس لإعلاء وحدة العراق وعودته إلى الصف العربي ؛بينما تعمل الأخرى على تكريس التبعية لجهات أجنبية أكثر من حرصها على سلامة العراق وأهله.


هذه المعركة التي لازالت مستمرة أظهرت توجهات أخرى لتكتلات مماثلة في هذا التوجه قد تكون حيادية ربما في الظاهر عبر مواقفها المعلنة وتمارس شيئا من الموازنة في التصريحات التي تدعم الشراكة في تشكيل الحكومة وتغليب المصلحة العامة على المصالح الفئوية بل تدعوا وبصراحة واضحة ومعلنة اليوم إلى الشراكة في الحكم وعدم إغفال حق أي من القوائم الفائزة في الانتخابات؛وهي دعوات جديدة على الوضع العراقي برمته سيما وأن تلك التكتلات هي من كانت تدير العملية السياسية بطائفية بل عنصرية علنية تدعوا لها من خلال خطابها السياسي الذي شكلت من خلاله الحكومات السابقة وفق أسلوب المحاصصة الذي كرسته منذ الاحتلال والى اليوم وهي ماقاد العراق إلى الجحيم الذي نعيشه ؛هذه الصورة يشذ عنها التكتل الكردي المتمثل بالحزبين الكرديين اللذان يقودان العملية السياسية الجارية في شمال العراق ولهما السبق في ملاحقة مصالحهم القومية دون غيرها ؛وهو مايعلنونه صراحة ودون وجل وقوفهم بل اندماجهم في أي تكتل يشكل الحكومة المقبلة مقابل ضمان مصالحهم وتطبيق شروطهم المتمثلة في قضم أجزاء من أرض العراق العربية وضمها إلى كردستان متمثلة بكركوك الغنية بالنفط؛وهو أيضا ما تغذيه أو تدفع به إيران لاتجاهات معينة تخدم مصالحها هي على حساب التشنجات التي تحدث في الأجواء السياسية العراقية مما يعكر مجريات العملية السياسية الجارية في البلد والتي أثبتت فشلها في ما مضى من السنوات وتحاول الأجندة الإيرانية تكريس تلك الأسس التي قامت عليها في القادم من الأيام عبر إقصاء القائمة الفائزة في الانتخابات ما يعني انتصار التوجه الإيراني على الموقف الذي تمارسه بعض السياسات العربية والتي ينتقد البعض من سياسي المرحلة الإيرانية تدخلاتهم في العراق دون أن يشيروا إلى التدخل الإيراني الصريح والدامي في العراق.


وسط هذه الحرب الباردة الجارية في العراق يلاحظ الجميع غياب اللاعب الدولي أو فقدان دوره وبشكل كامل مقابل قصور أو عدم مبالاة اللاعب الأمريكي الذي تسبب بهذه الكارثة وأتاح الفرصة لجوانب التدخل الدامي الذي تعكسه ربما لعبة المصالح التي يخال للمتتبع إنها فقدت بريقها بالنسبة للولايات المتحدة ولم يعد الأمر بأيديهم كما كان؛أو تكريس لمفهوم الانسحاب وعدم الرغبة بمواصلة موقفهم السابق كما حدث في فيتنام (شعور داخلي باللاجدوة) أو (الانهزامية ) من الداخل والتي سيعكسها التواجد الأمريكي عبر تصرفاته في القادم من الأيام وما سيختمه بالانسحاب وترك الساحة السياسية واللوجستية العراقية مفتوحة على احتمالات عدة ليس اقلها الانتشار الإيراني مقابل تخاذل المشروع العربي أو تقلصه إن كان له وجود تحت وطأة المشروع الآخر.


إن عملية التحكم بأدوات القرار العراقي من قبل الجانب الإيراني (الجيش ؛الشرطة؛المليشيات) حتماً سيؤدي إلى تقوقع اللاعبين الآخرين على الساحة لعدم امتلاكهم لأي أدوات تحكم موازي لما يملكه اللاعب الإيراني؛إلا أن الشارع العراقي الذي أفرزت صناديق الاقتراع صوته على عكس توقعات هذا الطرف وجاء قريب من الرغبات العربية في اختيار من يدعمون ستعمل على تغيير تلك الأدوات وتأخذ مجالها من التأثير في المستجدات الظاهرة على الساحة.


هذه اللعبة التي لم تكن تمتلك أدوات الحراك الداخلي ليترك تأثيره على مجريات الأمور فيها مقابل حراك الطرف الأخر النشط جاءت بأدواتها اليوم لتفرض واقعا ثابتاً ربما يوحي بتنامي الموقف الداعي لتقويض التوسع الإيراني والحد منه؛مقابل إعلاء الصفة العراقية ومن بعدها البعد العربي وهو مايشكل حالة من الصحوة لدى الجماهير التي عبرت عن ذلك بالتصويت للقائمة الفائزة؛أي أن الجمهور أدرك ضرورة التغيير ربما كما أدرك مساؤى من يمسكون بالسلطة وعدم تقديمهم لأي شيء يذكر مقابل عملية الهدر التي طالت كل مفاصل الحياة العراقية العامة منها والخاصة وأدت إلى تدمير البلد وفق ماهو جاري اليوم؛دون أن يكون هناك من حساب أو رادع.


باختصار إن ما يجري على الساحة العراقية اليوم أشبه ما يكون بلعبة (شد الحبل) يشكل أحد أطرافها الضعيفة الموقف العربي الداعم وبشكل خجول العراقيين على مختلف مستوياتهم الوطنية العربية التي تتمسك بوحدة التراب العراقي وسيادة القرار وعدم ارتهانه لجهة؛بينما يمثل طرف الحبل الثاني اللاعب الإيراني وهو من يمتلك السطوة والنفوذ والغلبة فيما يقف الحكم (وتمثله الولايات المتحدة وهي أصل المأساة ولب المشكلة) على مسافة بعيدة من الحالة دون أن تستطيع تأشير الأخطاء أو معالجتها ؛مما يفقد أحد أطراف اللعبة وهو الضعيف مسألة المطاولة والتحمل نتيجة الضربات القاسية الموجعة التي يوجهها له الطرف الأخر القوي (وهو ماتمثله التفجيرات التي تطال العراقيين في العراق وخاصة في بغداد) وتحصد أرواح الأبرياء دون رحمة.

.
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الثلاثاء  / ٢١ ربيع الثاني ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٠٦نيسـان / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور