حكومة عراقية بنكهة فارسية

 
 
شبكة المنصور
سعد الدغمان
أفرزت جولة الانتخابات الأخيرة أساليب جديدة من التعامل مابين الكتل المتنافسة على نيل مقاعد البرلمان في دورته المرتقبة؛اثر انتهاء صلاحية البرلمان السابق الذي كان وبالا على الشعب ولم تثمر مسيرته إلا عن حصر الامتيازات والهبات لأعضائه بعيدا عن مصلحة الطيف العراقي الواسع والذي بات يوصف حسب نسبة الفقر والأمية والجهل والتخلف الذي استشرى بين ثناياه نتيجة جهل من يحكمون وبصورة فاقت حدود التصور.


المعركة الانتخابية السابقة تمخضت عن صعود نجم الائتلاف الوطني الذي يقوده الحكيم الراحل والذي لعب دورا في تهيئة الطريق للعناصر الفارسية وتمكينها من السيطرة على مفاصل الحياة العراقية بشتى الطرق مما أفضى إلى سيطرة تامة شلت الحركة السياسية في العراق لصالح جارة السوء هذا إن وجدت حركة سياسية أصلا؛والذي يظم تنوعا واسعا من أحزاب طائفية لاعلاقة لها بالعراق حسب ما أثبتته تجربة الحكم السابقة والمنتهية الولاية الآن بالفشل الذر يع دون أن تقدم أي شيء يذكر للعراق وأهله؛وخلال مسيرة السنوات الأربع الماضية ظهرت على هذا الائتلاف علائم التصدع والانشقاق ولأكثر من مرة ليس حرصا على العراق طبعا كيما يتوهم القارئ ولكن حرصا على غيره من الأمور ؛حتى وصل الأمر أن أنفرد حزب الدعوة الذي أنشق على نفسه هو الأخر إلى جناحين بعد أن طرد المالكي سلفه الجعفري وانفرد بقيادة الحزب الذي لم يكن تابعيه ليشكلوا أغلبية تذكر في يوم من الأيام؛وما إن أمسك بالسلطة حتى بدت علامات التفرد والاستحواذ على السلطة واضحة على ملامحه وملامح المرحلة الفاشلة التي قادها الرجل من سيء إلى أسوء؛ضاربا عرض الحائط الائتلاف بشكل كامل ومحاولا الانفراد بالقرار لصالح فئة صغيرة يمثلها ومن معه بدكتاتورية فاشية لكنها مصطنعة كون الرجل لم يعرف عنه في السابق تعاطيه في شؤون الحكم أو حتى السياسية بشكل منفرد ؛ومثل الانقلاب على الجعفري الذي كان يقود السلطة بالبلاد والذي حاول جهد إمكانه التمسك بها وعدم التفريط بكرسي الوزارة إلا أن الإرادة الأمريكية وليس الشعبية الوطنية كانت سيفا مسلطا على رقبته مما أضطره إلى الخروج صاغرا منها؛ليأتي المالكي من بعده ويعمل وفق شعار المصالحة التي لم تطبق بل عمل على تكريس الطائفية والفئوية والمناطقية بحذافيرها وهي ما كان يتهم به الحكومة السابقة التي كان يقودها البعث بصفة وطنية بعيدا عن التدخلات الأجنبية.


الساحة الانتخابية اليوم أظهرت علاوي كرجل للمرحلة الآنية؛انتخبته الجماهير ولأسباب عدة ليس أقلها وقوفه على مسافة من المارد الإيراني وهو الرجل الذي كان ولم يزل يدعوا إلى عدم التدخل في الشأن العراقي وعدم احتكام القرار العراقي لإرادات خارجية مما أكسبه تعاطف شعبي واسع حتى في المناطق التي عمل على مواجهتها بقوة السلاح بل ضربها بالتعاون مع الأمريكان الغزاة بحجة مقاتلة تنظيم القاعدة والإرهاب؛وهو ما كان من محاولات مشبوهة من قبل علاوي للتخلص من المقاومة الباسلة التي يمثلها طيف واسع من الشعب العراقي ؛أن إعلان نتائج الانتخابات التي تصدر فيها علاوي جاءت كما يبدوا كالصاعقة على التكتلات الأخرى ومنها بالتحديد قائمة دولة القانون التي يقودها المالكي مما حدا بالأخير أن يطعن بالنتائج ويشكك في عمل المفوضية ويسارع بل يحث الخطى نحو اتجاهات معينة للتحالف معها بغية قطع الطريق على علاوي المتصدر حسب صناديق الاقتراع والذي يفترض أصوليا وحسب القانون والدستور المخترق أن يشكل الحكومة القادمة كونه يملك أعلى نسبة مقاعد في البرلمان القادم؛إلا أن الأساليب الأخيرة ومنها اللجوء للمحكمة العليا لتفسير بعض المواد الدستورية التي أقرها بريمر ولازالت سارية إلى يومنا هذا أدخلت الساحة السياسية في إشكالات كثيرة كان من الأولى لمن يدعون الوطنية أن لايقحموا البلاد أو المواطن الذي بات حائرا من أمره نتيجة تسلط أولئك على مقدراته والتحكم بمصيره دون وازع من ضمير؛ ولقد كان من أفرازاتها أن نتائج الانتخابات السابقة هي التي شكلت الحكومة عن طريق الكتلة الفائزة بأكبر عدد من المقاعد فما الذي بدا اليوم لتظهر لنا المحكمة بهذا التفسير رغم أن هناك سابقة لحالة مشابهة لما نعيشه اليوم تتمثل في الانتخابات السابقة ونتائجها.


الحالة الثانية التي أفرزتها الانتخابات هي توجه رموز المرحلة الراهنة مرحلة الاحتلال صوب طهران للتباحث بشأن تشكيل الحكومة الجديدة؛وهي سابقة خطيرة جدا في التعامل السياسي فيما بين الدول ظاهرها أن النظام الإيراني وحسب توصيفات الإعلام يسعى إلى جمع شمل الفر قاء السياسيين العراقيين وتذويب جبال الجليد التي تحول دون اجتماعهم وتقريب وجهات النظر فيما بينهم بمحاولة منها لذر الرماد في العيون وخداع الرأي العام العربي والعالمي ناهيك عن استغفال الشارع العراقي والالتفاف على أرادته التي جسدها يوم الاقتراع؛بينما باطنها ينم عن صيغة جديدة لتشكيل حكومة طائفية جديدة من خلال جمع شتات الائتلاف الطائفي وليس الوطني وإصابة علاوي وقائمته بمقتل واستبعاده عن الساحة السياسية أو التقليل من قيمة الفوز الذي حققه عبر صناديق الاقتراع وتفريغه من محتواه ؛ بل ابعد من ذلك تقليم أظافر علاوي وشل حركته والالتفاف على التعاطف الرسمي السياسي العربي تجاه أداء الرجل وقائمته المتنوعة الأطياف ؛وليس أدل على ذلك من استبعاد علاوي من قائمة المدعوين إلى طهران لتلك الاجتماعات مما يعني أن الأمر قد دبر بليل.


اجتماعات طهران التي سعى لها أدوات الاحتلال لاتفسير لها إلا ارتهان إرادة العراق وأهله لإيران السوء ومن يحكمها بعيدا عن تدخل الإدارة الأمريكية التي غاب تأثيرها وقرارها على الساحة العراقية وبصورة مريبة جدا مما أفسح المجال لتشكيل الحكومة العراقية اليوم خارج الحدود وبنكهة فارسية؛فهل ستعي الولايات المتحدة عواقب سياستها الغبية قبل فوات الأوان؛وهل استعد علاوي الفائز مع وقف التنفيذ لهذا الاحتمال ؛أم أنه كان يعول على الإدارة الأمريكية التي هدرت كرامتها بدخولها العراق؛ذلك ما ستكشفه الأيام القادمة.

.
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الجمعة  / ١٧ ربيع الثاني ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٠٢ / نيسـان / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور