سيناريو ما بعد الانتخابات صفقات , تنازلات أم مؤامرات ؟

 
 
شبكة المنصور
محمد العماري
لعل السؤال الأكثر حضورا وإثارة في ذهن الجميع هو, ما الذي سيحدث بعد الانتخابات؟


أقول إن جميع الاحتمالات السيئة واردة, خصوصا و إن صراع الذئاب التي تربّت في المحميّة الطبيعية التابعة للمنطقة الخضراء, على جسد العراق الجريح يزداد شدّة وضراوة كلما إقتربت ساعة الخلاص منهم, كما إن منسوب الثقة فيما بينهم, لأسباب حزبية وشخصية ضيّقة, منخفض جدا. واللافت, بعد أن أعلنت نتائج الانتخابات بشكل نهائي تقريبا, هو إن الفائز غير واثق من فوزه والخاسر غير مقتنع بهزيمته. وبين هذا وذاك ثمة من يتحيّن الفرص ويتصيّد في مياه الديمقراطية العكرة جدا.


كما إن الجميع, في مسرح اللامعقول في بغداد المحتلّة, يطالبون بمزيد من الأدوار الرئيسية ويتزاحمون فيما بينهم للوقوف تحت الأضواء البرّاقة لتوزيع الابتسامات البليدة على جمهور مُصاب بالذهول والامتعاض, و ينتظر بفارغ الصبر إسدال الستائر ومغادرة المسرح على عجل. ومن المؤكد أن لا أحد من ساسة عراق اليوم كان يتوقّع النتيجة التي حصل عليها لأنهم كانوا يعتبرون السلطة, بعد أن أدمنوا عليها شرّ ادمان, غنيمة تمّ الحصول عليها بشطارة ودهاء اللصوص المحترفين وقطّاع الطرق ولا يجب التفريط بها مهما كان الثمن.


وبما أن النتائج التي حصلت عليها الكتل والأئتلافات الكبيرة شبه متقارية, وإن الأرقام حتى وإن كانت محدودة جدا لها ثقلها وتأثيرها في اللعبة الديمقراطية, فبالتالي لا مفرأمام حكام العراق الجديد, بغية تشكيل حكومة جديدة - قديمة, غبر اللجوء الى ثلاثة خيارات أحلاها أمرّ من الحنظل على العراق وشعبه الصابر. أولها اللجوء الى الصفقات السياسية, التي تخضع لقوانين ونظرية العرض والطلب والسمسرة والمضاربات, بين طرفين أو أكثر خصوصا وإن "قادة" العراق الجديد لا نتقصهم الخبرة ولا المعرفة ولا التجربة في هذا الميدان. وطالما إن كل الطرق الملتوية والمتعرّجة والمبلّطة أو المليئة بالحفر والنفايات, تؤدي في النهاية الى كرسي الحكم, فلا يهمّ مع مًن تُعقد الصفقات وعلى حساب مَن.


والخيار الثاني هو خيار التنازلات. فهو باتأكيد أكثر فاعلية ورواجا من الأول بالنسبة لأصحاب المظلوميات وما يُسمى بالمناطق "المتنازع" عليها والباحثين عن خصوصيات "خاصّة" بهم, والمطالين بالشراكة حتى وإن تصرّفوا على مرّ الزمان كأعداء وخونة للعراق وشعبه. وهذا الخيار إذا طُبّق فسوف يكون تطبيقا للقول المشهور: "أعطى ما لا يملك لمَن لا يستحق". فعلى سبيل المثال, فلان يتنازل لك عن كذا منطقة أو يعيد الروح في كذا مادّة دستورية بعد أن تفسّخت وأكلها الدود, وأنت تمنحه أصوات نوابك في البرلمان وتدعمه في خطواته القادمة التي سيكون لك فيها حصّة محترمة سواء كانت تتعلّق في الأرض أو في السلطة أو في الموازنة العامّة. وفي كل الأحوال ستتمّ أية صفقة ومع أية طرف أو جهة على حساب الشعب العراقي.


ولا أدري لماذا حضر في ذهني, وأنا أنهي الفقرة أعلاه, اللقاء الذي جمع العميل مسعود البرزاني قبل أيام مع أياد علاوي رئيس الفائمة "العراقية" التي تتصدر لائحة الفائزين في الانتخابات التشريعية العراقية. وأول سؤال طرحته على نفسي هو, ما الذي ينوي تقديمه أياد علاوي لمسعود البرزاني لقاء دعمه وتأييده في حال كلّف أياد علاوي بتشكيل الحكومة المقبلة؟ وما إذا كان لدى العميل البرزاني شيئا آخر غير حصّته في البرلمان"الفيدرالي" يستحق كل هذا التملّق والتزلّف من قبل رؤساء الكتل والكيانات السياسية؟ خصوصا وأن التجربة المريرة والطويلة مع الساسة الأكراد علمتنا إنه من المستحيل الحصول على شيء منهم ما لم يحصلوا على ثلاثة أضعافه دون كلمة شكر أو إمتنان.


أما المؤامرات, فهي مقارنة بالخيارين السالفي الذكر, الخيار المفضّل والقابل للتنفيذ لدى حكومة العميل نوري المالكي. وسبق لأكثر من واحد في حزبه الدعوجي أن هدّد صراحة أو بشكل مبطّن بعودة العنف وإنزلاق البلاد الى الفوضى. بل إن العميل بائع السبح نوري المالكي نفسه هدّد هو الآخر, مستغلا سلطاته التي منحها له دستور العراق الجديد, باعتقال جميع أعضاء ما يُسمى بالمفوضية العليا "المستقلّة" للآنتخابات. وثمة تحركات مشبوهة هذه الأيام لبعض فرق الجيش"العراقي" التابع مباشرة للمالكي باعتباره القائد العام للقوات المسلّحة.


وواضح أنه لو الضغوط التي يمارسها السفير الأمريكي في بغداد, بصفته الحاكم الفعلي للعراق, على حكومة المنطقة الخضراء لما إكتفى العميل نوري المالكي بالتهديدات والتصريحات التلفزيونية والمطالبة بعدّ وفرز الأصوات يدويا, أو باللجوء الى ما يُسمى بالمحكمة الاتحادية. فلا يُخفى على أحد إن العميل نوري المالكي إستطاع, خصوصا بعد تخلّي عنه رفاقه القدماء في الأحزاب الشيعية, من تكوين جيش خاص به معظم عناصره من حزب "الدعوة" التابع للمالكي نفسه. ويستلم الأوامر منه مباشرة ويتصرّف ويتحرّك دون علم أحد. فهدا هو عزيزي القاري عراقنا الجديد جدا!


وبطبيعة الحال, أن أناسا خانوا وطنهم وغدروا بشعبهم وسرقوا ونهبوا المال العام والخاص وفقدوا كل قيم الشرف والرجولة, وفوق هذا كلّه جاءوا مهرولين وراكضين خلف والى جانب دبابات الأمريكان الغزاة. إن هكذا بشر لا يؤمنون مهما كانت الضغوط والظروف التي يعيشونها بالتبادل السلمي للسلطة. ولديهم إستعداد تام, خصوصا بعد التجارب المريرة الدامية التي عشناها مع حكوماتهم العميلة, لأغراق العراق من جديد في بحر من الدماء. فما زالت فرق الموت وعصابات القتل والجريمة المنظّمة التابعة لجارة السوء إيران تسرح وتمرح, وإن جمّدت نشاطها مؤقتا, في ربوع العراق المحتل تحت حماية ورعاية ومشاركة رجال العميل نوري المالكي وحزبه الدعوجي.


أما الانتخابات التشريعية التي جرت في السابع من هذا الشهر فما هي الاّ جزءا من المسرحية الكوميدية, كما ذكرنا في أكثر من مناسبة, والمسماة بالعملية السياسية, والتي يجري عرضها بلا توقّف منذ غزو العراق وحتى يومنا هذا. طبعا ليس من أجل عيون الشعب العراقي, كما أراد أن يوهمنا ويخدعنا حكّام المنطقة الخضراء, وإنما لغاية في نفس يعقوب الأمريكي.

.
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الجمعة  / ١٠ ربيع الثاني ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٢٦ / أذار / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور