انتخابات طائفية ميّة بالميّة

 
 
شبكة المنصور
محمد العماري
هل كان أحدكم يتوقع تغييرا ولو بالسنتيمترات على الخارطة السياسية في عراقهم الجديد بعد الانتخابات؟ بالتأكيد لا. والسبب هو أن الانتخابات, التي هي ظاهرة مغرية وخادعة من مظاهر الديمقراطية المزعومة التي جاء بها الاحتلال الأمريكي, لم تجرِ وفق القواعد أو ألأسس أو الضوابط التي تتبعها دول العالم وتعارف عليها الناس في كلّ مكان. فلا بدايتها شرعية ولا نهايته طبيعية ولا المشاركين فيها شرفاء مخلصين للوطن, رغم الأموال الطائلة التي هدرت من أجل أن تبيّض وجه الادارة الأمريكية وعملائها وخدمها في بغداد المحتلّة.


فلا توجد دولة في العالم, كما هو معروف للجميع, تعلن عن تنائج الانتخابات التشريعية مجزئة وبقطّارة العيون, وتشمل محافظة أو إثنتين فقط في كلّ مرة. وبديهي إن إجراءا كهذا يوفّر, فضلا عن كونه يترك أعصاب المرشّحين والناخبين متوتّرة على مدار الساعة, فرصا كثيرة لأي طرف كان في التلاعب والتزوير وإخفاء الحقائق. علما بأن أن التزوير والتلاعب حصل بالفعل وعلى نطاق واسع وباعتراف جميع الكتل والائتلافات المشاركة نفسها.


ثم أنه لا توجد دول في العالم, باستثناء العراق الجديد, يقوم فيها ساستها باجراء المشاورات والمباحثات واللقاءات حول تشكيل حكومة جديدة قبل أن يعرف كل واحد منهم حصته من أصوات الناخبين وعدد المقاعد التي سيحصل عليها في البرلمان القادم. ورغم أننا لا تؤمن بالطائفية ولا يشرّفنا إستخدام مصطلحاتها البغيضة التي دخلت الى العراق مع المحتلّين وعملائهم الاّ أننا مرغمون, في مثل هذه الحالة, على مجاراة الوضع المزري الذي وصل اليه"قادة" العراق اليوم. فالنتائج الغير نهائية, رغم مرور أكثر من عشرة أيام, تبيّن إن الناخب العراقي من شمال الوطن الى جنوبه, وجد نفسه مضطرا لانتخاب القائمة التي تمثّل طائفته أو قوميته أو حتى عشيرته. فالكردي إنتخب الكردي, سواء كان إسمه طالباني أو بارزاني أو نو شيرواني. والشيعي توزّع بين أحزاب إيران في المنطقة الخضراء سواء كانت بعمائم سوداء أو بربطات عنق ووجوه حليقة.


كما أن السنّي وجد في قائمة أياد علاوي"الشيعي العلماني" نوعا من الخلاص من الأمراض الطائفية والعنصرية المقيتة الآتية من شمال وشرق العراق. حتى بغداد الحبيبة إنقسمت على نفسها, شأنها والعياذ بالله شأن بيروت, في ظل ديمقراطية الموت والخراب والتفرقة والكتل الكونكريتية التي تطوّق البلدات والأحياء. فمنطقة الكرخ "السنيّة" إنتخبت قائمة أياد علاوي, ومنطقة الرصافة"الشيعية" صوّتت لصالح إئتلاف "دولة اللاقانون" لصاحبه نوري المالكي وإئتلاف عمار الحكيم اللاوطني.


وكذلك الحال في جميع المحافظات العراقية الأخرى. خمس محافظات فاز فيها"السنة" وسبع محافظات فاز فيها الشيعة الأمريكان وثلاث أو أربع أخرى ذهبت الى الشيعة المجوس, والمحافظات الشمالية الثلاث, وهي بالوراثة طبعا, من نصيب الأحزاب الكردية المتصهينة. ثم يأتيك إبن عاهر, لا مؤاخذة عزيزي القاريء, ويقول لك إن العراق الجديد سائر على طريق الديمقراطية والتعدّدية الحزبية! وباختصار مفيد آنه لم يخرج عن صناديق الاقتراع موقف وطني موحد يمكن للعراقيين من خلاله أن يبنوا أملا متواضعا في المستقبل للخروج من النفق المظلم الذي قذفتهم فيه ديمقراطية أمريكا الدموية وزادت من عمقه وظلامه جارة السوء إيران.


فاليوم, وبعد فرز أكثر من ثلثي أصوات الناخبين لا توجد فرصة أمام أي إئتلاف أو قائمة لتشكيل حكومة جديدة دون الدخول في المضاربات والمزايدات والتنازلات على حساب الوطن والشعب طبعا, مُضاف الى ذلك أنه سيتم إحياء وإنعاش سوق السمسرة والعهرالسياسي, بعد فترة ركود نسبي, والذي هو المهنة "الشريفة"الوحيدة التي إحترفها وتخصّص فيها ساسة المنطقة الخضراء بلا منازع.


و الجميع يقولون على سبيل المثال أنه ليست لديهم خطوطا حمراء فيما يخص التشاور والمباحثات مع باقي الكتل السياسية من أجل تشكيل حكومة جديدة. فالمهم بالنسبة لهؤلاء "الهريسة وليس الحسين". أي الوصول الى كرسي الحكم ووضع اليد على ثروات وخيرات العراق. فكلّهم شاركوا, من كل حسب قدرته الى كلّ حسب طريقته, في نهب وسلب أموال الشعب العراقي ونفطه وآثاره وكنائزه الثمينة الأخرى. ولا أظن أن لصا محترفا, يعيش على الحرمنة واللصوصية, يرفض المشاركة في عملية سطو كبيرة خصوصا إذا كان الهدف مغريا جدا. وهذا ما سيحصل مستقبلا على يد الحكومة الجديدة. واذا سبق للبعض وأن حُرم من الكعكة العراقية, الشهية والطازجة دائما وأبدا, فان هذه الانتخابات منحته دعوة "شرعية" ليشارك في الوليمة الدسمة بينما شعبنا العراقي يتضوى جوعا ويعاني الأمرّين على بعد خطوات من مكتبه الوثير.


لا أحد يعلم بطبيعة الحال, حتى صاحب الأمر والنهي سفير أمريكا في بغداد, متى ترى النور حكومة المنطقة الخضراء الجديدة, وكم من الأسابيع والأشهر سوف يطول مخاضها العسير؟ لكن الشيء الثابت, برأيي المتواضع, هو أنها ستكون نسخة معدّلة مختبريا عن حكومة العميل نوري المالكي. والحديث يدور هذه الأيام عن حكومة "شراكة وطنية!". أي أنها بمعنى آخر مفتوحة لجميع مَن شارك وساهم وحرّض على غزو العراق وتدميره ونهبَ خيراته وقتل وشرّد أبناءه. ولا غرابة أن تخرج علينا من قمقم المنطقة الخضراء حكومة طوائف إنتخابية "وطنية جدا"بحلّة جديدة زاهية الألوان, يرفرف خلفها علم دولة العم سام.

.
mkhalaf@alice.it
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

السبت  / ٠٤ ربيع الثاني ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٢٠ / أذار / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور