عصابةُ الأربعة في بغداد

 
 
شبكة المنصور
محمد العماري

يسعى حكام العراق الجديد في مشارق الأرض ومغاربها بحثا عن غطاء شرعي لدى مَن شارك وساهم في إحتلال العراق وتديره وزرعَ في أرضه كل أنواع الشرور والمساويء والفتن, إبتداءا من جارة السوء إيران وإنتهاءا بمشيخة آل الصباح التي حوّلت ثلثي أراضيها الى قاعدة عسكرية أمريكية متقدّمة لتدمير العراق ونهب ثرواته, وإلحاق المزيد من الأذى والظلم بشعبه. ورغم ذهابهم وإيابهم وجولاتهم المكوكية, حيث أنطبق عليهم المثل الشعبي القائل "باب سِدّه وباب رِدّه وباب سلّملي عليه"الاّ أنه لا يبدو حتى هذه اللحظة أن ثمة بصيص أمل لساسة المنطقة الخضراء في تشكيل ما صار يُعرف عندهم باسم حكومة "الشراكة" الوطنية.


لأن ما ينقص هؤلاء بلا إستثناء, رغم كثرة نواقصهم وسيئاتهم, هو الانتماء للوطن ووضع مصالحه فوق مصالحهم جميعا. ومن غرائب القدر وعجائب الدهر أن ترى العميل مسعود البرزاني في بيروت, باحثا بهمّة السمسار وجشع المرابي, عن دعم ومساندة لدى الملياردير سعد الحريري, رئيس وزراء حكومة المحاصصة الدينية والطائفية في لبنان. وربما ذهب البرزاني الى هناك للبكاء والعويل على ما تبقى من المادة 140 من الدستور الصهيوني الذي وضعوه للعراق المحتل, وشرح الخصوصية"الخاصة" لسعد الحريري التي يتميّز بها الشعب الكردي.


والمثير للدهشة والغرابة هو أن ساسة عراق اليوم يتحرّكون كالشظايا المتناثرة على محيط ملوّث وموبوء. لا يجمعهم جامع ولا يملكون الحدّ الأدنى من الوفاق والانسجام فيما بينهم. ومن المؤكد أن أفكارهم ورؤاهم, كمشاريعهم الحزبية والعائلية الضيقة, متباعدة جدا وليس بمقدور شيخ إمارة آكلي المرار"الكويت" ولا الملياردير سعد الحريري بيك وأسياده في مملكة آل سعود أن يجمعها في وعاء واحد. وإذا فشل حكام العراق في إيجاد حلول ناجحة لمشاكلهم الداخلية, وقد سبق لهم وأن فشلوا فشلا ذريعا في إدارة شؤون العراق, فلا يصدّق أحد بان دول الجوار قادرة على وضع قطارهم المتهالك الصديء على السكة الصحيحة.


فمن كان تاريخه وسلوكه وتصرفه الفشل والتلكأ والعجز لا يُرجى منه خيرا أبدا. ومعلوم أنه لم يخطر على بال العراقيين الذين شاركوا في الانتخابات الأخيرة بان عصابة القوائم الأربعة الفائزة سوف تجد نفسها, بسبب فشلها وتبعيتها وفسادها وأنانيتها, مضطرّة الى إستيراد حكومة شراكة, وطنية بالاسم فقط, من دول الجوار. وليس خافيا على أحد, بمن فيهم ساسة بغداد المحتلّة, إن دول الجوار العراقي, باستثناءات قليلة جدا, كرّست كل ما في جعبتها من أحقاد وضغائن وثارات ووظّفت مليارات الدولارات, كمحميّة الكويت وجارة السوء إيران مثلا, لكي يبقى العراق وشعبه محشورا في جحيم"ديمقراطي" لم تعرف له الأمم مثيلا في السابق. ولكي تستمر حرب داحس والغبراء العراقية حتى تأتي على آخر عراقي شريف.


ومن الغرائب أيضا إن عصابة القوائم الأربعة الفائزة, مع كونهم من نفس طينة العمالة والخيانة واللصوصية, ما زالت مقتنعة بان عمليات الاستجداء التي يمارسونها مع دول الجوار سوف تساهم في لمّ شملهم وتمنحهم بعض المصداقية والثقة, وهي صفات فقدوها منذ عقود, أمام شعبهم الذي خُدع مرّة أخرى وتوجّه الى صناديق الاقتراع لانتخابهم. وحتى لو أفلحت جهود فلان وفلان وفلان من ساسة المنطقة الخضراء في التوصّل الى شيء ملموس, سيقى السؤال المهم واقفا أمامهم بالمرصاد, هو: ما الثمن الذي سيدفعه العراق وشعبه لقاء إستيراد حكومة "شراكة "وطنية من الخارج؟


إن الأمم حديثها وقديمها لم تعرف أن الحكومات الوطنية تُستورد من الخارج ووفق مواصفات وشروط خاصّة بالآخرين وليس بابناء البلد المعني. وحتى الدول التي خضعت وعانت في السابق من إحتلال أجنبي خاشم نتجت عنه حكومةعميلة تابعة لم تمرّ على الاطلاق بالتجربة المخزية البائسة التي يعيشها اليوم عراقهم الجديد وقادته الذين سقطوا, وليس أمامهم فرصة نجاح أخرى, في جميع الامتحانات التي واجهتهم منذ إحتلال العراق وحتى يومنا هذا.


وما بحثهم الحثيث وسعيهم الدائم لاشراك أطراف خارجية, معظمها لا يكنّ للعراق وشعبه غير الحقد والكراهية وخراب البيوت, الاّ إعترافا لا يقبل التأويل والشك بضعف وعجز وفشل عصابة القوائم الأربعة الفائزة في الانتخابات الأخيرة وقلّة حيلتهم, رغم أنهم يعيشون في نفس القلعة المحصّنة الخضراء, وحصلوا على كل مستلزمات وظروف وإمكانيات حكم البلاد وتسيير أمورها. لكنهم, كما أثبتت تجارب سنوات الاحتلال المشؤومة, أثبتوا للجميع, ولأنفسهم أيضا, بأنهم أعجز من أن يديروا شؤون قرية صغيرة.

 

mkhalaf@alice.it

للإطلاع على مقالات الكاتب إضغط هنــا  
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

السبت  / ٠٣ جمـادي الاولى ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ١٧ / نيسـان / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور