سياسة تنقية الأجواء بين الأخوة الأعداء

 
 
شبكة المنصور
محمد العماري
يبدو أن الدكتور أياد علاوي رئيس قائمة "العراقية" شعر بالغيرة والحسد لأن جارتنا "المسلمة" إيران لم توجّه له الدعوة, كما فعلت مع رجالها الأكثر ولاءا وإخلاصا وتبعية, والذين يعتبرونها مرجعهم الأعلى في كلّ خطوة يتخذونها. ولأن مخالب إيران مغروسة في الجسد العراقي على مستويات وأعماق مختلفة فلم يجد أياد علاوي هو الأخر بدّا من الاستسلام للأمر الواقع. ولذا فقد قرّر أن يجرّب حظّه في طرح وجهة نظره, أو هكذا يتصوّر, أمام جارٍ لنا لم تأتِ من طرفه غير الشرور والكراهية والعداء. وتحوّل على مرّ الزمن الى مصدر لجلّ مصائبنا ومآسينا وخراب بيوتنا.


لكن حظوظ الدكتور أياد علاوي في تشكيل الحكومة المقبلة لا تبشّر على ما يبدو بالخير, خصوصا وأن يد إيران, في هذا الموضوع, فوق يد الجميع, اللهم الاّ إذا أقدم علاوي على توفير ضمانات كافية لجارة السوء إيران بأن إحتلالها العلني والمبطّن للعراق سوف يكون "مرحّبا" به بإعتباره نوعا من "المساعدة الأخوية" للعراقيين لكي يتخطّوا أزمتهم الراهنة! وحتى لو تمّت إزالة جميع العقبات أمام رئيس القائمة "العراقية" للوصول الى سدّة الحكم في المنطقة الخضراء, والتي ستبقى في كلّ الأحوال خاضعة مباشرة للاحتلال الأمريكي, فأنه سيجد نفسه في أيامه أو أسابيعه الأولى, بين مطرقة االأحزاب الكردية المتصهينة في الشمال, والتي تبحث دائما عن المزيد من الحقوق والامتيازات, وسندان الأحزاب الشيعية الطائفية في الجنوب التي تستمد مقومات وجودها وبقائها من جمهورية آيات الله في طهران.


والمهزلة التي يعيشها العراق وشعبه, وهي جزء من مهزلة أكبر وأكثر تأثيرا, هي أن أية حكومة تشكّل في بغداد يجب أن تنال رضا ومباركة الدول المجاورة, وعلى ر}اسها جارتنا "المسلمة" إيران. وهذا الأمر لم يحصل في أية دولة أخرى. فالمعروف والسائد في جميع بقاع الأرض هو أن دور الدول الأخرى, المجاورة وغير المجاورة, يأتي بعد أن تشكّل الحكومة في البلد إالمعني وتكتسب شرعيتها من قبل البرلمان وتبدأ بممارسة عملها ومهامّها وفق البرنامج الذي أعدّته مسبقا لادارة شؤون البلاد والعباد, ثم بعد ذلك يأتي موضوع العلاقات مع الآخرين. أضف الى ذلك إنني لم أسمع أي حزب أو كتلة أو إئتلاف من القوى"السياسية" الفائزة في الانتخابات الأخيرة يتحدّث بشكل واضح وصريح عن برنامجه الحكومي.


لكن ليس ثمة نهاية على ما يبدو للمهزلة في عراقهم الجديد. فها هو المغولي مقتدى الصدر, صاحب الخبرة والمهارة في الضحك على ذقون وعقول البسطاء من شيعة آل البيت, يقوم اباجراء إستفتاء شعبي لاختيار رئيس الوزراء طارحا خمسة أسماء. واحد منهم بطبيعة الحال من عائلة الصدر نفسها, في خطوة تتناقض مع دستورهم العتيد ومع قواعد وأسس العمل السياسي. فلا توجد دولة في العالم, باستثناء عراق العجائب والغرائب., تسمح لحزب أو لكتلة سياسية مهما كان حجمها وتاثيرها, باجراء إستفتاء شعبيي غير وارد في الدستور ويتعلّق بمنصب رئيس الحكومة. فضلا عن ذلك إن أي إستفتاء يُفترض أن يكون حاصلا على ترخيص الجهات المعنية كالسلطات البلدية والادارية وقوى الأمن لأنه يتعلّق بتواجد وإنخراط جموع كثيرة من الناس. ولا أظنّ إن أتباع الدجّال مقتدى الصدر كلّفوا أنفسهم عناء الحصول على إذن من أحد ولو عبر الفاكس.


ومع ذلك فأن الأخوة الأعداء, أي رؤساء الكتل الفائزة في الانتخابات الأخيرة, يجهدون في مسعاهم الى ما يصفونه بنتقية الأجواء. لكن دون جدوى. فثمة شوائب من كل نوع وصنف ومكان. ولا نتفع معها جميع مواد التعقيم المتوفّرة في العالم للتخلّص منها. ولكي يُصار الى القضاء على الشوائب العنصرية والطائفية لدى البعض والتخلّص منها ولو جزئيا ينبغي أولا القضاء على مصدرها الأصلي والمسببات التي جعلتها تزداد وتستفحل في طول البلاد وعرضها. أي بعبارة بسيطة زوال الاحتلال وتبعاته ومخّلفاته وتركته الثقيلة التي بُنيت عليها كوميديا العملية السياسية.


طبعا لا أحد يعلم, الاّ الله وحده, ما هي قدرة أياد عللاوي وعمار اللاحكيم والعميل المتصهين مسعود البرزاني والعميل نوري المالكي على تنقية الأجواء فيما بينهم خصوصا وأنهم قضوا معا سبع سنوات عجاف في إدارة وحكم المنطقة الخضراء وشبعوا حدّ التخمة من فضلات ومخلفات الاحتلالين الأمريكي - الايراني للعراق. ناهيك عن أنهم أمضوا عقودا من الزمن الضائع في النضال"الثوري" المدفوع الثمن في الفنادق الفخمة والشقق الفاخرة والملاهي الليلية ودوائر المخابرات الأجنبية المعادية للعراق وشعبه.وكان يُفترض أن تكون الأجواء بينهم نقية وصافية وعميقة أن حقّقوا هدفهم االشيطاني في إحتلال العراق وتدميره وقتل وإعتقال وتشريد الملايين من أبنائه. لكننا هنا نسأل مع أن الجواب بسيط جدا. متى كانت الأجواء نقية وطبيعية بين لصوص ومجرمين وقتلة وقطاع طُرق؟

.
mkhalaf@alice.it
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاحد  / ١٩ ربيع الثاني ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٠٤نيسـان / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور