جرائم أمريكا وحلفائها والقانون الدولي
توظيف الإعلام وفضائيات عربية وإسلامية وحكومات في تخريب وحدة الشعب

﴿ الحلقة الثانية عشر

 
 
شبكة المنصور
عبد الله سعد
أعود لأجيب عن السؤال الكبير كيف استطاعت أمريكا والصهيونية ومخابراتها خرق مجتمع واع وموحد ورافض للانحراف وتوظيف مواطنين دفعوا دمائهم وأنفسهم دفاعا عن استقلاله في ملحمة كبرى هي القادسية الثانية؟ تلك الملحمة الأسطورية التي واجه فيها العراقيين المد الفارسي تحت مسمى تصدير الثورة؟ وتوظيف الدين والمذهبية المنحرفة لغير ما جاء به الدين وأراد به مجتهدوا المذاهب في أحكامهم وفتاويهم؟


لنعود بعيدا شيء ما، إلى مرحلة تأسيس الدولة العراقية الحديثة بعيد الحرب العالمية الأولى واجتياح بريطانيا وفرنسا لمنطقة الشرق كلها والاستيلاء على مستعمرات الدولة العثمانية، وتنفيذهم لمخططهم الشرير المتمثل بمعاهدة سايكس بيكو وتقسيم الوطن العربي، في عام 1920 وبعد احتلال بريطانيا للعراق وانكشاف كذب وعودها للشعب العربي في منحه حق الاستقلال والوحدة، قامت ثورات شعبية وتشكلت قوى مقاومة في معظم أجزاء الوطن العربي، كان الشعب في العراق من طلائع الثورة القومية ولم تتمكن بريطانيا العظمى زعيمة الامبريالية العالمية في ذلك الحين من القضاء على المقاومة الشعبية التي اشتعلت في كل العراق وكانت شرارتها الأولى قد بدأت من النجف والمثنى ثم عمت عموم العراق، فما كان أمام الانكليز إلا الرضوخ صاغرين أمام مطالب الثوار التي هي مطالب عموم الشعب بكل مكوناته، فحاول الانكليز توظيف القضية المذهبية لشق المقاومة العراقية لكن الشعب وطلائعه افشل المخطط الشرير، حيث إن محاولة توظيف المسالة الدينية والمذهبية ليست جديدة بل هو عامل أساسي في المنهج الاستعماري الغربي، وتعتمده كأحد الوسائل لتفتيت الشعوب وإضعافها، وحاولت أيضا توظيف ذلك عند رضوخها وتأسيس الدولة العراقية عام 1920 على أسس طائفية ومذهبية، لكن المراجع وخصوصا مرجعية النجف الاشرف رفضت ذلك بل ولم تجيز لأتباع المذهب الجعفري الاشتراك في حكومة يقودها الكفار المحتلين، وظل هذا الفقه قائما حتى قيام ثورة 14/تموز/ 1958 تقريبا، فأرادت أمريكا وبريطانيا توظيف ذلك على انه تهميش (للشيعة) وتقصد في إبعادهم عن السلطة متغافلة عن كثير من الوقائع التي تؤكد كذب ذلك وتدينه وقد وظفت هذا الأمر إعلاميا، منذ عام 1991 والتي كان في حينها يتولى رئاسة الوزراء الشهيد محمد حمزة الزبيدي وهو نعم عضو قيادة في الحزب ولكنه شيعي من بابل إن رجعنا لمذهبه، وكان رئيس المجلس الوطني الشهيد الدكتور سعدون حمادي وهو شيعي من كربلاء، ولا أريد أن أتوسع في مذاهب قيادة العراق وكادر الحزب والدولة لأني أصلا لا أتعامل مع أي عراقي على أسس عرقية أو دينية أو مذهبية، ولكن كما يقول حكماء العرب (للضرورة أحكام) فسقت المثل السابق.


لقد كان لأحداث الفعل الإيراني الدنيء والمنافي لشرائع الدين وقيم وأعراف الجوار وأخلاق الإسلام والمسلمين في اشتراكها في العدوان الثلاثيني على العراق عام 1991وما نتج عنه من تداعيات طالت البنية الاجتماعية لشعبنا، والتي كانت أمريكا تبغي منه عودة الحرب بين العراق وإيران أو على تعميق العداء والتناقضات بينهما للحيلولة دون خلق أجواء يمكن أن تقود إلى تقارب بين العرب عموما مع إيران والعراق خصوصا، على أسس المصالح المشتركة والعلاقات التاريخية والدينية، خصوصا إذا كانت فعلا حكومة إيران الحالية تواجه عداءا من أمريكا والصهيونية والغرب! فهذا ينبأ بإمكانية لقاء بين العرب كشعب وقواه الفاعلة المناهضة للمشروع الامبريالي الصهيوني، لكن سلوك وأفعال حكومة إيران توحي بعكس ذلك، فقد كان موقف إيران واشتراكها الفعلي في العدوان على العراق عام 1991 وما تلاها يجسد عكس ما يعلن، بل إن حكومة إيران شاركت بجهد كبير في العدوان الثلاثيني وما تلاه وهي بالأساس كان لعدوانها على العراق مؤشر عدائي أثبتت الأيام انه لم يكن بسبب خلاف حدودي أو اختلاف سياسي بل منهج راسخ في عدوانية النظام الإيراني للتطلعات العربية، فقد غدرت إيران وحالفت أعداء الله في عدوانهم على العراق وتحشد إتباعها وصنائعها مع كل أشرار ومجرمي العالم، ودخلت المجاميع التي شكلتها كالمجلس الأعلى والدعوة وفيلق بدر وبتمويل وتسليح إيرانيين وتحت إمرة ضباط من الحرس الثوري واطلاعات لتعيث فسادا وترتكب أشنع الجرائم ضد شعب العراق وجيشه، أهكذا هي المعارضة؟ قتل وحرق ونهب وتدمير واغتصاب للأرض وللإنسان؟ كما إن تسليط الإعلام على إفشاء الطائفية كمفردة وتفكير في العقل العربي عموما والعراقي خصوصا حتى بات الإعلام العربي والإسلامي بوقا يردد مفردات الطائفية حتى باتت مفردات السنة والشيعة لا تخلوا منها نشرة أخبار أو برنامج في الفضائيات خصوصا فضائيات الجزيرة والعربية والعالم الفارسية، تلك المفردات التي هي مقدمة لمخطط امبريالي صهيوني لشق وحدة المسلمين، وسعيا لترسيخ المنهج الصهيوني المتطرف الذي يستخدم فيه إدارات الدول الامبريالية ومراكز بحوثها لتقسيم العالم على أساس الصراع بين الأديان أو بالأدق بين أتباع الأديان، لان الدين عند الله واحد وكل أنبياء الله بعثوا وكتبه أنزلت بالحق ودعوة البشرية إلى مكارم الأخلاق وحسن التعامل والدعوة للفضيلة ومناهضة البغي والرذيلة، والدعوة للإخاء والمحبة والتعاون والسلام والتسامح بين البشر، كل ذلك وضفته أمريكا والصهيونية وحلفها الشرير وبقدرات إعلامية ضخمة وكفئة وذات إمكانات كبيرة في التركيز على البدء بإنبات فتنة شريرة تلحق تدميرا ببنية المجتمعات الإسلامية عموما والمجتمع العراقي بشكل خاص كون التركيز كان موجها على شعب العراق وبنيته، هذا إضافة للمعانات الكبيرة التي كان شعب العراق يرزح تحت وطئتها وهي حرب الإبادة الشاملة والقتل الجماعي الذي فرضه الحصار الجائر واللاشرعي والذي يمثل عدوانا على الحياة البشرية كلها، والتي كرس الإعلام الامبريالي الصهيوني والإعلام الأجير بتفسيره انه بسبب موقف الدولة والقيادة وعدم التزامها بالقرارات الدولية وهو تبرير ساقط أصلا بكل الأدلة والوقائع، وكان لدور الكتاب والمثقفين الأجراء دورا في توكيد ما يردده الإعلام الأمريكي.


كما إن القوى الضالعة بالعدوان على العراق استخدمت أساليب متعددة لزيادة معانات الشعب العراقي والعمل على تدمير قدراته الاقتصادية وقدرته لمواجهة الحصار اللاشرعي والمعادي لقيم الإنسانية وهو الذي يمثل قتلا جماعيا لشعب العراق، فقد عمدت إلى طبع مزيف للعملة العراقية بكميات كبيرة تصل لحد انهيار قيمة العملة وتهريبها للداخل عن طريق حكومة سليمانية العميلة في شمال العراق والعصابات المرتبطة بجنوب العراق، طالت حتى الفئات الصغيرة من العملة لو حسبت كلفة طبعها مع قيمتها لرجحت كلفة الطبع على قيمة الفئات المطبوعة، أي إنها تمثل خسارة مالية وهذا يؤكد إن من يقوم بطبع تلك العملة لا يقصد الربح من خلالها بل يهدف لزيادة معانات الإنسان العراقي، ولو تمعنا من الذي يقوم بذلك لتأكدنا أن أمريكا والكيان الصهيوني وحكومتي الكويت وإيران هي من ينفذ تلك الفعلة الدنيئة والرخيصة، أليس ذلك جريمة أخرى تضاف لسلسلة جرائم أمريكا وحلفائها.


كل ذلك جعل منظمات الحزب وأبناء القبائل والأجهزة الأمنية بمتابعة تلك الأعمال التخريبية عبر حملات مداهمة للمناطق التي يتواجد بها قطاع الطرق والمخربين واللصوص وعملاء إيران القتلة من تنظيم حزب الدعوة العميل والمجلس الأعلى وفيلق بدر وبإشراف وتمويل إيراني عبر اطلاعات الإيرانية والحرس الثوري، لقد عملت حكومتي إيران والكويت المتحالفتين مع قوى العدوان بتجنيد المنحرفين والعملاء وتوريط واستدراج عناصر من سكنة المناطق النائية ليكونوا قواعد ودورهم مأوى للقادمين من إيران وذلك بإغرائهم بالأموال التي معظمها من تلك المزيفة أو تضليلهم عبر التدين الكاذب والمنافي لقيم الدين، للقيام باعمل مشينة مثل قطع الطرق وسلب المواطنين والركاب المسافرين بين المحافظات حاجياتهم ومصاريفهم، والتعرض لموظفي الدولة العملين في المشاريع خصوصا الزراعية كاستصلاح الأراضي أو مشاريع الري أو الحملات الصحية للتلقيح ضد الأوبئة ومنتسبي الأجهزة الأمنية وخطفهم وقتل البعض منهم حتى باتت مناطق معروفة تعتبر مناطق خطرة، وكانت تلك المجاميع التخريبية تدخل من إيران عبر مناطق الاهوار والحدود الجنوبية التي انسحب منها الجيش بشكل كامل وهو بالأساس قليلة السكان بل فيها مناطق طويلة خالية من السكن كمناطق الحدود شمال البصرة وجنوبها بين أبي الخصيب وناحية الخليج جنوب الفاو وميسان وواسط وجنوب ديالى، إضافة إلى دخول كثير من تلك العناصر المرتبطة بإيران عن طريق منطقة الحكم الذاتي التي لا سلطة للدولة عليها، هذا الأمر جعل تلك المجاميع أن تجد لها مناصرين في تلك المناطق واتخذتها مناطق انطلاق لتنفيذ أعمالها التخريبية (وللمثال مناطق الجبايش وعكيكة في هور الحمار ومناطق الجكة واهوار السناف والخراب وأطراف القلعة والبشائر وغابات منطقة الفجر التي أنشئت لمواجهة التصحر وزحف رمال الصحراء ومناطق الحدود مع إيران مقابل المجر وقلعة صالح ومنطقة معمل الورق وناحية السلام والعدل واستخدام طريق كميت - الفجر وطريق بتيرة – الفجر وطريق الميمونة - الرفاعي التي قل استخدامها بعد انتهاء الحرب بين العراق وإيران، كذلك استخدام الطريق الحدودي بين الشيب وحتى المنصورية والطرق الرابطة له بالطريق العام بصرة – بغداد خصوصا منطقة معامل الطابوق في شمال الحي وشمال الكوت ومنطقة الدبوني مما اوجب تدخل منظمات الحزب والأجهزة الأمنية وبالتعاون مع القبائل التي تسكن تلك المناطق لمعالجة ذلك والقضاء على أتباع إيران وحماية المواطنين من أفعالهم الشريرة ضد الوطن والمواطنين، وظف الإعلام الأمريكي والفارسي على إنها حملات ضد سكان الاهوار ومناطق الشيعة؟ علما بان القائمين بها في غالبيتهم هم تنظيمات الحزب وأبناء القبائل من أبناء المنطقة وهم مسلمين شيعة ولكنهم يرفضوا عملاء إيران وتدخلها في شؤون العراق، هذا كان وسيلة أمريكا وحلفائها في المنطقة حكام الكويت وحكومة إيران، لإحداث فجوة بين المواطن والنظام الوطني بدرجة ما زاد فيه معانات الشعب من وطأة الحصار والإعلام، أهناك جرائم معادية للإنسانية أكثر من هذا؟ فأين القانون الدولي والمحكمة الجنائية من مجرمي الحرب؟


وسيكون مبحثنا القادم دور المرجعيات ومخالفتها الصريحة لحكم القرآن والسنة النبوية الشريفة وفقه الإسلام خصوصا ما ورد عن الأئمة الأطهار علي بن أبي طالب والحسن والحسين عليهم السلام في الموقف من العدوان الأمريكي على العراق منذ عام 1991 حتى يومنا هذا، قبل أن ننتقل إلى جرائم أمريكا بعد الاحتلال، إنشاء الله.

.
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاحد  / ١٩ ربيع الثاني ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٠٤نيسـان / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور