عشرة حقائق عن طبيعة طاقات المستقبل هل سنعود الى طاقة الفحم ؟

 
 
شبكة المنصور
ا.د. عبد الكاظم العبودي
أستاذ الفيزياء الحيوية / جامعة وهران

في كل مرحلة من المراحل يعتاد الإعلام الغربي على ركوب موجات عديدة من الإثارة الجماهيرية لإشغال مجتمعاته بموضوع ما، وعندما يتعلق الأمر بمجتمعات الرخاء والوفرة فان الشغل الشاغل لها سيكون موضوع الطاقة ومحدودية الموارد في المستقبل، مستأثرا بتصريحات خبراء الطاقة وهم يقدمون أرقامهم وإحصائياتهم ورؤاهم المستقبلية. ولا تخلو مثل هذه الموجات الإعلامية من إيحاءات تنم عن استعداء مبطن على الآخر، وكأن العالم المصدر للنفط والغاز هو السبب في مأساة العالم الطاقوية في المستقبل المنظور وليست المجتمعات الاستهلاكية والصناعية التي أوصلت العالم إلى حافة التلويث الشامل باستهلاكها المفرط للوقود الاحفوري وتسعى الى تحويل جزء من الغذاء الى وقود للسيارات . لذا لابدمن المرور الى عشرة حقائق لتسليط الضوء على طبيعة طاقات المستقبل.

 

الحقيقة الاولى : المعروف أن الوقود الاحفوري يقوم بتزويد %80 من الطاقة التي تمد الحضارة المعاصرة، والنسبة الكبرى من هذه الطاقة تستهلكها بلدان المركز الصناعية، في حين تعيش مجتمعات الهامش وهي عدة على كوكبنا المعولم بدون طاقة كهربائية وبلا وسائط نقل، وتعيش في ظلام الليل ومن دون وسائل للتدفئة وتحتاج إلى طهي غذائها، انوجدته، بما تحطبه نسائها وأبنائها من أشجار ونباتات الحقول المحيطة والمجاورة لها على حساب تصحر اراضيها وفقدان الغلاف البناتي الشجري لها.

 

الحقيقة الثانية: كلما ازداد استهلاك الوقود، ازداد إنتاج غازات الدفيئة التي تسبب ظاهرة الاحتباس الحراري. ويشكل إنتاج وطرح ثاني أكسيد الكربون إلى الأجواء مشكلة باتت تؤرق العالم؛ بما تسببه من تغيرات مناخية يشهدها كوكب الأرض، في مظاهر تتكرر بمعدلات قياسية حادة على شكل فيضانات وجفاف وأحداث مناخية عنيفة كالأعاصير وتغيرات مناخية مفاجئة لم تشهدها بلدان عدة من قبل.

 

الحقيقة الثالثة: أن معالم التغيرات البيئية في كوكبنا ليست ظرفية؛ بل ستمتد إلى القرن القادم، وتنبئ بتأثيرات كارثية منها جفاف قاس في أجزاء من إفريقيا وجنوب أوربا، وارتفاع لمناسيب ومستويات سطح البحر عبر العالم، واختفاء وغرق عددا من المدن والحواضر الكبرى الساحلية، وذوبان واسع لجليد القطبين.

 

الحقيقة الرابعة: وهي نتيجة الحقائق الثلاث السابقة لأن كوكب الأرض سيواجه مشكلتين متصاعدتين هما: نضوب الموارد الطاقوية الرخيصة المتوفرة اليوم مننفط وغاز وفحم حجري، وما سيتركه الاستهلاك المفرط لها من تلويث كوني لا يمكن التخلص منه.

 

إن مجتمعات الوفرة والرخاء ربما لم تفكر بمسؤولياتها الحقيقية وهي تطالب بلدانا أخرى من العالم المتخلف أو "النامي" للمشاركة في مسؤولية مستقبل الأرض من دون أن تبدي أمامها بأي اعتراف عن حجم مسؤولية كل طرف أو إقليم من تلك المأساة المنتظرة عن تلويث الكوكب.

 

الحقيقة الرابعة:: هناك من يهرب إلى الأمام من دون وضع حلول لمشاكل الماضي الطاقوي وحاضره وكوارثه البيئية فيطرح مشاريع البدائل الطاقوية للوقود الاحفوري، كالخيار النووي وإعادة روح الحماسة لبناء المحطات النووية، والإسراع لوضع الضوابط لها والاستئثار بتقاناتها، والتحكم بإنتاج وقودها النووي، وعدم التفكير الجاد بمصير النفايات النووية ومدافنها أو طرق التخلص منها، من دون خلق أضرار جديدة تسببها الملوثات المشعة القاتلة على الصحة والبيئة.

 

إن صورة ومستقبل الخيار الطاقوي النووي تبدو وردية للبعض، وقاتمة للبعض الآخر، تعكسها الأوضاع العالمية للطاقة التي تتحكم بها الأقطاب النووية المقررة في مصير البحث العلمي والحصول على التقانة النووية، البعيدة عن متناول اغلب بلدان العالم ، سنعرضها من خلال الحقيقة الخامسة.

 

الحقيقة الخامسة: إن جعل الطاقة النووية منافسة قوية للمحطات التي لازالت تعمل بالفحم والغاز الطبيعي لازال بعيد المنال، حتى عند البلدان المتقدمة تكنولوجيا، فرغم الحوافز والتشجيعات والتشريعات الجديدة والحماية من الاعتراضات الجماهيرية من المخاطرة ببناء المفاعلات، خشية حوادثها المدمرة، إلا أن قناعة جمهور واسع من الناس لازالت قلقة، ترى أن ثمة أخطار لابد من تجاوزها قبل التوسع ببناء مفاعلات جديدة. فهناك أكثر من 440 مفاعلا قديما تنتج جزءا من ستة أجزاء من كهرباء العالم وهي بعيدة كل البعد عن تعويض النسبة الكاملة من الطاقة الكهرونووية البديلة إلا ببناء آلاف من المفاعلات النووية الجديدة.

 

يقدر البعض عددها بخمسة آلاف مفاعل جديد وهي بدورها ستطرح مشكلة المخلفات النووية لنفاياتها، ومخاطرالانتشار النووي، واحتمال الاستخدام العسكري لها لإنتاج أسلحة نووية من البلوتونيوم المستخلص عنها او التخصيب العالي لليورانيوم، إضافة إلى مشاكل المراقبة والتحكم بإنتاج الوقود والقلق من احتمال وقوع الحوادث النووية، أو اعتبار البعض  ان هذه المنشئات ستكون أهدافا للهجوم أو التهديد بالترهيب النووي.

 

إن شبح تشرنوبيل لازال جاثما أمام أرقام تشير إلى إصابة أكثر من 4000 طفل بسرطان الغدة الدرقية، وترحيل 350 ألف من السكان عن المواقع القريبة للمفاعل المفجوع. ورغم إخفاء أرقام الوفيات الحقيقية لمأساة تشرنوبيل، لكن يكفي أن أهل البلاد الاوكرانية والعالم أطلق عليها مجتمعا، اسم كارثة. وقيل عنها: " لقد اصيب العالم بالهلع من الطاقة النووية". إن شعوبا عدة لازالت غير مقتنعة بالبديل النووي حتى اليوم .

 

الحقيقة السادسة: يؤكد خبير الامن النووي جراهام اليسون ان الطاقة النووية تبقى جزءا من مصادر الطاقة المستقبلية... هذا اذا ما اردنا الا نوقع ضررا كبيرا بالبيئة... ويجب الا يُنظر الى الطاقة النووية على انها بديل لوقود الطاقة النظيفة او الكتلة الاحيائية او طواحين الهواء... سوف نحتاج كل نوع من الطاقات، وبعدها ستصنف النتائج الاقتصادية لكل منها ومدى نجاعته. إن ايا من الطاقات البديلة لا يمكنه ان يحل المشكلة بمفرده.

 

الحقيقة السابعة: ان الذين ظنوا ان الانسانية تركت مناجم الفحم واستعمالاته الصناعية الى الماضي الصناعي، وانها ستهلكت مخزون الارض البترولي والغازي ربما ستفاجئهم الارقام التي ترى ان الطلب العالمي على الطاقة للمئة سنة القادمة تظهر افتراضا للنمو في الطلب العالمي مقداره % 1,5 سيكتشف ان المساهمة الهائلة للفحم بحلول العام 2100 ستصل الى نصف امدادات العالم بالطاقة تقريبا ستأتي من الفحم وحده.  وان "مشكلة المناخ مستقبلا هي مشكلة الفحم"؛لان الفحم هو اقذر انواع الوقود الاحفوري كما يقال؛ فالى جانب تأثيره على صحة الانسان فانه يولد ضعف كمية ثاني اوكسيد الكاربون عند حرقه، مقارنة مع الغاز الطبيعي؛ لذا لا بد للباحثين من حل هندسي لهذه المشكلة ويرى البعض انها تتلخص في :

 

اولا: بتحويل الفحم الى غاز بتعريضه الى درجات حرارة عالية لدرجة انه يتحلل الى مشتقات متنوعة من البترول. وبفضل هندسة التغويز" هذه يتم التحول الى غاز"Integreted gasification combined cycle (IGCC)  وبهذه الطريقة يمكن فصل ثاني اوكسيد الكاربون، وبعدها يتم احتجازه بباطن الارض .

 

ثانيا: يعزل غاز ثاني اوكسيد الكاربون بتوجيهه الى خزانات تحت الارض، حيث يتوقع المهندسون أن يبقى مدفونا الى الابد. ويرى آخرون انه قد يتسرب الغاز ثانية الى سطح الارض ومنها الى الغلاف الجوي من عدد من مواقع التخزين.

 ولا شك ان هذه العمليات الهندسية المضافة للتخلص من غازات كاربون الفحم تتطلب استهلاك %30 من طاقة المحطات لتصفية غاز ثاني اوكسيد الكاربون والتخلص منه الى داخل الارض.

 

إن الاحتياطات المعروفة من النفط (على أساس الاستهلاك الحالي، وليس المستقبلي) ستدوم لمدة 41 سنة، والغاز الطبيعي 67 سنة، والفحم 164 سنة. ويعتقد البعض بان وصول الانتاج النفطي ذروته سيحدث قبل ما هو متوقع بكثير. اما الغاز الطبيعي الذي كان يعتقد انه وافر ورخيص، فقد أصبح من الصعب اكتشافه؛ لكن الفحم لا يزال متوفرا بكثرة في كثير من البلدان. لدى الولايات المتحدة أكبر احتياطيات الفحم في العالم، وكذلك روسيا والصينوغيرها. وسوف يلعب الفحم مرة اخرى دورا كبيرا في انتاج الطاقة حسب رأي العديد من الخبراء.

 

سيزداد الطلب على الطاقة عبر العالم بشكل حاد، جزئيا بسبب النمو السكاني الذي سيصل الى %50 مع نهاية القرن، وبشكل اكبر في البلدان المكتظة بالسكان مثل الصين والهند وهي من البلدان التي تمتلك احتياطيات كبيرة من الفحم – سيرتفع نحو المستويات التي تلاحظ عند الامم المتقدمة في نموها الاقتصادي بنسبة % 500 .

 

الحقيقة الثامنة: الكثير يقال عن الطاقات المجانية او البديلة او الطاقات النظيفة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ولكن لكل طاقة كلفتها أيضا؟. ولا توجد هناك عصا سحرية للانتقال دون كلفة عالية في الاستثمارات الجديدة. ولكن هل ستحصل الكفاية من هذه الطاقات بعد النفط والفحم؟.

 

العالم يستهلك اليوم حوالي 320 مليار كيلو واط/ساعة من الطاقة يوميا، وهو ما يعادل 22 مصباحا كهربائيا مشتعلا بلا انقطاع لكل شخص على ظهر الكوكب. ويتوقع:  إن الإنسان يمكن أن يستهلك ثلاثة أضعاف تلك الكمية خلال العقد القادم . لقد وفر الوقود الاحفوري الحجري طاقته وهو يجمع ويخزن طاقة الشمس على مدى ملايين السنين، وبحرق هذا الوقود لن يرجع ثانية بسهولة. وهذه المشكلة الكبيرة تحتاج الى حلول كبيرة أيضا.

 

العودة الى الشمس بزرع سطح الأرض بملايين الألواح الكهروضوئية" الخلايا الشمسية"، لتوليد الطاقة الشمسية. وهناك من يفكر بتجارب اخرى، تجري على نسخة منقحة من العدسة المكبرة على شكل أطباق عملاقة عاكسة لتقوم بتركيز أشعة الشمس لتنتج حرارة تكفي لتشغيل مولد كهربائي. ولكن لحد الان، فان الطاقة الشمسية مرتبطة بانتاج الخلايا الشمسية التي يجري تطويرها واستعمالها. ولا تخلو هذه الطريقة من الازعاج المتمثل في حجب السحب والغيوم وحلول ساعات الظلام ليلا، لذا تتطلب توفير افضل بطاريات الرصاص الحمضية الضخمة لأجل الخزن الكهربائي.

 

حتى الان لا تقدم الطاقة الشمسية سوى اقل من %1 من الطاقة في العالم. وهي تحتاج الى المزيد من المساحات الشاسعة من الخلايا الشمسية. وبمستويات الكفاءة الحالية لإشباع احتياجات بلد كالولايات المتحدة من الكهرباء مثلا يحتاج انتج الطاقة الشمسية الى حوالي عشرة الاف ميل مربع من الالواح الشمسية وهوما يزيد على مساحة ولاية فيرمونت الامريكية كلها، والدراسات تشير الى ان تلك المساحة ستكون اكبر بكثير مستقبلا.

 

الحقيقة التاسعة: استخدام طواحين الهواء وصنع التوربينات لتجميع الطاقة الشمسية مرة اخرى من طاقة الرياح. فبفضل الشمس يسخن الهواء وتتحرك الرياح التي تنتظرها التوربينات والمراوح. هذه التوربينات تحتاج ايضا الى مساحات واسعة وهي محدثة للضجيج، ويرى البعض من حماة البيئة وحقوق الحيوان انها قبيحة المنظر، ومشوهه للبيئة والطبيعة، وتسبب تهديدا للطيور والخفافيش. ويطالب آخرون بازاحة "مزارع الرياح" الى البحر.

 

وقد تطورت صناعة التوربينات في المانيا من طراز بناء الابراج من الالياف الزجاجية والحديد الصلب بارتفاع 600 قدم، وبأذرع يصل طولها الى 200 قدم، ويستطيع البرج الواحد ان يولد 5 ميجا واط من الكهرباء. وتحاول الشركات الاوربية اشغال واحتلال المزيد من المواقع الاكثر تمييزا بهبوب الرياح، وكذلك بناء الابراج عند السواحل وداخل البحار، والابراج الاخيرة اكثر تكون كلفة من نظيرتها البرية؛ نظرا لارتفاع كلفة وضع الاساسات لها تحت الماء. والتوربينات قد تتوقف لعدة ايام بسبب سكون الرياح، ولابد من وسائل تخزين للطاقة الكهربائية كالبطاريات الواسعة التخزين.

 

الحقيقة العاشرة: تتمثل في شعار " ازرع وقودك بنفسك" وهو ما يعني اللجوء الى الطاقة الحيوية، والعودة ثانية الى طاقة الشمس التي حولتها اوراق النباتات الى غذاء في عملية التركيب الضوئي" التمثيل الغذائي". وتشتهر اليوم مصطلحات جديدة تذكرنا بالنفط مرة اخرى عندما نسمع مصطلح طاقوي جديد مثل " بيوديزل"biodiesel . ويمكن للشخص المار من قرب بعض المحطات المنتجة لهذا الوقود ان يشم رائحة احتراق زيت نباتي؛ ففي المانيا تستخدم حوالي 450 مليون جالون من البيوديزل بما يعادل %3 من جملة استهلاكها من الديزل.

 

الطاقة الحيوية اليوم تعني: الكحول الاثيلي والبيوجاز والبيوديزل. وهي انواع من الوقود سهل الاحتراق، مثلها مثل الغاز الطبيعي والفحم؛ ولكنها مستمدة من زيوت النباتات. الكحول الاثيلي يستخرج من الذرة ويخلط بالبنزين في امريكا، والكحول الاثيلي المأخوذ من قصب السكر بات يشكل حوالي %50 من وقود السيارات في البرازيل.

 هذه النباتات بحاجة الى مساحات واسعة من الاراضي.

 

والوقود المنتج منها يستهلك كميات كبيرة من النشا والزيوت والسكريات النباتية، وتجري هناك تجارب على الكائنات الدقيقة القادرة على تحلل السللوز الخشبي الزائد عن حاجة النباتات. وفي كل الحالات ينظر الى هذه الصناعات على انها تتم على حساب مجاعات لشعوب لا تجد ما تأكله لسد رمقها من اجل البقاء على الحياة بسبب ظروف الفجوة الغذائية. ان العالم المتقدم يقدم خبزالجياع وقودا للسيارات لضمان رخاء سكانه.

 

 

للإطلاع على مقالات الكاتب إضغط هنــا  
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاثنين  / ١٢ جمـادي الاولى ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٢٦ / نيسـان / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور