في رحاب الامام الحسين عليه السلام - كم مرّة ظُلم الحسين وبكم سيف ذبح ؟!

﴿ الحلقة الاخيرة ﴾
 
 
 
شبكة المنصور
زامـــل عـــبــــد

تناولت في الحلقات التسع ثورة الامام الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام والبعد الإنساني فيها كونها ثورة تحررية ببعدها الديني والدنيوي  لان الامام الحسين بخروجه  على  الحاكم المستبد لم يكن راغبا في الدنيا ومغرياتها لان ما يمتلكه من ارث  لا تعادله  ملذات الحياة وفتنها المادية والاعتبارية  لأنه الوريث الشرعي  للكم الهائل من القيم والمبادئ و الشرائع السماوية والوضعية التي تعبر عن نتاج الأمة التي حباها الله بان تكون الأمة الوسط والأمة التي تحتضن كل الرسالات السماوية وان تكون مهبط الوحي وتوقفت أمام الرموز الأساسية في الثورة الحسينية بقائدها ورافع لوائها والمرأة العربية العلوية التي أوكل لها دور مهم وأساسي في الثورة من حيث استمرارها وكشف وتعرية  المناوئين لها والسلطة التي ارتكبت الحماقة الكبرى  بانتهاك حرمة  ومقدسات الإسلام كون المقتول هو ابن بنت النبي  وسيد شباب أهل الجنة وسبط الرسول الاعظم  وغيرها من ميزات النسب والتكوين الذاتي  ، وقد خلصت الى سؤال مهم وحيوي  أين هم المتباكين على أل بيت النبوية ويدعون  إتباع منهجهم ويطالبون المظلومية  من هذا الإرث الإنساني  الكبير  والسيرة العطرة

 

من يتصفح مظاهر إحياء عاشوراء حول العالم عبر الفضائيات وسواها ويلمح العبرات التي تنهمر من أعين المسلمين لا يكاد يصدق أن الواقعة المروية قد انقضت منذ 1370 عاماً ذلك أن الله في عُلاه أراد لهذه الواقعة أن تُخلّد ليوم القيامة لما فيها من أرث ودروس تختصر حقيقة الصراع الدنيوي بين معســـــــــــكري الخير والطغيان وتشـــرح مفهوم النصر الخالد  ولو عبر النتيجة التي خلصت لها معركة ألطف تلك الدروس التي فهمها المهاتما غاندي  محرر الهند فقال ))  تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوما فأنتصر)) وغابت عنا فما استثمرناها    بصراعنا مع أعداء لأمة والدين عبر تأريخنا الحديث وما سبقه وخاصة ما بعد سقوط بغداد عام 1258  ، فهناك من ركز علىالثورة على حساب رسائلها وأهدافها الكبرى وبين من أهملها وتجاهل معانيها وتعامل على أنها لا تخصه تبدد الإرث وبقي الرثاء وظلم بذلك الحسين واستشهد على يد محبيه ومناوئيه آلاف المرات ومن هنا يمكننا القول استشهد الإمام الحسين ثلاث مرات الأولى على يد اليزيديين بفقدانه لجسده  الطاهر وقضى منحورا من القفا مسلوب الثياب  هشم صدره الشريف بحوافر الخيل إمعانا" للكراهية والبغضاء وقبول رضا الحاكم والثانية على يد من يدعي  موالاته وأتباع نهجه الذين شوّهوا سمعته وأساءوا لمقامه ، أما الثالثة فعندما استشهدت أهدافه  هي الاخرى على يد أهل المنبر الحسيني ، وكان هذا هو الاستشهاد الأعظم    

 

* فالحسين ظُلم بما نسب له من روايات قاصرة عن أن تصبح تاريخاً يألفه أو يقبله العقلاء ظُلم بذلك لأن تلك الروايات عُتمت على أهداف ثورته ومقاصدها

 

* ظُلم على يد  الروزخونية والرواد يد ومن اعتلوا منبره  مدعين بأنهم دعاة  ومحدثون وهم يقتصرون الى الثقافة ألعامه والخاصة في ان واحد لاستنادهم على ما كتبه من يريد الاسائة الى الأمة  والاسلام كي ينتصروا الى حقدهم الحضاري الدفين  والانتصار الى مجدهم الذي  هد بفعل المسلمين الأوائل  ناشري لواء الإسلام في بقاء الدنيا عندما نسبوا وينسبون له  ولأهل بيته حوارات ومواقف وهمية لاستدرار الدمع وإثارة العواطف والصراخ والعويل  فصوروه وهو المحارب الجسور الذي افتدى مبادئه بروحه  وهو يلتمس شرب الماء بكل ذلٍ ومهانة من أعدائه وصوّروا الحوراء زينب الطود الشامخ التي دخلت على الطاغية يزيد فزلزلته بخطبتها على أنها امرأة جزعة بكاءه تثبّط همة أخيها في الحرب  وتثنيه عن القتال !!؟  

 

* ظلم  وأي ظُلم هذا عندما حُوِّلت ثورته الكبرى الى عويل وبكاء وتطبير والمشي على الجمر وشق الجيوب والخروج على الثوابت الأساسية في الالتزام المجتمعي لتعذيب وجلد النفس  وكما بدأها (( التوابون من أهل الكوفة بعد استشهاده عندما جلدهم الندم لمّا سمعوا بقتل الأمام الذي كاتبوه وبايعوه للخروج على يزيد ومن ثم خذلوه فخرجوا في مواكب يشقون فيها الرأس ويعذبون أنفسهم ندماً على ما فعلوه بالإمام وصحبه )) وتوارثت هذه الطقوس التي لا تتناسب مع ثبات المؤمن وصبره بل وسعت لتبريرها بنسب الفعل للسيدة زينب التي قيل عنها وحاشاها أنها شقت الجيب وشجت رأسها حزناً على أخيها

 

* ظُلم  الامام الحسين عليه السلام عندما زُج بمظاهر الغلو في مجالسه

 

* وظُلم عندما اتخذت مجالسه وسيلة لترسيخ الفر وقات بين الأمة المحمدية التي بذل روحه لجمع شتاتها والحفاظ على هويتها وهو ما عبّر عنه آية الله الشيرازي عندما قال (( ما زُجّ بمظاهر الغلو في مجالس الحسين إلا ليقلصوا من مكانة وعظمة هذه الواقعة الخالدة  ((  

 

* ظُلم أبا الأحرار والثوار عندما دُرست في المدارس قصص امرئ ألقيس والمعري والمتنبي وما دُرست ملحمته!!

* ظُلم عندما صارت ذكرى استشهاده فرصة التبذير وهدر المال في الولائم المبالغ فيها  تحت اسمه وهو ابن البيت الذي يتصل فيه الصوم لإيثار التبرع بالزاد على أكله

 

* ظلم ومازال يظلم لأن رسالته التي كان خليقاً بها أن ترفع مستوى الفكر البشري ، غيبت لصغر العقل وتخثر اللب وتقفل القلوب  تجدد موسم عاشوراء

 

 ضرورة نقد الظاهرة الخطابية والشعائرية الشائعة لإحياء تاريخ واقعة كربلاء وطقوسها  واجبة لان الهدف من ذلك وقبل أي شيء آخر هو التأكيد على ضرورة انتشار "ثقافة النقد والسؤال" بين أفراد المجتمع  وبالذات بين الشباب  تجاه خطب وطقوس كل مناسبة دينية تاريخية يصوّرها أصحابها بالمقدسة كذلك إعمال العقل والتشجيع على ممارسة التحليل العقلي تجاه أحداث إنسانية كحادثة استشهاد الامام  الحسين بن علي بن أبي طالب وأهل بيته وأصحابه عليهم السلام لا لذنب ارتكبوه سوى الدعوة للتمسك بالدين والسنة ، التي يسعى البعض غير القليل إلى تصويرها وكأنها شأن غير بشري تتجاوز في صورها الإدراك الطبيعي للإنسان ، فالمساعي متنوعة ومتباينة في شرح وتحليل واقعة كربلاء ، ومن الخطورة بمكان أن يسعى البعض إلى إلقاء الضوء عليها من خلال نفق الثنائيات الدينية التي تقسّم المجتمع إلى حق مطلق وباطل مطلق ، لتصب الزيت على نار الطائفية إذ يستند البعض إلى ذلك من خلال جهد لتفريخ شخصيات وهمية "بطولية" همّها الصراخ والعويل وقعا على تراث مليء بالأساطير، ليعوّل عليها في تشكيل صورة الحق الديني ، وليرمي الآخرين المناهضين له بالباطل الديني استنادا إلى المعجزات واللامعقولات التي تلتف زورا حول الواقعة ورموزها     ليخرُج في النهاية بجيب منتفخ بعشرات آلاف الدنانير، وليخرّج أفواجا خرافية من الناس تعيش حالة خوف واضطراب نفسي مستمر. لذا من الطبيعي أن تســــــمع أثناء وبعد انتهاء الموسم قصصا وروايات بسبب الضغط النفسي الذي تحدثه التخويفات الخرافية اللاعقلانية لخطيب عاشوراء على ذهن المستمع لذلك كلّما كان التديّن عقلانيا "شعرنا بالأمان والطمأنينة" كما يقول البحريني علي ألديري )العقلانية تقتضي اليوم أن نعيد الأمن إلى تعريف الدين، وهذا يقتضي أن نسقط من ممارستنا الخطابية والسلوكية التي نقوم بها باسم الدين، كل ما يخيف الآخرين(.


ما يحتاجه مجتمعاتنا في هذه المرحلة التي تتسم  بإشاعة فكر الكراهية والبغضاء والانتقام والتكفير  والاجتثاث والتهميش وغيرها من  سلوك الإنكار للآخرين وأحقية حياتهم  ودورهم المجتمعي وبالذات شبابنا المغرر بهم من قبل بعض المتصدّرين للطقوس الدينية ان كانت مواكب او محافل او مجاميع ، هو ترســيخ ثقافة تحث على الحب الإنســــاني المؤسس للتسامح ، وهو الآتي من مفهوم "المظلومية"، حب لا يوصل صاحبه إلى التطرف والعنف سواء تجاه نفسه أو تجاه الآخرين ، وهذا لا يتأتى إلا بطرح رؤى تنهل من منهل إنساني ( حقوق الإنسان التي أكد عليها الامام الحسين عليه السلام في حواره مع الجيش العازم على قتله لإرضاء الحاكم ) لا المنهل العاطفي الانفعالي العنيف والطائفي المتطرف والغيبي الأسطوري فالعاشق للحرية غير المتطرف هو الذي تحتاج إليه عملية بناء مجتمع يراد من أفراده أن يحترموا الإنسان وحقوقه وحريته ، في حين خطباء الموسم منصب على تأسيس أنا دينية عنيفة متطرفة غير مسؤوله ، منشغلة بالخرافات والأساطير، غير قادرة على طرح مفاهيم تساهم في تأصيل التسامح والتعايش ، فقلما يطرح الخطباء ما يرمز إلى مواجهة المفسـدة الاجتماعية أو يبيّنوا ما يفضي دون تكرار التجربة الفردية الاستبدادية التسلطية التي اتسم بها  يزيد بن معاوية والانحراف الذي أوصله لارتكاب جريمة كربلاء


إن هناك تدهورا في موقع العقلنة وقيم الحداثة لدى الثقافة الإسلامية بوجه عام والشيعية بوجه خاص باتت تتحدث عن الحسين بن علي بوصفه شخصية فوق بشرية، وأصبحت تعتبر العاطفة البكائية الطقوسية والنهج الأسطوري هو أساس مشروعها في الحياة. هي اختزلت الواقعة في إطارٍ يخدم التفسير التقليدي الذي عفا عليه الزمن، كما اختزلته لدعم خطابها غير ألقيمي من أجل مزيد من الهيمنة القائمة على التقليد والمنطلقة من ضرورة أن تلعب الشعائر والخوارق دورا رئيسيا مؤثرا في الحياة العامة والمنتهية بطبيعة الحال إلى طرد العقلنة منها. فالانحرافات المضللة التي ظهرت ومازالت تظهر في سماء الأنشطة المراد من خلالها إحياء الواقعة ساهمت بشكل كبير في تحريف قيمة التضحية الإنسانية المظلومية واستبدلت ذلك بمظاهر البكاء والحاجة والمراد ، وانطلقت في هذا الاتجاه اعتمادا على اللاعقلانية     


من الطبيعي كذلك أن يحمل الموسم مقوّمات تشجيع البغض تجاه الآخر الديني بين التلاميذ في المدرسة أو في الحي بين الجيران أو خلال الدوام الوظيفي بين الموظفين، بسبب الدور المشبوه للخطيب في تحميل الطرف الآخر سبب المآسي التي آلت لآل بيت النبي  عليهم السلام في واقعة كربلاء من خلال الشعارات التي ترفع ويغذيها  الخطباء ، في حين تدفن الرمزية الاجتماعية والسياسية لمفهوم "المظلومية" ، التي تعتبر أحد أبرز أهداف صراع الحسين بن علي عليه السلام مع يزيد بن معاوية الذي تجاوز على القيم الدينية  والشريعة لان الشعار الذي اتخذه الامام الحسين أساسا لثورته  إحياء سنة رسول الله صلى الله عليه وأله وصحبة وسلم  وإصلاح ألامه ،  تحت التراب أو تستغل لخطط تمييزية كريهة همّها تعميق جراح الطائفية في المجتمع    


علي شريعتي مفكر إيراني لم يدخر جهداً في محاربة هذا الوباء المستشري في المجتمعات الشيعية ، حيث يستخدم لفظ المستحرمين الذين يزيّفون الواقع ويهمسون في آذان المساكين بأن عليهم بالصّبر والزهد والقناعة ثم يفتشــون في جيوبهم لعلّ فيها شـــيئا من المال  فالاشتغال بالوعظ والقراءة الحسينية يمثل مورداً ماليّاً ضخماً ، يكفي أنْ يحفظ كم بيت وكم كلمة هنا أو هناك حتى يعتلي المنبر ويقدم وجبة ليست شهية تماما من الفانتازيا والأحاديث الشعبية والشفهية الساذجة جدّاً ، فتتردّد همهمات العجائز بالموافقة والتأييد ولكلّ وجبةٍ يقدّمها ثمن خاص حسب اعتبارات عدة ، فالقراءة في محرم أرفع ثمنا بطبيعة الحال من القراءة في غيره ، ويمكن أن يخضع الأمر لسوق مزاد على خطيب واحد يمتلك صوتاً جهوريّاً وطله بهية وعمامة ملتفة بإتقان ولحية كثة وشارباً منتوفاً وظهراً محدودباً إلى حدّ ما ، هذا الخطيب بهذه المواصفات سيكلف بلا شك مبلغا وقدره.. (أترك ذلك لمخيلة القارئ) في موسم محرم وحده وفي مجلس واحد ، أما إذا كان هذا الخطيب رجلا متمكّنا ، وشابا فإن بإمكانه أن يقرأ في الليلة ثلاثة أو أربعة مجالس فبذلك يتضاعف ذلك المبلغ "وقدره ثلاث أو أربع مرات وان يطلب الطائرة والحرس والبهرجة وبهذا كم مره يظلمون الامام الحسين بل كم مرة يقتلوه وبأي سيف هم  يقتلون


سلام على المظلوم الذبيح العظيم الذي ما قدره من يدعون أنهم تابعين  وموالين  حق قدره  بل اتخذوه منبرا للثراء والحصول على ما يرغبون ويمعنون بذبحه كي ينتفعون من مغريات الدنيا  الفانية  

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الخميس / ٢٨ مـحـرم ١٤٣١ هـ

***

 الموافق  ١٤ / كانون الثاني / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور