عزف منفرد

إمارة الشعر العربي ... لمن؟

 
 
 
 
شبكة المنصور
سلام الشماع / البلاد البحرينية
فجّر الأديب والصحافي العراقي رباح آل جعفر قنبلة ما بعد الاحتلال في الوسط الثقافي العراقي وجعل هذا الوسط يفزّ من رقاده، أو لعله أيقظه من صدمة الاحتلال التي لم يَصْحُ منها إلى الآن، من خلال مقاله المثير (سؤال كبير وخطير: إمارة الشعر العربي من امرئ القيس إلى امرئ العراق)، وهو مقال حشد فيه من الحقائق والشواهد التاريخية ما يعجز الآخرون عن ردّها.


طرح المقال جملة من القضايا والإشكاليات الكبيرة منها (إشكالية المثقف والسلطة) ومنها (الثقافة في زمان الدكتاتورية)، ومنها أشياء أخرى مسكوت عنها، لكن القضية الأكبر كانت (إمارة الشعر العربي وأحقية عبد الرزاق عبدالواحد بها ودعوته الصريحة إلى تتويجه).


يقول آل جعفر: “أدعو مخلصاً شعراء العربية بجميع طبقاتهم من محيطهم الأطلسي إلى خليجهم العربي إلى بيعة عبد الرزاق عبد الواحد أميراً  للشعراء بلا منازع لأسباب منها: أنه لا يقل شأناً في الشعر عن أميريه: امرئ القيس أمير شعراء الجاهلية وأحمد شوقي أمير شعراء القرن العشرين... وإذا كنا نعيش عصر الألفية الثالثة في التاريخ وكان امرؤ القيس أمير شعراء الألفية الأولى وأحمد شوقي أمير شعراء الألفية الثانية فلنبايع عبد الرزاق عبد الواحد أمير شعراء الألفية الثالثة”.     

  
ثم يدلي آل جعفر برأي خطير حين يجعل عبد الرزاق عبد الواحد ندّاً للجواهري، بل ويفضله عليه، عندما يقول: “فمن الحق أن أشهد أني لم أجد عبد الرزاق يقلّ شاعرية عن الجواهري، بل يتفوق عليه في كثير من قصائده”.
إن موضوع “إمارة الشعر العربي” هو ما استوقفني في المقال كله أكثر من غيره ولذلك أودّ التعقيب عليه، فعبدالرزاق عبد الواحد هو أحق الشعراء العرب قاطبة بها في الألفية الثالثة نظرا لإبداعه ومنجزه الشعري، لكنه لم يأخذ حظه كما أخذه شعراء هم أقلّ شاعريةً وعطاءً منه، أولئك الذين بنوا أسماء على مواقف طبلوا لها كثيرا مثل البياتي، وعبد الواحد يستحق هذه الإمارة لأنه لم ينقلب على عقبيه وظلّ ملتصقاً بقضايا شعبه ووطنه وأمته وظلّ الصوت العالي للعراق والأمة، وكان بإمكانه أن يعيش عيشة رغدا، بدل التشرد في المنافي الذي يعيشه الآن، بمجرد أن يحني قامته للاحتلال، حاشاه، ولكنه احتراما لاسمه وتاريخه ومنجزه الشعري العملاق أبى أن يعيش عيشة شعراء المارينز الذين يقلبون في قصائدهم معاناة العراقيين وذبح العراق إلى منجزات (ديمقراطية) ويطالبون الناس أن يسبحوا بحمد ذابحيهم.


وجاءت أول مبايعة لعبد الرزاق عبد الواحد من الأديب العراقي المثير للجدل علي السوداني الذي قال: “هذا المقال درس في الشعر وفي الشرف وفي الآدمية... أثنّي وأثلّث على الدعوة العظيمة لمبايعة عبد الرزاق عبد الواحد أميراً لشعراء العربية فهو الفحل الأطول قامة”، وأعقبت هذه المبايعة مبايعات أخرى حتى من عراقيين بسطاء هم رصيد عبدالرزاق عبد الواحد في هذه الدنيا.


وما ذكره الكاتب في المقال عن اتحاد الأدباء الذي لم يعلق صورة أو ينحت تمثالا لعبد الرزاق: “وكان مُحزناً أن اتحاد الكتاب والأدباء العراقيين لا ينحتُ تمثالاً ولا يقيم جدارية أو يعلق صورة لشاعر عملاق بقامة عبد الرزاق عبد الواحد، لكن الأكثر منه مدعاة للحزن أن هذا الاتحاد لم يقم مجلس عزاء لشاعر عراقي رائد كبير بقدر الراحل يوسف الصائغ، وقد يتبدد الاستغراب ويتلاشى. إذا عرفنا أن مجلس عزاء الشاعر والأديب منذر الجبوري كان موضع اختلاف في الاتحاد وأقيم على استحياء”.


 وأقول لآل جعفر: ليس غريباً على اتحاد الأدباء أن لا يفعل ذلك ، ولكن الغريب أن يفعله، فهذا الاتحاد أصبح ما بعد الاحتلال واجهة سياسية أكثر منه واجهة أدبية، ومن بركات (العراق الجديد) أن خرج علينا جيل من أدعياء الثقافة، الذين لا يحفظون بيت شعرٍ واحداً...


يقول رباح آل جعفر: “والحمد لله، إن عبد الرزاق عبد الواحد لم يستعن بقياصرة، ولا أكاسرة، ولا أباطرة، على غزو بلاده، وسفح دم شعبه، بل استعان بشعبه على القياصرة، والأكاسرة، والأباطرة... وكانت مواقفه هزة ضمير، ورد فعل طبيعي لإيمانه بوطنه، مقاتلا بكلمته دفاعاً عن مبادئ يعتقد أنها حق، لأن وطنيته ليست في طبل أجوف يضربه، إنما هي أزمات عاشها، ومعارك خاضها، أيام ثبت في الميدان، بينما كان غيره، يكاد يقتله الخوف، والفزع، والجبن، والأشباح”.


وأِشهد أن عبد الرزاق عبد الواحد لا يستحق إمارة الشعر وحدها في الألفية الثالثة، وإنما يستحق معها لقب أشجع شاعر عربي، فهو الآن يتوكأ على شيخوخته متنقلاً بين منفى ومنفى ويقاتل ويقاوم ويذود ويناضل ويكافح وينافح من أجل وطنه وأمته... أليس هو القائل:


نذر عليّ لأسرجنّ الشمعَ في كرب النخيلْ... وأزفّه لمياه ِدجلة... نذر عليّ أخضّبُ الأبوابَ بالحنّاءْ... أزرعُ رايةً في سطح بيتي... نذر عليّ إذا سمعتُ الخيلَ تصهلُ والهلاهلْ... وأهلّةُ الأعلام تسبحُ فوق هامات الرجالْ... نذر عليّ إذا ماجت يشاميغُ الرجالْ... بين الأهازيج السخية... سأشدّ خصلة شعر أختي... في زناد البندقية؟!

 
http://www.albiladpress.com
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الثلاثاء / ١١ صـفـر ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٢٦ / كانون الثاني / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور