بمناسبة الحديث عن ازالة اصفار الدينار العراقي

 
 
شبكة المنصور
ميثم مهدي

من يتذكر قيمة الدينار ايام الخير وقيمته اليوم التي اصبحت خمسة ملايين دولار سرقها حرامية السلطه من مصرف الرافدين وازهقوا ثمانية ارواح برئيه تساوي ستة مليارات دينار


بألأمس اطلقت العنان لسيارتي لشراء احتياجات شهر رمضان والتي تخلو منها حصة حكومة الاحتلال وزارة نهب طعام الفقراء الى احد دكاكين بيع المواد الغذائيه الذي اصبحت عميلا له منذ فترة طويله .. اعطيته قائمة المشتريات والقيت بجسمي المتعب على كرسي متهالك يعاني من الام المفاصل ... الحر شديد وقاتل .. بالكاد استطعت التقاط انفاسي .. الظمأ بلغ اقصاه رغم اننا في منتصف النهار .. الوجوم سمة واضحه على وجوه الزبائن فالكثير منهم بحاجة الى مواد غذائيه شطبت من الحصة التموينيه اضافة الى يعض المستلزمات الملحه لصنع المحلبيه والكاستر والجيلي اذا كان صاحبها محظوظا بوجود مولدة كهرباء او خط مشترك لتحريك همة المجمده اوالثلاجة المتواضعه التي ارهقها الانقطاعات المستمره ..

 

الوضع كما اراه مأساويا لم يمر قط على المواطن العراقي في اقسى معاناته حتى في سنين الحصار التي كانت كمية الحصه تكفي وتزيد .. اشاهد الناس يتطلعون الى البضائع بنهم ولهفه ... علب الجيلي والكاستر والمعلبات التي تحتوي على فواكه معلبه ... معجون الطماطه الفاخر ومساطر القمر الدين .. نظراتهم فيها من الحسرة مايفطر القلب لكن ... لعن الله من كان السبب ... اعد صاحب الدكان طلباتي بعد ان وضعها بأكياس سوداء اشبة ماتكون بملابس جنود جيش المهدي قبل ان تقصم حكومة الاحتلال من خلال صولة فرسانه ظهورهم .. ثم وضعها بسيارتي وكان يعد الاسعار بحاسبته ووصل الرقم بعشرات الالاف من الدنانير .. لازلت جالسا على الكرسي الذي يتململ من طول جلوسي عليه .. اخبرني بالمبلغ ففتحت محفظتي وبدأت بالعد مستنزفا مابداخلها من دنانير حتى اكملت المبلغ ولم انسى ان ادس بيد عامل المحل الذي لايتجاوز عمره الخمسه عشر عاما ماقسم الله .. ولم اتزحزح من مكاني فقد دفعتني الافكار بعيدا لم يقطعها الاصوت صاحب الدكان متسائلا: ها حجي خو ماناسي شي ؟ استيقظت على صوته الجهوري وقمت من الكرسي الذي اعتقد انه قال في سره : دفعت مردي وعصاة كردي ... واتجهت لسيارتي عائدا للبيت لأستكمل سلسلة افكاري التي انقطعت ... حينما شاهدت الدنانير تنهمر بعشرات الالاف حملتني الذكريات بجناحها الخفي الى ايام الطفوله والخير ... تصورت نفسي انني عدت الى تلك السنين العامره بالطيبة والخيرات حينما كانت خيرات العراق تغمر دول الجوار ..اليوم دينارنا اصبح مثل ورقة الكلينكس كما ارادها صباح الاحمد الصباح ..

 

تذكرت وانا في طريقي للبيت كيف كان عيدياتنا في عيد الفطر والاضحى تعد ثروة طائله نتبرمك بها اسابيعا طويله .. لازلت اذكرالدراهم وابوخمسه وعشرين والعشرة فلوس والعانه ترن في جيب بنطروني .. خرخشة العملة الفضيه لها ايقاع مثير في نفوسناوكنت اتعمد تحريكها لاسمع رنينها السمفوني .. وتذكرت كيف كنا نذهب جماعاتا الى بائع الدوندرمه الازبري وقيمه الكأس الصغير اربعة فلوس والكبير بعشره ... وكنت اختار الكأس الاكبر مطمئنا الى خرخشة نقودي .. الخرخشه تعطي قوة وتحدي ... حينما اعود للبيت اخرجها واعدها واضع كل فئة فوق بعضها .. وحينما اشاهد الدراهم وقد علا مقامها مثل علو مقام مام جلال بكل قيافته وكرشه اشعر بأن الميزانيه تكفي للأحتياجات المستقبليه .. كنا طبعا نسكن مدينة البصره ثغر العراق الباسم ... في المساء اتفق مع صديقي ورفيق طفولتي وصباي وشبابي وشيخوختي ان يكون العشاء الليله في مطعم بومباي الهندي .. نضع خططا محكمه مثلما يخطط جيش القدس التفجيرات في العراق اي من الطعام سنختار وكم التكلفه حتى لاتنهار ميزانية بيان جبر صولاغ ... في السابعة مساء نتوجه الى المطعم الهندي المتواضع القريب من مصرف الرافدين ... وعلى فكره لم نكن نخطط لسرقته وقتل حراسه كما فعلت عصابة طبطبائي في الزويه ... يستقلبنا امين الصندوق منصور بطاقيته التي يرتديها طائفة البهره ونظاراته السميكه وابتسامته المرحبه ليجلسنا على طاولة تفوح حولها رائحة المطبخ الهندي والكاري .. فقد كنا من عملاءه المميزين رغم اننا كنا لانتجاوز الرابعة عشره .. يأتينا صحن عامر بتمن البرياني باللحم ومعه طبق وضعت عليه عدد من السمبوسة الحاره وبقربها كرات من الباكوره الهنديه وهي كما اعتقد مصنوعه من طحين الحمص ومخلوطة بالبصل والثوم والكاري والفلفل الشديد الحراره مما يجعل وجناتنا تتصبب عرقا ... نتناول طعامنا بكل لذه وتأني نسعفه بزجاجتي نامليت قبل ان نعرف الببسي كولا وغيرها ثم يأتي الشاي السنكين المعطر بالهيل لهظم ماتناولناه ... وحينما نتوجه الى منصور الذي يبادرنا بالسؤال : ها بابا .. هذا في اكل كويس ؟ ثم يقول : بابا الهساب 200 فلس .. اضع يدي في جيب بنطروني واخرج عملتين عزيزتين على قلبي من فئة الخمسين فلس ويقوم رفيقي بنفس المحاوله ليخرج حصته من قيمة ما اكلناه فالاتفاق ان ندفع ما اكلناه بالتساوي وليس بالبرمكه التي يعمل بها النظام بدفع مخصصات اعضاء برلمان الكاوليه 40 الف دولار من حساب لقمة الفقير الذي يئن من وطأة العوز والفاقه ... كنا نسدد حسابنا بكل فخر واعتزاز وبعد مغادرتنا المطعم تظل رائحة البصل والكاري ملتصقة بقمصاننا .


مائتي فلس طعام شخصين واليوم بضعة مشتريات متواضعه ندفع عشرات الالاف من الدنانير
اي واقع حال هذا واي وضع نحن فيه ... لاشك ان الاقتصاد العالمي تغير والاسعار تغيرت لكن لماذا الدينار العراقي اصبح رخيصا لدرجة ان الدولار الامريكي يساوى 1150 دينار بينما ايام الخير كان يساوي اكثر من 3 دولارات واتذكر في زمن سنوات الخير انني زرت الكويت وذهبت الى سوق الصرافين وصرفت دنانيرا عراقيه الى كويتيه وكان سعر الدينار العراقي دينار ومائة فلس كويتي ... لماذا حطموا اقتصادنا ؟


تلك الخواطردارت في مخيلتي وانا في طريقي للبيت لم يقطعها الا فلاح يقود اربعة حمير قطعت الطريق امامي فأوقفت سيارتي حتى تعبر الشارع الا ان قائدها المهيوب ويبدو انه كان يشغل مسئول سيطره ميليشياويه رفض التحرك رغم محاولات الفلاح تحريكه وبعد محاولات مضنيه وضرب بالعصى تحرك جلال الصغير من مكانه وتبعه الباقين الا ان الفلاح ظل مرابطا بالمكان فقلت له من باب النكته : عمي ذوله حمير وتحركوا ليش ماتتحرك ؟ فابتسم ابتسامه حمقاء وقال : مولانا ترى حمير ها الوكت اعقل من ناسها .. ضحكت من هذه النكتة العفوية التي فعلا تمثل واقع العراق بجومة الاحتلال .

.
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الجمعة  / ١٢ ربيع الاول ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٢٦ / شـبــاط / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور