لا تسوية دون تعديل موازين القوى

 
 
 
شبكة المنصور
المحامي حسن بيان
في خطابه عن حال الاتحاد الذي وجهه اوباما الى الامة،بدا التجاهل واضحاً عن الاحباط الاميركي بما يتعلق بمسار التسوية في المنطقة وحتى على قاعدة الرؤية الاميركية


هذا التجاهل لم يأت عرضاً بل جاء بعدما خرج المبعوث الاميركي للشرق الاوسط جورج ميشتل خالي الوفاض بعد سنة من الصولات والجولات لم تسفر فيها جهوده عن استئناف المفاوضات المباشرة بين السلطة الفلسطنية و"اسرائيل" ولا غير المباشرة مع سوريا برعاية الوسيط التركي.


هذا الاحباط الاميركي مع الافتراض بحسن نوايا الادارة الاميركية كان يجب ان يكون متوقعاً،ليس لأن اميركا ليست راغبة بإيجاد حل ليس بالضرورة ان يكون متوازناً،بل لان المعطى الواقعي لا يوفر أرضية لتسوية ينظر اليها كل واحد من زاوية مختلفة .فالجانب الفلسطيني يرى في التسوية استرجاعاً لحقوق وطنية مغتصبة وتلبية لطموح مشروع بإقامة دولة وطنية ذات سيادة ،والجانب الاسرائيلي يرى التسوية ، مجردة ترتيبات امنية وسياسية تعطي الفلسطنيين وضعاً قانونياً يكون اكثر من حكم ذاتي واقل من دولة


واذ بدا ان "اسرائيل" غير مستعجلة من امرها لدفع الامور بالاتجاه الايجابي،فلسببين اساسيين،الاول لانها تعرف ان ميزان القوى بداوئره الاقليمية والدولية لمصلحتها،والثاني لانها تريد مزيداً من الوقت لاكمال قضم وهضم مزيد من الاراضي التي احتلت عام 1967.


وعندما تنطلق المبادرات السياسية للتعامل مع ازمة الصراع العربي-الصهيوني،فإن اول ما تأخذه بعين الاعتبارموازين القوى السائدة على الارض،وضمن هذا السياق يأتي التحرك الاميركي وقبله او ما هو موازٍ له من تحرك نشاط اللجنة الرباعية.وان تقترب اميركا بعد سنة من اختبار النوايا وجوجلة حصيلة الاتصالات من الموقف الاسرائيلي لجهة سقف المطالب التي يطرحها،فهذا ليس متغرباً لسببين اساسيين ايضاً،الاول هو الانحياز الاميركي"لاسرائيل" وهذا الانحياز يعتبر ثابتة من ثوابت السياسة الاميركية اياً كانت الادارة الحاكمة،والسبب الثاني ان عدم وجود توازن في القوى على الارض،يجعل الضغط ينصب على الطرف الاضعف لدفعه نحو تقديم مزيد من التنازلات الى حدود الاقتراب من الرؤية الاسرائيلية ،بحيث يكون الحل حينئذ قبولاً بما هو مطروح اسرائيلياً وليس ايجاد تسوية سياسية بين طرفين منخرطين في صراع متعدد الابعاد والقوى.


لذلك،فإن صراعاً،كالصراع العربي-الصهيوني لا يمكن حله استناداً الى مجرد رغبات واعلان نوايا،بل يتطلب وجود قوى قائمة على الارض تكون قادرة على حماية مشروعها السياسي اثناء المفاوضات او تكون في حالة جهوزية تامة للذهاب الى حرب كنتيجة طبيعية للمأزق السياسي الذي يصل الى الحائط المسدود.فإذا كان المطلوب فرض ترتيبات سياسية وامنية فالامر سهل،لأن هذه الترتيبات يفرضها الاقوى وتأتي بنودها منسجمة مع سلة شروط الاقوى،اما اذا كان الامر يتطلب تسوية،فالامر يختلف كلياً،لأن مفهوم التسوية يختلف عن مفهوم الترتيبات.ولهذا فإن اميركا قد تنجح في تمرير حلٍ تحت عنوان الترتيبات الامنية والسياسية لكنها لا تستطيع تمرير تسوية اذا ما سلم جدلاً بحسن نواياها.


ان الدعوة لتسوية سياسية ومرحلية على الاقل لا تستقيم بالاستناد الى رغبات وحسب،وان كل مبادرة يكون سندها وباعثها الاساسي الرغبة وحسب،هي مبادرة دون انياب وبالتالي تكون المراهنة عليها مجرد وهم لانه لا يمكن ان تسفر عن نتائج جدية لتسوية عادلة ان مرحلياً وان بأفق استراتيجي.


ان التسوية تتطلب توازناً معقولاً في نصاب القوى المعنية بالصراع ان في دوائر المباشرة وان في الدوائر غير المباشرة ومن يستطلع الصراع في دوائره المباشرة وغير المباشرة لا ينتظر طويلاً ليكشف حجم الخلل في نصاب توازن القوى والذي يختل بشكل واضح لمصلحة العدو الصهيوني.


ان الصراع في دائرته المباشرة يتمثل بالموقع العربي عبر واجهته الامامية الفلسطنية وبالموقع الصهيوني عبر واجهته الامامية"اسرائيل".وما عدا هذه الدائرة فإنما سيظل في الدائرة غير المباشرة للمواقع اقليمية كانت ام دولية


وبإطلالة سريعة على الواقعين الفلسطيني والاسرائيلي،تبدو ملخصة بالاتي:وحدة في الموقف الاسرائيلي حيال التعامل مع الفلسطنيين،امنياً وسياسياً وعسكرياً واقتصادياً،وخلاف منحصر في ادارة العملية السياسية الداخلية،اما في الجانب الاخر انقسام في الموقف الفلسطيني حيال التعامل مع"اسرائيل" امنياً وسياسياً وعسكرياً،وخلاف حاد متطير في ادارة العملية السياسية الداخلية ولهذا فإن الاسرائيليين يقدمون انفسهم عبر موقف موحد اياً كانت الادارة السياسية الحاكمة،فيما الفلسطنيون يقدمون انفسهم عبر تعددية في المواقف تصل حد التناقض الحاد وهذا كافٍ بحد ذاته ليجعل"اسرائيل" هي الاقوى وهي الاكثر تأثيراً في المسارين السياسي والعسكري،ولا يغير من طبيعة الامر شيئاً تعبوية الخطاب السياسي لأنه في لحظة الاستحاقاقات تؤخذ بعين الاعتبار عناصر القوى المادية في تحديد نصاب موازين القوى.


اما الجانب الخلفي في الدائرة الاولى والمعني بالصراع مباشرة،فإن الواقع العربي ليس أفضل من الواقع الفلسطيني،اذ انه منقسم على نفسه حيال رؤية التعامل مع الكيان الصهيوني سلماً وحرباً،ومنقسم على نفسه ايضاً بما يتعلق بقضايا أخرى ذات صلة بالمصالح العربية والامن القومي.اما القاعدة الخلفية"لاسرائيل" وهي الحركة الصهيونية فالصورة مشابهة للواقع الاسرائيلي،وحدة في الرؤية الاستراتجية لتنفيذ المشروع الصهيوني التي تجسد "اسرائيل" كيانه السياسي،ولا يغير من طبيعة الامر تلاوين المواقف في بعض مراكز القرار الصهيوني.


اما بما يتعلق بقوى الدائرة غير المباشرة،الاقليمي منها والدولي،فإن محصلة تأثيرها ليست في مصلحة الفلسطنيين والعرب وشواهده الحسية والمصلحية ان المركز الدولي المقرر حالياً لا يمكن اعتباره في الوسط بل هو منحاز للمشروع الصهيوني وتباين ان كان موجوداً فهو يتناول بعض الجوانب الشكلية دون المساس بالجوهر وقد بدا واضحاً ان كل تحرك دولي يحاول مقاربة الحلول للازمة ينتهي به المطاق حد التطابق والتبني للموقف الصهيوني كما حال كل مبادرات الاميركية اما القوى الاقليمية التي يحاول البعض المراهنة عليها وخاصة الدور الايراني فإن هذه القوى محكومة بمصالحها الحيوية التي ترى في الارض العربية الرخوة والاخاديد العربية الواسعة والعميقة وفرصتها للنفاذ من خلالها الى العمق العربي مستفيدة من تشرذم الواقع العربي من ناحية اخرى،وتوظيف معطى بعض الهيئات الشعبية ذات التركيب الطائفي والعرقي لايجاد مواطىء قدم لها في التأثير على الموقع العربي،وانه لا يغير من جوهر الامور دغدغة المواقف الشعبية بالعزف على الوتر الفلسطيني.


ان الاطلالة السريعة على هذه المشهدية السياسية في دائرتي الصراع المباشر وغير المباشر تبين ان ميزان القوى مختل بنسب كبيرة لمصلحة الكيان الصهيوني،وان اصلاح هذا الخلل،لا يكون بالمراهنة على اعلان النوايا الاميركية ولا على سقف الخطاب السياسي للقوى الاقليمية التي تريد توظيف معطى الواقع العربي لمصالحها الخاصة،بل يكون انطلاقاً من دائرة الصراع المباشر بواجهته الفلسطنية الامامية وبعمقه العربي.فلا اميركا بإمكانها ان تفرض تسوية عادلة هذا اذا كانت حسنة النوايا،ولا النظام الايراني معني بالصراع العربي-الصهيوني والا بقدر ما يؤدي هذا الصراع الى افراز نتائج تجعل الدور الايراني مكملاً في نتائجه للدور الصهيوني.لأن من يريد لفلسطين ان تتحرر لا يعمل على زيادة شرخ الانقسام السياسي والشعبي في الجسم الفلسطيني ولا يعتمد وسائل التخريب في بنية المكونات السياسية العربية عبر التدخل المباشر او غير المباشر عبر بيئات شعبية ذات تركيب طائفي وعرقي تكون هي الخاسرة بدفعها للتصادم مع مكونات مجتمعية اخرى.


من هنا،فلإنه كي يكون هناك امكانية لفرض تسوية تلبي في حدودها الدنيا،الاهداف الوطنية المرحلية للفلسطنيين،فيجب ان يتوفر لذلك نصاب لتوازن قوى فعلي وليس شكلياً.


والمدخل الحقيقي لتحقيق هذا التوازن هو وحدة فلسطنية في الرؤى والتعامل مع"اسرائيل"سلماً وحرباً،ووحدة في الموقف العربي يكون محكوماً بالبرنامج الوطني الفلسطيني الذي يرى في اقامة الدولة المستقلة خطوة مرحلية لتلبية الاهداف الوطنية.


وعندما تتحقق الوحدة الوطنية الفلسطنية وهي الشرط الاولي واللازم،لاعادة الاعتبار للموقع الفلسطيني الفاعل والمؤثر وعندما تتحقق وحدة في الموقف العربي الحاضن للاهداف الوطنية الفلسطنية ،يمكن القول بأنه بدأت عملية التكشل الفعلي لاحداث تعديل في موازين القوى وعندئذ يمكن القول ايضاً ان باب التسوية قد فتح نصف فتحة ومنه يمكن استقبال كل تحرك ايجابي من مواقع دولية او اقليمية.


ان"اسرائيل" لن تنسحب من الضفة الغربية وقطاع غزة الا اذا شعرت ان ميزان قوى آخذ بالشكل وهو قادر على تحرير كل فلسطين،وعندها سوف تتنازل عن الجزء حتى لا تخسر الكل ،اما ما عدا ذلك فإنها لن تتنازل عن اي جزء بل تبقى تماطل حتى تستكمل عملية القضم والهضم الكليين للارض الفلسطنية،ان"اسرائيل" تعطي بالسياسة اذا شعرت انها ستعطيه بالحرب،والفلسطنيون والعرب لا يمكنهم ان يأخذوا بالسياسة الا اذا كانوا قادرين على أخذه بالحرب.


والنجاح في امتحان السلم كما في امتحان الحرب هو وحدة الموقف السياسي،ووحدة الادارة السياسية التي تدير السياسة والحرب،فهل يسير الفلسطنيون طريق الوحدة وايضاً العرب لكسب معركة الحرب التي تفرض السلم الملبي للاهداف الوطنية المرحلية بإقامة الدولة المستقلة كخطوة على طريق التحرير الكامل لفلسطين؟؟ انه لا سبيل غير ذلك....

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الجمعة / ٢١ صـفـر ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٠٥ / شـبــاط / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور