في حوار (الأخبار) مع الأستاذ علي الريح الشيخ السنهوري عضو القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي وأمين سر قيادة قطر السودان

 
 
 
 
شبكة المنصور
إيمان فضل السيد / شوقي عبد العظيم

المصداقية تعيد للأحزاب ثقة الشعب و التمسك باشتراطات جوبا

القوى السياسية لا تزال ضعيفة، والشعب متقدم في وعيه متحفز للنضال من أجل تغيير هذا النظام وبناء نظام ديمقراطي الذي ساد في السودان ليس العنصر العربي إنما الثقافة العربية

 

القضية ليست قضية ثقافة همشت ثقافات الآخرين هؤلاء بل النخب الرأسمالية هي التي أدت إلى التهميش

 

مقدمة :

 

الأستاذ علي الريح الشيخ السنهوري عضو القيادة القومية وأمين سر قيادة قطر السودان لحزب البعث العربي الاشتراكي الذي لديه موقف مختلف بخصوص الراهن السياسي، وما توصلت إليه القوى السياسية بشأن العملية الانتخابية، حيث أتت تصريحات الحزب داعية إلى تكوين جبهة عريضة للمقاطعة، توجهنا إليه ببعض الأسئلة حول  أسباب رفضهم المشاركة في الانتخابات القادمة، وحول الاتهامات الموجه إليهم بخصوص التهميش، وما إلى ذلك.. فإلى محاور الحوار:

 

لماذا لم تعملوا على تغيير اسم الحزب في السودان المتعدد ثقافياً، والكثيرون يتخذون موقفاً سلبياً من حزبكم من اسمه ؟.

 

 الذين يتحفظون على كلمة عربي هم الذين تشبعوا بالأفكار العنصرية السائدة في السودان، وللأسف الشديد فإن كثيراً من النخب السودانية لم تطَّلِع على فكر البعث، ولم تكتفِ بعدم الاطلاع، وإنما كونت أراء عن حزب البعث من خلال أعدائه، وبالذات من خلال الحملات الموجهة من الغرب الاستعماري ضد حركة النهوض القومي العربي. كلمة العربي ليس لها أي مدلول عنصري، ولا تعني العرب ذوي الأصول العربية في السودان، أوفي غيره من الدول. فالعروبة ثقافة وحضارة وارتباط مصيري بين قوم حملوا رسالة خالدة، ولا زالوا يحملونها إلى يومنا هذا. نحن لا ننظر إلى من لا يزالون يحتفظون بلهجات محلية باعتبارهم غير عرب. إذا رجعنا إلى واقع السودان، فالذي ساد في السودان ليس العنصر العربي، إنما الثقافة العربية والحضارة العربية أي أن السودانيين قد استعربوا، ولكنهم لم يتحولوا عنصرياً، وبالتالي لا نستطيع أن نميز على الصعيد العنصري بين القبائل التي تدعي أنها ذات أصول عربية، والقبائل الأخرى لا على صعيد اللون ولا السمات . فحركة البعث العربي حركة انقلابية تسعى إلى تغيير الواقع العربي ولوحدة الوطن العربي لكل الأقوام التي تعيش في هذا الوطن بلا تمييز.  أحد أبناء الجنوب في الحركة الشعبية طرح لي مثل هذا السؤال بقوله: أنتم حزبكم عربي، فقلت له في مدينة بالنيل الأبيض، فإن أمين سر الحزب هو من أبناء الجنوب، وشقيقه مسؤول الحركة الشعبية في نفس المنطقة. اثنان شقيقان من دون ذكر الأسماء من بيت نظارة في الجنوب، أحدهما قيادي في حزب البعث، والآخر قيادي في الحركة الشعبية. فالبعث هو حزب كل السودانيين وليس حزب قبيلة أو جهة أو عنصر.

 

إذا أسقطنا من حزب البعث العربي الاشتراكي تهمة العنصرية، فلا نستطيع أن نسقط عنه تهمة الإقصاء الثقافي للآخر ما رأيكم ؟

 

من قال إن حزب البعث يقصي ثقافات أخرى، وهو الحزب الذي نادى منذ الستينيات أي بعد نشوئه في السودان بالتعددية الثقافية، وبأهمية حفظ التراث القائم في السودان، وبحفظ اللهجات القائمة وتدوينها، باعتبار أن هذه اللهجات لها جذورها التاريخية والحضارية. نحن لا ننفي الغير، ولا نرفض التعددية الثقافية، وقلنا إن من حق أي مجموعة من المجموعات أن تحيي لغتها أو لهجتها، وأن تعلم بها من تشاء، ولكننا نستنكر استجلاب لغة أجنبية كالإنجليزية وفرضها كلغة رسمية أو شبه رسمية (رسمية في الجنوب واللغة الثانية في الشمال) علماً بأن اللغة الإنجليزية ليست اللغة الدارجة في الجنوب، الدارجة في الجنوب هي اللغة العربية (عربي جوبا) أنا ذهبت إلى جوبا، وذهبت إلى السوق، وأخذت معي مترجماً من أبناء الجنوب، ولم أحتاج إليه، لأنني وجدت سوق جوبا كله يتحدث العربية، والقبائل الجنوبية تخاطب بعضها البعض باللغة العربية، وأي قائد يريد أن يخاطب جمعاً من الجنوبيون يجد نفسه مضطراً لأن يخاطبهم بالعربية؛ لأن الإنجليزية هي لغة النخب فقط،  وليست لغة الجمهور في الجنوب. فعندما نقرر اللغة التي ينبغي أن تحكم الجنوب، يفترض أن نتبنى اللغة التي يتخاطب بها عموم الجنوبيين، فضلاً عن أن تبني اللغة العربية كلغة رسمية في الجنوب والشمال من شأنه أن يسارع من حركة التدامج الوطني، بينما تبني اللغة الإنجليزية، والعمل على تغيير الثقافة العامة في الجنوب من العربية إلى الإنجليزية سوف يؤدي إلى خلق جدار ثقافي  فاصل بين الجنوب والشمال.

 

ولكن، أليس السودان بلداً إفريقياً؟                         

                                                                                                                               

القول بأن السودان بلد إفريقي قول صحيح، ومصر والجزائر وتونس والمغرب كلها بلدان إفريقية، والعرب أفارقة بل هم أكبر قومية داخل أفريقيا، ولديهم امتدادهم في آسيا، ولكن إفريقيا قارة تتعدد فيها الثقافات والقوميات، ومن بين القوميات والثقافات فإن العرب هم أكبر القوميات والإسلام يشكل أكبر الأديان.

 

فكرة التهميش الثقافي هي واحدة من إشكاليات السودان وهنالك قول بأن الثقافة العربية همشت ثقافة بعض القبائل في السودان الناطقة بغير العربية؟

 

في كل بلد من بلدان العالم هنالك ثقافة غالبة، وهنالك ثقافات أخرى محلية. فرنسا مثلاً بها 6 ثقافات والغالبة فيها هي الفرنسية. وأمريكا التي هي لحم رأس شعوب من كل أنحاء العالم توجد بها لغة سائدة هي الإنجليزية، إذا ذهبت إلى أوربا وطلبت التجنس أو إقامة دائمة يفرض عليك البلد المضيف أن تتعلم ليس لغة البلد فقط، إنما اللغة والجغرافيا والتاريخ، إذا لم تتعلم فلن تجد فرصة في الحصول على تجنس أو إقامة. وفضلاً عن ذلك نحن في السودان لم نرفض لغات الآخرين، ولا تراثهم، ولا ثقافاتهم فلتكن لغة الدينكا هي اللغة السائدة في منطقة الدينكا، وليجرِ بها التعليم، ولتتعامل معها دواوين الدولة، وكذلك لغة الشلك والنوير والباريا والزاندي ...الخ ولكن تحفظنا على أن تأتي بلغة أجنبية تفرضها كلغة وطنية، وهي ليست كذلك، هل الإنجليزية لغة إحدى قبائلنا في السودان؟ أنا أعجب لمن يرفضون العربية التي هي لغة سودانية وإفريقية أصيلة ويستبدلونها بلغة هي ليست لغة البلد، وليست اللغة المتداولة بين أغلبية الجنوبيين الذين نتحدث عنهم، نحن لا نهمش الآخرين، نحن نقول إن اللغة العامة، وحتى لغة السوق في السودان هي العربية، وهذا لا يعني رفضنا أو إقصاءنا للغات الآخر، فلنعمل على تطوير اللغات واللهجات المحلية جنباً إلى جنب مع العربية، ما العيب وما المانع في ذلك؟. مسألة التهميش الثقافي في السودان شعار مطروح، ولكنه ينطوي على تزييف كبير للواقع، القضية ليست قضية ثقافة همشت ثقافات الآخرين. هؤلاء يهربون من القضية الأساسية. لا يريدون أن يضعوا يدهم على الجرح،  والحقيقية هي أن النخب الرأسمالية و الرأسمالية الطفيلية التي تعاقبت على حكم السودان منذ الاستقلال إلى اليوم بعجزها وفشلها هي التي أدت إلى تهميش أطراف السودان، وإفقار وسطه، بما في ذلك مشروع الجزيرة الذي تتسارع الخطى للإجهاز عليه.

 

لماذا يهربون من الصراع الاجتماعي ولا يؤشرون الأمور بشكلها الصحيح؟ لأنهم يعبرون عن ذات المصالح. لا يريدون أن ينوروا الشعب بالتناقض الاجتماعي القائم بين طبقة رأسمالية طفيلية تحكمت في السلطة، وبين جموع الشعب الكادح والمسحوق. لذلك وللهروب من المشكلة الأساسية يلجأون إلى قضية التهميش الثقافي. الذين تعاقبوا على حكم السودان طوال الفترة السابقة، إذا قلنا إنهم منسوبون للقبائل للعربية، فماذا فعلوا للقبائل العربية، هل حققوا تنمية وسط المناطق المنسوبة إلى هذه القبائل؟. القضية ليست قضية قبائل بل قضية صراع اجتماعي. حتى الذين يستعينون بأشخاص من قبائلهم يستعينون بهم لتنمية ثرواتهم الرأسمالية الطفيلية، وليس لتنمية مناطقهم؛ لأنهم غير منحازين للكادحين. كل شعب السودان اليوم مهمَّش بغض النظر عن قبائلهم وأصولهم وثقافاتهم، والمهمِّش هو الرأسمالية الطفيلية، وليست مجموعة أثنية أو ثقافية بعينها. وأول الذين عانوا من هذا النظام، والذين أُعدموا ودخلوا بيوت الأشباح هم من أبناء ذات القبائل التي ينتمي إليها أركان هذا النظام، فالصراع ليس صراعاً ثقافياً أو قبلياً، بل هو صراع فكري سياسي اجتماعي، هذا هو التوصيف الصحيح للصراع، أما تعتيم الصورة، وإعطاء الصراع أبعاداً قبلية وثقافية وعنصرية هو بهدف تغبيش وعي الجماهير؛ لكي لا تركز على القضايا الأساسية في الصراع.

 

أنتم ترون أن الاشتراكية هي البديل الاقتصادي للرأسمالية لتحقيق التنمية مع أن هنالك بلداناً رأسمالية كدولة الإمارات ناجحة اقتصادياً جداً، ومتطورة وكذلك بها عدالة إجتماعية؟

 

الحال في دولة الإمارات مختلف، فهي ليست رأسمالية بالمعنى المفهوم، هي تعتمد على فوائد ضخمة من النفط العربي. والمفارقة في دولة الإمارات أن أكثرية السكان الساحقة هم ليسوا من أبناء البلد، بل هم عمالة مستجلبة ولذلك هي لا تعتبر لا أنموذج، ولا حالة يمكن الاستدلال بها في هذا الاتجاه. أما الرأسمالية بشكل عام، فقد أثبتت التجارب المتعددة أنها نظام لا يمكن أن يحقق تنمية أو يرعى خدمات ضرورية في بلدان العالم الثالث. الرأسمالية هي تطور لنمط من الإنتاج في المجتمع الغربي، ارتبط بالظاهرة الاستعمارية، وبالتالي باستغلال شعوب العالم في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، ومن عوائد هذه العملية الاستغلالية، وعملية النهب الاستعماري، تم بناء المجتمعات الصناعية المتقدمة ولا يزال الغرب الاستعماري يستغل بلدان العالم الثالث، ويحقق من خلال هذا الاستغلال قدراً من النمو في مجتمعاته. ومع ذلك يشهد النظام الرأسمالي أزمات دورية، وآخرها الأزمة الأخيرة التي هزت النظام الرأسمالي العالمي من جذوره، مما دعا دهاقنته للمطالبة بمراجعة أسس هذا النظام. فإذا كان هذا حاله في البلدان التي تطور فيها تطوراً طبيعياً وفق سياقاته التاريخية، فكيف يكون حاله في بلدان أخرى حلت فيها الرأسمالية العالمية محل الرأسمالية المحلية، وحولتها إلى مجرد وكيل لها ووسيط.

 

ما هو موقفكم الآن من إعلان جوبا بعد التطورات الكثيرة التي حدثت؟

 

نحن متمسكون بإعلان جوبا وبالاشتراطات الواضحة لخوض الانتخابات التي وُضعت فيه بأنه لا انتخابات بلا تحول ديمقراطي وبلا دارفور ..الخ وقدمنا إنذاراً للسلطة ينتهي في 30 نوفمبر من العام الماضي، ولم تحقق السلطة أياً من هذه الاشتراطات، بل ذهبت في الاتجاه المعاكس بإقرارها لقانون الأمن الوطني، وقانون النقابات بكل ما تضمنته من مساوئ، والمعلوم لدينا من خلال مراكز التسجيل أن نسبة التسجيل لم تتجاوز 8% وهم يتحدثون عن 81%، من أين جاءوا بهذا الفارق الكبير. على مختلف الأصعدة النظام لم يفِ بالتزاماته بل أمعن في إصدار القوانين القمعية، وأمعن في مصادرة حقوق الآخرين. إلى اليوم لا تستطيع الأحزاب السياسية أن تطرح برامجها وأفكارها لأوسع الجماهير. أجهزة الإعلام مغلقة في وجه قوى المعارضة، ولا يوجد أي تكافؤ، ولا توجد حرية ناهيك عن النزاهة. فكيف تجرى انتخابات متكافئة وحرة ونزيهة في ظل وجود هذا النظام، لا بد من إعادة التسجيل وإعطاء فرصة كافية للأحزاب، وتشكيل إدارة انتقالية محايدة ومستقلة حتى تمنح فرصاً متكافئة، إعادة تشكيل مفوضية الانتخابات بصورة يراعى فيها تمثيل واضح من القوى السياسية كافة، لا بد من أن نتشدد نحن أيضاً في شروطنا لنضمن انتخابات حرة ونزيهة، نحن لا نطالب بانتخابات متكافئة؛ لأن التكافؤ مستحيل، والمؤتمر الوطني يحكم البلد 20 سنة، وله ما له من الإمكانات والقدرات، ولكن فلتكن حرة ونزيهة، وهذا هو مطلبنا.

 

هل هذا يعني أنكم لن تشاركوا في الانتخابات؟

 

نحن ننتظر اجتماع رؤساء الأحزاب؛ للبت في هذا الأمر، ولكن هذه اشتراطات جوبا التي أجمعت عليها كل القوى السياسية، ووقعت عليها في احتفال بقاعة الصداقة، وينبغي على الأحزاب أن تكون لها مصداقية حتى تستعيد ثقة الشعب، وإذا كانت لها مصداقية فلتتمسك بشروطها. وهذا ليس تعسفاً، لأنه من الناحية المنطقية لا تستطيع هذه القوى السياسية أن تخوض انتخابات في الوضع الراهن، لا بد من تغيير هذا المناخ. بعض قادة النظام يتهمون المعارضة بأنها تسعى لتغيير النظام، طبعاً نحن نسعى لتغيير النظام، وهذا طبيعي، وما لم يتغير النظام من نظام ديكتاتوري إلى نظام ديمقراطي، وما لم يقر بالتعددية إذن لا معنى لإجراء الانتخابات، هل هدفنا نحن كتنظيمات أن نأتي لنضفي مجرد الشرعية على تسلط حزب واحد بالسلطة، إذا كان الأمر كذلك، فعلينا أن نحل أحزابنا، وكفا الله المؤمنين شر القتال. .. إما أن يتغير النظام ويصبح ديمقراطياً وبالتالي تجرى انتخابات حرة ونزيهة، وإما أن تبحث الأحزاب عن مخرج آخر.

 

المعارضة رغم اجتماعها في جوبا لا تزال متهمة أنها ضعيفة، ما رأيك؟

 

لا أستطيع أن أنفي هذا الاتهام، وأعتقد أن القوى السياسية ونحن منها لا تزال ضعيفة في أدائها، ضعيفة في إرادتها وفي تمسكها بالمواثيق والمعاهدات والاتفاقات، مما يفقدها مصداقيتها، ولكن بالمقابل شعبنا متقدم في وعيه، متحفز للنضال من أجل تغيير هذا النظام وبناء نظام ديمقراطي، وعلينا أن نراهن على وعي الشعب، وندعو كل القوى السياسية بالنزول لإرادة شعب السودان، وليس بالخضوع لتكتيكات حزب واحد، أو للمناورات والمناوشات التي جُربت كثيراً في السودان، وكانت النتيجة سلبية بما فيها تجربة حركة تحرير السودان، هذا هو رئيس الحركة مني أركو مناوي الذي وقع اتفاق أبوجا يصرح في كل مناسبة بأنه إلى اليوم لم يُنفذ، ناهيك عن التطوير الذي يتحدثون عنه، مما وضع (مني) في موقف حرج أمام جماهيره في دارفور.. هذا هو واقع النظام، وما لم يكن النظام صادقاً في تعامله مع القوى السياسية، وفي التزامه بالمعاهدات والمواثيق، وبما ورد حتى في اتفاق نيفاشا من إطلاق للحريات، وما نص عليه الدستور الانتقالي فلا يمكن التحدث عن الانتخابات، سيما وأن النظام نفسه ينقض دستوره ويخرج عليه، ولا يلتزم به، ويصدر قوانين مناقضه له.

 

كيف ترون ما قامت به بعض أحزاب المعارضة من تقديم لمرشحين قبل الاجتماع الحاسم لرؤساء الأحزاب؟

 

هذا خروج عن الإجماع الوطني، وهذا موقف غير صحيح لأننا طالما، التزمنا بأن نجتمع لنقرر هل نخوض أو نقاطع،  فليس من حق أي حزب أن يعلن مسبقاً المشاركة أو المقاطعة، ذلك أن الحد الأدنى من الالتزام هو أن تجتمع القوى السياسية وتقرر. في ذلك الوقت قد يقرر بعضهم المشاركة وبعضهم المقاطعة، لكن المهم إعطاء الفرصة الكاملة لإمكانية إجماع وطني على المشاركة أو المقاطعة ما لم يحدث ذلك لا ينبغي لأي حزب أن يعلن موقفه.

 

يُتَّهم حزبُ البعث برفضه المشاركة في الانتخابات، أكثر من كل القوى الأخرى، هل لأن الحزب لا يستطيع الفوز؟

 

ولكن هل تعتقد أن هذا هو السبب؟ كان يمكن لحزب البعث إذا لم يستطع الفوز في الدوائر الجغرافية، وليس بسبب أنه ليس له جماهير، لأن الجماهير ليست رهينة حزب من الأحزاب، وهو من أكثر القوى السياسية فاعلية في الوسط الطلابي في كل جامعات السودان مع استثناءات قليلة، ولكن هذه ليست القضية، فإذا توفرت شروط تحول ديمقراطي حقيقي لإجراء انتخابات حرة ونزيهة، سوف ينزل حزب البعث مراهناً على وعي الجماهير بعد تجاربها المرة مع القوى السياسية الأخرى، وعلى رأسها حزب المؤتمر الوطني، ولكن بدون توفير هذه الشروط (اشتراطات جوبا) من غير المناسب لحزب البعث ولا لغيره من التنظيمات في اعتقادي أن يخوض هذه الانتخابات.

 

اهتمام حزب البعث في السودان بقضية فلسطين والعراق مع أن ما يحدث في دارفور قد يكون أبشع؟

 

نحن لا نريد أن ندخل في مقارنة أيهما أبشع، ولكن نحن مشغولون بقضية دارفور دون أن نهمل قضايانا القومية، وقدمنا في مختلف المراحل أوراقاً تتضمن رؤيتنا، وأكثرها نضجاً قدمها الرفيق شمس الدين أحمد صالح عضو قيادة القطر ومسؤول تنظيمات دارفور في ملتقى حكماء إفريقيا. حزب البعث له دور فاعل في دارفور، والجماهير هي التي تدفع ثمن الصراع بين الشركاء في الحرب في دارفور، وهي ليست لها مصلحة لا في الحرب ولا في النظام القائم، بل لها رأيها في أمراء الحرب وفي النظام القائم، وهناك طريق ثالث هو طريق الشعب، كما أن تحالف القوى السياسية في جنوب دارفور يؤسس لتجربة أكثر نضجاً.

 

البعض يعتقد أن موقفكم من المحكمة الدولية حساسية منكم لما فعلته أمريكا في العراق

 

لماذا احتلت أمريكا العراق؟ لأن حزب البعث هو الحزب الذي كان يتضامن مع كل شعوب العالم ضد أمريكا، وضد الامبريالية العالمية والصهيونية واللتين في خندق واحد ضد شعوب العالم، وضد حركات التحرر في بلدان العالم؛ لذلك كان العراق يشكل سنداً لكل حركات التحرر في مختلف أنحاء العالم، حتى فيتنام عندما تخلى عنها الروس والصينيون لجأت إلى العراق، ووجدت الدعم والإسناد من العراق، فموقفنا إذن هو موقف قديم وثابت، بل هو جزء من المنظومة الفكرية لحزب البعث. كما أن هنالك فرقاً بين وجوب أن يكون هنالك عقاب على الجرائم التي ارتُكبت في حق الشعب السوداني، وبين أن نقر للأجنبي بالحق في إصدار أحكام ومحاكمة سودانيين، نحن نعتقد أن محكمة الجنايات الدولية سيف أمريكي مسلط على رقاب شعوب بلدان العالم الثالث، والهدف ليس بسط العدل، إنما الضغط على الأنظمة للاستجابة لمطالب الغرب الاستعماري، وهذه المحكمة موجهة توجيهاً سياسياً، بدليل أن هذه القضية أحيلت إليها من مجلس الأمن بينما أغلبية الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن هم ليسوا أعضاء في هذه المحكمة، وغير خاضعين لحكمها، بل إن أمريكا استصدرت قراراً من مجلس الأمن بأن لا يُحاكم أي من جنودها أو مواطنيها في أي بلد في العالم بتهمة ارتكاب جرائم حرب، أو جرائم ضد الإنسانية لهذه الأسباب وغيرها رفضنا المحكمة، لكننا لا نرفض محاكمة كل من ارتكب جريمة في السودان.

 

حساسيتكم عالية من الغرب وما يأتي من الخارج، مع أن فكرتكم نفسها مستوردة وقيادتكم في الخارج..؟

 

فكرتنا ليست مستوردة فهي نابعة من واقعنا العربي، وقيادتنا ليست من الخارج، وأنا أحد أعضاء القيادة القومية ومن بين عشرة يشكلون القيادة القومية في الوطن العربي، كان هنالك اثنان من السودان، يعني خُمْس القيادة القومية كانت من قطر السودان، فكيف تكون القيادة خارجية، علماً بأن هذا ليس هو القياس؛ لأن البعث حزب واحد في وطن واحد، وكيف يكون فكر البعث مستورداً، وهو فكر عربي ثوري يتعلق بواقع وحال ومآل الجماهير في كل الوطن العربي، وإذا كان الأمر كذلك فتستطيع أن تقول إن الإسلام مستورد، لأن دخول الإسلام في السودان سبقه وجود عرب في السودان، والمسيحية يمكن أن تقول مستوردة، وفكرة المهدي مستوردة من الشيعة في إيران، والميرغني الكبير أتى من مكة، وحركة الإخوان المسلمين جاءت من مصر، والحزب الشيوعي جاء من روسيا . بينما البعث هو حزب الأمة العربية لم يأتِ من خارج هذه الأمة، وهو أكثر الأحزاب أصالة وسط هذه الأمة.

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الثلاثاء / ١١ صـفـر ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٢٦ / كانون الثاني / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور