حدث في جامعة السودان

 
 
 
شبكة المنصور
د .صديق تاور كافي – أستاذ جامعي ومحلل سياسي
لم يكن في بالنا أن هناك انتخابات ستجري لاتحاد الطلاب بجامعة السودان عندما ربطنا في مقال الاسبوع الفائت بين وتيرة العنف في الجامعات والصراع بين التكوينات السياسية الطلابية على المنبر النقابي. فقد ذكرنا أن العنف يتصاعد ويهدأ في حالات بعينها خاصة مع قرب الانتخابات لاتحاد الطلاب. وأنه دائماً ما تكون النتيجة على حساب مشاركة الطلاب، حيث يحجم كثيرون عن ممارسة حقهم في التصويت نأياً بأنفسهم عن العنف والصدام والمشاكل. لقد جاءت الأحداث الأخيرة في جامعة السودان مؤكدة لصحة هذا الافتراض، خاصة اذا رصدنا بداياتها وتتابعها هنا وهناك ثم انتهائها بالاعلان عن انتخابات اتحاد الطلاب وفوز إحدى القوائم (الاسلاميون الوطنيون) بالتزكية، مقابل تشكيك من طلاب الفصائل الاخرى (المعارضة) في صحة الإجراءات وتأمين إدارة الجامعة على سلامة هذه الاجراءات.


وابتداءً لا بد من التأكيد على أنه ليس يهم مَنْ مِنْ الفصائل السياسية الطلابية في أية جامعة من الجامعات قد نجح في الحصول على أغلبية مقاعد الاتحاد، فليكن هذا الفصيل هو طلاب المؤتمر الوطني أو الشعبي أو الشعبية أو حزب البعث أو الطلاب الأنصار... الخ... الخ. المهم أن تكون العملية الانتخابية في الجامعة قد تمت في مناخ صحي سليم يجعل من الحراك النقابي والسياسي إضافة لجميع الاطراف، واضافة للمجتمع الجامعي وسمعة الجامعة ككل، فالوسط الجامعي المفروض أنه أرقى درجات الوعي والممارسة، خاصة في جامعة مثل جامعة السودان لها وزنها وتاريخها ودورها في المجتمع أكثر من أية جامعة أخرى. فمن خلال كليات الدراما والمسرح والموسيقى والفنون والرياضة وتنمية المجتمع وغيرها، تتقدم جامعة السودان كل الجامعات العربية والافريقية، في المساهمة في تشكيل الرأى العام والارتقاء بوعي المجتمع وتشذيب سلوكه، سواء من خلال الكوادر التي تضخها سنوياً، أو من خلال ما تقوم به من مناشط. وبالتالي فهذه الجامعة يجب أن تكون بيئتها الجامعية مدرسة لكل البلد، بل للمنطقة كلها في التفاعل الإنساني الإيجابي اجتماعياً وثقافياً وجهوياً وسياسياً.


ولكن ما حدث خلال الأسابيع الماضية لا يقود إلا الى عكس ذلك، حيث برزت هذه الجامعة كمسرح للعنف والتجاوزات والممارسات التي لا تشبه المؤسسات التربوية بأية حال. وهذا اول مؤشرات ضعف الإدارة وفشلها. فإدارة الجامعة مسؤولة عن كل منسوبي الجامعة من طلاب وغير طلاب، وعن ضمان استقرار الوسط الذي يعملون فيه وهدوئه، وعن ضمانة سلامة وسلاسة مختلف أشكال الحراك داخل الجامعة بين الطلاب بروح تربوية متجردة من أية عواطف سياسية أو جهوية سلباً أو إيجاباً. أكثر من ذلك هى مسؤولة عن ضمان عدم انتهاك حرمة الحرم الجامعي بواسطة أية جهة من خارجه مهما كانت. هذه مسائل ليست صعبة التحقق اذا كانت إدارة الجامعة تقدر أنها من واجباتها ومسؤولياتها الأخلاقية، وإذا هى أعملت الضمير قبل الميول والهوى.


بالنظر الى الخارطة السياسية الطلابية في هذه الجامعة، فهى تضم اطرافاً كما اسلفنا موالية للسلطة وأخرى معارضة لها.


الموالون للسلطة هم طلاب المؤتمر الوطني، والمعارضون للسلطة هم طلاب الاحزاب الاخرى، وابرزهم طلاب حزب البعث العربي الاشتراكي. وهذا وضع طبيعي بل ومطلوب لاغراض التفاعل الإيجابي في أية ساحة. إذ لا يمكن أن يكون كل الطلاب موالين للسلطة، كما لا يمكن أن يكونوا كلهم معارضين لها. وانجذاب الطلاب نحو هذا الطرف أو ذاك تحكمه عوامل كثيرة تختلف من طالب الى آخر، وفقاً للتقديرات الشخصية والوعي الشخصي. وهذه خاصية مطلوب تعزيزها ومساعدة الطلاب عموماً على تعاطيها بتجرد وبدون مؤثرات خارجية ترغيباً أو ترهيباً، فمن مصلحة جميع أطراف البيئة الجامعية أن يشارك الطلاب بفاعلية في الشأن العام داخل وخارج الجامعة من مختلف المواعين السياسية وغير السياسية. ومحاولة التأثير الخارجي في توجيه ميولات واتجاهات الطلاب هى التي دفعت بحوالي 09% منهم الى الزهد في المشاركة الايجابية، وهذا ليس من مصلحة أحد، بل الخسارة سوف تكون لكل الجامعة، لأنها سوف تُحرم من فرصة الاستفادة من طاقة ومقدرات قطاعات واسعة من الطلاب.


وإذا رصدنا بعض نماذج الاحتكاكات السلبية التي حدثت في جامعة السودان خلال الفترة الماضية، فإننا نجد بعض الممارسات التي تحتاج إلى وقفة، وتطرح تساؤلات على إدارة الجامعة من ناحية باعتبارها مسرح الأحداث، وعلى أمانة طلاب المؤتمر الوطني على اعتبار أن خطابها المعلن لا يقر بعض الممارسات التي تُحسب على منسوبيها. فقد سبق لممثلي أمانة الطلاب بالمؤتمر الوطني في ورشة ترقية المشاركة السياسية لطلاب الجامعات بقاعة الشارقة- جامعة الخرطوم- نوفمبر الماضي، أن عبروا عن أهمية الممارسة الديمقراطية في الجامعات، وعن حرصهم على ممارسة سياسية سلمية، وعن رهانهم على وعي الطلاب وحسهم الوطني، حيث استشهدوا حينها بأن الطلاب قد اسقطوا المؤتمر الوطني من اتحادات عديدة عندما لم يكونوا مقتنعين، وأعادوه الى ذات الاتحادات بعد أن اقتنعوا به.


ولا أظننا نختلف مع فكرة أن الطلاب لهم وعيهم ولهم حسهم الوطني الذي يقدّرون به اختياراتهم ومواقفهم، كما لا نعتقد أن ممثلي أمانة الطلاب كانوا يبطنون خلاف ما يعلنون عندما أكدوا على حرصهم، باعتبارهم فصيلا سياسيا طلابيا، على ممارسة سياسية ديمقراطية في كل الجامعات، وحرصهم على الالتزام بذلك من منطلقات أخلاقية وتربوية.


هذا على ما نذكر موقف أمانة الطلاب بالمؤتمر الوطني في تلك الورشة من قضية المشاركة السياسية لطلاب الجامعات. وبالتالي عندما تُنسب بعض الافعال المناقضة لهذا الموقف إلى محسوبين على طلابها، فإن السؤال سوف يتوجه نحو أمانة الطلاب بشكل مباشر. وعلى سبيل المثال إعلان حظر نشاط هذا التنظيم أو ذاك من خلال المنبر الخطابي، وأمام جموع الطلاب مثلاً. فهل يندرج ذلك ضمن الممارسة الديمقراطية؟ ألا يعتبر ذلك من نوع الاستفزازات الساخرة للآخرين، فالممارسة الديمقراطية لا تكون مع فكرة الإقصاء. ومن الذي يسمح أو يحظر النشاط؟ هل هم فئة بعينها؟ أم أن هناك جهة إدارية منظمة لكل أنواع النشاط سياسي وغير سياسي.


وهناك أيضاً حالات شاذة مثل اعتقال طالب من داخل الجامعة لا لشيء إلا لأنه يقوم بتوزيع بيان سياسي يعبّر فيه عن وجهة نظر تنظيمه، واقتياده وفتح بلاغ ضده (شطبته النيابة في نفس اليوم)، أيضاً تم تعدٍ على طالب داخل حرم الجامعة حتى بعد احتمائه بمكتب رئيس القسم وضربه حتى أُغمى عليه. أكثر من ذلك وجود مجموعة تتحرك بإمكانات غير طلابية مثل البكاسي التي تحمل مجموعات عديدة من حملة السيخ تقتحم بها حرم هذه الجامعة أو تلك، وهكذا.


وكما أسلفنا فإن الخطاب المعلن لأمانة الطلاب بالمؤتمر الوطني لا ينسجم مع مثل هذه الممارسات، وبالتالي يكون الارجح أن هناك جهة ما من داخل الجامعة أو من خارجها هى التي تدفع الأمور بهذه الاتجاهات، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار الامكانات المصاحبة لعمليات ممارسة العنف ضد الخصوم من الطلاب. ولكن الاجابة تبقى عند هذه الامانة.


أما في ما يخص الإدارة، فبتقديرنا أن استباحة الحرم الجامعي بواسطة أية جهة كانت، هو إهانة لإدارتها أولاً. فكيف يتم اعتقال طالب من داخل الحرم الجامعي وهو لم يفعل أكثر من توزيع قصاصة ورق فيها بعض الأفكار التي يعتقد فيها وهذا حقه كاملاً. والسؤال الأول هو لمن تتبع جهة الاعتقال هذه؟ هل لإدارة الجامعة أم لإدارة ما من خارج الجامعة؟ في الحالة الأولى إذا كانت تتبع لإدارة الجامعة فمن أين لها بمثل هذا التصرف وبأى حق؟ واذا كانت من خارج الجامعة هل تمت مخاطبتكم أو حتى استئذانكم بهذا التصرف؟! وما فائدة مدير الجامعة اذا كان لا يستطيع أي يحمي منسوبي جامعته من الطلاب الذين هم أبناؤه وبناته في المقام الاول.


كذلك هناك مشاحنات كثيرة في مواقع الجامعة المختلفة من سوبا الى حلة كوكو الى الجنوبي الى شمبات الى الغربي.. وفي كل مرة تزيد الوتيرة وتزيد خشونة الاحتكاكات، فيما الإدارة تتفرج أو تدفن رأسها في الرمال. وكل ما كان يحدث كان يشير بصورة واضحة الى أن الجامعة تتحول تدريجياً الى مسرح للعنف والفوضى، فما الذي فعلته الإدارة قبل أن تبلغ الأمور ذروتها؟ هل عجزت عن التدخل بطريقة تضبط إيقاع الحراك السياسي بين الطلاب دون أن تعرقله؟ أم أنها كانت تماليء طرفاً ضد آخر لشيء في نفس يعقوب؟ أم أنها كانت تخاف على الكرسي؟ أم كانت تتلقى توجيهاتها من الدوائر التي تروِّج للعنف والفوضى؟! أم ماذا؟!!


ومرة أخرى فإن على الإدارة مسؤولية أخلاقية وتربوية نحو جميع الطلاب بلا استثناء، وواجبها حماية الحرم الجامعي من تغول أية جهة من خارجه، أو السماح لها بإحداث اضطراب فيه، حتى ولو كانت تربطها بهذه الجهة روابط وعواطف سياسية أو غير ذلك. فالطلاب عموماً موالون ومعارضون هم رصيد البلد للمستقبل، وبالتالي لا بد من أن نتعامل بتجرد حيالهم جميعاً، وبأمانة وأخلاق مهنة عالية

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الجمعة / ٢١ صـفـر ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٠٥ / شـبــاط / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور