عندما تقض ( فلول البعث ) مضاجع السلطة !!!

 
 
 
شبكة المنصور
د .مثنى عبد الله - باحث عراقي مستقل
عجبا كيف ترتعد خوفا فرائص السلطة المحصنة في المنطقة الخضراء , والمحمية بثلاثة عشر جهاز أمني , ومليون جندي وشرطي , وفيالق من المليشيات , وسلطة قرار وأموال , وأضخم محطة مخابرات أمريكية في العالم , وأتفاقية أمنية , تعهدت فيها الولايات المتحدة الامريكية بحماية الحكومة من الاخطار الداخلية والخارجية , وأكبر محطة ل(أطلاعات) الايرانية , تتبعها المئات من الواجهات بأغطية ثقافية ودينية وأنسانية , وسبع سنوات من التثقيف الطائفي , وعمليات غسيل الادمغة , بواسطة عشرات الفضائيات , والصحف الصفراء , وكتاب الدولار ورجال دين السلطة , ومع كل ذالك يتحول من تطلق عليهم تسمية (فلول) الى فهود , يقضوا مضاجع المسؤولين ليل نهار , ويجبرونهم على التواري في الجحور , والتنقل بالطائرات أو بسيارات الاسعاف داخل البلد للتمويه , وهم الذين أسر الامريكان قادتهم , فمنهم من قضى نحبه بأيدي السلطة ,ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا , وأستخدموا المثقاب الكهربائي والمواد الكيمياوية لاجتثاث أفكارهم , وهجروا عوائل أنصارهم ومؤيديهم في كل زاوية من خارطة العالم , وأستباحوا دورهم وأموالهم , وغيروا أسماء الشوارع والساحات والاحياء والمدارس التي تشير الى منجزاتهم , والغوا أيامهم التي كانوا يحتفلون بها , وهدموا النصب التذكارية التي ترمز لهم , ونقضوا قوانينهم التي لايستفادون منها .


أنها حقا صورة شديدة التناقض , بين أن تملك كل أسباب القوة المادية , وأجهزة العنف المنظم وغير المنظم , لكنك تكتشف بان هذه القوة خاوية , وعاجزة عن تحقيق أهدافك , بينما لايملك الاخرون شيئا من أسبابها , لكنك تكتشف بأنهم قادرون على هزيمة أجنداتك ومن يقف خلفك , ويفرضون حضورهم المادي والمعنوي على المسرح السياسي الذي تحاول أن تبدو سيدا فيه , تلك هي المعادلة التي تحكم الحياة السياسية العراقية اليوم , وهي بمقدار تناقضها فانها تكشف عن حقيقة حتمية الصراع التاريخي بين القوى الحية التي تملك الماضي والحاضر والمستقبل , وبين القوى الطارئة التي حتى وأن أمتلكت الحاضر , فأنها تبقى بلا قرار أو أن قرارها سيكون مجرد ردود أفعال سلبية , ومحاولات طا ئشة لتأكيد الذات , أمام أصرار القوى التاريخية على الثبات والمقاومة والتغيير .


لقد ولدت الاحزاب الحاكمة اليوم في العراق , وهي تحمل فيروسات موتها وأندثارها , منذ أن تحكم الاخرون في ولادتها , وظروف نشأتها , وتمويلها وتسليحها , وركبوا لها عقولا تفكر بمصالحهم وتنفذ أجنداتهم , ووضعوا لها أهدافا وخططا ستراتيجية , تقضي ببعثرة النسيج الاجتماعي , والتلاعب باللحمة الوطنية التي ولدنا عليها نحن وأبائنا منذ الاف السنين , وتدمير البنى التحتية للانسان , وافقاده هويته الجامعه , وجعله يعيش في جو من الاستلاب الثقافي والتاريخي والاخلاقي والديني , كي تسهل قيادته الى مستقبل مجهول تتحكم فيه تلك الاجندات لذلك لاغرابة أن تبرز كل هذه الصور المأساوية في الحياة اليومية العراقية , وأن تتراجع كل المؤشرات التي تدل على التقدم البشري فيه , مئات السنين الى الوراء , حتى تبدو لغة الارقام خجلى مما حل به , وها هو وكيل وزير التربية يصرح ( ان أعداد الاميين في العراق بلغ خمسة ملايين عام 2008 و 2009 بينما في عام 1991 أنتهت ولم يبق أي أمي في العراق ) ويضيف ( أن قانون محو الامية الذي قدم منذ عام ونصف على طاولة مجلس النواب لم يصادق عليه )


علما بأن موازنة العام 2010 خلت تماما من أي تخصيص مالي لاقامة دورات محو الامية , لان هذا المجال هو أبعد مايكون عن تفكير السلطة (الديمقراطية في العراق الجديد) , التي لاتتوانى عن هدر ملايين الدولارات في تأمين الحمايات الخاصة لمسؤوليهم الذين وصل عددهم الى 4500 عنصر فقط لحماية طالباني , 2500 عنصر لحماية عمار الحكيم , 1200 عنصر لحماية الهاشمي , و140 عنصر لحماية رئيس البرلمان , ولايمكننا أحصاء مايحيط بزعيم (دولة القانون) من حمايات لانها لاتعد , والذي بلغ عدد مستشاريه فقط اكثر من ستين مستشار, بينما بلغت مخصصات مايسمى رئاسة الجمهورية في هذه الموازنة 100 مليون دولار , ورئاسة الوزراء 140 مليون دولار , ورئاسة البرلمان 570 مليون دولار , واذا أضيفت الى هذه المبالغ رواتب الموظفين العاملين فيها , فأن مخصصات الرئاسات الثلاث تصبح مليار و 113 مليون دولار فقط .


لقد أستسهل (قادة العراق الجديد) كيل الاتهامات الى البعث , حتى أصبحت لازمة معتادة في كل خطبهم , لانهم قادة أقوال لاأفعال , وسراق لحظة سياسية لارجال مرحلة , ومعاول هدم لابناء وباتوا يكتشفون يوميا بأنهم أعجز من أن يأتوا بمثل ماجاء به الذين سبقوهم , فهاهي سبع سنوات مرت من عمر ( العصر الديمقراطي ) والمواطن يتسول قوت يومه , ويعجز عن أرسال أطفاله الى المدارس , ويعاني من المرض والبطالة , ويفتقر الى الماء والكهرباء والمحروقات ولم يرتفع في البلد حجر فوق حجر , ليكون شاهدا أمام شعبهم على أنهم رجال دولة , على الرغم من رفع الحصار الاقتصادي عن العراق , وأطفاء الديون من قبل دول العالم , ومئات الملايين من الدولارات كمساعدات دولية للاعمار , مضافا اليها مئات المليارات كعائدات نفطية بينما لم تمر سوى أربع سنوات على حكم البعث حتى تحقق التأميم , ذلك الانجاز العملاق الذي نقل العراق من مرحلة التخلف الى مرحلة الخطط التنموية الانفجارية , التي رفعت المستوى المعيشي للانسان العراقي , وجعلته من حيث قيمة الدخل مساويا لدخل الافراد في الدول المتقدمة , كما نتج عنه مجانية التعليم التي قلصت الفوارق الطبقية في المجتمع , وجعلت العلم في متناول الجميع , وكذلك الاشراف الصحي المجاني في كل المؤسسات الصحية العراقية , وأنشاء الطرق الدولية السريعة , والسدود الاروائية , وتطوير الزراعة والصناعة والتجارة , بينما لم يكن العراق تحت الحضانة الامريكية كما هو عليه الان , ولم يكن قادته من صنع أمريكي وأيراني وأوروبي كما هم حال (قادته ) اليوم , كي يحضوا بدعم قطبي دولي وأقليمي بل كانوا أصحاب قرار مستقل , ومشروع وطني وقومي .


لقد كشفت أزمة أستبعاد بعض الكيانات السياسية عن المشاركة في الانتخابات القادمة , بدعوى شمولهم بقرارات الاجتثاث , عن ضحالة القائمين على الشأن العام العراقي , وعن أنعدام التأييد الشعبي لهم الذي حاولوا تزويره منذ العام 2003 , تارة بدغدغة المشاعر الطائفية , وتارة أخرى بالفتاوي الدينية , وأحيانا بتقديم الرشوة وشراء الاصوات , كما أنها كشفت مرة أخرى عن صلابة البعث , وحيوية تفكيره , وصلادة بنائه التنظيمي , الذي أستوعب كل الضربات والمجازر الوحشية , وجاهزية جماهيره في تغيير وسائل النضال حسب ماتقتضيه ظروف المرحلة , وأثبت مرة أخرى أنه حزب المؤسسات القادرة على القيادة , حتى وأن غييبت قياداته الرأسية , وهو الاقوى في المشهد السياسي , وأن قرارات حظره وأجتثاثه لن تكبل حيويته وفاعليته السياسية , مهما أحتشد خلفها من قوى دولية وأقليمية , الذين بان عليهم الاضطراب والتخبط بسبب فشلهم في أيقاف زحفه, فشرعوا بأجتثاث حتى حلفاء الامس الذين شاركوهم (العملية السياسية) منذ سبع سنوات , وساهم مداد أقلامهم في كتابة (الدستور) البغيض .


أن الخوف لاينتاب الا الفاشلين الخاوية عقولهم , الكليلة أذرعهم عن الفعل المشهود , ولو كان حكام (العراق الجديد) يتسمون بأبسط صفات الوطنية , ولو لم يقدموا على ظهور الدبابات الغازية , ولو كانوا صناع منجزات حقيقيين , لكفى المالكي نفسه الصراخ والتحذير من قدوم البعث , لان منجزاته هي التي ستتحدث عنه , وستكون هي اللافتة الانتخابية الحقيقية التي تعيد أنتخابه الف مرة , لان الاحتكام الى الاصوات هو القرار الحاسم في العملية الديمقراطية , وليس القرارات التي تجتث الاخرين , لكن الخوف من الحقيقة , والتشبث بالسلطة من أجل المزيد من الاثراء اللامشروع , هو الذي يجعلهم يجنحوا الى القرارات اللاشرعية , وتغييب الاصوات الرافضة للمنهج التدميري الذي يقودونه اليوم في العراق الجريح الاسير .

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاربعاء / ٢٦ صـفـر ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ١٠ / شـبــاط / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور