العراق .. و ''الأنتقام العذب''

 
 
 
شبكة المنصور
د. فارس الخطاب
مع قرب ذكرى غزو وأحتلال العراق تلاحق اللعنات والمطاردات القانونية والأخلاقية كل الذين ساهموا فعلا او تحريضا أو سكوتا مخجلا أو ممارسة لهذه الجريمة ، وبات العراق بعدما يناهز السبع سنوات على الأحتلال وبرغم كل المآسي التي حلّت بشعبه وببناه التحتية وثرواته ، وبعد كل الموبقات التي تمارس على أرضه من قبل المحتلين وحلفاؤهم وعملائهم ، ونتيجة لإن كل هذه الجرائم المتلاحقة وقعت ( وكما تظهر الوقائع والأدلة الآن ) ، ظلما على العراق ، فإن العالم بدأ يشهد مع قرب الذكرى الثامنة لإحتلاله إنتقامه الهادىء ممن أستباحوا حرماته ودنسوا ترابه وسمائه.


لجنة "شيلكوت" تحقق الآن حول فضائح التورط البريطاني بالحرب وبالطبع هذا التحقيق يأتي بعد تحقيقات عديدة أجرتها اللجنة المشتركة للشؤون الخارجية والمخابرات والأمن في البرلمان البريطاني عام 2003 ثم"لجنة هتن" مطلع عام 2004 للتحقيق في انتحار العالم البريطاني ديفيد كيلي الذي نسب إليه إدعاء أمتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل، ثم "لجنة بتلر" منتصف عام 2004 حول استخدام المخابرات البريطانية لتمرير حرب العراق.


وفي الحادي عشر من يناير الجاري خلص تحقيق في دعم هولندا للحرب على العراق عام 2003 إلى أن قرارمجلس الأمن رقم 1441 لا يعتبر تفويضا لشن الحرب، وقال اللجنة الهولندية للتحقيق في العراق إن صيغة القرار "لا يمكن تفسيرها على انها تفويض لأي دولة عضو للقيام بعمل منفرد واستخدام القوة العسكرية ضد العراق. واتهم التقرير الوزراء الهولنديون حينها بالانتقائية فيما يتعلق باستخدام التقارير الاستخباراتية، وأن رئيس الوزراء الهولندي يان بيتر بالكننده لم يبرز كشخصية قيادية أثناء النقاش الذي دار حول الحرب في العراق"، والذي أثاره وزير الخارجية الهولندي آنذاك ياب دي هوب شيفر !!.


وفي سبتمبر 2006 في الولايات المتحدة نشرت لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ واحدة من الحسابات العامة النهائية للمعلومات المخابراتية التي استخدمت لتبرير الحرب على العراق في تقرير من 400 صفحة ، هذه اللجنة التي سميت لجنة سيلبرمانروب أستغرقت 18 شهرا لكتابة تقريرها الذي كان من نتائجه استقالة وزير الدفاع سيء الصيت رونالد رامسفيلد وخلاصة هذا التقرير أن : الإدارة الأمريكية أحتاجت ثلاث سنوات لطبخ قرارات الحرب ووضع مبررات عارية لغزو العراق مع عدم وجود أي أدلة لدعم مجموعة الإدعاءات التي قدمتها أجهزة الاستخبارات الأمريكية بشأن أسلحة صدام حسين ذات التدمير الشامل أو العلاقة مع تنظيم القاعدة والتي سمتها كما ورد في نص التقرير بنسخته الأصلية " إن الأستخبارات الأمريكية كانت خاطئة تماما " !!.


وفي أستراليا أضطر رئيس الوزراء إلى تنفيذ توصيات نتائج التحقيق البرلماني هناك حول المعلومات الاستخباراتية المتعلقة باسلحة الدمار الشامل في العراق وقد اتهمت اللجنة التي تضم ممثلين عن مجلسي البرلمان اجهزة الاستخبارات الاسترالية حينها بان الحكومة الأسترالية ضخّمت التهديد الذي يشكله برنامج اسلحة الدمار الشامل في العراق. واوصى رئيس اللجنة البرلمانية الاسترالية ديفيد جول أيضا باجراء «تقييم مستقل لنشاط اجهزة الاستخبارات يقوم بها خبير محنك سابق فيها ليقدم تقريرا في النهاية الى لجنة الامن القومي في الحكومة يحدد فيه كل التغييرات اللازمة من اجل اطار عمل افضل لوكالات الاستخبارات، وانتقد الطريقة التي عالج فيها المكتب الوطني للتقييم الذي يعد خطب رئيس الوزراء حول الاستخبارات، المعلومات التي كانت لديه قبل الحرب حول قدرات العراق في مجال التسلح.


إذن في كل مكان من العالم وبخاصة في الدول التي خططت للجريمة بحق العراق وارتكبتها فعلا ، الدول التي شوهت الحقائق وصاغت الأكاذيب لتبرير وتسويق العدوان ، هناك من يلاحق ويسعى لإن يحاسب مجرموا الحرب ( بوش وبلير وهوارد وغيرهم ) ، لجان ومحامون وصحف وفضائيات ، الجميع يسعى لإن يضع حبال الحقيقة حول رقاب الجلادين والقتلة الذين مارسوا وبشغف ودم بارد قتل ملايين العراقيين واستباحوا تدنيس تراب دولة عتيدة في الترايخ وعضو في الأمم المتحدة ومؤسسة لجامعة الدول العربية ، بوش قد ينتظر في اي لحظة من تاريخه المقبل المساءلة والمحاكمة عن جرائم كثيرة بعضها يتعلق بالقانون الأمريكي وكذبه على الشعب الأمريكي لحث مجلس النواب الأمريكي على تخويله بشأن استخدام القوة ضد العراق عام 2003 مما تسبب بمقتل وجرح الآلآف من الأمريكيين ، فقدان هيبة أمريكا كدولة عظمى،فقدان سمعة امريكا كدولة راعية للحريات والديمقراطية وغيرها،والبعض الآخر يتعلق بالعراقيين الذين قتلّوا وسلبت ديارهم وطمس معالم تاريخهم الحديث والقديم.


لجنة "شيلكوت" في المملكة المتحدة بما يقدم لها من عدد كبير من شهادات كبار موظفي الحكومة والمخابرات والخارجية والدفاع البريطانية، سواء كانوا من السفراء أوالقادة العسكريون ومعظمهم من الذين ناهضوا غزو العراق واعتبرو هذا الغزو انتهاكا للقوانين الدولية ، قد لن تفضي الآن إلى محاكمة بلير كمجرم حرب ، وبالتأكيد لن توقف عملية بدء الحساب هذه بعض الشهادات المضحكة أمام اللجنة كشهادة جيرمي غرينستوك، ممثل بريطانيا في الأمم المتحدة خلال الغزو ألذي قال : "أنا أعتبر أن غزونا للعراق ومشاركتنا في العمليات العسكرية مشروع، لكنه غير شرعي" مما أثار موجة من الضحك لدى أعضاء اللجنة.


في سيدني اعتذر رئيس الوزراء الاسترالي السابق جون هوارد عن تقديم معلومات استخبارية خاطئة لتبرير مشاركة قوات استرالية في الحرب على العراق. الرجل المسؤول عن فريق لجان التفتيش في العراق هانز بليكس (81 عاماً) أكد في حديث لصحيفة "الديلي ميل" البريطانية استعداده لتقديم شهادته ضدّ بلير وبوش أي محكمة جنائية دولية يحالون لها في المستقبل.


في واشنطن ولندن وسيدني ، وفي مدريد ورومانيا وكوريا واليابان ، موجات من المتابعات القانونية والأجتماعية والسياسية للمسؤولين عن جريمة العصر في غزو وأحتلال العراق ، كل هذه المتابعات والتحقيقات تقود إلى نتيجة واحدة هي أن الحرب على العراق لم تكن في تكتيكها، ولا في استراتيجيتها أو عملياتها موجهة ضد النظام العراقي فقط، بل كانت أيضا ضد الدولة العراقية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى .


يبقى الأهم أن العالم يصحو على أنين العراقيين وربما على أنين جنودهم الذين ارغموا على القتال في العراق ، ولكن يبقى حاكموا المنطقة الخضراء وحدهم بعيدون عن كل هذه المجريات ! لا بل يخشى اغلبيتهم من أن تخرج نتائج التحقيقات في كل مكان لتقول أن صدام حسين لم يكن دكتاتورا يقتل شعبه ، وأن الحاكمون الجدد من صنع الغزاة أو هم أداة صورية للأحتلال ، تصوروا أي حالة نفسية يعيشها من يعمل لصالح محتل خاصة وسط أنباء عن تساقط هيبة وحصانة من كانوا يحمونهم بقدر أو بآخر ؟ من يدري ربما يكون ذلك أو ربما يستغل المالكي وغيره هذا الأمر فيطالبوا بمحكة جنائية (مؤقتة) للغزاة لحين الأنتهاء من موسم الأنتخابات القادم ، ذاك هو "الأنتقام العذب" للعراق ممن عمل على المساس بتاريخه العظيم وشعبه المجاهد وحكومته الوطنية .

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الخميس / ١٣ صـفـر ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٢٨ / كانون الثاني / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور