المصالحة والمقاومة لمواجهة الصلف الصهيونيّ والعجز الأمريكيّ

 
 
 
شبكة المنصور
عبد الكريم بن حميدة
باراك أوباما يقرّ بعجزه .. ومبعوثه الذي يُعتبر حامل لواء الفشل يستعدّ للاستقالة..


هذه هي النتائج الأولى لآخر جولة قام بها المبعوث الأميركي الخاصّ إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل..
أمّا ما خفي فقد لا يظهر إلا بعد ترتيبات تقتضيها المرحلة.. والمصلحة. ولا يبدو على الأقلّ في المدى المنظور أنّه توجد مخارج لرؤية جديدة في علاقة واشنطن بطرفي المفاوضات لا سيما أنّ الحليف الصهيونيّ ليس في عجلة من أمره حيال استئناف عملية السلام، طالما أنّ الوضع الحالي يخدم مصالحها بما يفوق بل بما يلبّي مطالبها، ويساعدها على مزيد تدعيم الواقع الذي فرضته بالقوة وبالتواطؤ وبالخلاف بين إخوة السلاح.


وكان لافتا للمراقبين ما أقرّ به الرئيس الأميركيّ باراك أوباما عندما اعترف بأنّه أخطأ في تقدير فرص السلام في الشرق الأوسط، وبالغ في التوقّعات بقدرته على إقناع "الإسرائيليّين" والفلسطينيّين ببدء عملية تفاوض جادّة. فالتصريح يستوقف المتابعين لدلالته أوّلا وكذلك لأنّه جاء قبل أن ينهي جورج ميتشل جولته في المنطقة، بل قبل أن يلتقى بالرئيس الفلسطينيّ محمود عباس في رام الله.


وتكمن أهمّيّة هذا الاعتراف في كونه يكشف حجم الصعوبات التي تواجهها الإدارة الأمريكيّة في مساعيها للجمع بين المتفاوضين. ولعلّه يساعدها على إدراك الحقيقة الجوهريّة وهي أن المشكلة الأساسية لهذا الصراع هي مشكلة أرض واحتلال وما يتبعهما من إجراءات قسريّة ممثّلة في الاعتقال والتخريب والتجريف والتوغل والاستيطان.. وكلّها تهدف إلى المحافظة على الطابع اليهوديّ لدولة "إسرائيل" ومزيد ابتلاع الأراضي العربيّة وتهجير سكّانها وتهويدها.


هل سيكون على أوباما وإدارته مراجعة طريقة التعاطي مع هذا الملفّ؟ أم سيكون على الطرف الفلسطينيّ المفاوض أن ينحني مرّة أخرى لعاصفة الضغوطات العربيّة والدوليّة؟


الإجابة عن أيّ من هذين السؤالين لا تدعو إلى الاتهام بالتسرّع أو عدم إعطاء الفرصة للجهود المبذولة.. كما لا تدعو إلى الاتّهام بالمغالاة ورفع سقف المطالب بما لا يتلاءم مع الظروف وينسجم مع طبيعة المرحلة ومقتضياتها..


إنّ الأمر لا يتعلق بمجرد شعارات مثلما دأب فريق "المعتدلين" العرب على وصف خصومهم..
ليس شعارا إذا قيل عن إدارة أوباما إنها لا تختلف عن سابقاتها من حيث انحيازها المطلق للعدوّ الصهيونيّ. وليس تجنّيا على أوباما القول إنه خضع للابتزاز الذي مارسه عليه نتنياهو وأجبره أثناءه على التخلي عن وقف الاستيطان أو تجميده شرطا لاستئناف المفاوضات. وهل يملك أوباما اليوم أن يقف في وجه حكومة الصهاينة وهو الذي تدنّت شعبيته بشكل غير مسبوق خلال سنته الأولى في البيت الأبيض؟


إنّ الأمر لا يتعلق بمجرد رغبة شخصيّة أو قرار عاطفيّ أو شعار أطلقه أوباما لاستمالة المسلمين وامتصاص غضبهم وكراهيّتهم لأمريكا خصوصا أثناء إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش الصغير.


الموضوع أكبر من رغبة.. وأكبر من قرار.. وأصدق من شعار..
إنّه يتعلق بسياسة أمريكيّة أصبحت بالتقادم علامة مسجّلة.. ويخطئ من يرى في التصريحات الناعمة لبعض المسؤولين الأمريكيّين إزاء بعض الأقطار العربيّة عنوان تحوّل أو دليل حياد أو مسلك التزام بوساطة نزيهة..
إنّ فرص استئناف المفاوضات بين جماعة أوسلو وحكومة نتنياهو ضعيفة، بل هي معدومة تماما إلاّ إذا تقدّمت سلطة رام الله خطوة جديدة على درب التنازلات المهينة والقاتلة التي قادت الفلسطينيّين إلى هذا النفق المظلم، وقادت الصهاينة إلى كلّ ذلك الصلف والعنجهيّة. ورغم كلّ التجارب السابقة المرّة فإنّني لا أتوقّع من السلطة الفلسطينيّة مزيدا من القبول بالشروط الصهيونيّة والخضوع للضغوط الأمريكيّة. وهذا التوقّع لا يعود إلى أنّني أحسن الظنّ بسلطة محمود عبّاس، وإنّما يبدو أنّ نتنياهو لم يترك للمفاوض الفلسطينيّ هامشا للمناورة والخداع
والمغالطة، بعد أن أعلن عن شرط مسبق جديد وهو احتفاظ "إسرائيل" بتواجد على طول الحدود الشرقيّة للدولة الفلسطينيّة المقبلة في المنطقة المحاذية للأردن.


خيار وحيد بات يملكه الفلسطينيّون في مواجهة هذا الصلف الصهيونيّ: المصالحة والمقاومة..

 
akarimbenhmida@yahoo.com
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الجمعة / ١٤ صـفـر ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٢٩ / كانون الثاني / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور