عزف منفرد - الحسين الكوني

 
 
 
شبكة المنصور
سلام الشماع - البلاد البحرينية
قد يظن أحدٌ من المسلمين أن الحسين للمسلمين وحدهم... وقد يظن أحدٌ من العرب بأن الحسين عربي فهو إذاً لهم وحدهم... وقد يظن أحدٌ من الشيعة أن الحسين يختص بالشيعة وحدهم... لكن هذه الظنون كلها واهمة وأصحابها واهمون، فالحسين عليه السلام للإنسانية كلها، وإرثه الخالد العظيم وضعه في خدمة الإنسانية كلها، واسمه يحرض مظلومي العالم كلهم للمطالبة بحقوقهم والمستعبدين لطلب الحرية والمهضومين للثورة على من هضم حقوقهم.


لا يتصورنَّ أحد أن المسلمين وحدهم يبكون مأساة الحسين، كما لا يتصور الشيعة أنهم وحدهم الذين تجري دموعهم مدراراً عند ذكره عليه السلام، فهذه هي الكاتبة الإنجليزية - فريا ستارك تقول: إن الشيعة في جميع أنحاء العالم الإسلامي يحيون ذكرى الحسين ومقتله ويعلنون الحداد عليه في عشرة محرم الأولى كلها... على مسافة غير بعيدة من كربلاء جعجع الحسين إلى جهة البادية، وظل يتجول حتى نزل في كربلاء وهناك نصب مخيمه، بينما أحاط به أعداؤه ومنعوا موارد الماء عنه ولاتزال تفصيلات تلك الوقائع واضحة جلية في أفكار الناس إلى يومنا هذا كما كانت قبل أكثر من ألف سنة وليس من الممكن لمن يزور هذه المدن المقدسة أن يستفيد كثيراً من زيارته ما لم يقف على شيء من هذه القصة لأن مأساة الحسين تتغلغل في كل شيء حتى تصل إلى الأسس، وهي من القصص القليلة التي لا استطيع قراءتها قط من دون أن ينتابني البكاء.


وهذا هو المستشرق الإنجليزي ادوار دبروان يقول: وهل ثمة قلب لا يغشاه الحزن والألم حين يسمع حديثاً عن كربلاء؟ وحتى غير المسلمين لا يسعهم إنكار طهارة الروح التي وقعت هذه المعركة في ظلها. وأولاء هم مسيحيو العراق قرروا هذا العام عدم الاحتفال بعيد الميلاد المجيد لتزامنه مع ذكرى مقتل الإمام الحسين. والحسين علّم الإنسانية دروساً في التضحية من أجل المبدأ... دروساً في كيف يقاتل المؤمن بمبادئ إنسانية دفاعا عن الجميع لا عن نفسه... يطلب الخير للجميع لا لنفسه.

 

خاطب المهاتما غاندي الشعب الهندي بقوله: إن الهند إذا أرادت أن تنتصر فعليها أن تقتدي بالإمام الحسين، عادّا أن ثورة الإمام الحسين تشكل مدرسة للإنسانية في الانتصار للحق وفي قوة المظلوم عندما قال: تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فانتصر. ويقول مودوكابري ريس وهو أحد معارضي الاستعمار البريطاني: يقال في مجالس العزاء إن الحسين ضحى بنفسه لصيانة شرف الناس وأعراضهم، ولحفظ حرمة الإسلام، ولم يرضخ لتسلط يزيد ونزواته، إذن تعالوا نتخذه لنا قدوة، لنتخلص من نير الاستعمار، وأن نفضل الموت الكريم على الحياة الذليلة. وفي العراق إذا طلبت مسيحية أو مسيحي حاجة فإنهما لا يتوجهان إلى الكنيسة عادة، بل إلى كربلاء حيث يرقد من غمر الإنسانية كلها بفضله عليها بأن عبّد للعالمين بدمه الشريف طريق الخلاص. نعم، الحسين عليه السلام للإنسانية كلها كما كان جده محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأبوه الإمام علي عليه السلام وأبناؤه عليهم السلام من بعده. يقول المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون عند حديثه عن استشهاد الإمام الحسين عليه السلام: لقد قدم الحسين بن علي أبلغ شهادة في تاريخ الإنسانية وارتفع بمأساته إلى مستوى البطولة الفذة... وأصبح اليوم الذي قتل فيه الحسين بن علي وهو العاشر من محرم يوم حداد ونواح عند المسلمين، ففي مثل هذا اليوم من كل عام تمثل مأساة النضال الباسل والحدث المفجع الذي وقع للإمام الشهيد وغدت كربلاء من الأماكن المقدسة في العالم، وأصبح يوم كربلاء وثأر الحسين صيحة الاستنفار في مناهضة الظلم. ويتمنى الكاتب المسيحي انطوان بارا أن يكون الحسين عليه السلام مسيحياً، ويقول: لو كان الحسين منا لنشرنا له في كل أرض راية، ولأقمنا له في كل أرض منبرا، ولدعونا الناس إلى المسيحية باسم الحسين. ويصف الباحث الإنجليزي. أ.س ستيفينس واقعة كربلاء بما يعزز فكرة أن الحسين عليه السلام كان للإنسانية كلها لأنه قتل من أجل العدل، والعدل للعالم كله، فيقول: تنسب الروايات المتواترة إلى أن الشمر قتل الحسين لذا تصب عليه اللعنات دوماً وعلى كل من قاد القوات الأموية ضد شهداء كربلاء، فالشمر صنو الشيطان في الإثم والعدوان من غير منازع. لقد حمل الحسين على عاتقه مصير الروح الإسلامية، وقتل في سبيل العدل بكربلاء.


وهكذا فإن وضع الحسين وثورته وقضيته في أطر مذهبية ضيقة غير ممكن لأن أي ثوب غير الثوب الكوني لن يكون مناسبا له ولثورته وقضيته، وها إن أمامنا نحو أيام ونستقبل أربعينيته عليه السلام، فهلا استبدلنا خطابنا بخطاب يضع الحسين وثورته وقضيته في المكان المناسب اللائق؟...

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الخميس / ١٣ صـفـر ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٢٨ / كانون الثاني / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور