عزف منفرد - حنين إلى القلب

 
 
شبكة المنصور
سلام الشماع

سألتني: هل تحنّ إلى العراق؟
وهل وجدت عراقياً يحمل قلبه معه في الغربة يا غالية؟!!!


أحنّ إلى نملة تدب على أرض العراق.. إلى بلبل يشدو على أغصان أشجاره.. إلى عصفور يزقزق على شباك نافذتي المهجور من سنين على الرغم من أنه يدري أني بعيد.. إلى مواش تثغو.. إلى أطفال لم أرهم، هم، الآن، يتعلمون نطق حروفهم الاولى في غيابي.. إلى الأزقة والشناشيل والدرابين التي تحتضن الناس الطيبين.. إلى دعاء العجائز: (ينطيك إلى ان يرضيك).. الى الأطفال الأبطال المتوجهين الى مدارسهم وهم يعلمون أن الموت يترصدهم بعينين نهمتين.. إلى قبر أمي ووجوه أبي واخوتي وأخواتي.. إلى مقهى شعبي نحتسي فيه الشاي مع هاجس قاس أن شخصا يرتدي حزاما ناسفا قد يشاركنا الجلوس


على أرائكه.. إلى خبز التنور المسجور.. إلى نورسة بيضاء تطفو على مياه دجلة.. إلى رز العنبر الذكي الرائحة.. إلى جسور الأئمة والجمهورية والسنك والأحرار والشهداء والصرافية الشهيد والمعلق الذبيح.. إلى شوارع الرشيد وفلسطين والسعدون والمتنبي والنهر.. إلى (السلام عليكم)، و(في أمان الله)..


أحنّ إلى وجوه غيب الاحتلال ابتسامتها.. وجوه ستعود إليها ثقتها واعتزازها بنفسها وبالآخرين، عما قريب، عندما يولي الاحتلال إلى غير رجعة، وإلى وجوه أتعبها الانتظار، وجوه تنتظر عودة غائب حبيب، وملؤها أمل بعودته.. أحنّ إلى رائحة الأرض بعد مطر تبللها قطراته.. إلى رائحة الطلع والشبوي.. إلى ورود الجهنمي والمحمدي وحتى الدفلى.. إلى النخيل الباسقات.. إلى (شكو ماكو), و(لك داد شلونك؟)، و(أغاتي وين جنت؟)، و(والله متروح إلا تتغده ويانا)، و(خوش جاي تعال اشرب ويايه).. أحنّ إلى نصب الحرية في الباب الشرقي الذي لم يسلم من قهر الأمريكان له عندما أوقفوا دباباتهم تحته، في إشارة إلى تناقض صريح بين عبودية الاحتلال وما يرمز إليه النصب العظيم من حرية.. أحنّ إلى نصب اللقاء الذي استشهد، مؤخراً على يد أزلام الاحتلال، إلى الكاظمية التي فيها ولدت وإلى الأعظمية التي أحببت، إلى داري الذي هجّرني منها طائفيون وجيراني في الغزالية.. إلى بيوت آل فتلة في المشخاب وإلى قرى الشرقاط وأكواخ الجبور، وإلى بيوت أصدقائي في أربيل والسليمانية ودهوك من آل بابان وزنكنة والهركي وباجلان والبرزنجية وغيرهم، الذين صاروا في مدن لا يدخلها العراقيون، الآن، إلا إذا كان هناك من يكفلهم في وطنهم..

 

إلى الموصل ومنارتها الحدباء ومآكلها اللذيذة وآثارها الخالدة ولهجتها المميزة.. إلى البصرة وشط العرب وتمثال بدر شاكر السياب والنخيل والسمك اللذيذ، والقرنة حيث احتفال زواج دجلة بالفرات.. إلى المنائر والقباب الذهبية في كربلاء والنجف والكاظمية وسامراء، التي أرادوا بتفجيرها أن تكون عامل فرقة بين العراقيين فظلت عامل وحدة وتآلف، إلى مرقد الإمام ابي حنيفة النعمان وساعة مرقد عبد القادر الكيلاني.. إلى السماوة والناصرية والعمارة والحلة والكوت والديوانية والانبار التي فيها حديثة وعانة والقائم وآلوس وهيت والبغدادي وراوة الصابرة.. إلى ديالى.. يا عيني على ديالى، بستان البرتقال ومرتع الجمال.. إلى خانقين وشهربان إلى طوزخورماتو وتكريت وبلد وبيجي..


أحنّ إلى تمثال الشاعر عبد المحسن الكاظمي الذي لم يجد له قبراً في بلاده فدفن في القاهرة، وهو الذي يقول:
وقائلة: سر نحو مصر تر المنى
وأنت على كــل البــــلاد أميــــــر
فقلـت لهـا والدمـــع منـي مطلـق
أســـير وقلبي في العراق أســـير


أحنّ إلى دواوين الجواهري والبياتي اللذين ما حقق أحد رغبتهما بالرقود على ضفاف دجلة فرقدا في دمشق، وإلى علي الوردي وعلي جواد الطاهر وطه باقر الذين لاحقهم أزلام المحتلين إلى قبورهم فجرفوها.


أحنّ إلى جرح العراق وهو يستنجد بأبنائه أن ينقذوه... إلى حتى وجوه العملاء ومن لفّ لفّهم وهي ممرّغة في التراب.. أحنّ الى عراق روحي الذي من ترابه بدني ومياهه الدم يجري في عروقي.. إلى.. وإلى.. وإلى.. ياغالية.. فكيف لا يحنّ امرؤ إلى قلبه؟..


الله يا عراق.. تركنا فيك قلوبنا ونحن نحنّ إليها فرفقاً بها وصبراً فالشمس توشك أن تشرق..
ولك الله يا عراق..
ابتعدت عنك الكناري وسادتك الغربان الاجنبية..
لك الله ولكن الليل سيمضي وسيبزغ صبحك من جديد..
وهل وجدت ليلاً بقي خالداً أو صبحا لم تبزغ شمسه فينهزم أمامها الظلام؟.

.
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاثنين  / ١٥ ربيع الاول ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٠١ / أذار / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور