السيستاني ؛ هو الهدف من زيارة المالكي  لرئيس مصر

 
 
 
شبكة المنصور
طلال الصالحي
الزيارة التي قام بها نوري المالكي إلى رئيس مصر حسني مبارك أخذت , عبر وسائل الإعلام بأنواعها ,  تأويلات وتحليلات شتّى , من قبل الكثير من الكتاب والمتابعين , وهي جميعها  برأيي صائبة , والصواب متأتّي من طبيعة الرجلين  التي لا تتحمّل أكثر من ما ذهب إليه المحللون والكتبة , ذلك أنّهما يدوران في فلك معيّن  ومحدّد على أيّ جهة منهما رميت سهمك ستصيب , ولكنّ تسلسل الأحداث السياسيّة على الساحة العراقيّة منذ ما بعد الزيارة تلك ولحد الآن أنبأتنا أحداثها  بغير المتوقّع لمن يستعرض شريطها أمامه سريعاً , وعن وجود  اتفاقات  لم تكن في الحسبان هذه المرّة , صحيح هي لا تختلف عن طبيعة أصحابها , لكنّها هذه المرّة  أتت منهم باتفاقات مركّبة تحتاج إلى سلسلة من التفاعلات السياسيّة , نظراً لمتطلّبات الساحة العراقيّة ومستحدثاتها التي بدأت تميل على غير كفّة قوى المنطقة , تطلّبت تلك الزيارة على ما يبدو من صاحبها أن يسعى بين الصفا والمروة علّه ينضح تحت قدميه شيء من الماء يبرّد به راديتر صندوقه الانتخابي .. ! هذا أولاً ..


أمّا ثانياً ؛ فإنّ هذه الزيارة , أكثر ما كشفت , إن كشفت , عن وجود تحالف قديم خفي بين المالكي وحسني وعبد الله +  علي خامنئي , والمالكي هنا أعني جميع سلسلة حكومات الاحتلال الأربع , لربّما وصول المالكي لسدّة الحكم في العراق هو  باتفاق هذه الأطراف جميعاً , وهي من تريد بقاءه !, لربّما نقولها أملنا أن  لا نكون نغالي إذا ما وصلنا إلى هذه القناعة , وشفيعنا في هذا هو مجرّد استعراض طبيعة هذه الأنظمة استعراضاً سريعاً وارتباطها الدائم  بأميركا والصهيونيّة وبالغرب عموماً سيوصلنا إلى طبيعة الشبكة المناطقيّة الحاكمة والمرتبطة بعضها ببعض , إن شكا عضو منها تداعى له سائر أضلاع الشبكة بالحمّى والسهر, ومن الشريط  ما رأينا عجبه , إذ بمجرّد جلوس بندر بن سلطان بن عفيصان  آل زهكان بن مطلان بجانب عضيده بوش وعلى طرف المقعد الذي  يجلس عليه  "وبميانة زفرة" كما ذكر ذلك بود وورد في كتابه , ولِمَ في كتابه ! فصور تلك الجلسة التي تحسده عليها لارا زوجة بوش منشورة والجميع شاهدها , فبمجرّد تذكّرنا تلك الجلسة  وحلفان  بندر بن قفيصان فيها على المصحف ومن وضعه بتلك الجلسة  "اللؤلؤة" وليست الفريدة أمام بوش بأنّه سوف لا ولن يحلق لحيته الإسلاميّة  إلاّ بعد أن يسمع ويشاهد بعينيه وبأذنيه صراخ وفزع وهلع وأنين ودماء وأشلاء أطفال وشيوخ ونساء العراق ممزّقة منتثرة مختلطة مع أرصفة وشوارع العراق وعلى سلالم وعلى أحجار وعلى طابوق وعلى طين بيوتهم وسطوحها وبين أنقاضها  , ستوصلنا إلى هذا الهاجس الذي ربّما يفصح عن وجود اتفاق مشترك في سلسلة كل ما يجري وما جرى في العراق, منذ أوّل يوم لاحتلاله ولغاية اليوم .. بما فيها جميع عمليّات الاختطاف والتهجير والتعذيب بالدريل والثقب ونتّه بحديد التسليح فراداً وأزواجاً والقتل بطرق إجراميّة مختلفة والتفنن به ... ثم يقال لك بعد ذلك أن  "العرب" تركوا العراق لقمة سائغة لإيران ولم يسارعوا لإسعاف عروبته ! ..


سلسلة الأحداث  لو استعرضناها  منذ  أن غادر المالكي قاهرة المعزّ حسني  ثمّ زياراته الخاطفة لأرض الحرمين ولقاءه بخادم الحرمين  ومن ثمّ عودته لبغداد عاصمة الرشيد متّكي , سيقفز  "على المايك"  في نهاية شريط سلسلة تلك  الزيارات الداعية  "العريفي"  ليدلي بتصريحه التشهيري المعروف الذي راح ضحيّته المواطن العراقي نفسه , هذا المواطن المغلوب على أمره  الذي بدأ يتنفّس بصيص أمل لاح أمام عينيه المغرورقتين على طول اليوم بشيء بسيط من الحرّيّة وهو يرى بعينيه المغوّشتين تهاوي أصنام المنطقة الخضراء وسقوط عمائم السوء والدجل من على رؤوس سماسرتها السرسريّة وسقوطها مترنّحة وتهاويها متضرّجة بزيوتها أمام صناديق الانتخابات والتي لا محالة أزائها سيرى المواطن المسكين  وجوهاً أخرى, قد تقلّ قليلاً عن كلاحةً هذه الوجوه الشيطانيّة , ولكنّ تغييرها نوع من تحقيق الذات الشعبيّة وبمثابة بخار ينساب من خرم إبرة يلضم بها معنويّاته لحين ميسرة ..


تصريح العريفي ليس هو الأوّل من نوعه  الذي ألقيت فيه حبال النجاة لانتشال عصائب أهل الخضراء من قبل مموليهم  قبل احتلال العراق سعوديين  كويتيين إماراتيين مصريين أردنيين إيرانيين , ولربما حتى جزائريين !  , فقد  سبق  وأن تصرّف بلاط وعّاظ السلاطين مثل هذا التصرّف عندما حرّض الداعية المشيخيّة السعوديّة  "سلمان العودة"  قبل عامين  على إذكاء الطائفيّة في العراق بما مرّره من هجمات تكفيريّة وغيرها  شنّها عبر صحيفة الوطن السعوديّة على مراجع  "الشيعة" وفي الوقت المحدّد المراد له أن تأخذ مثل تلك الهجمات فيه أبعادها السيّئة على الوضع الأمني في العراق وبما يفسح المجال لرئتي الاحتلال بالتنفس بعد أن اتخذ بوش آنذاك  قرار الانسحاب من العراق  بعد الكمّ الهائل  من الدمار الذي أصاب بنيته العسكريّة فيه بما عرفنا عن حجمها الكبير من خلال بياناته التي كان يصدرها آنذاك والتي تجاوزت المائة والثمانون قتيلاً من جنوده  في كل شهر بحسب ما كان يعلن هو بلسانه!... والبيانات تلك موجودة وموثّقة وبإمكان من أراد التأكّد مراجعتها من مصادر كثيرة ...


كل ما نريد قوله , هو أنّنا نحن العراقيّين , ما لم ندع  "الدين"  جانباً  وبما لا  ندعه أن يتحكّم بنا طائفيّاً  بهذه الطريقة الظلاميّة .. ثمّ نبدأ الحياة , فسيبقى ظهرنا مكشوف وسيبقى العراق معرّض لجميع المحن وبما هو أسوأ من الذي نحن عليه , ولن تزول الهجمات الدمويّة ولن تمنع  عن تحقيق أغراضها حتى لو دخلنا في قبور الحسين وعلي والكاظم عليهم السلام ودخلنا قبور أبو حنيفة وعبد القادر والعبّاس والشيخ ويس والشيخ حديد وانهالينا عليهم تقبيلاً مباشرةً على وجوههم وأيديهم وأرجلهم وبكينا توسلاً وصرخنا بأحضانهم استنصاراً أيّاماً وأسابيع وأشهر وعمّمنا رؤوسنا بأنواع العلك وملئنا القبور بخوراً وأنواع الأطاييب وسبّحنا بحضراتهم تسبيحاً وكلمناهم تكليماً أن يرفعوا عنّا الغمّة وأن يبعدوا عنّا السوء , فلن يحققوا  لنا  ذلك , لأن ظهرنا مكشوف ومعروف الهدف وواضح وكبير ورخو ومن أيّة جهة رمي عليه سيصيبه الرامي حتى وهو مغمض العينين , بينما الرامي بعيد عن الإصابة , ذلك لأنّه لا يمتلك قبور أولياء , فهو محصّن ومعصوم ! , بينما سنبقى نحن نأنّ من القبور وستزداد أضرحة  "الخيّرين" على أرضنا وبيننا مع مرور الزمن وستزداد الحروب باسمها , وكلّ يوم لنا شهيد محراب عراقي  وكل يوم لنا تمثال لرياضي راحل ! , فالعراقيّون  لا يكفيهم تمثال لـ"جمّولي"  بل يريدون تمثال لعبد كاظم  ولعمّو بابا ويخططون منذ الآن لتماثيل ولنصب  ولأضرحة لفلاح حسن ولحسين سعيد ولأحمد راضي  وللسستاني وللهاشمي وهلمّ جرّا .. لذا ... والله أعلم .. فإن يوم القيامة يبدأ من العراق ؛ وسيبلش ذلك اليوم أوّل ما سيبلش بالعراق وفق وجهة نظر من يحرّمون النصب والتماثيل ! ..


ثم تخرج علينا الصحف العالميّة وكتب النقد الفنيّة بأنّ مايكل أنجلو وهنري مور هما أبو النحت العالمي قديمه وحديثه !.. ما دروا  أنّ أبو النحت العالمي وأمّه , قديمه وحديثه أيضاً , منذ الحكيم النحّات نبيّ الله سليمان عليه السلام  ولغاية اليوم هم العراقيّون  .. فمن كان إذاً يصدّر أنواع فنون النحت , منذ داود  "ع"  ولغاية  قبل الإسلام إلى الشام وإلى مكّة وملئ الكعبة وأتخم الجزيرة نصباً  وتماثيل لعزى وهبل واللات ومنات بمختلف درجاتها وسواع غير العراقيّون ! ...  


الأولياء والخيّرون في العراق كثيرون جدّاً, وأعدادهم تفوق الحصر ولا تقترب من أعدادها جميع أرقام أعداد أولياء أمم الأرض , ولو لم يكن كذلك لما بقي العراق عراق إلى اليوم بعد هذا الكم الهائل جدّاً من الحروب التي شنّتها عليه أمم الأرض قاطبةً عبر التاريخ كلّه , سواء التأريخ المكتوب أو الذي قبله , فدماء المليارات منّ أبناء العراق الأصليّون , لا المزوّرون , وعبر التاريخ , هي من حافظ غلافها القاني على جلد العراق وغشي قشرة بيضته , ولكنّنا مع الأسف سجّلنا منهم فقط من تهوى أهوائنا وأنفسنا وتركنا ملايين من أطنان من الدماء والأشلاء لا أب لها دون تسجيل  ظلماً منّا وعدواناً على من دافع عنّا , فلولاهم , لولا أولئك  لقضي أجدادنا  أو آبائنا  ولما كنّا ! ..

 

العراق لا يحتاج إلى تذكرة .. فجميعنا مشاريع  استشهاد فلا نظلم أنفسنا ..
ولا ننسى , لو لم  تكن  لكلمات العريفي صدىً لها في العراق  لما  نجح  المالكي ولا غيره  في العودة بالعراقيين إلى حاضنتهم الطبيعيّة  "هذا ما وجدنا عليه آبائنا"  لنستديم أربعة سنين أخرى من النهب والقتل والخطف وأيّام الأسبوع الدمويّة والظلام والمياه الآسنة والأمراض والحشيشة والدعارة والتخلف والسرقات والنصب والتزوير والفنجان وقراءة الطالع والتصحّر والغبار والتهجير والفقر والجوع والتهميش والملاحقة والكذب الصلف والبطالة والوقاحة والغدر والاستهانة والذل والاحتلالات والسرطنة والتطاول والجهل والأمّيّة وقطع الأنهر وبتر الجداول وقضم الأراضي  وآبارها ودولة الخازوق وخطّة حرامي بغداد والتفجيرات والعبوات اللاصقة وكواتم الصوت ...

 

ما أتفه البعض منّا ! حاشاك أخي القارئ الكريم ... كلمات بسيطة من  شخص مغمور ضحك  بها علينا وضحك من وراءه جميع من حولنا ..

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاثنين / ٢٥ مـحـرم ١٤٣١ هـ

***

 الموافق  ١١ / كانون الثاني / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور