ثلاث حروف وثلاث أسماء عنوان خبيث لاحتلال الارض العربية وتشويه التعاليم الاسلامية

﴿ الجزء الثاني ﴾
 
 
 
شبكة المنصور
محمد عبد الحياني

المقدمة

تحدثنا في الجزء الاول من هذا الموضوع عن الاطماع الفارسية في الآراضي العربية ومحاولة مجوسها التآمر على الاسلام بعد ان لبسوا العبائة الاسلامية (رياءً) في عهود (الخلفاء الراشدين والامويين والعصر الاول للدولة العباسية). وتكلمنا عن تعاونهم مع اليهود عبر كل العصور، إبتداءً من منتصف الالف الأول قبل الميلاد، وهو تاريخ تعاونهم في احتلال بابل في عهد الاخمينيين، ثم في صدر الاسلام، الذي تعاونوا فيه مع اليهودي عبدالله بن سبأ وجماعته من اليهود الذين لبسوا ثوب الاسلام ليهدموه من داخله. كما تحدثنا عن خبث مجوس الفرس في إدخال الممارسات المجوسية للدين الاسلامي. وكيف انهم اشعلوا الفتنة بين المسلمين واعلنوا حقدهم على الرموز العربية والاسلامية ممن كشفوا سر عدائهم للعرب والاسلام وخططهم لاحتواء دولة الاسلام وافراغها من مضامينها الاسلامية، واستعاضة هذه المضامين بالمضامين المجوسية. وفي هذا الجزء الذي نحن بصدده سنتحدث عن تآمرهم على دولة العرب والمسلمين في بغداد، وتعاونهم مع الكافرين من الغزاة لاسقاط الدولة العربية الاسلامية في بغداد على يد هولاكو..... كما سنتحدث جزء الثالث من هذا الموضوع عن حقدهم على حضارة العرب (وحضارة العراق على وجه الخصوص)، والاستهانة باللغة العربية (ولغة القرآن الكريم على وجه الخصوص) ولاهمية موضوع التجاوزات الفارسية على حدود العراق وارض وجزر الخليج العربي، فقد افردت باباً لموضوع (السياسة السوقية لايران اتجاه العراق والخليج العربي في العصرالحديث).

 

الفرس وكيدهم للدولة العباسية بعد خلافة المأمون

وحتى سقوط بغداد بيد المغول

 

بعد تولي المعتصم الخلافة بعد اخيه المأمون، قام بضرب النفوذ الفارسي عن طريق تقوية علاقته بالاتراك، واصبح حاله بذلك، كمن يستبدل الرمضاء بالنار، ولم يكتفي بذلك بل نقل عاصمة الخلافة من بغداد الى سامراء ابتعاداً منه عن مركزنفوذ الفرس وقوتهم. كما قام باستبدال العناصر الفارسية في قيادات الجيش والمراكز الوظيفية والمالية المهمة في الدولة بعناصر تركية. وامام إصرار العراقيين وتمسكهم بعاصمتهم دارالسلام، عادت عاصمة الخلافة الى بغداد والى ما شاء الله لها من الزمن........ وازداد التآمرعلى دولة العرب الاسلامية بعد ذلك من قبل مجوس الفرس، واتخذ هذا التآمر صيغ واشكال يمكن اجمالها بما يلي :-

 

1)  حاولت الدويلات التي نشأت في خراسان كالصفارية والزيارية والبويهية والسلجوقية ان لاتسقط الخلافة العباسية لعدم قدرتها على ذلك، بسبب حقد العرب (حماة المباديء الاسلامية) على دعواتهم للخروج عن المباديء الحقة للاسلام الحنيف. ولذلك اتبعوا اسلوب (التقيّة) والتقرب من العرب وبالاخص القادة منهم بالمصاهرة، وذلك بتزويجهم النساء الفارسيات، ومن اهم هذه الزيجات ؛ تزوج الخليفة الطائع من شاه بار ابنة عز الدولة البويهي عام 366 هجري \ 977 ميلادي، وبعد خمس سنوات تزوج من ابنة عضد الدولة البويهي، كما تزوج الخليفة القادر من ابنة بهاء الدولة، وهكذا استمر الفرس باتباع هذه السياسة مع العرب عامة في عيلام والاحواز ودول الخليج العربي والعراق بهدف تحويل تفكير الاجيال التي اقترن آبائها واجدادها بالنسب الفارسي نحو حب (امجاد اخوالهم الفرس) الذي تزرعه الامهات الاعجميات في نفوس ابنائهن العرب، ولعل من ابرز هذه الامجاد " امجاد دولة الفرس الكسروية "، والتعامل مع الدين بما تمليه الارادة الفارسية من تشويهات وتحريف للعقيدة الاسلامية وصولاً لتثبيت روح الزندقة فيهم وصولاً لما يردونه من مفاهيم تسهل لهم عودة دولة الفرس، ويحضرني في هذا الموضوع مذكرة شيوخ عشائر عرب الاحواز الموجهة الى اول امين عام للجامعة العربية في اواخر الاربعينيات من القرن الماضي التي تقول له (...... ان اهتمامكم بفلسطين وتخليصها من احتلال اليهود لها امر واجب، ولكن الاوجب منه هو في ضرورة تخليصنا من الاحتلال الفارسي.. فاليهود لايمكن ان يبقوا في فلسطين الى الابد، فهم شاءوا ام ابَو سيخرجون من فلسطين لعدم اتفاق ديننا مع يهوديتهم، اما الفرس فانهم يسعون لمحو عروبة ابناءنا وعروبة اجيالنا بالدين..... فهُم يستغلون الاسلام لتفريسنا بغية استعماربلدنا الاحواز)، ثم يستصرخون العرب من خلال جامعتهم لينجدوا الاحواز من التفريس.... ومع ذلك فقد تعلم الفرس من اليهود هذا الاسلوب من تزويج بناتهم بالغيرللسيطرة على هؤلاء الغير لتنفيذ ما يريدونه منهذه الزيجات، والامثلة على ذلك كثير نذكر منها : المثال الاول هو ما ورد في سفر استير من العهد القديم (التورات)، وملخصها ؛ انه بعد هزيمة الفرس امام جيوش الاسكندر المقدوني هرب الفرس من بابل التي احتلوها بمساعدة اليهود، ليتخذوا مدينة شوشن (الشوش) العراقية عاصمة لهم. فانفرد عرب المنطقة باليهود يثأرون منهم باعتبار انهم كانوا السبب في  ضياع دولة بابل، وكانت (استير) شابة جميلة ويتيمة الاب فدفعها عمها المتكفل برعايتها، لتصبح جارية من جواري الملك الفارسي (احشورش)، وكان عمها يعلمها من خلف الكواليس كيف تغري هذا الملك (الفارسي الداعر) لتصبح الملكة على الدولة الفارسية لتنجب اجيالاً من الامراء والملوك الفرس (المتهودين)، وبعد ان نجحت خطة (العم الديوث)، استطاعت استير الملكة مما اراد لها عمها، فجعلته الرجل الاول بعد الملك وقربت اليهود ليتسلموا المراكز الحساسة من الدولة الفارسية، ونكلت باعداء اليهود (العرب العراقيين). والمثل الثاني، هو في دفع اليهود بالغانية اليهودية (سالومي) لتوقع الحاكم الروماني للشام (بيلاطس) بحبائل غرامها، واصرت ان لاتعطه شيء من نفسها الا اذا قطع رأس النبي (يحيى) عليه السلام، وبعد ان لبى طلبها وضعت رأس النبي عليه السلام في صحن ورقصت به امام هذا الحاكم. والمثل الثالث، هو في تزويج ابن (برميل الزبالة) كاكة جلال تالباني، فرياد تالباني من احدى الغانيات اليهوديات، ليمسك اليهود بزمام الامر في شمال العراق وفي ما يسمى اقليم كردستان....

 

2) لم يكن السلاجقة الذين سيطروا على الامور في الدولة العباسية من بعد البويهيين، بأقل حقد على العرب من الفرس رغم انهم من الاتراك الايرانيين، إذ ان طول مقامهم في بلاد ايران جعلهم فرساً، بل اكثرمن الفرس بالثقافة واللغة والعداء للعرب، وليس هذا فحسب، بل روجوا لاستعمال اللغة الفارسية على حساب اللغة العربية، وان معظم ما كتب لهم من تواريخ كان باللغة الفارسية، حتى ان كبير وزرائهم نظام الملك الّف كتابه (سياست نامة) باللغة الفارسية كما تبنوا تقاليد الحكم الساساني في بلاطاتهم واحتفلوا باعياد الفرس القدماء واتخذوا من الابطال الايرانيين اسلافاً لهم وربطوا نسبهم بهم، لهذا فان موقفهم من العراق لم يختلف عن موقف البويهيين وبقية الانظمة الحاكمة الفارسية.... واتبع هؤلاء السلاجقة نفس طريقة البويهيين في السيطرة على الخلافة بالمصاهرة، حيث زوج طغرلبك الخليفة من ابنة اخيه، كما اجبر ه بالزواج من بنته، وعن هذه الحادثة يقول ابن الاثير ؛ (...... وهذا لم يجرَ للخلفاء مثله، فان بني بويه مع تحكمهم ومخالفتهم لعقائد الخلفاء لم يطمعوا في مثل هذا ولا ساورهم فعله)..... اما اخطر المصاهرات بنتائجها فهي زواج المقتدي بأمر الله من ابنة السلطان ملكشاه، حيث رزق الخليفة من زوجته هذه بولد، فطلب ملكشاه من الخليفة (بصيغة الامر) ان ينصب سبطه هذا ولياً للعهد على الرغم من وجود ولي عهد للخليفة، الا ان الخليفة رفض ذلك، وكادت الامور ان تصل الى حد التصادم العسكري لولا ان الله سبحانه وتعالى قد حسم الامر بوفاة ملكشاه قبل ان تصل الامور الى ما لا يحمد عقباه. بعد ذلك قام باجراءات جرّد بها سلطة السلاجقة الايرانيين على العراقيين، ورفع الحصانة عن جلاوزتهم في بغداد، وبعد ان تولى المسترشد الخلافة عام (512 هجري \ 1118 ميلادي) بدأ الصراع الفعلي من اجل التحرر من السيطرة السلجوقية (الايرانية)، فقام الخليفة وبالاعتماد على الشعب، بعد استثارة هممهم، بتكوين جيش قوي للدفاع عن البلد وحمايته من الطامعين، وقد استجاب اهل بغداد له وابدوا استعدادهم في دعم خطواته في ضرب المفسدين وقطاع الطرق الذين كانوا يقومون بتجاوزاتهم وجرائمهم بدعم وحماية السلاجقة، وبذا فقد تحقق الامن والاستقرار، كما قام الخليفة باجراءات للتخفيف عن كاهل الرعية برفع بعض الضرائب واعادة الاموال المصادرة من اصحابها (سواء كانت نقداً اواراضي تجاوز عليها جلاوزة الايرانيين)، كما قام بتحديد قيمة النقد الذي تعاون الايرانيون (السلاجقة) على تحطيم قيمته. وقد كسب الخليفة الرأي العام بهذه الاجراءات، وقد ساعده اهل العراق على اعادة بناء الجيش، وكان اندفاعهم شديداً للتطوع في هذا الجيش مما يدلل ذلك على استعدادهم للدفاع عن انفسهم ازاء الاطماع الايرانية في بلدهم. كما ساعده اهل بغداد عام (517 هجري \ 1132 ميلادي) في اعادة بناء سور بغداد الذي هدمه السلاجقة الايرانيون لتبقى بغداد مستباحة من قبلهم. ثم استمر الصراع بين الخلافة والسلاطين الايرانيين سواء كانوا سلاجقة اوخوارزميين الى ان ان تمت السيطرة بشكل كامل، ومما ساعد على عودة هيبة الخلافة في بغداد اسناد صلاح الدين الايوبي للخلافة في بغداد بعد ان قضى على النفوذ الفارسي في مصر، وكان هذا الاسناد ناتج عن خوف صلاح الدين من ان تقع بغداد بيد المغول الذين احتلوا القسم الكبير من الاراضي الايرانية بقيادة جنكيزخان. ثم توالى الخلفاء الذين اعادوا الهيبة للخلافة ومن بين هؤلاء الخلفاء، المقتفي لامر الله والناصر لدين الله وابنه المستنصر لدين الله (623 -640 هجري \ 1226 – 1243 ميلادي). ولكن النفوذ الفارسي عاد ليسيطر على المواقع الرئيسية والهامة في الدولة بسبب ضعف من جاء خلفاً للمستنصر لدين الله الى ان كانت النهاية وسقوط بغداد على يد جنكيز خان بسبب الخيانة الفارسية وتعاون الفارسي ابن العلقمي مع الجيش المغولي وذلك بايصال نقاط الضعف في جيش آخر واضعف خلفاء بني العباس، المستعصم (640 – 656 هجري \ 1243 – 1258 ميلادي)

 

3) كان سقوط بغداد عام 656 هجري \ 1258ميلادي، إذاناً بانتهاء دور العراق باعتباره مركزاً للدولة العربية الاسلامية، ومصدراً للاشعاع الحضاري والفكري في العالم. واشّرذلك بداية مرحلة طويلة من الانحسار السياسي والجمود الفكري، تعرض فيها العراق لغزوات الطامعين وللسيطرة الاجنبية عبر القرون التي اعقبت ذلك...... لقد لعب الفرس دوراً لئيماً في اسقاط بغداد، وممن ساعد المغول في احتلال بغداد ؛ ابو بكر صاحب فارس، ومظفر الدين صاحب لورستان والمظفريين في يزد. كما ساهم هؤلاء في إبادة العلماء والفقهاء في محنة احتلال بغداد. ويشير " ابن الفوطي " وهو مؤرخ عراقي، عاصر تلك الاحداث، وكان ممن اسره المغول، الى ان كلاً من فخر الدين ابي بكر عبدالله الطهراني، وشهاب الدين الزنجاني، كانا ممن يُخرجُون الفقهاء من باب السور الى مخيم هولاكو ليُقتلوا، وكان كل ذلك يجري بالتواطؤ مع ابن العلقمي والطوسي. وكان الاخيريقف عند باب الحلبة ليؤمن الناس ويطمأنهم للخروج من هذا الباب، فأخذوا يخرجون جماعات كبيرة ليواجهوا الموت....

 

4) ومن اشكال الحقد الفارسي على الدولة العربية الاسلامية، ان مؤيد الدين ابن العلقمي الذي تولى الوزارة للخليفة المستعصم مدة اربع عشرة سنة كان على اتصال بهولاكومن عام 654 هجري \ 1256 ميلادي واتفق معه على خيانة الخليفة. وقد كانت صور وطرق الخيانة التي مارسها " الفارسي " ابن العلقمي كثيرة نذكر منها  أ)  اصدر امراً اثناء حصار بغداد، بفتح احد السدود المقامة على نهر يقع خارج بغداد، فاغرق الكثير من جند الخليفة، كما كانت له اليد في قتل الخليفة بالاتفاق مع هولاكو...

 

ب) اشارته للخليفة بتسريح اكثرية الجند، من خلال تهوينه لقوة المغول وعدم جديتهم في التوجه الى بغداد.

 

ج) كان يرسل الرسائل الى هولاكو الذي كان يطوق بغداد عن طريق خدم له خاصين لهذه المهمة، وذلك بحلق شعر رؤوسهم والوشم عليها باشارات متفق عليها بينه وبين هولاكو وينتظر لمدة يطول فيها شعر الخادم للحد الذي يغطى فيه تلك الرسالة ثم يبعث بالخادم الى معسكر هولاكو وهو يحمل جواز المرور من بوابة بغداد من الوزير ابن العلقمي، وفي معسكر هولاكو يتم كشف الرسالة، وبعدها يقطع رأس الخادم المسكين لكي لا يتسرب امر الرسالة... وتصوروا كم خادم مسكين قطع رأسه في العملية التجسسية التي مارسها هذا الخائن....!!!؟؟؟.

 

د) كانت هناك محاولة من المخلصين العراقيين ومن شيوخ العشائر العربية نقل الخليفة المستعصم بسفينة من بغداد الى البصرة لتحرير حركته من خارج الحصار المفروض على بغداد من قبل هولاكو، لكن ابن العلقمي، حينما تناهى له هذا الخبر قام بخداع المعتصم ؛ حينما اخبره بانه ومن خلال النشاط التفاوضي مع المغول، قد مهد طريقاً للصلح مع المغول، وحسّن اليه الخروج لملاقاة هولاكو. ولما خرج الخليفة لملاقات الغازي مع 1200 شخص من رجال الدولة ومن القضاة والعلماء والتجار والحرفيين، تم قتلهم عن آخرهم.

 

وتعليقي هنا ؛ هو كم ابن العلقمي موجود الآن في العراق، بعد ان مرّ ما يقرب من ثمانية قرون عن سقوط بغداد....!!؟؟.

 

5) في هذه الفترة اسهم الفرس (وبالاخص منهم ممن يدعون انفسهم برجال الدين الاسلامي) في تدعيم الحكم الوثني الذي اقيم بعد سقوط بغداد. وفي هذا الاطار فقد حرض رجل الدين نصير الدين الطوسي هولاكو لكي يحول سيره نحو بغداد، متنبأً له بسقوط الخلافة العباسية رغم تحذيرات بعض علماء المسلمين لهولاكو من خطورة التعرض للخلافة، الا ان الطوسي استمر بتشجيعه على ذلك، واخذ يفلسف لهولاكو خطل ما يشاع من موانع وبما يبسط الاجهاز عليها. كما تضمنت رسائل الطوسي التي كان يكتبها على لسان هولاكو، ويبعث بها الى امراء المسلمين عامة، والى بعض السياسيين المحيطين بالخليفة، تفسيرات دينية وتبريرات ليدفعهم نحو التخلي عن الخلافة ونحو الممارسات التي افقدت الخلافة هيبتها، واستمالت بعض المحيطين بالخليفة من ذوي الاصول الفارسية للتعاون مع المغول، وفي مقدمة هؤلاء (رأس الخيانة) الفارسي والمجوسي الهوى ابن العلقمي.. وتصوروا كم هي مجوسية ابن الطوسي حينما افتى (بشرعية الكافر العادل على الحاكم المسلم الجائر)....وتصوروا، إلى اي اسلام يدين هؤلاء المجوس.....!!!؟؟؟. وقارنوا بين هؤلاء وعمائم الشيطان اليوم، من امثال السستاني وآل الحكيم والصغير والقبانجي ومن لف لفهم والذين جائوا بالكفرة الامريكان والصهاينة ليحتلوا بغداد كما احتلها هولاكو منذ مايقرب من سبعة قرون ونصف بواسطة      ومساعدة اجدادهم المجوس.

6) وتمشياً مع خيانة الفرس، وإباء العراقيين ورفضهم التعاون مع المحتلين المغول الذين لم يمارسوا غير الاعمال العسكرية، اسند المغول الوظائف العليا وبخاصة الوزارة، الى الاُسر الفارسية التي اظهرت الاخلاص للمغول. فتسلطواعلى شؤون الدولة، واستغلوا نفوذهم ابشع استغلال من اجل بعث دولة الفرس من جديد. وقد اشار الى ذلك (ايرينجين)، وهو احد الامراء المغول الساخطين على تصرفات الوزراء الفرس ونفوذهم في الدولة الالخانية بقوله (اصبح في وسع احد الفرس ان يذهب الى السلطان في منتصف الليل، ويطلب منه مقابلة سرية، ليهدم في لحظة واحدة كل ما فعلناه وقلناه). وللتأريخ نذكر توزيع بعض المناصب الاساسية الثي تولاها الفرس : ابن العلقمي اخذ منصب الوزارة، وفخر الدين الدامغاني اصبح صاحباً للديوان، وعين علي بهادر الخراساني شحنة لبغداد، وعماد الدين القزويني ممثلاً للسلطة في الديوان، ونجم الدين احمد ابن عمران الملقب (راست دل) والياً على اعمال شرقي بغداد، وهكذا بالنسبة الى الوحدات الادارية الخرى.

 

تعاون الفرس واليهود في العهد الايلخاني

 

تعرض العراقيون وبحاصة منهم المسلمون الى محنة من نوع خاص في عهد السلطان اراغون ابن اباقا 683- 690 \ 1284 – 1291 م نتيجة لالتقاء الحقد الفارسي مع مكر اليهود وخبثهم. فقد اخذ ارغون يتشكك بالاسلام والمسلمين، واعاد شؤون الاوقاف الى اعوان ابيه وجده هولاكو من آل الطوسي بعد ان امر سلفه أحمد تكودار (وهو اول ايلخاني مغولي يعتنق الاسلام) بنقلها من بيت آل الطوسي، وازال حقوق الاطباء والمنجمين من اهل الذمة، والذين كانوا يتقاضونها من واردات الاوقاف التي يتحكم على التصرف بها آل الطوسي منذ عهد هولاكو. وبايعاز من الفرس استقدم ارغون يهوداً من تفليس للاشراف على تركات المسلمين، وهي وظيفة اسلامية، مما دعا الى انتفاضة سكان بغداد على اليهود الذين استشرسوا على نهب اموال المسلمين، فهجموا على بيوت اليهود وكسروا دكاكينهم، وقام نواب أرغون في العراق بتعطيل المدارس والمساجد وهدمها لاستخدام احجارها في بناء قصورهم.

 

ومثلما تبرقع بعض مجوس الفرس بالاسلام، فان بعض اليهود قد تغطى ببرقع الاسلام لينفذ مايريده اليهود من اذية للاسلام والمسلمين، ومن هؤلاء عز الدولة بن كمونة اليهودي، الذ ي الف كتاب (الابحاث عن الملل الثلاث) عام 1284 م، تعرض فيه للنبؤات والانبياء. فثار اهل بغداد واجتمعوا لكبس داره وقتله، ولكنه هُرّب الى الحلة، وكان ابنه كاتباً فيها ومات هناك بعد ايام... ثم استمر التعاون ما الفرس واليهود في السيطرة على شؤون البلاد فاعتمد الايلخانيون على اليهود في امور الدولة المدنية وبالاخص امور الجباية المالية من المواطنين وعلى الفرس في امورالتوجيهات الدينية وبما يوافق هوى الاحتلال المغولي. وقد عهد ارغون الوزارة الى احد اليهود (سعد الدولة)، وسعد الدولة هذا كان في سابق عهده دلالاً في سوق الموصل ثم استطاع بمكره وخبثه من الوصول الى بلاط ارغون، ثم عينه هذا الاخيرفي اول الامر مشرفاً على اموال العراق. وتمكن من خلال اضطهاد العراقيين، واستخراج الاموال منهم بشتى الطرق، عن طريق الضرب بالعصي او التعذيب، فجمع اموالاً طائلة لارغون مما اغرى هذا الاخير بان يعهد اليه بمنصب الوزارة. وتحول هذا اليهودي الى طاغية فطرد الموظفين المسلمين من البلاط ومن المواقع المهمة في الدولة واستبدالهم بعناصر يهودية. كما عين اخاه فخر الدولة، نائباً للوزارة، ويعني هذا المنصب ان يكون اخاه والياً على بغداد، اما اخوه الاخر امين الدولة فقد عينه حاكماً على الموصل وماردين ةديار بكر..... وهكذا استحوذ اليهود على الوظائف الادارية في مدن العراق المختلفة، وقاموا بالتخلص من العلماء وموظفي الادارة الذين اشتهروا بالنزاهة.

 

لقد ساعد رجال الدين من الفرس ان يتمادى سعد الدولة بان (يدخل في ذهن ارغون ان النبوة وصلت اليه بالوراثة عن جنكيز خان ووجوب طاعة الناس لاوامره وعبادتهم له)، وفي الوقت الذي وقف فيه العراقيون بحزم ضد هذه الحركة بالاضرابات والمظاهرات ومهاحمة اليهود، والرد عليهم من قبل علماء بغداد واعيانها وشيوخ عشائرها العربية، الذين نظموا محظراً يتضمن الطعن باليهود وسعد الدولة، وتحريض المسلمين على التصدي لهذه الهجمة على الاسلام من داخل ارض الاسلام وعاصمة المسلمين بغداد، ومما جاء بهذا المحضر؛ (..... ان اليهود طائفة اذلهم الله ومن حاول إعزازهم اذله الله)، وفي هذا الاثناء ابتدع الفرس العبارة المشهورة التي تعزز دور الكافر واليهودي في التسلط على شؤون المسلمين في العراق والعالم الاسلامي والتي تقول:(ان الناس على دين ملوكها). وإزاء هذا التصعيد ضد الاسلام تصاعدت انتفاضة العراقيين ضد الفرس واليهود الى ان قُتل سعد الدولة في عام 690 \ 1291، وكان لنبأ قتله صدى كبير في العالم الاسلامي، كما تعرض اليهود لغضب الجماهير، فصودرت اموالهم، وقتل في بغداد وحدها مايزيد على المائة من زعمائهم.

 

وفي الوقت الذي كان فيه اليهود يتمتعون بهذا النفوذ الواسع في الدولة الايلخانية كان الشعوبيون الفرس المحيطين بالسلطان أولجايتو (خدا بنده) 717 \ 1317 وراء المذابح والفتن الطائفية التي عمت العالم الاسلامي وخاصة في بغداد وشيراز واصفهان... وبلغ من تأثير هؤلاء الفرس الحاقدين والمتعصبين على السلطان اولجايتو بان اقنعوه بعدم ذكر الشيخين ابو بكر وعمر (رض) وبتجهيز جيش كبير بقيادة ابي طالب الدلقندي للذهاب الى مكة والاستيلاء عليها ثم الذهاب الى المدينة المنورة بهدف نبش قبري ابي بكر وعمر (رض). لكن القبائل العربية في العراق بالتعاون مع حاكم البصرة، جمعوا جيشاً بقيادة محمد بن عيسى بن مهنا، وتمكنوا من الحاق الهزيمة بالجيش المغولي المتجه نحو مكة المكرمة قرب البصرة عام 716 \ 1316... وقبل وفاة اولجايتو تمكن جماعة من الغيارى من اقناعه بالغاء امره الخاص بعدم ذكر الشيخين، ابو بكر وعمر (رض)، خصوصاً بعد ان لاحظ ان ما وراء ذلك الامر انما هي الفتنة التي اضعفت الدولة الايلخانية، وبالفعل فقد اثرت الصراعات الطائفية الى ان تتفسخ الدولة الى دويلات تقاسمتها الاسر الايلخانية وبعض الاسر المحلية. اما العراق فقد تمكن الجلائريون من حكمه بصورة مستقلة.

 

العراق في العهد الجلائري

 

ضم العراق في حكم اول حاكم جلائري (الشيخ حسن الجلائري) ضمن حدوده الاحواز ودياربكر وكان ذلك في 739 \ 1339. وقد اصر الشيج حسن على ابعاد الفرس عن تولي المواقع الاد ارية، كما ابعدهم عن الجيش ليعتمد فيه على العرب والاتراك. وفي عهد الاسرة الجلائرية تمتع العراق بالاستقلال الذاتي، كما عادت بغداد عاصمة للدولة، بعد ان قطع كل علاقة تربطه بالايلخانيين، وخاض عدة حروب مع بقايا الاسر الايلخانية التي كان الفرس واليهود يحرضونها على احتلال العراق (وهم بذلك يستغلونهم بالحرب نيابة عنهم لاحتلال العراق) وقد استمرت هذه الحروب لغاية 748 \ 1374 وكان النصر حليف العراقيين. وتم في عهد الشيخ حسن التقرب والتعاون العسكري مع سلطان مصر الناصر محمد بن قلاوون، وكان يسعى الى تحقيق الوحدة مابين البلدين العربيين، حتى وصل به الامر الى رفضه ان يحمل لقب السلطان لكي يبرز حسن نيته في توحيد البلدين تحت لواء مصر، والأبعد من ذلك انه ضرب السكة واقام الخطبة في بغداد بأسمه، كما تقرب الى القبائل العربية وبخاصة آل فضل الذين كتب لهم بالامرة على العرب واختارله وزيراً من العراق.

 

ادت سياسة الشيخ حسن الى عودة الاستقرار، واستعاد العراقيون نشاطهم لاعادة العراق كما كان في عهد الازدهار. وشهدت البلاد انتعاشاً اقتصادياً وحركة واسعة لانشاء المدارس والمكتبات ودور العلم والمستشفيات، وكان يصرف عليها من الحكام والموسرين من العراقيين، وشرع طلاب العلم بالتردد الى بغداد من الاقطار الاسلامية الاخرى. كما استعاد العراق شيئاً من قوته العسكرية...... وبعد وفاة الشيخ حسن وتولي ولده أويس في عام 758 \ 1356 تم التوسع الجلائري باتجاه ايران واذربيجان ولكنه وقع مرة اخرى تحت تأثير النفاق الفارسي الذي دفعه لنقل العاصمة من بغداد الى تبريز رغم ان قوته التي قاتل بها هي قوات شكلت من عرب العراق. وازاء هذا الجحود ثار العراقيون واجبر شيوخ العشائر والي بغداد امين الدين مرجان على الثورة ضد السلطان اويس واعلان الاستقلال عن تبريز، وقاموا بتشكيل جيشاً من عرب العراق، وتوجهوا نحو الامة العربية والى مصر يستمدون منها ومن الامة العربية القوة والعزم. وواجهوا هجوم اويس وافشلوا حصاره لبغداد وذلك بان كسروا احدى السداد المقامة على نهر دجلة واغرقوا جزء من جيشه واجبروه بالانسحاب نحو الجنوب، ولكن جبن امين الدين مرجان وعدم صدقه مع الثوار جعله يفتح ابواب بغداد للغزات....... ولكن لم يمضي وقت طويل حتى اعاد السلطان اويس العاصمة الى بغداد.

 

استمر الوضع بعد ذلك في حرب دائمة ما بين الامراء الاتراك الذين استقل كل واحد منهم بامارة خاصة به في ايران، وقد كان العنصر التركي هوالذي كان مسيطراً على الجكم في كل ايران، اما العنصر الفارسي فقد كان يحكم من خلف الستار ويؤلب هذه الدويلات على الاصطراع مع بعضها البعض (وكما هو معهود بالفرس من خبث)، عدا عن بروز الدولة المظفرية التي آزرها الايلخانيون ليقفوا بوجه الجلائريين.. وهنا لابد من ذكر تعليق المؤرخ العراقي الذي قال : (في دولة الترك احيوا دولة العجم)، وعادت سلسلة جبال زاكروس كما كانت حدوداً للعراق والارض العربية التي تقع في الجهة الغربية من الخليج العربي، وكما دعا الخليفة عمر بن الخطاب (رض) الله،  بأن يكون هذا الجبل ناراً تفصل بين العرب والفرس لما يستشعر في دهاقنتهم من خبث { اللهم اجعل بيننا وبينهم جبلاً من نار}....... وكما نستذكر فيهم المثل الشعبي الذي يقول (كمة حجار ولا هلجار)............

 

الفرس والعراق في العهد التيموري

 

وقرب انتهاء القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي) بدأت قوات تيمور لنك باجتياح ايران والعراق.ولم يحاول المظفرون الفرس مقاومة الفاتح الجديد، بل سرعان ماهادنه الشاه شجاع (المظفري) وارتبط به برباط المصاهرة، واخذ يتزلف اليه، لحد انه اوصى قبل موته عام 786 \ 1384 ان يكون تيمور وريثاً للدولة المظفرية. وهكذا لم يجد تيمور مقاومة تذكر في فارس عند اندفاعه الاول نحوها عام 789 \ 1387، واخذ بعدها يخطط للخطوة التالية، وهي احتلال بغداد 795\ 1393..... لقد اظهر الفرس عدائهم التقليدي للعراق (والنابع من طمعهم فيه بغية اعادة دولتهم المجوسية فيه)، فقدموا كل ما يستطيعون من مساعدة لتيمورلنك، كما فعلوا من قبل مع هولاكو، وكان من ابرزهذه المساعدات ما يلي :-

 

1) افتى شريف الجرجاني، وهو من رجال الدين الفرس، ان توسع تيمور الخارجي (كرامات صوفية تصدر عن الالهام الالهي والهاتف السماوي)، ويقصد بذلك التوسع باحتلال العراق والاراضي العربية ؛ كما فسر الآية الكريمة (واطيعوا الله والرسول واولي الامر منكم) بأن ولي الله هو تيمورلنك، وان تيمور هو المجدد للدين الاسلامي على رأس القرن الثامن الهجري. وان الانضواء تحت رايته والاشتراك في فتوحاته يعد عملاً جهادياً

2) كان للفرس في بغداد عيوناً تتجسس لتيمور كان من ابرزهم مسعود الكججاني الذي كان يراسل تيمور ويقدم له المعلومات العسكرية الاوضاع السياسية والعامة في العراق، ويستحثه على الزحف باتجاه بغداد. وبعد فتح بغداد اصبح من الملازمين لتيمور، ثم اخذ يمهد له الطريق لفتح الشام ومصر. وكذلك ما قدمه الفارسي المقيم في بغداد نظام الدين شامي التبريزي الاصل، الذي الحقه تيموربحاشيته نتجة ما قدمه من خدمات له، ومن هذه الخدمات تأليفه كتاب النصرلتيمور  (الظفر نامة)...... ونتيجة لما قدمه الفرس من خدمات كثيرة ساعدت على احتلال بغداد، عيّن تيمور مسعود الخراساني حاكماً على بغداد بعد احتلاله لها.

 

استعاد الفرس نشاطهم، بسبب ما قدمه لهم تيمور من عناية واهتمام بهم وبفارس وباللغة الفارسية، في الوقت الذي واجه العراقيون نكبة كبيرة بعد ان امر تيمور بتخريب دور العلم ونهب المكتبات ونقل كتبها الى عاصمته، وما قام به من تهجيرقسري للعلماء والمفكرين والحرفيين ممن سلم من القتل او ممن لم يسعفه الحظ بالهرب الى خارج البلاد.

 

الحروفية، دعوة الزندقة والغلو في لباس الاسلام :-

 

ظهرت في العهد التيموري حركات فارسية كثيرة تدعو لبعث دولة الفرس عن طريق الدعوات الدينية والغلو فيها، كما هي الحال في كل الحركات الفارسية. ومن تلك الدعوات كانت (الحروفية) التي اسسها فضل الله الاستربادي، الذي ادعى انه جاور النجف عشرين سنة، واخذ يدعو الى اغفال الاحكام الشرعية، وأوّل آيات القرآن، واخذ يبشر بافكاره هذه في انحاء ايران. وفي 786 \ 1384، اعلن (مهديته)، وتلقى البيعة على ذلك من اتباعه سراً على ان يخرج بهم بالسيف متى حان الوقت. وانتشرت هذه الدعوة على يد تلاميذه في ايران والعراق والشام، حتى بعد قتله من قبل ميرانشاه بن تيمور سنة 804 \ 1401. ويرى اغلب الباحثين ان الحروفية لا تعدو ان تكون الا تعبيراً عن الروح الفارسية التي لا تتهيب الخوض في افكار الزندقة والغلو، وانها حلقة في سلسلة الاضطرابات التي اشعلها العنصر الفارسي على العرب، عن طريق التظاهر بالدين. فقد اعتبر الحروفيون مهدية فضل الله عليهم هي (رجعة لكيخسرو من غيبته في الغار)، واعتبار شخصه مظهراً لمخلصهم القديم من الفتح العربي، وقائداً للعنصر الفارسي الذي سيعيد مجد فارس بالسيف... وميزت الحروفية اللغة الفارسية واعطتها درجة اعلى بكثير

 

وبعد وفاة تيمور لنك، تقاسم اولاده واحفاده امبراطوريته. اما العراق فقد خضع لسلطة غزاة جدد من التركمان (القرة قوينلو) عام 814 \ 1411، بعد ان احتلوا دياربكر واذربيحان. ولم تقم في عهد هؤلاء حكومة مركزية بل تقاسمها الامراء وابناء السلاطين، فكانت اقرب لدويلات المدن منها الى الحكومة المركزية.

 

خاض العراق صراعاً طويلاً في عهد القرة قوينلو ضد بقايا الدولة الجلائرية في الاحواز وجنوب العراق، والتي كانت تحاول استعادة حكمها في بغداد حتى عام 835\1431. كما واجه العراق تهديدات مستمرة من قبل بقايا الدولة التيمورية، وهكذا بقي الامر صراعاً ما بين الدويلات التركمانية والجلائرية. ومع كل هذه المتغيرات فان العراق حافظ في النهاية على حدوده ووحدة ارضه، وفي هذا الوقت ظهرت امارة المشعشعين العربية في الاحواز والتي استرجعت كل من المدن العراقية (الدورق وتستر وديزفول)، ولكن ذلك لم يغير من الامر شيء، اذ ان هذه الامارة قامت من عرب العراق في الاحواز واصبحت عنصر قوة للعراقيين بوجه الاطماع غير العربية في مدن العراق الشرقية. واستطاعت هذه الامارة العربية ان تهاجم شيراز التي انتقل اليها القرة قوينلو واتخذوها عاصمة لهم بدلاً من بغداد، لكن المشعشعين لم يستطيعوا احتلالها. وبعدها عاد التركمان القرة قوينلو الى عاصمتهم بغداد مرة ثانية، ثم تهادنوا مع المشعشعين. واستمر الهدوء المشوب ببعض المناوشات فترة دامت حتى بداية القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) ليشهد العراق محاولات جديدة لغزوه واحتلال اراضيه على يد الدولة الصفوية....

 

السياسة السوقية الايرانية تجاه العراق

في العصر الحديث

 

كنت قد خصصت لهذا الموضوع الجزء الثالث من الموضوع الاساسي الذي بدأت الكتابة فيه، ولكن احتلال ايران للبئرالرابع من حقل الفكة العراقي في (ذي الحجة) من هذا العام الهجري 1431، وهو نفس الشهر الهجري الذي اغتالوا فيه (عمر ابن الخطاب وعثمان ابن عفان وصدام حسين رضي الله عنهم).... ولا ادري، اكانت هذه مصادفة، وان قرار حكام العراق (الاعاجم) في اعدام ماجدات العراق في عيد الاضحى هو من باب الصدفة ايضاً، ام انها تقع في اطارلؤم وكيد المجوس....!!!؟؟؟. أننا سنبدأ الحديث من اعتبارأن العدوان على بئر الفكة النفطي الرابع هو جزء من السياسة السوقية الايرانية اتجاه العراق.......

 

فقد بدأت العلاقات العراقية الايرانية في العصر الحديث منذ ان تمكن الشاه اسماعيل الصفوي في عام 914 هجري \ 1508 ميلادي ان يصفي دولة (الاق قوينلو) ويحتل عاصمتهم بغداد. ولقد بينت في مواضيع سابقة كتبتها ونشرتها على هذا الرابط وذكرت فيها البعض من الاهداف السياسية السوقية للايرانيين الصفويين اتجاه العراق، اما الآن فانني ساحاول تاطير هذه السياسة، ومحاولا الالمام بكل جوانبها رغم الاختصارالذي تقتضيه الفسحة الضيقة من الصفحات، حيث ان التوسع في التفاصيل يجرنا الى ان نكتب المجلدات في ذلك.

 

لقداستهدف اسماعيل الصفوي في احتلاله للعراق تصفية هويته القومية العربية، ولكن هذا الاحتلال واجه مقاومة عراقية عنيفة لانهائه رغم ما تعرض له سكان بغداد وباقي الاجزاء المحتلة من العراق من قساوة وظلم الصفويين، وما عانوه من اشكال والوان المآسي والفواجع. وخلال مدة هذا الاحتلال للعراق اثار الصفويون النعرات الطائفية، وابتكروا (نفاقاً) تمثل في الغلوالزائد في حب آل البيت (عليهم السلام) ووظفوها في تشويه التأريخ العربي والاخلاق العربية، واستغلوا الجلسات الحسينية التي يتحدث فيها المعممين الفرس الذين يجيدون العربية   " باللكنة الفارسية " في شهر محرم الحرام، الاحاديث المثيرة للطائفية، كما ابتدعوا مواكب العزاء التي تتجه الى كربلاء من ايران لتقوم بالمظاهرات الحزينة واللطم وضرب الظهر بالزناجيل والرأس بالسيف المجوسي (القامة)، وزيادة في اثارة النعرة الطائفية اقاموا ابنية خاصة اسموها الحسينيات ليصلي فيها اصحاب المذهب الجعفري، بعد ان كان جميع المسلمين وبكل مذاهبهم يصلون في الجوامع... ومن الحقائق التي يجب ان يعرفها الجميع هي ان اغلب الايرانيين،  بضمنهم الصفويين، كانوا على المذهب الحنفي قبل ان يحتل اسماعيل الصفوي العراق ولكنه ولغايات سياسية، اصدر فرماناً يلزم كل ايراني ان يكون على المذهب الجعفري.... وقد اتخذ اسماعيل الصفوي هذا الاجراء بهدف احتواء وكسب اصحاب المذهب الجعفري في العراق ليكونوا معه ضد الدولة العثمانية التي تتبع المذهب الحنفي.... ومنذ ذلك الوقت اتبع الفرس سياسة الضرب علي نغمة التفرقة الطائفية ما بين المسلمين في العراق ومن ثم ما بين المسلمين في كل انحاء العالم الاسلامي.

 

وحينما طرد العثمانيون الصفويين من العراق، في عهد السلطان سليمان القانوني (941 هجري \ 1534 ميلادي)، وظف الصفويون كل ما ليدهم من خبث و(بلطجة) للعودة الى العراق وكانوا على الدوام يثيرون المشاكل على الحدود العراقية مستثمرين بذلك ما زرعوه من جواسيس ورجال مثيري للفتن الطائفية بغية اضعاف الجانب العثماني في دفاعه عن العراق وقبل ان نأتي على ذكر الاسس التي اعتمدتها ايران في سياستها اتجاه العراق في العصر الحديث لا بد ان نشيرالى الحقيقة التي تحدثنا عنها في الجزء الاول من هذا الموضوع، وهي ان الفرس كانوا يطمعون في احتلال العراق منذ ما قبل التعاون مع اليهود لاحتلال بابل في القرن الخامس قبل الميلاد في عهد الفرس الاخمينيين الذين لم يكونوا في حقيقة امرهم الا بدواً يركبون الجمل ذي السنامين في صحراء الهضبة الايرانية ويتلمضون بالنعم والرفاه الذي يعيش فيه شعب العراق في عهد الامبراطورية البابلية التي كانت مساحات واسعة من ايران جزءً منها، كما نقل البابليون الحضارة الى كل اجزاء ابراطوريتهم بضمنها ايران، لكن بدو ايران بقوا على بداوتهم وهمجيتهم في الحروب، فهم حين يحتلون بلداً ينكلوا باهلها ويعملوا السيف بالمدنيين الابرياء. ولكنهم يبقون ضعافاً لايصمدون امام القوة الموحدة، والامثلة على ذلك كثيرة، ابتداءً من تحطم اول دولة لهم وانهزامهم امام جيوش الاسكندر المقدوني، ثم تحطيم دولتهم المجوسية الساسانية التي اقاموا عاصمتها على ارض العراق في (المدائن) بعزيمة وهمة الجيش العربي الاسلامي الذي كان جلّه من عرب العراق، بعد ان تجرء كسراهم واستهزء برسالة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ووصف العرب الذين حملوا كل رسالات السماء الى العالم بالحفاة، وامر عامله في اليمن بحبس رسول الله صلى الله عليه وسلم...... وهكذا وعلى طول العصور لم يستطيعوا ان يحققوا حلمهم القديم الحديث في بناء الدولة (الامبراطورية)... وهم لازالوا لغاية هذا اليوم يعيشون هذا الحلم، ويجدون ان هذا الحلم لا يتحقق الا من خلال احتلال البوابة التي يطل منها على الوطن العربي وهذه البوابة لا يمكن ان تكون الاّ العراق. وعلى هذا الاساس بنت ايران سياستها السوقية اتجاه العراق. وحتى تنجح هذه السياسة فقد عملت على تهيئة مستلزماتها منذ بداية حكم الصفويين، وكان في مقدمة هذه المستلزمات تعميق التفرقة الطائفية...

 

المباديء الاساسية للسوق السياسي الايراني اتجاه العرق

 

ان اهم مباديء السوق الايراني اتجاه العراق هو ما يلي :

 

1) السعي لاضعاف العراق داخلياً، وذلك باثارة المشاكل السياسية والاجتماعية وزرع الفتن الطائفية، عن طريق ما يدعونهم برجال دين فرس (وهم لايتعدوا الاّ ان يكونوا مجرد دجالين)، هدفهم احشاء ادمغة البسطاء من العراقيين بالافكار التي تؤدي بهم الى الابتعاد عن الفهم الصحيح للاسلام، وقد تم اعداد هؤلاء المعممين الايرانيين بمدرسة خاصة في مدينة قم الايرانية اسموها (حوزة قم)، ثم طوروا هذه المدرسة لتصبح بمستوى الجامعة التي تمنح الشهادات العليا ابتداءً من (الروزخونيون)وانتهاءً (بآيات الشيطان العظمى)...... كما حاولوا ان يطوقوا علماءالدين العرب في الحوزة الدينية في النجف الاشرف واغرقوها بالآيات الصفوية العظمى، من امثال الزنديق علي السستاني والفاجرين جلال الصغير والقبانجي وآل الحكيم وغيرهم ممن مهدوا للاحتلال الامريكي الصهيوني الفارسي للعراق ولعبوا دوراً خبيثاً في محولاتهم لتمزيق العراق واشعال نار الفتنة بين مواطنيه، واتخذوا من ضعاف النفوس الذين اغراهم المال بان يكونوا وكلاء لهم ينقلون لبسطاء الناس الكفر المغلف بطروحات دينية محرّفة، وتراهم في لياليهم الحمراء يكفرون بكل ما هو مسلم.....

 

2) وقوف ايران موقفاً مضاداً للعراق والامة العربية في اي عدوان يقع عليهما من قبل الدول الاخرى وبالاخص الدول غير الاسلامية والاستعمارية ومساعدة تلك الدول من النواحي الاستخبارية عن طريق عملائها المنبثين في العراق والوطن العربي، ويساعد هؤلاء العملاء المعتدين عن طريق أثارة الصراعات الطائفية والمعارك الجانبية في العراق وما يبن الانظمة العربية، كما تقوم ايران باعداد الكثيرمن هؤلاءالعملاء اعداداً مسبقاً للقيام بالاعمال التخريبية بهدف اضعاف جانب هذه الانظمة اتجاه الاعداء الخارجيين، كما حدث في العدوان الامريكي على العراق في عام 1991 م، والذي اسموا الاعمال الغوغائية والجرائم التي ارتكبوها بحق المواطنين العراقيين (الانتفاضة الشعبانية) وما قام به عملاء ايران مع عملاء الموساد من جرائم قتل للمواطنين ولابناء جيشنا البطل من ضباط وطيارين ولعلمائنا الذين بنوا العراق الحديث الذي ارهب امريكا والغرب والصفويين في ايران والكيان الصهيوني، وبعد ان اصبح العراق قدوة لدول العالم التي تنزع للتطور والنمو والتخلص من السيطرة الاستعمارية.. كما قامت هذه الزمر العميلة بتخريب البنى التحتية لما بناه نظام البعث من صناعات متطورة وما قدمه من خدمات لكل المواطنين. وكان من اخس ما قامت به هذه الزمر تفسيخ مصانع العراق وسرقة معداتها وتهريبها الى نظام الملالي في طهران...ولم يكتفي الفرس في ايران من بث مثل هذه الزمر ومن يوجهها من آيات شيطانية في العراق فحسب، بل شملت هذه السياسة اقطار عربية كثيرة، ففي لبنان الذي يعتبر حزب الله الميدان التدريبي لأغلب عصابات الاجرام التي قتلت الآلاف من العراقيين بضمنهم العلماء وضباط جيش العراق وطياريه الذين جرعوا (آية الشيطان الخميني) السم الزعاف، كانت ولا زالت لايران فيها قاعدة تنسيقية مع الكيان الصهيوني منذ عهد الشاه محمد رضا بهلوي الذي كان اول من اعترف بالكيان الصهيوني من بين دول العالم الثالث. وكانت عمائم شيطان هذه القاعدة هم انفسهم الذين اسسوا    ( حزب الشيطان) في لبنان.... بالاضافة الى ان الفرس قد زرعوا الغاماً موقوتة يستطيعون استعمالها متى شاءوا مستغلين عنصر الغلو الطائفي لدى بعض العناصر في اكثر من منطقة عربية، وكان آخرها لغم الحوثيين في اليمن.

 

ومن الشواهد الكثيرة على مناصرة الفرس لاعداء العراق والعرب والمسلمين والوقوف معهم في العصر الحديث بهدف استغلال ذلك في ضم جزاء كبيرة من ارض العراق او الارض العربية (وبالاخص الارض العربية في الساحل الشرقي من الخليج العربي) بعد انتهاء اي عدوان من هذه العدوانات. ومن اهم هذه الشواهد الكثيرة نذكرمايلي :-

 

أ) اتفاق اسماعيل الصفوي مع البرتغاليين في بداية القرن السادس عشر الميلادي، وكان هذا الاتفاق في الوقت الذي كانت فيه محاكم التفتيش في اسبانية، برئاسة الكردينال خمينيث دي سينسيروس مطران طليطلة ورئيس الكنيسة السبانية، والتي تتولى ملكة البرتغال (ايزابيلا) الاشراف عليها، تقصب رؤوس العرب المسلمين وتحرق من يرفض من علماء المسلمين باصدارالفتاوي التي تجيز تنصّر المسلمين في اسبانيا. كان اتفاق الصفويين مع البرتغاليين يقضي بان يساعد الصفويون البرتغاليين باحتلال الجانب الشرقي من الخليج العربي الذي يسكن فيه العرب (من القواسم وقبائل وعشائر كعب وتفرعاتها، وبنو طرف، وبنو لام، وتيم، وخميس، وبنو تميم، المحيسن، الدريس، النصار، البو ناصر، الباوية، آل علي، آل حزم، المزاريق، آل نصر، العبيدلي، والهولة.. وغيرهم، وهم ذاتهم يمتدون في سكنهم الى شمال منطقة الاحوازفي العراق)، ومساعدتهم في احتلال بعض الجزر العربية (المهمة ستراتيجياً) على ان يكون للصفويين جزءً من هذه الاراضي والجزر... وقام الصفويون بالتعاون مع الجيش البرتغالي بتهجير العرب من اراضيهم الى مناطق مختلفة ليقوموا باسكان الفرس بدلاً منهم.

ب) وحين كان العراق ضمن الولاية العثمانية، لم يسلم من تأثره بالعلاقات العثمانية الايرانية اللتين كانتا في صراع دائم على الحدود، ففي ايام حكم الشاه عباس الاول (1033 هجري \ 1623 ميلادي) انتهز هذا الشاه الصفوي انشغال الدولة العثمانية (المسلمة) بدفاعها عن ما قامت به من انجاز كبيرتمثل بنشر الاسلام في شرق اوربا. الذي اجج الروح الصليبية لدى البابا الذي دعى ملوك وامراء اوربا الى الاجتماع به لاتخاذ مايلزم من اجراءات عسكرية اتجاه هذا المد الاسلامي، فقام " عباس الصفوي " باحتلال بغداد، مستغلاً ايضاً فرصة تمرد الحامية التركية التي قام به بكر صوباشي. ويروي المؤرخ مرتضى نضمي زادة، نقلاً عن والده الذي عاصر هذه الاحداث ؛ ان القوات الايرانية فتكت بالكثير من اهالي بغداد، وان من سلم من القتل لم يسلم من التعذيب، وان العديد منهم ارغموا على ترك بيوتهم ومغادرتها، وان الامان الذي نودي به كان اماناً خادعاً، اذ تلا ذلك اضطهاداً منضماً.......ولم يكتفي الشاه عباس الصفوي بذلك بل كتب رسالة الى المجتمعين مع البابا من اباطرة وملوك وامراء اوربيين، وارسل لها بيد صديقه الانكليزي (السير انطوني شيرلي)، وهو داهية من دهاة الانكليز الذي كان الشاه يستعين به في وضع خطط التوسع الايراني باتجاه العراق والخليج العربي، ضمن اطارالتعاون المشترك ما بين الانكليز وايران ولذات الغرض نفسه..... لقد كان على رأس المجتمعين مع البابا كل من ؛ امبراطور المانيا، ملكة انكلترا، وملوك ايكوس واسبانيا وفرنسا وبولونيا ومجلس فينيسيا. وقد اشتملت رسالة الشاه، التي حملها شارلي، على ما يلي :-

 

(ايها الامراء الذين يؤمنون بالسيد المسيح "..!؟ " اعلموا ان شارلي عُهد اليه بدعم الصداقة بيني وبينكم، ان هذه الرغبة كانت تحدونا من زمان. ولكن احداً لم يتقدم للتدليل على الطريق وازالة الحجب التي تفصلنا بعضاً عن بعض....... وانه عندما يصلكم شيرلي يا امراء المسيحية، فان رجاءنا ان تعتمدوه في كل ما يطلبه اليكم او ينقله عن شخصنا.......)

 

وقد اظهرت التقارير ان مشروع الشاه كان موجهاً ضد العدو المشترك (الباب العالي)، وان المشروع قوبل بكل ترحاب من قبل ملوك اوربا آنذاك.....وبهذا الاتفاق الايراني الاوربي، المدعوم بالصليب البابوي، تشتت الجهد العسكري العثماني مابين استعادة بغداد وطرد الايرانيين منها وبين صد الحملة الصليبية الاوربية الموجهة ضد مسلمي جنوب شرق اوربا. ورغم حالة الضعف التي كانت تمر بها الدولة العثمانية، فانها اجرت عدة محاولات لاستعادة بغداد. وفي عهد السلطان مراد الرابع الذي قضى على الفساد والوهن الذي اخذ ينخر في جسد الدولة، تم استعادة بغداد وطُرد الايرانيون (الصفويون) منها، وتم مطاردة فلول جيشهم المهزوم واخلوا كل ما احتلوه من الاراضي العراقية في الجانب الغربي من سلسلة جبال زاكروس..... ان هزيمة الايرانيين هذه قادت بالنهاية الى عقد معاهدة صلح وتحديد للحدود بين الدولتين في 14 محرم 1049 هجري \ 17 مايس 1639 ميلادي، عرفت (بمعاهدة زهاب)، وقد شكلت نصوصها، اساساً من اسس المعاهدات التالية لها. ويتبين من دراستها ان النفوذ الايراني غربي جبال زاكروس قد زال وبقي في شرقيها فقط وانها عينت الحدود بين الدولتين على قاعدة مناطق حدود، وليس على اساس خط للحدود، وهوالذي تبدأ به سيادة دولة وينتهي بسيادة دولة اخرى، كما ان صياغة المعاهدة ماكانت لتحسم الخلافات بين الدولتين حول الحدود بشكل نهائي بل ابقت على بعض التجاوزات الايرانية على الحدود بين الدولتين، ومماهو جدير بالذكر انها لم تتعرض لشط العرب، وهذا سند قوي للعراق، اذ ابقت شط العرب بضفتيه خاضع بلا جدال لسيادة الدولة العثمانية وبالتالي تأكيد سيادة العراق عليه.......

 

ج) تعاون ايران مع الانكليز في السيطرة على الاحواز العراقية، التي كان يحكمها الامير الشيخ خزعل، الذي اصبح احد المرشحين لان يكون ملكاً على العراق قبل ان يعين الانكليز الملك فيصل الاول ملكاً على العراق، وكان هذا التعاون لقاء ان يكون لها حصة من نفط الاحواز، وكان لها ما ارادت مع الشركات النفطية الانكليزية، فاسسا شر كة النفط (الانكليزية – الفارسية) لاستثمار نفط الاحواز بعد ان تم اكتشاف النفط قيه عام 1908 م.... ولم يقف التعاون الايراني – الانكليزي عند هذا الحد بل ان الانكليز دبروا للشيخ خزعل، الذي كان صديقاً لهم، مؤامرة فاغتالوه (بالسم) ليفسحوا المجال للفرس باحتلال الاحواز ومدينة المحمرة، وقد قام الانكليز بهذه الاجراء ليحفظوا استمرار تدفق النفط لصالح شركة النفط (الانكليزية – الايرانية)، وكان ذلك على عهد رضا شاه الذي قاد انقلاباً اوصله الى السلطة عام 1925. وبهذا الاحتلال اصبح لايران اطلالة على الضفة الشرقية لشط العرب (ولا يُستبعد ان يكون احتلال ايران لبئر الفكة الرابع في ميسان هو اتفاق ما بين عمائم مجوس ايران والمحتل الامريكي الجديد للعراق ؛ على اساس القاعدة التأريخية (اعادة التأريخ لنفسه)، خصوصاً وان ملالي ايران قد تحالفوا مع العدوين اللدودين للاسلام ضد العراق من قبل ان ياتوا لحكم ايران بانقلاب امريكي – صهيوني ضد صديقهما الحميم الشاه محمد رضا بهلوي، بعد ان خرج عن طوعهما).......... وهنا لا بد لي ان اذكر بان ايران كانت قد استفادت من الصراع الذي حصل بين المحتلين الاوربيين انفسهم من برتغاليين وهولنديين وبلجيك وانكليز، فكانت كلما احتدم الصراع بينهم كانت تقوم باستثمار هذا الصراع لصالح توسعها على حساب الاراضي العربية التي تقع في الجانب الشرقي من الخليج العربي.

 

د) اما تعاون الفرس مع العدو الصهيوني الذي يحتل ارض فلسطين العربية وينزع لتحقيق حلم الصهيونية العالمية في بناء دولتهم (من النيل الى الفرات)، فهو غني عن التعريف، لانهم مشتركين في الاهداف. فالفرس والكيان الصهيوني يشكلان وحدة واحدة اتفقواعليها من قبل زرع هذا الكيان المسخ في قلب الوطن العربي، وهذه الوحدة تتمثل بان كليهما وجهته صوب الفرات ويلتقي احدهما مع الآخر في منتصف المسافة ما بين مدينتي النجف والكفل، وبعدها يمضي كل الى غايته (كما تقول السيدة ام كلثوم رحمها الله، مع اعتذارنا لها فهي تشرف كل ملالي وعمائم الشيطان في قم وطهران وعملاء ورداحات المنطقة الخضراء في بغداد).......

 

3) المبدأ السوقي الآخر الذي تعتمده ايران هو سياسة القضم المستمر للاراضي العراقية والعربية (الخليجية)، ويرافق هذه السياسة بشكل دائم ومستمر سياسة التنصل ونقض اي اتفاقية دولية تتعلق بحدودها مع العراق وارض العرب وجزرهم في الخليج العربي. ويكون هذا التنصل بالعمل العسكري المباشر لفرض امر واقع جديد يستدعي اما السكوت الجبان (كما هو حال سكوت عملاء الاحتلال الامريكي الصهيوني الفارسي من سكنة الزريبة الخضراء) او الرد العسكري الحاسم (كما فعلها سيد شهداء العصر صدام حسين المجيد في قادسيته الثانية التي سقى فيها ملعونهم المجوسي خميني السم الزعاف حينما تطاول على حدود العراق عام 1980). وحينما نتجول في تأريخ العلاقات مابين مجوس ايران والعراق والامة العربية، نجد الكثير من التجاوزات على الاتفاقيات الحدودية التي تتبعها حروب او اتفاقيات جديدة لتفرض امراً واقعاً جديد......... وهكذا نجد ان استمرار سياسة القضم الايراني للارضي العراقية والعربية، والتجاوزات عل   الاتفاقيات الحدودية مع العراق لا يفتر ولاينتهي..... فهم يحلمون بعودة دولتهم المجوسية التي دمرتها جيوش العرب والعراقيين المسلمين بقيادة الصحابي سعد بن ابي وقاص (رض) في صدر الاسلام...

 

ان سياسة القضم بالاراضي العراقية والعربية تكون اما بالعدوان المسلح المباشر، او بالتحالف مع اعداء العراق والعرب، كما رأينا قي (2) اعلاه، ويرافق ذلك :-

 

أ) سياسة التدخل في الشؤون الداخلية للعراق والبلدان العربية ويتم ذلك من خلال عملاءها التي زرعتهم في العراق والبلدان العربية مستغلة في ذلك الناحية الطائفية.

 

ب) سياسة التضليل الدبلوماسية : لم تُثبت ايران حدودها الغربية، ولم تعلن عنها بصفة رسمية، فهي تعمد، عقب توقيعها اية معاهدة حدود، الى خرق بنود تلك المعاهدة، بفرض واقع جديد يستدعي عقد معاهدة اخرى، فاذا ما عقدت، شرعت باستغلالها لتثبيت ما كانت قد حصلت عليه في الحقبة السابقة، والتهيئة في الوقت نفسه، الى عمل توسعي آخر، وترافق عملها هذا بضوضاء (تضليلية) وهكذا دواليك.........

 

ج) سياسة تغييرالتركيب القومي والقبلي، وهي بهذه السياسة تقوم ايران بالتهجير القسري للعشائر العربية واسكان الفرس والاكراد الفيليين وغيرهم من السكان غير العرب بدلاً عنه  

 

بعض ممن كتب عن عروبة الخليج العربي

في ضفتيه وجزره

 

* اصدر المؤرخ الانكليزي " رودريك آوين " كتابه (الفقاعة الذهبية وثائق الخليج العربي)، الذي اثبت فيه عروبة الخليج بشكل لا يدعو الى الجدل، حتى جاء في قوله (...... لقد كانت هذه المساحة من الرمال والمياه دائماً جزءاً من الخليج العربي).

 

* المؤرخ والمستشرق الدنماركي، الالماني المولد ومن الدارسين لعلم الفلك. فهو قد سلط الضوء على عروبة الخليج العربي، بعد طوافه باليمن ومناطق الخليج العربي وزياراته لاطلال آشور وفارس عام 1774 م، وبعد ان رحل الى الى البصرة وبغداد والموصل وحلب وقبرص والانضول والقسطنطينية وخرج على العالم عام 1774 م بمؤلف يصف فيه بلاد العرب. ويقول نيبور فيه (........ من المضحك ان يصور جغرافيون جزءاً من بلاد العرب كأنه خاضع لحكم ملوك الفرس في حين ان هؤلاء الملوك لم يتمكنوا قط من ان يكونوا اسياد البحرفي بلادهم الخاصة.. لكنهم تحملوا صابرين على مضض ان يبقى هذا الساحل ملكاً للعرب!!)... لقد كان الساحل الشرقي للخليج العربي في وقت كتابة نيبور ذلك وخاصة بوشهر وميناءها تحت اشراف وادارة امير عربي هو (سعدون آل ناصر)، الذي عقد اتفاقاً مع بريطانيا في 12\ 4 \ 1763 م تضمن بنوداً وتسهيلات تجارية.وتقيم بها العشائر العربية التي ذكرناها في اعلاه من حديث..... لقد ذكر(نيبور) ان العرب هم الذين يملكون جميع السواحل البحرية من مصب نهر الفرات الى مصب الاندس على وجه التقريب، كذلك ذكرعن عادات وتقاليد سكان الساحل الشرقي للخليج وماهم عليه في الساحل الغربي منه فيقول (انهم يتعشقون الحرية الى درجة قصوى شأن اخوانهم في البلاد، ويكاد ان يكون لكل بلدة شيخها....... الخ)

 

* ذكر صلاح العقاد : الاستعمار في الخليج العربي، ان بدر بن سيف سلطان عُمان طرد القراصنة من ميناء بندر عباس جزيرتي قشم وهرمز، ولما حاصر حاكم شيراز بندر عباس بهدف احتلالها من قبل ايران 1846 م هدده السيد سعيد سلطان عُمان بتدميرميناء بوشهر ان لم يفك الحصار عن بندر عباس....وهذا مايدلل على ان الجانب الغربي لمضيق هرمز هو عربي تابع لسلطنة عُمان....

 

* ذكر (بلنيوس الاصغر في 62 م- 125 م) الذي يعتبرالذي يعتبرمن ابرزادباء الرومان واكبر مؤرخيهم، وهو يصف جزيرة (خرج) ويقول عنها انها ؛ ان مدينة (خاركس) تقع في احدى جزر الخليج بين البصرة والهند وقد عرفت باسم جزيرة (آراك واركيا) نسبة الى العراق، وكانت مركزاً لصناعة السفن، ويقول السير آرنولد ويلسن بانها تقع في الطرف الاقصى من الخليج العربي حيث يبدأ الجزء الاشد بروزاً من العربية السعيدة (اودايمون) وهي مبنية على مرتفع اصطناعي، وقد اطلق عليها الاسكندر المقدوني اسم الاسكندرية، ثم تغير اسم المدينة عدة مرات.

 

الخاتمة

 

ان الذي ذكرته في الجزئين، الاول والثاني من هذا الموضوع، إنما هو غيض من فيض من تآمر الفرس (ممن بقوا على مجوسيتهم المغلفة بالرداء الاسلا مي الذي شوهوه بما سولت لهم قريحتهم بالاكاذيب والجل) على العراق والعرب والمسلمين والاسلام بشكل عام، وقد بينت في هذين الجزئين ان لم يكن دخولهم في الاسلام ايماناً منهم به، بل كان واسطة للتسيّد على المسلمين بالعمامة التي تختبيء تحتها شياطين الجن والانس. وهم قد بنوا اسس قفزاتهم نحو تحقيق هدفهم المركزي، الذي يتمثل بعودة دولتهم المجوسية التي أطفأ جمرة نارها الاسلام في زمن الخليفة الراشد الثاني عمر ابن الخطاب (رض)، بدعواتهم التضليلية التي كانت آخرها (دعوتهم بتصدير ما اسموها بثورة ولاية الفقيه)، وتصوروا اي فقيه هذا الذي يتفق مع الصهاينة والصليب الامريكي والاوربي ليقتل مسلمي العراق وافغانستان وفلسطين.......!!!!؟؟؟؟.

 

فاتني ان اذكر فيما تقدم من كلامي، بان في تأريخ هؤلاء المجوس انهم هم الذين ابتكروا طرق اعداد الانتحاريين في ارهاب خصومهم من العرب المسلمين، فمن يقرأ ما اسموها (بثورة الحشاشين) في صدر الاسلام وفي عهد الامويين، وكيف كانوا يعدّون الانتحاري الذي لا يهاب الموت في هجومه لقتل اي عدو من اعدائهم المسلمين، بعد اخضاعه بالحشيش واملاء مايردونه منه من الاعمال الاجرامية.. وتصوروا ما يمكن ان يقوموا به في هذا المجال بالاشتراك مع الامريكان والصهاينة في هذه الايام، ليلقوا بتبعات ذلك على من اسموهم (بالقاعدة)، وليشوهوا بهذه الاعمال صورة المقاومة البطلة في كل من العراق وفلسطين وافغانستان......!!!؟؟؟. ولكن هيهات لهؤلاء المجوس ان ينالوا من العرق والامتين العربية والاسلامية والمقاومة البطلة... وسيندحرون باندحار حلفاءهم الصهاينة والامريكان بقوة وعزم ابناء الرافدين وليوث مقاومتهم الابطال، خصوصاً بعد ان كشف الشعب زيف اسلامهم وكشف عملاءهم المزدوجي الجنسية واسباطهم واحفادهم الذين تسيّدوا على ابناء العراق في هذا الزمن الاغبر......

 

واخيراَ اقول بان نصرنا لقريب بضربات مجاهدينا الابطال في مقاومة العراق وفلسطين وافغانستان ان شاء الله تعالى..... ومن الله النصر والتوفيق.

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

السبت / ٠٢ صـفـر ١٤٣١ هـ

***

 الموافق  ١٧ / كانون الثاني / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور