عامٌ أسود من إدارة الرئيس الأسمر

 
 
 
شبكة المنصور
محمد العماري
ربما مازال بعض الحكام العرب, ومعهم قطاعات واسعة من شعوبهم, يؤمنون بان الرئيس الأمريكي باراك أوباما قادرٌ على صنع المعجزات والمآثر فيما يخصّ قضايا العرب والمسلمين بشكل خاص. لكن أيام وشهور أوباما التي قضاها في البيت الأسود لم تجلب لنا ولا لسوانا, باستثناء الكيان الصهيوني طبعا, غير خيبات الأمل المتواصلة والحسرة المستمرة. ولا يمكن والحال هذه توجيه اللوم والعتب فقط الى أوباما نفسه. فالرجل أمريكي حتى النخاع رغم أنف الجميع وما عليه الاّ السير على نهج جميع الرؤساء الآخرين, وإن وجدت إختلافات أو خلافات بينه وبين من سبقوه فهي ليست أكثر من تعديلات ورتوش وإضافة هنا وحذف هناك.


لكن يجب الاعتراف بان العرب, حكاما أولا وشعوبا ثانيا, وكما أثبتت تجارب العقود الأخيرة, هم أول من تنطلي عليه الحيل ويُصاب بالخداع وتغريه حدّ الشبق الكلمات المعسولة والخطب الرنّانة والابتسامات المجانية, خصوصا إذا كانت صادرة عن رئيس أمريكي جديد بحاجة ماسّة الى إظهار قدراته أو عضلاته لا فرق بغية إخضاعنا وترويضنا, بوسائل وطرق مختلفة نوعا ما مقارنة بمن سبقه من الرؤساء, وإعادة مَن خرج منّا, بوعي أو بدونه, عن جادة أو حضيرة الصواب الأمريكية.


والأدهى إن أوباما, كما كان يفعل سلفه المجرم بوش الصغير, ما زال مستمرّا في الضحك على عقول وذقون حكّامنا المستلقين على ظهورهم متوسّدون الأوهام والأحلام التي بيعها عليهم, مقابل نفطهم وخيراتهم وسيادة بلدانهم ومستقبل شعوبهم, وزراء ومبعوثو الرئيس باراك حسين أوباما. وفي الوقت الذي تهطل فيه مدرارا مدرارا المساعدات العسكرية والاقتصادية والمالية والدعم اللامحدود على الكيان الصهيوني يكتفي الحكام العرب بما هو اقل من فضلات الموائد وسقط المتاع. ويعتبرون إلتقاط الصور التذكارية مع الرئيس الأمريكي أو مع مَن ينوب عنه إنجازا رائعا وتطوّرا إيجابيا لصالحهم .


وإذا نظرنا الى مسيرة باراك أوباما في عامه الأول في البيت الأبيض فسوف نكتشف بكل سهولة أن بوش الصغير غيّر جلده ولكنه لم يغيّر طبعه. لأن طباع الرؤوساء الأمريكان, كطباع الذئاب لا تتغيّر أبدا. فما زالت الحروب العدوانية في أفغتنستان والعراق مستمرّة باشكال وصور ووسائل مختلفة وحسب الظروف والأوضاع والغايات. وما زال الحصار الظالم اللاإنساني يخنق أكثر من مليون ونصف إنسان فلسطيني في قطاع غزة. ولم تكن عملية السلام المزعومة بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني الاّ إمتدادا لمسرحية المفاوضات العبثية التي لم تجلب للشعب الفلسطيني غير خيبات الأمل والاذلال والحصارات المتعددة والقتل والاعتقالات العشوائية من قبل جيش الاحتلال الصهيوني.


والمثير هو إن باراك اوباما, رغم إدعائه بالانفتاح على الآخرين وإنتهاج سياسة جديدة, ما زال مصرّا على دعم كيانات وشخوص لم تحظَ وسط شعوبها الاّ بالنزر اليسير من التأييد والدعم والمصداقية. كالكرزايات الثلاثة, الافغاني والعراقي والفلسطيني. فهؤلاء لا يملكون من أمرهم شيئا حتى وإن حضيت "سلطاتهم" الوهمية بدعم ومساندة السيّد الأمريكي. فالعراق ما زال مسرحا للموت وساحة للصراع الدموي بين أحزاب وكتل سياسية ميليشياوية لا ترى شيئا سوى مصالحها الحزبية والعشائرية والفئوية الضيقة وهي على إستعداد لأن تفني ثلث العراقيين بالسيارات المفخخة والعمليات الانتحارية والقتل العشوائي من أجل البقاء في السلطة والاستمرار في خدمة أسيادها في واشنطن وطهران وتل أبيب.


ولحد هذه اللحظة لم يُعرف بشكل واضح موقع باراك أوباما من الاعراب في الوضع العراقي رغم تدخّل السفير الأمريكي في بغداد في كل صغيرة وكبيرة في العراق, بما فيها حضوره, باعتباره الحاكم الفعلي للبلاد, جلسات البرلمان وطرح مطالبه وفرض شروةطه على النواب الميامين! لكن بالمقابل يبدو أن دولة العام سام, بعد أن أذلّها رجال المقاومة الأبطال وكسروا أنفها وأشبعوها هزيمة ويأسا, قررت التخلّي عن العراقيين والهروب بجلدها. والاكتفاء بالتفرّج, عن بعد وفي قواعد محصّنة, على الدم العراقي البريء وهو يسيل كل يوم على أيدي عملائها وخدمها وحلفائها, مجوس وصهاينة وأكراد خونة, والذين حوّلوا المنطقة الخضراء الى مركز عمليات متطوّر ضد الشعب العراقي ومؤسسات الدولة الحيوية.


حيث تنطلق من هناك, بعلم ومباركة وتخطيط الأحزاب الطائفية والعنصرية الحاكمة, سيارات الموت ونيران التدمير لتعلّم العراقيين البسطاء معنى "الديمقراطية" في ظل الاحتلال وحكومته الطائفية العنصرية الحاقدة. وها نحن من جديد, كما عهدتنا به حكمة العميل نوري المالكي, حكومة دولة اللاقانون واللاإستقرار, على موعد مع مجزرة جديدة لا تختلف عن سواها من المجازر السابقة. فالمجرم هو نفسه, والعصابة التي تخطط وتموّل وتدعم هي نفسها. والمواطن العراقي, في كل الأحوال المزرية والمجازر البشعة, هو الضحية المفضّلة لديهم.


ربما يتجاهل أو يتناسى الكثير من الناس إن الرئيس الأمريكي, أي رئيس طبعا, لا يحكم بل ينفّذ. حتى وإن أظهر للعالم أنه الحاكم الفعلي وفي يده سلطات كثيرة ومتعدّدة. كما أن وجوده في اليبيت الأبيض, رغم المعارك الانتخابية الشرسة والمكلّفة ماليا, متّفق عليه مسبقا. وثمّة سلطات, غير مرئية وتعمل خلف حُجب وستائر سميكة مؤلفة من الشركات والمصانع الضخمة - خصوصا مصانع الأسلحة والمعدات العسكرية الأخرى- والمؤسسات المالية والاعلامية والاقتصادية المهيمنة على كل شيء في أمريكا, هي التي تقرّر من يفوز في إتخابات الرئاسة الأمريكية أو من يخسر. ولا يمكن لأي رئيس, سواءا كان أسمر كباراك أوباما أو أبيض كالمجرم بوش الصغير. أن يتجاوز الحدود المرسومة له والدور المطلوب منه أن يقوم به, خصوصا في السياسة الخارجية.


لاشك إن عام باراك أوباما في البيت الأبيض خيّب أمال ملايين المعجبين به , ونحن لم نكن منهم من حسن الحظ, ولا يبدو أن سنواته القادمة في الحكم, كما تدلّ الكثير من المؤشرات داخل وخارج أمريكا سوف تكون أفضل حالا. فالرجل أخذ يتأقلم تدريجيا مع الدور الذي ينبغي عليه تأديته وراح يتقبّل, دون مقاومة تذكر, هيمنة المؤسسة الحقيقية الحاكمة التي تقف الى جانب الكيان الصهيوني ووتدعمه بلا شروط ولا تحفّظ ولا إستفسار. ولا ترى في العرب والمسلمين, باستثناء بعض الحكام الدائرين في فلكها, غير إرهابيين قتلة لا يمكن التفاهم أو التواصل معهم. بل أنهم لا يستحقون الحياة. ويكفيكم من الأدلّة ما يحدث يوميا في العراق وأفغانستان وفلسطين المحتلّة.

 
mkhalaf@alice.it
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاربعاء / ١٢ صـفـر ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٢٧ / كانون الثاني / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور