ثمار الديمقراطية الأمريكية خمسةُ ملايين أمّي في العراق

 
 
 
شبكة المنصور
محمد العماري
لم تمر أبدا, على وطن الحضارات والتاريخ العريق ومهد الأبداع والنشاط الفكري والثقافي المتعدّد الوجوه والنواحي, مرحلة مظلمة وحالكة السواد كتلك التي يمر بها عراق اليوم منذ إحتلاله من قبل برابرة الحضارة وهمج العصرالحديث من أمريكان ومجوس وصهاينة ومن سخّر نفسه لخدمة مشاريعهم الشيطانية الرامية الى إجتثاث العقل العراقي ومحو ذاكرته الوطنية التي تراكمت فيها ثروات معرفية هائلة منذ آلاف السنين. قدّم فيها العراقيون, على مختلف أعراقهم وأديانهم وإنتماءاتهم السياسية والثقافية والفكرية, ما لا يُحصى من الانجازات والابتكارات والاكتشافات على أكثر من صعيد وميدان.


ولذا, لم يكن غريبا إن قوى الظلام والتخلّف والشر, التي جاءت بها أمريكا "المتحضّرة" صبّت جام غضبها وحقدها الأسود المتأصّل, ما أن وطأت حوافر جنودها وعلوجها أرض بغداد الحبيبة, على المتحف الوطني والمؤسسات الثقافية والعلمية الأخرى لتكرر وبشكل أكثر"تحضّرا" ما فعله هولاكو وجنوده عندما إحتلّوا عاصمة الخلافة, وعاثوا فيها وفي أهلها فسادا وقتلا وحرقا حتى تحوّلت الى خرائب تنعق فيها غربان الحزن والأسى واليأس. ولكن العراق, وبجهود أبنائه الشرفاء وقدرتهم الخلاقة على الأبداع والتكيّف وتجاوز المحن, نهض من جديد شامخا متحدّيا نافضا عن قامته المنتصبة بكبرياء وعزّة نفس غبار معارك مضت وأعداء ولّوا هاربين منكسرين أذلاّء.


ويُكاد الانسان يُصاب بالصدمة عندما يسمع إن عراق اليوم, عراق الأحزاب العنصرية والطائفية المحمية بحراب الغزاة القتلة, يعاني من تفشّي الأميّة بين أبنائه خصوصا الصغار منهم. وإن "ديمقراطية"الاحتلال الأمريكي الايراني للعراق خلّفت خمسة ملايين عراقي أمّي, لعام 2009 فقط, رغم مليارات الدولارات التي وضعت تحت تصرّف حرامية حكومة بغداد المحتلّة من أجل مشاريع الاعمار وتحسين ظروف المواطن المعيشية والحياتية. لكن كما هو معلوم ظلّت المشاريع حبرا باهتا على ورق أصفر, وإنتهت الأموال الطائلة التي جناها العراق من مبيعات النفط, وهي بالمليارات طبعا, الى جيوب نفس عصابة اللصوص الحاكمة في بغداد ومن يقف أمامهم وخلفهم وعلى بعد منهم.


واللافت, لكنه ليس مستغربا بالتأكيد في عراقهم الجديد, إن موازنة الدولة العراقية لعام 2010 لم ترصد دولارا واحدا لمعالجة تفشّي ظاهرة الأمبة بين صفوف المواطنين رغم وجود قانون"محو الأمية" الذي ما زال نائما في مكاتب البرلمان منذ أكثر من سنة ونصف, وتطالب أكثر من جهة بالتسريع في تشريعه. وواضح إن ثمة هدف مقصود ومدروس ومخطّط له منذ عشرات السنين الغاية منه هي تحويل العراقيين الى قطعان من البهائم تقضي جلّ وقتها في البحث عن الزاد والماء وتُساق بسهولة من قبل راعي غنم أو راعي بقر لا فرق.


ومعلوم أن أكثر السبل نجاعة في السيطرة على أمّة ما وتدجينها وترويضها هو قتل عقلها وذاكرتها الجمعية وتجريف هويتها الوطنية بإشاعة ثقافة التجهيل والشعوذة, الدينية والطائفية بشكل خاص, والانحراف واليأس وفقدان القدرة على المبادرة. وما يجري في عراق اليوم وتحت ظل حكومة أحزاب لا تجيد غير السلب والنهب واللطم والنواح والعويل على الماضي خير دليل على ما نقول. وإثبتت سنوات الأحتلال المشؤومة إن"قادة" العراق اليوم ليسوا أكثر من موظّفين بدرجات متفاوتة ومناصب مختلفة لدى أسيادهم القاطنين في واشنطن وتل أبيب وطهران.


ويبدو إن مشروع الاجنثاث الشيطاني الذي خرج من أذهان ونفوس الخونة والعملاء الذين جاءوا مهرولين خلف دبابات الغزاة الأمريكان لم يكن حكرا على حزب او عرق أو فئة أو طائفة. بل شمل جميع العراقيين بدون إستثناء, حتى أولئك الذي لم تكن لهم في السياسة لا ناقة ولا جمل ولا حتى بغل. وقد أنيطت مهمة تصفية العقل العراقي والثروة البشرية, بعد أن نهبوا ثروات البلد الاقتصادية والثقافية والعلمية, الى أكثر من جهة وطرف ودولة, تحالفت جميعها على تحقيق الهدف المشترك, ألا وهو إعادة العراق والعراقيين الى العصر البدائي, وإشغالهم بتوافه الأمور حتى لا تقوم لهم قائمة.


ربما تناسى العالم, وعلى رأسه دولة الاحتلال أمريكا وخدمها في بغداد المحتلّة, إن النظام الوطني السابق, والذي يسمّية حكام المنطقة الخضراء بالنظام الدكتاتوري, إستطاع القضاء على آفة الأميّة في المجتمع قبل أكثر من ثلاثة عقود باعتراف الأمم المتحدة واليونيسكو والمنظات الدولية المعنية الأخرى, وبامكانيات متواضعة وفي ظروف محلّية وإقليمية ودولية صعبة جدا, ولكن بجهود حثيثة وإرادة صادقة وشعور عالٍ بالمسؤولية من قبل جميع رجالات وموظّفي الدولة والحكومة. ولم يبقَ في العراق أمّي واحد.


واليوم, ماذا نتوقّع أن يكون المستوى التعليمي للشعب العراقي في ظل حكّامه الجدد الذين قام أغلبهم أما بتزوير شهادته الدراسية وأما إشتراها من جامعات أو معاهد أجنبية دون أن يدخلها ولو لمرّة واحدة في حياته, وأما أن كلّ تحصيله الدراسي لم يتجاوز المرحلة الأبتدائية. فعن أية ديمقراطية وعملية سياسية وإنتخابات تشريعية تحدّثنا دولة العام سام المجرمة وعملاؤها في المنطقة الخضراء, من لصوص وسرّاق وسماسرة ومحترفي شعوذة دينية وسياسية وثقافية ؟

 
mkhalaf@alice.it
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الأربعاء / ٠٥ صـفـر ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٢٠ / كانون الثاني / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور