ماذا بقي من النفط للشعب العراقي؟

 
 
 
 
شبكة المنصور
علي الصراف
الآن بدأ الوجه الآخر للجريمة. تدمير العراق، وارتكاب المجازر بحق أبنائه، وتصفية قياداته الوطنية، وتشريد الملايين من أرضهم، الآن بدأ يعطي ثماره للغزاة.


والآن، يفتتح فصل جديد في المعركة من اجل الحرية.


النفط العراقي لم يعد عراقيا. لقد أصبح ملكا رسميا للشركات الأجنبية.


والآن بدأ التحدي الحقيقي لتقرير مستقبل العراق. فأما أن يفرض الغزاة إرادتهم، وأما أن يقف العراقيون لهم بالمرصاد.


لقد بدأت حكومة المليشيات الطائفية بتوزيع عقود النفط على الشركات الأجنبية، على نحو يبدو وكأنه لهاث محموم من اجل "تقاسم الحصص" في العراق، بين لصوص صغار وأسيادهم من اللصوص الكبار.


والعملاء يسابقون الزمن للانتهاء من أبرز المهمات التي أوكلها الإحتلال اليهم: جعل ثروة الشعب العراقي عرضة لنهب مكشوف ومعلن هو الأكبر في التاريخ.


لقد انتهت معظم العقود التي تم توقيعها مع شركات من قبيل "بي.بي" و"شل" و"سي.أن.بي.سي" وغيرها الى انها تركت للعراق حصة لا تتجاوز 25% من عائداته النفطية مقابل حصول تلك الشركات على 75% منها.


في البدء زعمت حكومة عملاء الاحتلال انها بحاجة الى تطوير حقول نفط جديدة وان الصيغة تقوم على تقاسم "حصص الانتاج" مقابل "استثمارات" تجلبها تلك الشركات، إلا ان الحقيقة التي اتضحت أخيرا هي ان شركات النفط اختارت الإستيلاء على اكبر حقول النفط العراقية وأكثرها انتاجا واوسعها احتياطات.


ولكي تمضي الصفقات، مع بعض الحلويات، فقد طلبت حكومة الماجورين "علاوات"، دفعتها الشركات النفطية، بينما الكل يظن انها تستطيع الضحك بها على ذقون الناس.


مسؤول في شركة نفط الجنوب في البصرة، قال الأحد إن شركة النفط البريطانية (بي.بي.) وشريكتها شركة البترول الوطنية الصينية (سي.إن.بي.سي) دفعتا 500 مليون دولار (أو نصف مليار) "علاوة توقيع" مستحقة على العقد الذي فازتا به لتطوير حقل الرميلة النفطي العملاق في العراق.


ولكن انظر الى الحقائق. فالرميلة هو أكبر حقل نفط في العراق، وتبلغ طاقته الانتاجية 1.06 مليون برميل يوميا.


و"العلاوة" تبدو مجرد رشوة، إذا اخذ بعين الاعتبار ان (بي.بي.) صارت تملك حصة قدرها 38 بالمئة في المشروع في حين تملك (سي.إن.بي.سي) 37 بالمئة بينما تملك شركة نفط الجنوب حصة قدرها 25 بالمئة في حقل تبلغ احتياطاته 17 مليار برميل (أي ما يعادل بأسعار اليوم: 17×80= 1360 مليار دولار!).


وتنوي الشركتان ان تقوما بانتاج 1.7 مليون برميل من النفط يوميا (أي بأسعار اليوم: 1.7×80= 136 مليون دولار يوميا، أو 136×364= 49505 مليون دولار سنويا).


ووقعت حكومة المأجورين اتفاقا مع ائتلاف تقوده "شل" و"بتروناس" الأحد مدته 20 عاما زُعم انه "لتوفير المساعدة التقنية من أجل تطوير حقل "مجنون" النفطي"، الذي يعد أحد أضخم حقول النفط في العالم. وتبلغ احتياطياته 12.6 مليار برميل (أي بأسعار اليوم: 12.6×80= 1008 مليار دولار).


وصارت "شل" تملك حصة 45 في المائة من المشروع، في حين تمتلك شريكتها، "بتروناس"، حصة 30 في المائة، أما العراق، فسيمتلك 25 في المائة.


ويقول هذا "التحالف" انه يسعى للوصول إلى إنتاج يبلغ 1.8 مليون برميل من النفط يومياً (أي باسعار اليوم: 1.8×80=144 مليون دولار يوميا، أو 144×364= 52416 مليون دولار سنويا، او ما مجموعه في 20 عاما: 1048320 مليون دولار).


وقال وزير النفط (الإيراني) حسين الشهرستاني الأحد إن العراق سيوقع العقد النهائي لتطوير حقل الزبير النفطي مع مجموعة تقودها شركة "ايني" الايطالية يوم 22 كانون الثاني- يناير. والأرجح فان العقد سيتم على الصيغة نفسها، لينتهي العراق بحصة أقلية. أما احتياطات هذا الحقل فتبلغ أربعة مليارات برميل.


والاحتياطات ليست بالضرورة نهائية. وتقديرات الخبراء تقول انها أكبر من المعلن.


وهكذا، فقد تستثمر هذه الشركات بضعة مليارات لتوفير معدات، ولكنها تنتظر الحصول في المقابل على تريليونات. وفي مقابل كل دولار تنفقه، فانها تحصل على ألف، أو أكثر، إذا ما مضت العقود الى نهايتها (ونهاية النفط نفسه).


هل حدث أن تعرضت ثروة بلد في التاريخ الى نهب بهذا المستوى؟


هل سبق لأي عملاء، حتى ولو جاءوا من قاع السفالة والإنحطاط، أن باعوا مستقبل شعبهم الى هذا الحد؟


ومن اجل ماذا؟ أمن أجل حفنة ملايين تدفعها هذه الشركات لهم كرشاوي؟


السؤال الذي يواجه الشعب العراقي هو: بأي حق، وجد هؤلاء المجرمون في أنفسهم القدرة على بيع ما ليس لهم فيه حق؟


هذه العقود تفتقر الى الشرعية:


أولا، لأن الحكومة التي وقعتها هي حكومة عملاء، في بلد خاضع للاحتلال. وبالتالي فانها غير ملزمة للشعب العراقي.


وثانيا، لانها خارجة كليا عن المقبول والمألوف في العقود النفطية في دول اخرى، حرة ومستقلة.


وثالثا، لانها تعطي الشركات النفطية حقولا منتجة للنفط بالفعل، وليس حقولا جديدة، مما كان يستوجب التفاوض على الزيادة، وليس على كل الانتاج.


ورابعا، لان كلفة "تطوير الانتاج" قابلة للنفخ والمبالغة، ولا تتناسب مع المستوى الخرافي للأرباح، وغير خاضعة للتدقيق والإشراف من جانب العراق.


وخامسا، لان العراق قادر بأمواله الخاصة (نحو 40 مليار دولار سنويا) ان يشتري المعدات والخدمات والمستلزمات المطلوبة لاعمال التطوير من دون ان يرهن 75% من الانتاج لحساب الشركات الأجنبية.


وسادسا، لان هذه العقود تُعطى في بلد تبلغ نسبة البطالة فيه نحو 50%، والعيش تحت خط الفقر يشمل نحو 8 مليون انسان. وهؤلاء أولى بالأعمال والوظائف والأرباح التي تتيحها المشاريع النفطية.


وسابعا، العراق كان بوسعه ان ينتج 12 مليون برميل من النفط يوميا بقدراته العلمية والتكنولوجية الخاصة، من دون حاجة الى ان يتعرض للنهب.


وثامنا، ان بلوغ هذا المستوى من الانتاج هدفه تدمير أسعار النفط، وبالتالي، الإضرار بمصالح ومستقبل اقتصاديات جميع المنتجين، بمن فيهم العراق نفسه.


وتاسعا، تبديد النفط لا علاقة له بالموقف العدائي من النظام السابق. انه موقف عدائي من كل عراقي، من كل طفل، من كل شاب، ومن كل فقير ومحروم ومظلوم.


وعاشرا، تسرع حكومة عملاء طهران وواشنطن لتؤدي قسطها ليحصل المأجورون فيها على حصتهم، ويهربوا بها. ولكننا نعرف انهم يمهدون الأرضية لحكومة عملاء جدد من أجل أن يقولوا: لسنا نحن، لقد فعلها السابقون، ولم يعد بالإمكان أحسن مما كان.


وكان ياما كان، على ثروة (ومستقبل) أيام زمان.


الموقف من هذه القضية ليس معيارا للوطنية فحسب، ولكنه معيار للشرف أيضا.


لا شرف له، ولا ضمير، كل من يرضى بهذه الجريمة أو يتسامح معها، او يناور عليها، أو يغض الطرف عنها.
والشرف، بين أشياء قليلة في هذا العالم، غير قابل للقسمة. فأما ان تملكه، وأما لا.


لا توجد منطقة وسطى لتقاسم "الحصص" بين الشرف والعار.


إذا كانت هناك مقاومة في العراق تستحق إسمها وشرفها، فانها يجب ان تقول كلمة واضحة، ومسموعة، تعلن بطلان هذه العقود، وتؤكد للعملاء وشركائهم ان مصالحهم، في أي مكان، ستكون عرضة للملاحقة والتدمير بجميع الوسائل، وبكل الامكانيات.


إذا كان هناك وطنيون في هذا البلد، فانهم يجب أن يقفوا صفا واحدا، ويطلقوا صوتا واحدا، لا شرخ ولا نشاز فيه، يؤكد لا شرعية هذه العقود، ويؤكد انها باطل الى الأبد، لا مساومة ولا مفاوضات ولا نقاش.


إذا كان هناك شرفاء يملكون أي مقدرة (قانونية او سياسية او دبلوماسية او عسكرية) على ملاحقة هذه الجريمة فيجب أن لا يترددوا ولا يتأخروا.


إذا كان هناك مقاتلون تعذبهم ضمائرهم على مستقبل بلدهم ومصير أبنائهم فيه، فانهم يجب أن لا يتركوا انبوب نفط واحد يعمل لحساب هؤلاء اللصوص.


دمروا كل الحقول. احرقوها بكل ما فيها. وبكل من عليها. فليذهب النفط الى الجحيم. هذا أشرف من أن تذهب الأموال الى خزائن سفاحين ما تزال تجب ملاحقتهم على قتل أكثر من مليون إنسان لتمرير هذه الجريمة.


ألاعيب عملاء الإحتلال، وتبادل الكراسي فيما بينهم، يجب ألا يُعمي الأبصار عن هذا الخطر.


خُذ موقفا: أما مع النهب أو ضده. أما مع الجريمة أو ضدها. أما مع العراق أو ضده.


خُذ موقفا: فالمسألة تتعلق بشرفك الشخصي؛ بالمسافة التي تضعها بينك وبين العار.


وإذا شئت فكن مع النهب، ولكن قل لي: كم ستكون حصتك فيه؟ كم ستأخذ من الـ 1360 مليار دولار التي سيأخذها تحالف "بي.بي"؟ وستعرف كم انك صغير، ورخيص، وكم ان ما تجنيه لا يستحق أن تضحي بشرفك من اجله، إذا لم يكن هو نفسه ذكرى من أيام "كان يا ما كان، في قديم الزمان".


تدمير حقول النفط وتفجير أنابيبها، وتسوية الحساب مع القائمين على الجريمة والمستفيدين منها، هو أول الطريق لرد الإعتبار لحقوق الفقراء والمحرومين في هذا العراق.


احرقوا كل حقول النفط أو إني، وكل يتيم ومحروم وأرملة، أبرياءٌ منكم الى يوم الدين.


فخُذ موقفا، من اجل حق الضحايا والشهداء في العراق.


خذ موقفا، من اجل العراق.

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الثلاثاء / ٠٤ صـفـر ١٤٣١ هـ

***

 الموافق  ١٩ / كانون الثاني / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور