في رحاب الامام الحسين عليه السلام

﴿ الحلقة الخامسة ﴾
 
 
 
شبكة المنصور
زامـــل عــبـــد
يصف بعض المؤرخين عقيلة بني هاشم الحوراء زينب بنت الامام علي  بن أبي طالب عليهما السلام بأنها مع علو مكانها وسمو منزلتها وهيبتها ووقارها ذلك الوقار والهيبة المتكسبان من أمها سيدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام وجدتها السيدة خديجة الكبرى رضي الله عنها وأرضاها فهي امرأة طويلة القامة حسنة الهيئة ولم تماثلها امرأة في العفة الحياء وفي البلاغة والفصاحة كانت تشير بدقة إلى اكتسابها ذلك من أبيها أمير المؤمنين علي عليه السلام ولم يمنعها ذلك في أن تتحلى بصبر يربط شبهه البعض بصبر أخيها الحسن عليه السلام وبشجاعة ورباطة جأش تماثل فيها أخيها الحسين عليه السلام


إذن وقار وهيبة وحياء وعفة وفصاحة وبلاغة وصبر ورباط جأش ، فهي قد واكبت أفجع الأحداث وشاهدت أبشع الجرائم من تلك التي ارتكبها من أغوته الدنيا واستسلم لإرادة الحاكم ليتجاوز حرمة بيت النبوة ورأت ما رأت من نوازل تلك الأحداث المريعة ، وبما أن الحديث عن تلك الأحداث سيأخذ مني وقتا طويلا فسوف أتجنب الخوض فيها وأبتعد بعض الشيء عن الصورة المأساوية التي رسمها الواقع لهذه الصديقة الصغرى عليها السلام ، إن حصر السجايا والخصال والملكات التي تتصف بها السيدة زينب عليها السلام والسمو الذي تمتعت به لم تكن عملية سهلة ولا يمكن تحديدها بالحصر وهذا ما يحتم عليَّ أن أتوقف عند وصف زين العابدين وسيد السـاجدين الإمام علي بن الحسين الســجاد عليه الســـلام حين يخاطبها قائلا ((  عمّة أنت بحمد الله عالمة غير معلمة ، وفاهمة غير مفهمة  ))


حقا هي عالمة غير معلمة وإن وسعة علمها وإدراكها واطلاعها ومعرفتها للحقائق الشرعية واقتباسها من الأسرار المحمدية وعظم شخصيتها كل ذلك جعلها مصدرا من مصادر الفتيا تفيض على الناس مما اختزنت من علوم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وكانت بذلك تؤدي زكاة العلم والذي هو التعلم وحين تكون قد تغذت ونهلت من فيض نبع أبيها أمير المؤمنين عليه السلام واقتبست من إشعاع أنوار الصديقة الطاهرة الزهراء عليها السلام والتي هي عينة علم الله جل جلاله فلم يكن ذلك غريبا ، فضلا عن مصاحبتها لسيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين عليهما السلام اللذين زقوا العلم زقا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،  فإن وصف الإمام زين العابدين عليه السلام لها مطابق تماما لشخصيتها لذا فإنها كانت عليها السلام تروي عن أمها وأبيها عليهما السلام وحتى أخويها الحسن والحسين عليهما السلام وروي أن الناس كانوا يرجعون لها في معرفة الأحكام الشرعية والمسائل الفقهية بعد مقتل سيد الشهداء عليه السلام حتى برئ الإمام زين العابدين عليه السلام من مرضه وكان ابن عباس المعروف بحبر الأمة يروي عنها ولحاض ذلك في قوله عندما يروي خطبة الزهراء عليها السلام يقول : حدثتني عقيلتنا زينب بنت علي عليه السلام


فدور العقيلة زينب كثائرة لا بمعنى أنها أخذت سيفاً ، بل بمعنى أنها تشكل جزءاً أساسياُ من الموقف القتالي ، ينتهي دورها عند ظهيرة اليوم العاشر وتبدأ دور جديد  وبمنهجية جديدة وبأسلوب جديد دور قسم منه محدود وهي إنها اســتطاعت وهي على ما هي عليه من ثكل أخيها مقطوع الرأس ممزق الجسد ، والجثث تغطي الأرض ، ما كان باستطاعتها إلا أن تجلس عند رأس أخيها ، وترفع رأسها إلى السماء ، وتقول إلهي تقبّل منا هذا القربان لثبات دينك وعلو الحق ، نعم لقد بدأت بمرحلة محدودة حينما وصلوا إلى الكوفة لقد بدأت بضبط العائلة الكريمة إلى جانب الاهتمام بالأسرى والسبايا ، امرأة مفجوعة بهذا القدر، فقدت كل شيء مع ذلك تلتفت إلى أدقّ التفاصيل السياسية والشـرعية  تلتفت إلى التفاصيل السـياسية من خلال خطبتها التي بدأت على جسد أخيها حينما قالت  قولها المعبر عن الإيمان بالتضحية والفداء من اجل القضية التي ثار من اجلها أبا الثوار  والأحرار الامام الحسين إلهي تقبّل منا هذا القربان  أي أرادت ان تقول  الهي  تقبل من أل نبيك  قربانا" هو أخر ابن بنت نبي على الارض  كي  يحفظ الدين وتنهزم  كل  المحاولات لتحريفه وانحرافه ومن هنا بدأ الدور الإعلامي للثورة بالاضافة الى  الدور الرديف للثائر ، إنها أعظم  خطبة سياسية  تكشف عن كل الخلـفيات العـقائدية والحضارية  والفكرية التي كانت تحرّك الحوراء زينب عليها السلام و كما هو الامام الحسين عليه السلام وكما أهل بيته الغر الميامين وأصحابه الذين عبروا عن الإيمان الواعي والجلد والفداء من اجل نصرت الحق بالرغم من أنه لم يكن هناك سعي على موقف دنيوي ، بل هناك قضية في بعدها السياسي وفي بعدها الاقتصادي ، وفي بعدها الاجتماعي والثقافي ،  ومن هنا لم يعتبر  ألإمام الحسين (ع) ضحية غاية  ذاتية وتطلع سلطوي ورغبة بالحياة ، هو شــهيد ، هو ثائر هو قربان


منذ هذه الخطبة الأولى وإلى آخر يوم من حياتها التفتت إلى التفصيل السياسي كيف تحول هذا الحدث المحاصر الذي حوصر قائده ، وحوصر جنده وأشاع الفاعلون عنهم أخباراً في العالم الإسلامي واصفين إياهم بالخوارج والكفرة ، لقد استطاعت السيدة زينب (ع) من خلال عدة خطب سياسية واجتماعية ، وفي فتر جيزة أن تغيّر الرأي العام من خلال كشف الحقيقة  ومن أعظم التفاصيل أنها ترسل إلى قائد فرقة الســــبايا ، وتطلب منه أن يخرج الرؤوس من بين المحامل لتتفرج النـاس على الرؤوس وقالت (( فقد خزينا من كثرة النظر إلينا )) فلو أخرت الرؤوس أو قدمتها عنا ، والتفتت إلى الطفل الذي أخذ تمرة من بعض المتصدقين في الكوفة فتخرج التمرة من فمه وتقول إنها صدقة ونحن أهل البيت لا تحل لنا الصدقة ، هذا النوع من التفاصيل الدقيقـة التي أظهرتها الســيدة زينب (ع) بالرغم من المصيبة التي أصابتها ، بقيت تتصرف بوعي حتى آخر يوم من حياتها  ، فالسيدة زينب (ع) تذهب إلى المدينة وتلقي خطبها ، وإلى الكوفة وإلى كل مكان ، لقد أعلنت الثورة ضد الحكم الأموي ، وفي مجلس يزيد الطاغية فقالت له  (( كد كيدك واسع سـعيك ، وناصب جهدك فوا لله لا تمحو ذكرنا ، ولا تميت وحينا )) ، أليس ذلك جهاداً لا مثيل له في عالم النساء والرجال ، علماً بأن أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر . زينب سلام الله عليها لم تخف من عاقبة كلامها هذا إلى جانب الخطب السياسية الكثيرة التي ليس فيها ذل ، ولا ضعف، ولا انكسار ، ولكن فيها حزن وهذا أمر سوي وطبيعي ، وفيها ثورة ،  وفيها كشـــف عن حقائق أخفاها النظام الأموي


إن إمراة تكون بهذا المقدار، تقف هذا الموقف ، وتتهدد وتتوعد ، هذا أمر إسـلامي عظيم  لقد حوّلت السيدة زينب المأتم الحسيني الذي تقيمه إلى مؤسسة عظيمة وإلى مدرسة تخرّج الثوار الرافضين لإنصاف الحلول وللظلم والطغيان ومعها الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام مبينين  أن يكون للإنسان المؤمن دور اجتماعي فاعل في الحياة اليومية وانه لا يجوز أن يهجر المسلم أخاه فوق ثلاث ليال كما حثنا الإسلام على الاهتمام بأمور المسلمين وحمل الهم الإسلامي ، و ما قلناه لا يعني أن لا يختلي الإنسان بربه في ظلمات الليل ليصلي وليرفع يديه بالدعاء والانقطاع إلى الكمال المطلق وهو الله عز وجل هذا مطلوب وهو يعمق الحالة الإيمانية ، بالتواصي بالحق والتواصي بالصبر يتحقق الالتزام بالمنهج  ألقرآني والنبوي الشريف بالاعتصام بحبل الله القوي العزيز الذي يوصل إلى النجاة في يوم القيامة ، كما قال عز وجل في محكم كتابه " * اعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون *  أي أرادة الحوراء زينب ان تبين الشرائط الاجتماعية للمجتمع الاسلامي وان تكون واقعة ألطف الانعطاف الواعي في المجتمع الاسلامي والمؤسس لعملية التغيير الذي يلبي حاجات المسلم وان يخلوا المجتمع من الحاكم المتفرد المتسلط المجافي للشرع وروح التسامح والتآخي والتواد

 


يتبع رجاء"

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاربعاء / ٢٠ مـحـرم ١٤٣١ هـ

***

 الموافق  ٠٦ / كانون الثاني / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور