''بلير'' إنك ذاهب إلى الجحيم

 
 
 

شبكة المنصور

ذكرى محمد نادر

ما زالت كرة النار وليست كرة الثلج هذه المرة، تتدحرج بعد مرور سبع سنوات على احتلال العراق. وما زالت النبوءة تتحقق، في أن رؤوسًا عديدة ستسقط، وأن عروشا ستنهار، ولن يعفى من العقوبة أحد ممن شارك في الحرب الغادرة التي تسببت باحتلال العراق وتشريد أهله وتهجير الملايين من أبنائه بالإضافة إلى الرقم المتصاعد في أعداد القتلى والمشوهين والأيتام والأرامل، وانهيار البنى الحياتية بأشكالها كلها، وإطلاق وحوش العصابات المدربة جيدًا على القتل والترويع والمنتشرة بين أراضي وادي الرافدين تحتل الكراسي السياسية، طليقة بأمر أميركي ومباركة بريطانية. وليست الأزمة الاقتصادية العالمية، إلا شكلا مباشراً، من أشكال هذا الانهيار، وهي بدايته وحسب، ويليها اندحار واحتقار الشخصية الأميركية القوية التي جهدت الإدارة الأميركية في الترويج لها وتلميع صورتها، تعبر عنها شحنات الاستهزاء العالمي للأداء الأميركي الفاحش والتنكيل غير المسوغ بالمواطن العراق.

 

ولعل الصورة الأكثر اقترابًا من التعبير عن السلوك الجمعي العالمي هو هذا التفاعل الكبير، مع حادثة رشق بوش بفردتي حذاء الصحافي العراقي منتظر الزيدي، التي ما تزال تلهب حماس الناس في العالم قاطبة وتثير سخريتهم منه ومن الإدارة الأميركية وجيوشها المنهمكة بالتنكيل بشعب أعزل ويقاوم وجودها بكل ما تيسر له من أشكال المقاومة واستبساله في وجه قوة الاحتلال التدميرية، فإن صور سجن أبو غريب الفضائحية غدت عنوانًا كبيرًا لمدى التلفيق الذي سوغت بسببه الحرب على العراق، وأخذت الغايات الحقيقية تظهر للعلن حتى أن الشعب الأميركي نفسه لم يعد قادرًا على تصديق وهم الحرية والديمقراطية التي سوقت أميركا حربها تحت رايتها، كما لم يعد مقنعًا لهم بعدما تكشفت أساليب قادتهم وباتت أكاذيبهم محل تندر وازدراء وسخرية.


وليس بعيدا جدا عن هذه الحقيقة ما يحدث اليوم في بريطانيا من تكشفات مريعة صار الشارع البريطاني يفغر فاه منها تعجبا، فمن فضيحة التعذيب وقتل المواطنين العراقيين واغتصابهم، التي حكم فيها القضاء البريطاني لصالح الضحية المواطن “بهاء موسى” وقد فقد حياته بين أيدي الجنود البريطانيين بتعذيب وحشي حتى الموت، وتلك الممارسات العدوانية الشنيعة التي لا يحتملها ضمير إنساني في العالم أجمع، صارت توضح لهم الصورة أكثر وحجم مقدار الخديعة التي انطلت عليهم، بضلالة شن الحرب على بلد مستقل آمن بسبب شهوات البترول، مضافًا إليها تحقيق الحلم الأميركي الأشهر بإقامة مشروع شرق أوسطي جديد وحماية مصالح إسرائيل ومن خلفها مصالح دعاة الحرب في الولايات المتحدة الأميركية.


فما زالت الصحف البريطانية تهتم بنشر فضائح رئيس وزرائها السابق “توني بلير” وكيفية خداعه الرأي العام البريطاني وزج قرابة 45 ألف جندي في حرب مفتعلة يدفع الشعب العراقي، اليوم، ثمنها وسيدفع العالم كله من بعده وزرها، ولأمد طويل.


فكل يوم تتكشف فيه معلومة جديدة تصدم الشارع البريطاني المخدوع أولا، مثلما تصدم الرأي العام العالمي.


ولا تعد تصريحات الدبلوماسي البريطاني “غرينسوك” الذي شغل منصب سفير بلاده للمدة من 1997 وحتى 2003 والمشككة بشرعية الحرب على العراق الأولى ولن تكون الأخيرة، إذ أدلى بشهادته أمام لجنة التحقيق بالحرب، التي أعلن فيها بشهادة مكتوبة: “إن قرار شنّ الحرب على العراق غير قانوني، وإنها حرب غير شرعية” وقد طرح شهادته أمام لجنة التحقيق البريطانية، التي ما زالت الشهادات تتراكم أمامها وتتفاقم! والوثائق تتزايد بهذا الشأن وقد كشفت آخر الوثائق المقدمة أمام اللجنة المذكورة التي بدأت عملها في شهر نوفمبر من عام 2007، وفي مذكرة قدمها اللورد “غولد سميث” قال إنه أبلغ فيها رئيس وزرائه “توني بلير” قبل وقوع الحرب بثمانية أشهر، وأكد فيها “إن الإطاحة بالرئيس الراحل صدام حسين هو انتهاك صارخ للقانون الدولي” وذلك حسب ما نشرته صحيفة “ذي ميل أون صنداي” البريطانية الصادرة يوم الأحد الموافق 29/11/2009 وحسب ما نشرته الجريدة نفسها، فإن توني بلير عمد إلى إصدار تعليمات مشددة بمنع اللورد “غولد سميث” من حضور جلسات إجتماعات الحكومة، وحذر من التداول باعتراضاته على الحرب علنيا! ودائما حسب الصحيفة، فإن بلير عمد إلى إخفاء الرسالة وحجبها عن الرأي العام البريطاني، باستثناء بضعة من مستشاريه!


وسيدلي اللورد “سميث” مجددًا بإفادته أمام لجنة التحقيق في الحرب مطلع كانون الثاني المقبل، كما سيخضع بلير الذي اضطر إلى الاستقالة بسبب تداعيات ما بعد غزو العراق وفشل إدارته لملف الحرب على العراق وانفضاح الأسباب الحقيقة لغزو بلد آمن وخداع الرأي العام البريطاني والعالمي وتضليله كليا سيخضع للاستجواب مطلع العام القابل.


وفي تطور لاحق أدلى “دايفيد ماتينغ” مستشار بلير للمدة ما بين 2001 وحتى 2003 أمام اللجنة بافادته موضحًا أن توني بلير طلب من وزارة الدفاع البريطانية تحضير خيارات بريطانيا العسكرية لخوض غمار الحرب ولمساندة القوات الأميركية حتى قبل الحصول على موافقة أممية بذلك! وإن التحضيرات لشنّ هذه الحرب قد بدأت منذ يونيو حزيران من العام 2002.


 وتحدث ماتينغ عن خيبة أمله من اندلاع الفوضى المريع الذي سببته القوات المحتلة في العراق وعن الانفلات الامني وعن خيبة أمله الكبيرة في أداء القوات الأميركية التي كانت تتعامل كقوات قتالية حتى بعد الإعلان عن انتهاء الحرب، منتقداً طريقة أداء القوات أثناء زيارته للعراق العام 2003!


إن كرة النار التي بدأت تتدحرج ستأخذ في طريقها الكثير من الرؤوس وستكشف بنحو أكبر وفضائحي أكثر عن الأكاذيب كلها التي سيقت لتسويغ الحرب على العراق وغزوه وتدميره. وليست فضيحة الجيش البريطاني والأميركي، وطرق التعذيب الوحشية التي أدت إلى مقتل العشرات بالوصفات الجاهزة لأساليب التفنن في نهش لحوم ضحاياهم من ذوي الجلد العراقي وإطلاق لجام الوحوش الكاسرة المدربة لالتهام أرواح ما زاد على مليون قتيل سوى مقدمة، لما سيأتي... إن عروشًا ما تزال تتأرجح لتسقط تحت الأقدام، ووجوهًا ما زالت تتكشف، تحت وقع ضربات المقاومة العراقية الباسلة ومن خلفها الشعب العراقي الأبي.


ويومها ستخرج  الضحايا من أجداثها، لتشف غليل قلوب قوم عذبتهم السياسات العدوانية لبوش وبلير، حين سيقذفان ومن خلفهما، ديك تشيني عمدة الموت، ورامز فيلد وباول، وكوداليزا رايس، والرؤوس كلها التي هندست شنّ هذه الحرب، باحتقار إلى جحيم الازدراء.


توني بلير... أبشرك... إنك ستصحب صديقك المفضل بوش في رحلة طويلة... نحو الجحيم الأبدي!

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

السبت / ١٨ ذو الحجة ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ٠٥ / كانون الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور