موطئ قدم - قبلة على جبينك يا منتظر

 
 
 

شبكة المنصور

ذكرى محمد نادر

كنت أود أن أؤجل الكتابة في تذكر واقعة الحذاء العظيم والرشقة الكبيرة في وجه السفاح بوش ليلة 14 من كانون الاول من عام 2008 والتي نفذها الصحفي العراقي وابن العراق البار منتظر الزيدي الذي أثلج قلوب جميع العراقيين وقد "فحطت" منهم الافئدة, وهم يبحثون في مزابل ما خلف السدة عن جثث احبتهم, حذاءا ثأريا وضعه بوجه قاتل القرن الحادي والعشرين في حدث لن يتكرر الا بتقليد, وبقيمة ثأرية, لدم مليون قتيل, وملايين الايتام, ومليون ارملة ويزيد, ما زلن ينحن شوقا لقتلاهن.  كنت اريد ان اكتب مستذكرة, تلك اللقطات الاثيرة لنفسي وقد بقيت تلاحق بوش في حله وترحاله, حتى غدت علامته الفارقة لنهاية خدمته كرئيس لدولة امريكا, استحقاق نهاية خدمة هي اقل مما يستحقه حقا, جزاءا وفاقا من العراقيين المنكوبين بفجيعة الاحتلال وما  بعده حتى صار يكنى "مستر شوز" استخفافا!


أقول كنت أود ان اكتب في تذكر تلك الحادثة التي اثلجت صدري ودفعتني لسكب الدموع  فرحا, وانا أرى واحدا من ابناء وطني بصدر عار وضمير متوهج, يواجه اكبر مجرمي العصور ليطبع على وجهه ما لن ينساه طيلة عمره, لو لا حدوث مهزلة سيف الخياط الصحفي  الباحث بيأس عن لمحة ضوء تسلط عليه, يحقق فيها شيئا من اثارة الانتباه له. ففي قاعة نادي الصحافة في باريس.. وامام حشد من الصحفيين المحتفين بمنتظر الزيدي بطلنا العراقي الطيب, تقدم منه صحفي ولاجيء سياسي يقيم في باريس منذ عام هربا من العراق, محاولا الاعتداء عليه  بعملية فاشلة لتقليد ما قام به منتظر سابقا من حادثته الاثيرة التي ما زالت تشعل ضمير الرأي العام العالمي وتلهب حماسته, مثلما تثير السخرية من مجرم الحرب بوش, حيث ما تزال اثار دماء الضحايا العراقيين عالقة بين مخالبه واصابعه.


حاول سيف الخياط تقليد ما فعله منتظر من قبل, لكنه فشل فشلا ذريعا وقد  استنكر فعلته جميع الصحفيين الذين كانوا موجودين في القاعة وخرج ذليلا مطرودا منها, تتبعه صحياتهم المستنكرة وهي تلعنه.

 

والخياط الباحث بيأس عن شهرة  مفتعلة ومستعجلا ما ينتشله من ظلمة تحيط اسمه, فمنذ ايام وحسب, قام بمحاولة يائسة اخرى, لاجتذاب الانظار اليه فلجأ  الى شنق نفسه بحبل غليظ أمام انظار رئيس العراق الحالي جلال طالباني اثناء زيارته الاخيرة وفي قاعة بلدية باريس وبحضور عمدتها, احتجاجا على سياسة قمع الحريات الصحفية, في العراق وعمليات التنكيل التي راح ضحيتها ما يقرب من 300 صحفي عراقي واعلامي عدا من غيبتهم سجون الداخلية العراقية وسجون الاحتلال الامريكية, وقلنا وقتها ها هنا ربما صحفي شريف آخر يحاول ان يرفع صوته في وجه مدعي الحرية وكدنا ان نستحسن عمله, خصوصا وانه تزامن مع افعال اجرامية كبيرة كان اخرها محاولة اغتيال الصحفي العراقي عماد العبادي الذي كان نصيبه بضعة رصاصات من كاتم صوت وبيد قاتل مجهول.


ولكن شتان ما بين الحدثين, وشتان ما بين الشخصين. فمنتظر الذي قرأ شهادتيه قبل ان يقوم باطلاق قذيفتيه في وجه بوش كان هدفه ودافعه الثأر لدماء غزيرة سكبت في ارض الرافدين, ارض صار لها بعد الاحتلال, في كل شبر منها قبر وبقعة دم, ومنتظر لم يكن ينتظر سوى موته على ايدي الجلادين, فهو في عمله الميداني جوابا وبين احياء بغداد وفقرائها تشرب عمق مأساة بلده, وعاش خضم أوجاعهم وشاركهم خوفهم, وكتب عن آلامهم وحفلت تقاريره الصحفية بقصص الدمار اليومي, لشعب طيب كل جريرته, انه يقع جغرافيا فوق اكبر بحيرة بترول!


لم يكن يحلم بمجد من وراء فعلته الشجاعة, ولا جاه ولا مال, بل كان قد حضر نفسه للشهادة واستودع روحه عند قدير مقتدر.


بينما الخياط الذي سيخيط طويلا ندوب فشله, كان الهدف من وراء اهانته لمنتظر رغبة كبيرة في الظهور على شاشات التلفزة في لعبة لم تنطل على الصحفيين, وانا شخصيا اشك في انه سيتطيع مجددا شق او ايجاد مكان لنفسه بعد وصمها بعار مقيم فصحفي بلا قضية هو لا شيء يذكر!


وقد فشل سيف الخياط في توخي الفائدة من عمله بعد ان اثار استهجان وحفيظة كل الموجودين الذين تعالت اصواتهم بطرده من القاعة فيما كان صوت منتظر الزيدي مناديا ومطالبا بعدم ضرب الخياط او ايذائه!


الفرق هنا في الاداءين واضح وبين فهو, فرق بين صحفي غيور لوطنه واهله ومواطنيه, وآخر دفعته غيرته من زميل له تحول بفعلته, الى رمز يتحدى به الناس في العالم اجمع عنوان التهجم على الشعوب واذلالها. فرق بين عراقي مازال يسمع أنات الطفلة عبير الجنابي وهي تصرخ لاهلها قبل ان يقتلهم جنود المارينز من فرقة 101 ثم يغتصبون طفولتها قبل احراقها حية, ومليون جثة عبثت بها عصابات الموت تمزيقا وتشويها, وتهديم وطن من اجمل الاوطان واطهرها فيه اشرقت فجر البشرية, وبين اخر حاول بيأس ان يتدافع بمنكبيه بحثا عن مكان له بين قمم الصحفيين الحاضرين احتفاءً بمنتظر الزيدي فتانا الطيب.


وانا بدوري, كصحفية واعلامية عراقية, اسأل من تباكى على معايير المهنة واخلاقها واقول لهم: اين انتم ومعاييركم, حينما يساق الرجال الطيبون نحو مصائر مجهولة, يثقبون بآلات الموت حتى يتعجلونه, اين انتم حينما تتصارخ النساء بين ايدي الجلادين في حفلات الاغتصاب الجماعي, اين معايير واخلاقيات مهنتكم  وانتم ترون اسواق النخاسة لبيع اعراض الحرائر, واطفال اليتم تغص بهم طرقات الجوع, ويباعون كقطع ادمية مقطعة لعصابات المتاجرة بالاعضاء البشرية, اينكم, وانتم ترون الدماء تسفك والضحايا تعذب حتى الموت والوطن يباع بالمزادات العلنية لدول الجوار والباحثين بشهوة الدم عن الثروات, اين انتم والعراق, ماضيا, وحاضرا وتاريخا ومستقبلا, يساق الى المقصلة صباح كل يوم, ألم تهتز غيرة اقلامكم وضمائركم, واني لاستغرب ممن يستثار "لحرمة ضيف" جاء في عتمة ليل هل ان هذا الضيف كان ابا لواحد منكم ام انها كما اعتاد اهلنا في العراق قوله "ان الغيرة قطرة لو سقطت لن تعود!


حسبك يا منتظر ان شرفاء في العالم هم من يحتفون بك. حسبك ان القلوب النازفة الما وهما هي من تدعو لك.. حسبك ان العراق ذات يوم حين تأخذ الامور ناصية الحق فيها ان يقال لك: انك كفيت ووفيت.


وها انا احتفل مجددا بنشوة فرحة كبيرة حققتها لي في ليلة 14 من شهر كانون الاول من عام 2008 . عام ضرب بوش ... بالقندرة.

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

السبت / ١٨ ذو الحجة ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ٠٥ / كانون الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور