المدافعون عن الاستعمار الايراني : من هم ؟

﴿ الحلقة الرابعة عشر - ب - الاخيرة ﴾
 
 
 
شبكة المنصور
صلاح المختار

الصديق هو الذي يعرف اغنية قلبك ويستطيع ان يغنيها لك عندما تنسى كلماتها

 

12 – تعمد الدمج بين الشيعة وايران : لوحظ في العراق اولا إن من يهاجم ايران بسبب غزوها للعراق يرد عليه فورا بالقول انتم تكرهون ايران والشيعة ، أو انتم تروجون للخطر الايراني  والشيعي ...الخ . وتوصلنا بعد بحث إلى إن هذا الربط المصطنع بين الشيعة العرب وايران هو من عمل المخابرات الايرانية ايضا ، التي وجهت من يعمل في خدمتها بان يدافع عن ايران بالربط بينها وبين الشيعة العرب . ومؤخرا وصلت هذه البدعة الاستخبارية الايرانية إلى الارض الفلسطينية بفضل بركات وعمق (الصلة الستراتيجية )  بين عناصر فلسطينية وايران ، فقد نشر كاتب فلسطيني مغمور مقالا تبنته شبكة الجزيرة نت ، وهو تبن ملفت للنظر ، عنوانه يقدم صورة كافية لهذه الحيلة الايرانية وهو التالي : (في مقولة الخطر الشيعي الإيراني.. أين يكمنُ الخطر؟!) . ان الربط بين ايران والشيعة العرب هدفه الأبعد ردع من يهاجم ايران خوفا من الاتهام بانه يهاجم الشيعة العرب ! فلو ان النقد تركز على ايران لامكن قبوله لان ايران تمارس سياسة توسعية في العراق وغيره ودورها المكمل للدور الامريكي واضح جدا ، ولكن ان يربط قسريا بين ايران والشيعة فان الناقد سوف يتردد كثيرا في القيام بنقده ، وهنا يكمن الدور المخابراتي الايراني وحساسيته . ونتيجة لهذه الحيلة نجد بعض العرب يتقيد بعدم الدفاع عن ايران الا بعد ربطها بمعاداة الشيعة العرب او الشيعة بشكل عام ، فمن يهاجم ايران ، في هذه الحالة ، يتهم بانه يهاجم الشيعة حتى لو كان من اقحاح الشيعة العلويين العراقيين المناهضين للاحتلال الامريكي الايراني للعراق ، وهم يشكلون الاغلبية الصامتة في الوسط الشيعي العراقي .

 

وهنا مرة اخرى علينا الانتباه الى التماثل التام بين تكتيك المخابرات الايرانية هذا وتكتيك الحركة الصهيونية العالمية التي تقرن ايضا مهاجمة الصهيونية بمهاجمة اليهود من اجل توجيه تهمة ( معاداة السامية ) فورا وابتزاز من ينتقد الصهيونية ويفضح جرائمها ! ان واجبنا يفرض علينا كشف هذه الحيلة ورفض الربط بين ايران والشيعة العرب عند الدفاع عن ايران والرد بحزم وقوة ومنطق على هذه الحيلة ، خصوصا وان من يهاجم الشيعة العرب هم زمرة من الطائفيين السنة لا تمثل الا عددا ضئيلا يستمد حياته وقوته من جرائم ايران .

13 – محاربة ايران لدعم امريكا : والحيلة الاخرى تقول انتم تحاربون ايران لان امريكا تريد ذلك ! وهذه الحيلة وظيفتها اخفاء عدة حقائق تكشفها عدة أسئلة منها :

 

أ‌-  هل امريكا تحارب ايران حقا واين تحاربها ؟ الجواب : كلا ، الواقع يقول إن امريكا تتحالف مع ايران في العراق ضد المقاومة العراقية ومن اجل تمزيق العراق ومحو عروبته ، وتتفق معها على نشر الفتن الطائفية في الوطن العربي .

 

ب‌-  هل حقا إن الانظمة العربية تحارب ايران ؟ الجواب : كلا ، الانظمة العربية ، خصوصا الاشد تبعية لامريكا ، في حالات عديد تساعد ايران على نشر الفتن الطائفية بتبني موقف طائفي مضاد للطائفية الايرانية ومكمل لها ، الامر الذي يساعد ايران – وامريكا والكيان الصهيوني أيضا - على تعظيم الصراع الطائفي ، مع انه صراع مفتعل وثانوي ، وتقزيم الصراع التحرري الوطني والقومي ، مع انه الصراع الرئيسي والحقيقي ، بالاضافة لحقيقة معروفة وهي إن من ساعد امريكا على غزو العراق انظمة عربية وليس ايران فقط .

 

ج - هل تحارب المقاومة العراقية ايران ارضاء لامريكا أو النظم العربية أم لان ايران تشارك امريكا في احتلال العراق فتحاربها كما تحارب امريكا وبترابط لا يجوز فصله ابدا ؟ الجواب : ان المقاومة العراقية تحارب في إن واحد امريكا وايران ولاتفصل بينهما لانهما شريكان مترابطان في غزو وتدمير العراق شعبا وارضا ودولة ومجتمعا .

 

اذن حيلة إن المقاومة تحارب ايران ارضاء للنظم العربية أو امريكا هي جزء من آليات الدفاع الايرانية التي تستخدمها من اجل ابقاء خطتها التوسعية حية وقادرة على اختراق الجدران التي تقيمها القوى الوطنية العربية لمنع امتدادها الاستعماري .

 

14 – خنق المقاومة العراقية : تقوم الدعاية الايرانية التي ينفذها الطابور الخامس الايراني على هدف التعتيم على المقاومة العراقية وتشويه صورتها لان ذلك يسهل حرمانها من الدعم المعنوي العربي ، او اضعافه ، وتكون نتيجته الحط من شأنها ومن دورها وعندها يمكن توجيه ضربات للمقاومة العراقية من قبل الاحتلال الامريكي - الايراني ، وسط صمت عربي شعبي ، او على الاقل وسط صمت نخب مثقفة . إن السؤال التالي واجب الطرح : من يمارس مؤامرة الصمت والشيطنة على المقاومة العراقية ؟ إن اكثر من يسيء للمقاومة العراقية ويحاول عزلها عن محيطها الشعبي العربي هي عناصر الطابور الخامس الايراني التي تعظم حزب الله وحماس ، فتكسب تعاطف مناهضي الصهيونية والاحتلال ، لكنها وبنفس الوقت تهمل المقاومة العراقية أو توجه لها تهما مسيئة ، مثل انها تحولت إلى مقاومة طائفية فتحرمها من الدعم الشعبي أو بعضه على الاقل . وبطبيعة الحال فان ايران وان كانت تستفيد من هذه الدعاية في محاولة عزل المقاومة فان امريكا ايضا تحقق اعظم هدف لها وهو اضعاف الخطر الاكبر الذي يهدد احتلالها للعراق .

 

15 – ثمن بخس : حينما نقارن ما تدفعه ايران لقاء تحجيم الادانة العربية لها بسبب مشاركتها لامريكا في غزو العراق نلاحظ انه ثمن بخس ، بضعة ملايين من الدولارات تدفع شهريا لمن يصمت من العرب على كارثة العراق ، خصوصا بعض العناصر الفلسطينية ، مع إن غزو وتدمير العراق هو اخطر ما تواجهه الامة العربية منذ غزو فلسطين ، لانه الحلقة المركزية في المخطط الصهيوني – الامريكي لانهاء الامة العربية ومحو هويتها ، على اعتبار إن العراق هو القلعة الاخيرة للقومية العربية . وهنا تكمن ظاهرة الانحطاط  ليس الاخلاقي والوطني فقط بل أيضا الانحطاط التام للتفكير العقلاني والحساب المنطقي : فبين دعم مالي وسياسي تقدمه ايران لعناصر فلسطينية تستطيع به المناورة والمساومة لكنه لا يكفي  لتغيير مجرى الصراع الستراتيجي ، وهذه حقيقة لابد من الانتباه اليها ، وبين القضاء على الثورة العراقية المسلحة ، مع انها امل العرب في التحرر والتحرير بما في ذلك تحرير فلسطين ، نجد إن الكاسب الاكبر هي ايران والصهيونية وامريكا والخاسر الاكبر هي الامة العربية وحركة التحرر الوطني العربية . إن الصمت على كارثة العراق ما هو إلا انتحار كل عربي وموته البطئ والمؤجل لكنه موت محتوم .

 

إن غنيمة  ايران الاعظم هي غزو العراق وان فشل فتدميره ، تماما كما تريد وكما خططت امريكا والكيان الصهيوني ، لان العراق هو العقبة الاساسية التي تمنع التوسع الايراني غربا وتمنع التوسع الصهيوني في كل الاتجاهات وتمنع الامبريالية الامريكية من الابقاء على نفط العرب رهينة في يدها ، لذلك فان الصمت على هذا الغزو يشكل اهم فرصة لايران – كما امريكا والكيان الصهيوني - كي تتنفس وتتحرك دون عوائق أو باقل العوائق ، وتنفس ايران ومنحها فرصة مواصلة التحرك التدميري في العراق مشروط برشوة عناصر فلسطينية يستخدم اسمها للتمويه على مشاركة ايران لامريكا في غزو وتدمير العراق .

 

ويجب علينا الانتباه التام إلى حقيقة تحكم الموقفين الامريكي والصهيوني من ايران ، فبالاضافة للغياب التام لاي توجه في مشروع ايران القومي ، في زمن الشاه وزمن خميني - خامنئي ،  يتناقض جوهريا مع المشروعين الامريكي الامبريالي والصهيوني الاستيطاني ، فإن ايران تعرف بانها  حتى لو ارادت تبني مشروع يتناقض مع المشروعين المذكورين فانها عاجزة عن تحقيق اهدافها في فلسطين والمنطقة على حساب امريكا والصهيونية ، لذلك فانها تقدم المال لشراء مناورات تقوم عناصر فلسطينية لصالح ايران من اجل إن تحقق ايران مكاسب في تقاسم النفوذ الاقليمي على حساب العرب . إن صمت عناصر فلسطينية على كارثة العراق ، هو رشوة صريحة وعلنية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى ،  وهنا تظهر الاوجه الاخرى لخطورة اللعبة الايرانية مع عناصر فلسطينية وعربية .

 

16 – لم لم تضرب ايران ؟ هناك من يقول بان امريكا لم تغزو ايران لانها عاجزة عن ذلك بفضل قوة ايران ، وهنا نواجه لعبة إيرانية – امريكية - اسرائيلية  تقدم لنا امريكا والكيان الصهيوني بمظهر العاجز عن مهاجمة ايران من اجل شلها ومنع ( خطرها ) ، اذا افترضنا انها فعلا تشكل خطرا على امريكا والكيان الصهيوني . فهل صحيح إن امريكا بكل ماكنتها العسكرية وقدراتها التكنولوجية ، التي تعد الافضل في العالم ، لا تستطيع حرمان ايران من مصادر قوتها العسكرية الفائضة عن حاجتها ؟

 

لنفترض لاغراض الجدل بإن امريكا غير قادرة على غزو شامل لايران ، كما فعلت في العراق ، نتيجة التورط الخطير في العراق والذي أستنزف قدرات امريكا بصورة خطيرة وحيّد خيار تحقيق نصر حقيقي او شن حرب اخرى ،  طيب غزوها مستحيل ، ولكن هل هذا يعني عجز امريكا عن شن حرب صاروخية وجوية ، ان ارادت ، من اجل تدمير مصادر ( الخطر ) الايراني المزعوم إن كان هناك خطرا فعلا ؟ الجواب هو كلا انها غير عاجزة وتستطيع تدمير المشروع النووي الايراني ، بل والقدرة العسكرية الايرانية ، بقصف جوي وصاروخي لعدة اسابيع كما فعلت مع العراق . هذه حقيقة أولى يجب الانتباه لها ويعرفها اي عسكري لديه اطلاع ولو بسيط على القدرات المقارنة بين امريكا وايران .

 

ولكن قد يرد البعض بالقول إن ايران سترد بقصف القوات الامريكية في العراق والخليج العربي وعلى منشأت النفط ، وهو ما يردع امريكا ! هل هذا صحيح ؟ طبعا لا ، فان بامكان امريكا ان تحبط اكثر هذه الهجمات الايرانية بفضل اسلحتها المتطورة المضادة للصواريخ من جهة ، وقدرتها على تدمير البنى التحتية والمنشأت الاقتصادية الايرانية اذا ردت ايران على موجات القصف الجوي والصاروخي من جهة ثانية ، وهذا امر تعرفه ايران وتتجنبه لانه سيخلق فوضى وتدهور الامن الايراني مما يسمح بتمردات داخلية كثيرة . وفي هذا السيناريو فان الخسائر متوقعة ومحسوبة لان امريكا لا تقوم بمناورة تدريبية بلا خسائر بل تنفذ مخططا امبرياليا شاملا لابد وان يتضمن خسائر محسوبة .

 

اذن لم لا تضرب امريكا أو الكيان الصهيوني ايران رغم مرور ثلاثة عقود على الصراع بينها ؟ الجواب العملي وليس النظري هو مانراه في العراق وكل الاقطار العربية ، فاولا ، غزو العراق ما كان له إن ينجح لولا الدعم الايراني ، كما اعترف قادة ايرانيون كثر وهو ما وضحناه ، وبما إن غزو العراق هو الهدف الستراتيجي الامريكي الاول والاهم ، كما اكدت تجربة غزو العراق وبدء الحرب منذ عام 1991 واستمرارها حتى الان ، وهو اي تدمير العراق ، ثانيا ، الهدف الستراتيجي الصهيوني الاول كما اعترف شارون وعوديد ينون وغيرهما مرارا ، فان ايران تنفذ سياسات تقدم خدمات ستراتيجية عظمى ، وليس ثانوية ، لامريكا والكيان الصهيوني تجعل شغبها ومطاليبها مهما كانت عالية ثمنا مقبولا لقاء تلك الخدمات الايرانية الخطيرة .

 

وعلينا إن لا ننسى الخدمة الستراتيجية الاخرى التي تقدمها ايران لامريكا والكيان الصهيوني وهي نشر الفتن الطائفية وهو ما وضحناه بالتفصيل سابقا ، بعد إن فشلت كل القوى المعادية للامة العربية منذ بداية القرن الماضي كفرنسا وبريطانيا وامريكا ثم الكيان الصهيوني في اثارة اي فتنة طائفية كبيرة فجاءت ايران خميني لتحقق هذا الهدف الخطير والمشترك لكل من الصهيونية والغرب الاستعماري .

 

امريكا لا تريد ضرب ايران ليس لانها لا تستطيع ذلك بل لان ايران تلعب دورا خطير في الاقطار العربية وهو نشر الفتن الطائفية وشرذمة الاقطار العربية واستنزافها وتخويفها بالخطر التوسعي الايراني ، والذي يخفي ويقزم الخطرين الامريكي والصهيوني وهما خطران قاتلان ، وتلك  شروط مسبقة تحتاج اليها امريكا لتعزيز وجودها وبيع المزيد من الاسلحة للعرب ، كما يحتاجها الكيان الصهيوني لانها تشغل العرب بعدو اخر يستنزفهم ويدمر مصادر قوتهم فيرتاح من ( الخطر العربي ) .

 

ولابد من الاخذ بنظر الاعتبار دروس تجربة الحرب التي شنتها ايران على العراق ( بين عامي 1980 و1988 ) لاكمال الصورة الحقيقية لايران ، ومنها استعداد ايران لاستخدام ما تملك من اسلحة لضرب الشعب العراقي ، فاول من قصف بغداد والبصرة وبقية مدن العراق بالصواريخ والطائرات لم يكن امريكا ولا الكيان الصهيوني بل ايران خميني ( ايران الاسلامية ) وهو قصف حصد ارواح الاف العراقيين المدنيين الابرياء وهجر مئات الالاف منهم إلى مناطق اخرى من العراق ! وهذه حقيقة معروفة وموثقة ويعرفها كل عراقي ، خصوصا اهالي البصرة التي تعرضت لكارثة انسانية نتيجة القصف الايراني المتواصل لها طيلة ثمانية اعوام من الحرب . اذن امريكا لا ترى ان ايران القوية تشكل خطرا عليها او على الكيان الصهيوني لان ايران  استخدمت وستستخدم قوتها ضد العرب وليس ضد امريكا والكيان الصهيوني ، وهي حقيقة تضم في أحشاءها بنتها الطبيعية وهي حقيقة إن استخدام اسلحة نووية ضد العرب ، اذا امتلكتها ايران ، امر متوقع وحتمي ، لان الاستعداد للقتل اذا توفر فان الوسيلة لا تهم ولا تغير المنهج والسلوك .

 

هنا يكمن سر عدم مهاجمة ايران على الاطلاق خلال ثلاثة عقود رغم كل التهديدات المتكررة ، كما انها تفسر لم فرضت امريكا على ايران مقاطعة انتقائية بسيطة ولم تفرض امريكا حصارا شاملا ، مثل الذي فرضته على العراق ، وهو كفيل بتدهور قدرة ايران على الصمود ؟ واخيرا وليس اخرا فان بقاء صراع اللصوص حول تقاسم الغنائم ، بين امريكا والكيان الصهيوني من جهة وايران من جهة ثانية ، يخدم ايران لانه يصورها وكأنها تعارك امريكا واسرائيل الامر الذي يسمح لبعض العرب بدعم ايران حتى وهي تحتل العراق والاحواز والجزر العربية وتريد احتلال البحرين وتنشر الفتن الطائفية بحجة انها تعارك امريكا والكيان الصهيوني ! هل هذه حيل غامضة ؟

واخيرا تبقى نقطة مهمة وهي : لو كانت ايران في حالة صراع حقيقي مع امريكا لكان ممكنا فهم ، وليس قبول ، هذا الولاء الاعمى من قبل الطابور الخامس لايران ، اما وان ايران دولة محتلة لاراض عربية وتقوم بالدور الاسرائيلي والامريكي الاخطر وهو نشر الفتن الطائفية والمشاركة في الاحتلال الامريكي للعراق وتغيير الهوية العربية للاقطار العربية فان دعم ايران لا يمكن عده الا خيانة وطنية عظمى بالنسبة لذوي الاصول العربية .

 

17 – هل لايران مطامع في العراق والاقطار العربية ؟  هناك من ينفي بصلافة مرتزق إن لايران مطامع في العراق والاقطار العربية حتى بعد غزو العراق وبروز الدور الايراني الخطير فيه . ويكفي هنا ان نشير بسرعة وايجاز إلى حقيقة يعرفها شعب العراق ، وهي محاولة ايران بعد الغزو فرض مادة في الدستور الذي وضع اسسه بول بريمير ، الحاكم الامريكي للعراق وقتها ، تدعي وجود قومية رابعة في العراق ويجب الاعتراف بها وبحقوقها ، وهي القومية الفارسية ، بعد القومية العربية والقومية الكردية والقومية التركمانية ، مع إنه لم تكن ، ولم توجد ، اقلية فارسية في العراق على الاطلاق !

 

إلا يشكل ذلك دليلا قاطعا على إن ايران تريد حشر ، من ادخلتهم إلى العراق بالملايين بعد الغزو ومنحت قسما منهم الجنسية العراقية بواسطة الحكومة العميلة في بغداد وبمباركة امريكية رسمية ، في قائمة العراقيين ؟  اليس ذلك دليلا قاطعا على محاولة ايران تقسيم العراق ، او على الاقل تذويب هويته العربية ؟ إن افضل من كتب عن هذه القضية ذات الدلالات الكبيرة هي الكاتبة المبدعة عشتار اينانا المنشور في  مدونتها .

 

18 – من تقاتل المقاومة العراقية ؟ رغم إن اكثر من يدافعون عن ايران يعربون عن تأييدهم للمقاومة العراقية في الزوايا المظلمة أو عند الاحراج ، لكنهم وهم يقولون انهم مع المقاومة العراقية ، وبعضهم يعترف بانها هي التي تخوض معركة الحسم الرئيسية في الوطن العربي والعالم ، يتجنبون كليا التطرق إلى حقيقة معروفة وثابتة ويعرفها كل عراقي وكل مطلع على ما يجري في العراق منذ الغزو وهي إن المقاومة لا تقاتل امريكا وشركائها الأوربيين فقط بل هي تقاتل اهم شريك لامريكا في الغزو وفي محاولات تكريس الاحتلال وهي ايران .

 

يجب ان نبرز وبقوة حقيقة ان هناك صراع دام تريد ايران وداعميها العرب اخفاءه وهو الصراع بين ايران والمقاومة العراقية ، فمن يقول بان المقاومة العراقية تقاتل امريكا فقط واهم ، او مرتزق لئيم ، لان الحرب متعددة الاطراف وايران تشكل احد اهم طرفين يقاتلان المقاومة العراقية ، ولذلك تجد المقاومة العراقية في ايران عدوا اشرس واخطر من امريكا من نواحي عديدة ، منها ان قوات ايران في العراق اشد قسوة على العراقيين بشكل عام وعلى المقاومة بشكل خاص من الامريكيين ، فالامريكي لديه ضوابط عسكرية تمنعه من تجاوز حدود الاوامر المركزية ، كما انه ابن بيئة غربية تحكمها انظمة دستورية واضحة تجعل كل مسئول معرض للمسائلة ، واخيرا فانه نتاج ثقافة براغماتية لا تحكمه احقاد دفينة على العراقيين – باستثناء قلة – ولذلك تحدد اهدافه بدقة عند التعامل مع العراقي الاسير لديه ، حيث يتعرض للضغط والتعذيب ولكن بحدود مقررة سلفا .

 

اما الغازي الايراني فانه نتاج احقاد وثأرات تاريخية معقدة جدا ، وهو ليس راغماتيا بل عقائديا ينطلق دائما من عقيدة عامة تحدد موقفه من العرب بشكل مسبق كاعداء تاريخيين ، خصوصا العراقيين ، لذلك فانه يتعامل معهم بقسوة لا حدود لها ، وهي تقليد ايراني منذ حروب بلاد فارس القديمة مع العرب ، حيث كان الاسرى العرب يعذبون بطرق بشعة منها تقطيع الاطراف وفقأ العيون وتمزيق الجسد بالات حادة . وبسبب هذه الحقيقة فان الاسرى العراقيين يتمنون ان لا يقعوا اسرى بيد ايران ويفضلون الاسر لدى القوات الامريكية . وقدمت ايران مشهدا بشعا هز ضمير العالم بل انه هز ضمير بعض من يؤيد ايران وهو مشهد اغتيال الرئيس الشهيد صدام حسين على يد فرق موت إيرانية مارست اثناءه طقوسا طائفية شنيعة رأها العالم بالاضافة للعبث بجسد الشهيد صدام حسين والتمثيل به !

 

إن ما جرى ويجري في العراق خصوصا بعد الغزو يؤكد إن ايران عدو خطير شديد الحقد والقسوة وهو لعب دورا خطيرا في ضرب المقاومة ولذلك فان المقاومة توجه ضرباتها المدمرة ليس لامريكا فقط بل لايران ايضا بصفتها الشريك الاهم لامريكا في غزو العراق . من هنا فان السؤال الذي يواجهه من يدعم ايران هو لم لا تحترمون موقف المقاومة العراقية اذا كنتم حقا تدعمونها والذي يقوم على اعتبار ايران عدوا رئيسيا كامريكا ؟

ولابد لاكمال صورة الدور الايراني في العراق من تاكيد حقيقة مأساوية : فلئن كانت امريكا واسرائيل قد قامتا باغتيالات نوعية ، باستهداف العلماء والخبراء العراقيين وعماد الدولة المهني والامني بالدرجة الاولى ، فان ايران قامت باغتيالات كمية للعراقيين ، بغض النظر عن هويتهم ، لان المطلوب هو تفريغ العراق من الاغلبية العربية الساحقة بالارهاب الدموي . وكما هو واضح فان هدف الاغتيالات النوعية هو تجريد العراق من مصادر قوته العلمية والتكنولوجية ، في حين ان هدف الاغتيالات الكمية هو تجريد العراق من هويته العربية . والاغتيالات الكمية والنوعية تكملان بعضهما لانهما تحولان العراق من قوة اقليمية عظمى موجودة أو قابلة للوجود مرة اخرى الى دولة مفككة وعاجزة وربما مقسمة ، وهكذا تهمش الدولة التي تمنع التوسعية الايرانية . وفي ضوء ما تقدم لابد من تأكيد إن تدمير العراق قرار امريكي – صهيوني نفذته امريكا ، بتدمير البنية التحتية والقوات المسلحة والاجهزة الامنية ، فيما اكملت ايران المهمة المشتركة وهي التدمير الشامل للدولة ومؤسساتها والمجتمع العراقي .

 

19 – هل اخطأت امريكا بتسليم العراق لايران ؟ نسمع مؤخرا انتقادات امريكية لما الت اليه اوضاع العراق المحتل خصوصا تمكن ايران من التغلغل داخل العراق وامتلاك نفوذ خطير وقوي جدا فيه يهدد بتدمير نهائي للعراق وهويته الوطنية والقومية ، والسؤال الجوهري هنا هو : هل حقا إن امريكا اخطأت في العراق من زاوية اعطاء ايران الفرض للتغلغل في العراق وتحقيق مكاسب اكثر مما حققته امريكا فيه ؟

 

هنا نجيب بتساؤلات منطقية : لو كانت ايران ضد امريكا حقا لم سمحت لها بالتغلغل الخطير في العراق ؟ الم تكن تعرف مسبقا بان اسقاط النظام الوطني في العراق سيؤدي إلى بروز محاولات لملأ الفراغ ، عراقيا واقليميا ، بواسطة ايران وغيرها ؟ لم اهملت ادارة بوش تقارير المخابرات الامريكية ووزارة الخارجية الامريكية التي قدمت قبل الغزو ونبهت إلى ضرورة وضع خطة لما بعد الغزو لتجنب الفوضى في العراق ؟ والاهم : اذا كانت امريكا قد اخطأت وادركت خطئها لم لا تفاوض البعث والمقاومة من اجل عودة النظام الوطني الشرعي ، مع حلفاءه هذه المرة ، مع انها تعرف إن الطريقة الوحيدة لتحجيم سريع وفعال لايران عراقيا واقليميا هي في عودة البعث للسلطة ؟ ولم تصر على الاعتماد على عملاء ايران في العراق دون غيرهم ؟

 

ملاحظة مركزية شديدة الاهمية : من الواضح وبلا أي غموض إن امريكا ارادت تسليم العراق لايران بعد الغزو لان امريكا اعتقدت بان ايران ، وليس امريكا ، من تستطيع تمزيق العراق بوسائلها الطائفية التي تستهوي بعض النفوس المريضة ، وادواتها القمعية البشعة التي لا تعرف حدودا للوحشية وانتهاك جسد وروح الانسان ، فتقوم ايران بتهشيم العراق وتدميره واستنزافه ثم تعود امريكا لالتقاطه من يد ايران بوسائل مدروسة منها الاستخبارية وربما العسكرية كالانقلاب العسكري ( في العراق طبعا ) .

 

يوجد اطار ستراتيجي صارم تتحرك امريكا داخله ومن اجل الوصول إلى اهدافه كاملة : لقد ارادت امريكا نشر ( الفوضى الخلاقة ) ، وهي فوضى منضبطة وموجهة ، منذ حرب عام 1991 بخلق فراغ ستراتيجي في العراق يؤدي تلقائيا  إلى تدخل ايران لملأه ومن ثم انتشار الفتن والحروب والصراعات الخطيرة في الوطن العربي ، وجعل ايران تبدو كأنها الاداة الوحيدة لفعل ذلك ، مع إن امريكا وشريكتها اسرائيل تدعمان بقوة وحماس شديدين الدور الايراني المثير للفتن الطائفية ، لكي تتفتت الاقطار العربية بعد سحقها ببلدوزر ايراني . ثم بعد إن تكتمل اللعبة على يد ايران تبدأ عملية شيطنة ايران وتدفع للاكتمال بمزيد من الفتن والاضطرابات التي تثيرها ايران ، وعندها تتقدم امريكا لطرد ايران ويحمل نظامها المسئولية عن كل الجرائم والكوارث العربية والاقليمية ، بما فيها الكوارث التي اصابت أو ستصيب ايران ، فيتغير النظام من الداخل ، أو يتأدب ، وينصاع للارادة الامريكية ويصبح عضوا اساسيا في النظام الاقليمي الجديد .

 

أذن من مصلحة امريكا شيطنة ايران الحالية في الوطن العربي والعالم ، من اجل اكمال احتواءها ، ولا طريق للشيطنة سوى اطلاق يدها في الوطن العربي انطلاقا من العراق المحتل ، وبهذا المعنى فان الفوضى التي اعقبت الغزو كانت خطة محسوبة ومدروسة ومقصودة هدفها تدمير العراق بايد إيرانية ثم نشر الفوضى والاضطرابات في الوطن العربي بواسطة ايران ، وتلك هي ممهدات شيطنة ايران الضرورية قبل احتواءها .

 

ولكن من الضروري الانتباه إلى إن مقدمات شيطنة ايران لم تبدأ مع اشتراكها الفعال في غزو العراق وافغانستان بل بدأت مع تشجيعها على شراء معدات واسلحة محظورة من دول الاتحاد السوفيتي السابق ومدها بخبرات فنية ، بما في ذلك الذرية منها ، كما فعلت المخابرات الامريكية وادعت انها قدمت بالخطأ معلومات نووية خطيرة لايران ( !!! ) لمعرفة امريكا إن ايران لا تتنمر إلا عندما تقوى ، وهكذا فان جرها جرا وتشجيعها بقوة على شراء اسلحة ومعدات وتكنولوجيا تفوق حاجتها الستراتيجية العادية وجعل حلمها الامبراطوري هو المحرك لها ، كل تلك الخطوات كانت مقدمة لابد منها لشيطنة ايران ولاستخدامها في تدمير الامة العربية ثم محاسبتها ومعاقبتها على ذلك بعد إن تكمل المهمة ، فتخرج امريكا والكيان الصهيوني بريئين من دم العرب واشلاء دولهم .

كذلك فان تشجيع امريكا لايران لا يقتصر على غزو وتدمير العراق وإثارة الفتن فيه ، ففي اليمن مثلا انكر مساعد وزيرة الخارجية الامريكية في مؤتمر عقد في البحرين في منتصف شهر كانون الاول 2009 ، وجود معلومات لدى امريكا عن قيام ايران بدعم الحوثيين ، مع إن لدى المخابرات الامريكية الكثير من تلك المعلومات ، والانكار هو رسالة لايران تشجعها على مواصلة دعمها للحوثيين لانها ، ورغم دهاء قادتها ، وقعت في فخ اغراء تحقيق الحلم الفارسي الذي تكون بعد تدمير امبراطورية فارس على يد الفاتحين المسلمين وهو حلم بناء امبراطورية فارسية تحت غطاء الاسلام . وما تريده امريكا هو توسيع نطاق الفوضى ليشمل جنوب الجزيرة العربية فتحاصر السعودية بايران ، من شرقها وجنوبها وتحرض على قيام دويلة صفوية – اسماعيلية تمتد من شمال اليمن حتى شرق السعودية ، وهو وضع يجبر السعودية على طلب المزيد من الدعم الامريكي وشراء المزيد من المعدات العسكرية الامريكية لتجنب تفككها .

 

ولا يخدع احد بالاعتقاد بوجود تناقض في القول بان امريكا ضد الحوثيين وانها تشجع ايران على مواصلة لعبة دعمها للحوثيين ، فتلك هي طريقة المخابرات الامريكية في كل مكان ، ففي العراق تدعم امريكا الدور الايراني من اجل زيادة مشاكله وشرذمته ، لكنها تتصارع مع ايران حول تقاسم النفوذ . إن التفكير الامريكي ، خصوصا المخابراتي ، مركب ومعقد وليس بسيط وواحد الاتجاه ، والافلام والمسلسات الامريكية ليست مجرد افلام بل هي تعكس نمط التفكير الامريكي .

 

20 – كارثة العرب المعاصرة الاعظم ما هي ؟ ان اعظم تحقير للعرب تقوم به ايران منذ وصول خميني للسلطة ، واكبر واخطر خدمة تقدمها للصهيونية والغرب هي جر العرب الى صراعات دموية مهلكة من اجل قضية تفتقر الى الحد الادنى من المنطق والعقلانية وهي المطالبة ب ( اعادة الحق الى اهل البيت ) بعد حوالي 1400 عام على تلك القضية ! بربكم قولوا لنا كيف سيعود الحق اذا زال صاحبه منذ مئات السنين ؟ ومن سيحل محلهم في التمتع بالحق ؟ هل خامنئي هو وريث ال البيت مع انه فارسي ؟ اليست تلك اكبر اهانة للعقل العربي ؟ اليس جعلها  موضوع صراع رئيسي هو توريط للعرب في حروب داخلية مدمرة مع انهم يواجهون الغزوات الامريكية والصهيونية ؟ الا يؤدي الصراع من اجل اعادة الخلافة ل ( ال البيت ) الى اكمال شروط محو الهوية العربية ؟ من خدم امريكا واسرائيل على المستوى الستراتيجي ؟ اليس جعل الصراع يدور الان حول حق الخلافة بين الشيعة والسنة هو تغيير جذري للصراع الطبيعي في الاقليم ، وهو الصراع العربي – الصهيوني ، وجعله صراعا بين العرب انفسهم وبذلك يتخلص الكيان الصهيوني والغرب الاستعماري من مطالبة العرب بحقوقهم الشرعية ؟ إن من غير التناقض الرئيسي في المنطقة من تناقض مع الامبريالية والصهيونية الى صراعات عربية ايرانية واسلامية اسلامية وصراعات طائفية سنية شيعية هو ايران الملالي وليس غيرها . فهل هذه السياسة تحررية وداعمة للعرب ؟ ام انها مهلكة لهم ومدمرة لوطنهم وهويتهم ؟

 

21 – ما هو المطلوب وطنيا وقوميا واسلاميا ؟ من اجل تجنب العزلة عن الجماهير العربية فان المخابرات الايرانية لا تمانع بقيام اتباعها العرب بنقدها ، على دورها في العراق بشرط بقاء دعم ايران واضحا في القضايا الاخرى ، خصوصا مواصلة دعمها في مشروعها النووي وما يسمى مقاومتها لامريكا ! هل يكفي هذا النقد الخجول لايران لتبرئة الطابور الخامس من تهمة دعم طرف غاز وتوسعي ؟ وهل هو الموقف الوطني والقومي والاسلامي المطلوب ؟ علينا ان نتذكر بان السادات انتقد الكيان الصهيوني بل شن حربا عليه ولكن في اطار التهيئة للصلح معه ، لذلك فانه ليس مهما الانتقاد بل تحديد الغرض النهائي منه : هل هو لاسقاط فرض ولايقاف أو منع ادانة ايران ؟ ام انه محاولة للضغط على ايران من اجل تغيير سياستها تجاه العرب ؟ وهل هو لتمكين من ينتقد من مواصلة دعم ايران تحت غطاء انه انتقد اخطاء ايران لكنه لا يريد شن حرب عليها لان ذلك يخدم امريكا والكيان الصهيوني ! ان الموقف من ايران يجب ان يكون قائما على تحديد خطورة دورها في العراق والاقطار العربية ، خصوصا تجنب التهوين من خطورته واعتباره مجرد اخطاء ثانوية يجب معالجتها بمحاولة اقناع ايران بتغيير سياستها من اجل التحالف معها ! نؤكد : ايران هي التي تطلب من طابورها الخامس انتقادها ولكن بحدود انتقاد اخطاء وليس انتقاد مسيرة .

 

وهذه التساؤلات تقودنا إلى حالة مشابهة : هل نقد اسرائيل مع بقاء الاعتراف بها صحيح كما تفعل انظمة عربية ؟ ان ذلك يماثل جوهريا موقف من ينتقد ايران لكنه يواصل دعمها كما يفعل الاستسلاميون العرب مع الكيان الصهيوني وهو النقد مع مواصلة ما يسمى ب ( عملية السلام في الشرق الاوسط ) . بادانة من يدعمون ايران للسادات ونهجه وطبقا لاركان ادانة السادات فانهم مدانون وبصورة اشد من ادانة السادات لانهم يعرفون إن خيانة الوطن واحدة سواء لخدمة اسرائيل أو ايران ، ومع ذلك سلكوه واعين عازمين مصممين .

 

لو كان هؤلاء صادقين حقا فعليهم نقد ايران بصورة جذرية ونصحها أو الضغط عليها للتخلي عن سياساتها التوسعية العدوانية وخلقها للفتن الطائفية وليس توجيه النقد للعرب فقط ، واذا توقفت ايران فسيجد هؤلاء إن العرب حكاما ومحكومين سوف يتوقفون عن نقد ايران والشك فيها ، لسبب بسيط هو إن ايران وليس العرب من يبادر للعدوان والاستفزاز والغزو .

 

22 – اسطوانة بدء العراق الحرب مع ايران : من بين اهم عناصر الدعاية الايرانية قيام الطابور الخامس باتهام العراق بانه هو من بدء الحرب ضد ايران ، والسبب الحقيقي للاصرار على هذه التهمة هو انها تفتح الباب لدعم ايران على اعتبار انها كانت ضحية للعراق ومن ثم فان من حقها إن ترد على العراق بسياسات معادية وانتقامية كما حصل عند الغزو . هل هذا المنطق صحيح ؟ إن هذا المنطق خاطئ لعدة اسباب منها :

 

أ – إن من فتح ابواب الحرب هو خميني حينما خرق واحدا من اهم بندين قامت عليهما اتفاقية الجزائر ، وهما عدم التدخل في الشئون الداخلية وترسيم الحدود . إن شعار نشر الثورة الاسلامية في العراق وغيره ، وترجم عمليا ورسميا من قبل ايران باسقاط النظام في العراق ، كان الشرارة التي اشعلت الحرب بين البلدين ، لانه ليس ممكنا المحافظة على السلام في وقت يقوم به طرف بشن حرب حقيقية وفعليه وخطيرة وهو ايران . لقد الغى خميني رسميا اتفاقية الجزائر لانها كما قال وقعت من قبل الشاه ونحن غير ملزمين بها . إن الامم المتحدة استلمت من العراق حوالي 300 مذكرة توثق قيام ايران بالاعتداء على العراق وتنفيذ عمليات ارهابية خطيرة داخلة وتفريغ القرى والمدن الحدودية العراقية من سكانها بالقصف اليومي ، بالاضافة لاستخدام سلاح الجو لقصف مدن العراق قبل الرد العراقي يون 22 / 9 / 1980 .

 

ب – لنفترض ، لاغراض الجدل ، إن العراق هو من بدء الحرب هل هذا مبرر لدعم الدور الايراني في العراق وهو دور انتقامي في احد اوجهه ، وتوسعي قومي في اطاره العام ؟ إن ارتكاب طرف ما خطأ لا يسوغ دعمه حينما يرد على الخطأ بخطأ اشنع .

 

ج – لقد قبل العراق مقترح منظمة المؤتمر الاسلامي بايقاف الحرب بعد اقل من اسبوع على اندلاعها بينما رفضته ايران ورفضت كل الوساطات والمقترحات وقرارات الامم المتحدة وواصلت الحرب ثمانية اعوام كاملة ، ولم تقبل بوقف اطلاق النار إلا حينما اجبر العراق خميني على تجرع سم الهزيمة المدوية . في ضوء ذلك فان العراق ، واذا افترضنا انه من بدء الحرب ، مسئول عن الاسبوع الاول منها فقط اما ايران فانها مسئولة عن ثمانية اعوام من الحرب وخرابها وماسيها .

 

ان من يكررون عزف هذه الاسطوانة المشروخة ، وفي مقدمتهم الاسلامويان المصري والتونسي ، يتناسون كل الحقائق التي اشرنا اليها وهي كافية لادانه ايران وتحميلها مسئولية اندلاع الحرب واستمرارها ، لانهم يريدون بشكل مسبق ادانة العراق وليس ايران .

 

23 – الحصانة وفقدانها : من الحقائق التي لابد من تذكرها دائما عند الحديث عن ايران حقيقة إن اسرائيل عدو تقليدي لنا خبرناه وجربناه واصبنا بمرضه القاتل ومازال هذا المرض يهددنا ، لذلك فاننا دوما ناخذ اللقاحات التي تحمينا منه ، بل صارت لدينا مناعة ضده ، تماما كالامراض الخطيرة ، ولذلك فان وعينا القومي والوطني كوعينا الصحي يحتاط دائما من الخطر الصهيوني ويقاومه ويقاتله ، اما ايران فهي عدو غير تقليدي يسطو على ضميرنا ( الاسلام ) وقلبنا ( فلسطين ) وبهما يخترق حصوننا ونحن لا نملك حصانة تقاومه لانه منا وفينا ، وهنا تكمن خطورة ايران حاليا لانها تزود الطابور الخامس بحجج اسلامية وفلسطينية شكلية تستخدم لابقاء سكين ايران منغرزة في قلبنا وخاصرتنا وتوجه رصاصها الينا من خنادقنا . في الامثال العراقية هناك تحذير من خطورة لص البيت فهو اخطر من اللص الغريب لانه داخل البيت ويسهل عليه السطو متى اراد دون عوائق كبيرة ، وايران هي لص البيت الذي لا تتوجه اليه الشبهات حتى لو قام بالسرقة خوفا على سمعة اهل البيت !

 

24 – خطة نزع الهيبة عن المقاومة العراقية : إن قيام الطابور الخامس بانتقاد المقاومة العراقية ، اضافة لتجاهلها ، احد اهم اهدافه نزع القدسية والهيبة عنها وتشجيع الناس العاديين على الاستخفاف بها . ان السؤال الجوهري هو : لم يصاب الطابور الخامس بالهستيريا عند نقد حزب الله مع انهم يتهجمون على المقاومة العراقية ؟ اذا اخذنا دور كل منهما كان يجب ان تكون القدسية للمقاومة العراقية قبل غيرها لانها هي التي تخوض معركة الحسم وكسر العظم عربيا وعالميا . انه اسلوب تجريد المقاومة العراقية تدريجيا من قدسيتها وجعلها عادية ليسهل انهيال الفئوس على راسها .

 

25 – سرطان الطائفية : ايران ، كامريكا والكيان الصهيوني ، تعرف خطورة الطائفية في الوطن العربي ، لذلك فانها لجأت اليها كاداة تقسيم للعرب رغم إن نظام الملالي في حقيقته نظام قومي وليس نظاما دينيا ولا طائفيا ، لقد استخدم الطائفية كاداة لاختراق حصوننا وتحطيم بوابات وعينا وحصانتنا الوطنية والقومية واصابتنا بداء الجرب الطائفي . لقد اثبتت تجربة العراق المحتل ، وتجربة لبنان ايضا ، إن الطائفية كالتصفيق لا يحدث بيد واحدة ، ولذلك فان قيام ايران بتشكيل احزاب طائفية مسلحة كحزب الله انتج بصورة تلقائية احزابا طائفية سنية مسلحة ، وهكذا صرنا ضحية صراع جناحين طائفيين لا مصلحة للامة في اي منهما لانهما كلاهما يخرب الوحدة الوطنية ويحل الولاء الطائفي محل الولاء الوطني والقومي ، وتلك هي اكبر كوارث العرب بعد احتلال فلسطين . إن الثقافة الطائفية التي ترجح الطائفة على الامة والوطن هي المقدمة الطبيعية للخيانة الوطنية العظمى وتجربة العراق تثبت ذلك ، لذا فان الولاء لايران ، من قبل عرب ، هو مقدمة لابد منها لخيانة الوطن والامة تحت غطاء الطائفية .

 

26 – ملاحظة جديدة : احتلال ايران للفكة هل وجه الضربة القاضية لمن يدافع عن ايران ؟ لقد قامت ايران مؤخرا باحتلال اجزاء من العراق رسميا وعلنيا بعد إن كانت تحتل ارضا عراقية ومياها عراقية بصمت ، وهي حقل الفكة النفطي ، ونحن لا نريد الغوص في الاسباب ولكننا نريد فقط الاشارة إلى إن هذه الحادثة تثبت بصورة قطعية إن ايران دولة امبريالية تتوسع على حسابنا حينما تريد دون اهتمام بردود الافعال . وهذه الفعلة النكراء اجبرت حتى حزب المالكي العميل لايران رسميا ، تحت ضغوط شعبية كبيرة ، على ادانتها  ومطالبة ايران بالانسحاب من الفكة ، ولكن ، ومع ذلك ورغم هذا ، فاننا لم نسمع من الطابور الايراني الخامس ، بشقيه الناصروي والاسلاموي ، اي رد فعل رافض ومدين للاحتلال الايراني بل مارس الصمت كالموتى ! لقد اثبت الطابور الخامس هذا إن عملاء ايران المعروفين اكثر شجاعة من افراده ، وقدم الدليل الحاسم على انه طابور مصمم على خدمة ايران وبغض النظر عما تقوم به .

 

27 – عودة البرامكة : في اللهجة العراقية لفظ برمكي يقابل الكريم أو السخي جدا في منح المال ، وهذا المعنى انحدر من لقب فارسي هو البرامكة ، نسبة إلى عائلة البرمكي الفارسية ، التي امتلكت نفوذا هائلا في العراق العباسي ، وكانت وسيلتها الاساسية الكرم وتقديم المال للكثيرين حتى انهم اكتسبوا شعبية هددت الخليفة فقطع دابرهم وتخلص منهم . الان البرامكة يعودون محملين باكياس من ( الذهب والفضة ) التي توزع بكرم برمكي على كتاب وقادة احزاب وصحفيين وساسة ، وتأسس لهم المكاتب ويزوجون ...الخ ، لدرجة إن هؤلاء تحولوا فجاة من فقراء يعيشون على رواتبهم البسيطة إلى بورجوازيين كبار أو متوسطين . وهذه الحقيقة خلقت حالة خطيرة في الاوساط السياسية والثقافية والاعلامية العربية تتميز بوجود فئات متناقضة الهوية ، تبدأ من الاسلامويين ولا تنتهي بالناصرويين ، الذين لا يعملون ومع ذلك فهم اصحاب مكاتب وسيارات ورفاهية غير مفهومة . هذا هو عصر عهر الضمير الذي تنشره ايران .

 

لقد عرفت ايران نقاط ضعف شرائح عديدة وعزفت على لحن المال بذكاء ، فسقط الضمير بعد إن امتد العهر من عهر جسد تمارسه نساء مسكينات فقيرات إلى رجال لم يكونوا يموتون جوعا لكن جشعهم حولهم إلى عهار ضمير من اجل البتروتومان الايراني . ويمكن القول بان المنطقة لم تشهد في العصر الحديث توزيعا للاموال مثلما يحدث الان على يد ايران ، فلا امريكا ولا اسرائيل ولا فرنسا ولا بريطانيا قدمت اموالا لمن يؤيدها مثلما فعلت وتفعل ايران ، وليس ذلك غريبا فايران هي الاعرق والاقدم في هذا المجال فهي تتقن فن شراء الضمائر بالمال والنساء منذ مئات السنين .  

 

28 - هل كان يجب ان نواصل السكوت على تجاوزات الطابور الخامس الايراني ؟ هناك من يقول : لم هذا الهجوم على اشخاص يدعمون ايران مع إن المطلوب هو رص الصفوف ؟ الم يكن ممكنا مواصلة الحوار مع هؤلاء من اجل اقناعهم بتغيير موقفهم الخاطئ ؟ هنا يجب إن نتوقف قليلا في ختام الدراسة لنذكر بحقيقة صادمة وحاسمة وهي بعد مرور ستة اعوام على الغزو وتدمير العراق ومواصلة ايران دورها الذي يتزايد خطورة ، لانه يتوسع ويتفنن في ابادة العراقيين وفي محاولات محو الهوية العربية للعراق ، ومع ذلك لم تكن السنوات الست المنصرمة كافية لاعادة الوعي لهؤلاء ، وهي سنوات كانت حافلة بالكوارث التي سببتها ايران للعراق واقطار عربية اخرى ، فهل نتوقع ممن سكت اكثر من ست سنوات إن ينطق الان ويغير موقفه ؟

 

ان السكوت على كتابات من يدافع عن ايران ، بعد مرور هذا الزمن الطويل جدا على الغزو المشترك ، اصبح تشجيعا منا لهم على مواصلة جريمة المشاركة في دعم غزو العراق وتدميره ، بترك انطباع بان الدفاع عن ايران مسألة ثانوية وبسيطة ويمكن تحملها الى ما لانهاية ، وهو انطباع يشجع اخرين لم يدافعوا عن ايران حتى الان على الانجرار للدفاع عنها .

 

 لم يعد الصمت ممكنا وحان وقت اخبار القرد الذي تسلق شجرة عالية جدا بان مؤخرته لم تصبح مرئية بكاملها فقط بل ايضا إن رائحتها المقيتة ملأت الفضاء .

 

 

انتهت الدراسة

مطلع كانون الاول ٢٠٠٩

 

ملاحظة  كتبت هذه الدراسة بين أيار/ مايو  و آب / اوغست 2009 لكنها تركت مؤقتا ولم تنشر ، والان ننشرها بعد اضافة تصريحات ايرانية جديدة اطلقت في الاسابيع الماضية ، ووقوع احداث في ايران ولبنان وغيرهما اكدت ما ورد فيها .

 
salahalmukhtar@gmail.com
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الخميس / ١٤ مـحـرم ١٤٣١ هـ

***

 الموافق  ٣١ / كانون الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور