منذ ظهورها كقوى عظمى إبان الحرب
العالمية الثانية أدركت الولايات
المتحدة الأميركية الموقع
الاستراتيجي المهم لبلاد فارس،
ومع اعتقالها لأول شاهات أسرة
بهلوي رضا ونفيه إلى مورشيوس بسبب
تأييده لقوات المحور ضد قوات
التحالف وتعيين ولي عهده محمد رضا
بهلوي ملكا لإيران والى يومنا هذا
والعلاقات الأميركية الإيرانية
تمر بمنعطفات سياسية حادة، كان
وما زال حجم الغاطس من أحداثها
تحت بند السرية أضعاف حجم الظاهر
منه.
من أهم هذه المنعطفات ما حدث قبل
الثورة وأثناءها وبعدها من
تطورات، فقد أظهرت وثائق جهاز
مخابرات إيران الشاهنشاهية
(السافاك) التي أفرجت عن بعض
المسموح منها حكومة الثورة مدى
التدخل الأميركي في إنجاح الثورة
ضد الشاه، تحدثنا الوثيقة
رقم551/5 سري للغاية بأن السافاك
يرى تغييرا على مستوى العلاقات
الدولية بعد مجيء خروتشوف إلى سدة
الحكم في الاتحاد السوفياتي وانه
انفتح على الغرب، وتستطيع إيران
أيضا أن تنفتح على الاتحاد
السوفياتي وتعطيه فرصة لبناء مصهر
الحديد والصلب في أصفهان ردا على
التلكؤ الأميركي، ويرى السافاك أن
من فوائد هذا الانفتاح أن الشعب
الإيراني سيغير نظرة الريبة تجاه
أي مشروع مشترك مع بريطانيا أو
الولايات المتحدة على انه سيصب في
مصلحتهما وفي ضرر الشعب الإيراني،
يبدو من خلال الأحداث البعدية أن
الشاه اقتنع بوجهة نظر السافاك
وأحال مشروع صهر الحديد إلى
الاتحاد السوفياتي، وتحدثنا وثيقة
أخرى سرية للغاية تحت رقم 294/300
بعثها الدكتور جلال عقيلي رئيس
هيئة المال الإيرانية الذي كان
يرافق الخبراء السوفيات في
المصهر، ان الخبراء اعلموه برفعهم
تقريرا لحكومتهم بشأن شراء
السوفيات للغاز الإيراني بسعر
السوق العالمي ولقرب إيران من
الاتحاد السوفياتي فان سعر النقل
والشحن سوف يقل كثيرا عن بيعه إلى
دول أخرى.
الآن ونحن نستدعي التاريخ لنقرأ
ما فيه، نجد أن نسخا أخرى من هذه
الوثائق كانت تذهب إلى الولايات
المتحدة الأميركية التي كانت
تتربص بالأحداث الإيرانية وتربط
عواملها وأسبابها وتدرس الأساليب
الفنية لتفكيكها إذا ما اقتضت
ضرورات الأمن القومي الأميركي
ذلك، تحدثنا الوثيقة
المرقمة501191 سري للغاية أن
اردشير زاهدي السفير الإيراني في
واشنطن دفع مبلغ 120 مليون دولار
أميركي لحملة المرشح عن الحزب
الجمهوري جيرالد فورد ضد مرشح
الحزب الديمقراطي جيمي كارتر، وان
كارتر المنتصر يعتبر التصرف
الإيراني تدخلا سافرا في الشؤون
الداخلية الأميركية، وتؤكد
الوثيقة المرقمة 62923 التي
كتبتها السيدة امانبور مديرة
تشريفات رئاسة الوزراء بأنها
أخبرت من بعض الجهات المؤثرة في
السياسة الأميركية أن حكومة
الولايات المتحدة سوف تطلب من
الشاه تغيير حكومة هويدا رئيس
الوزراء، وذلك للاستياء الشديد
الذي يشعر به كارتر من موقفها
إزاء الانتخابات الأميركية
الأخيرة.
وقبل ثلاث سنوات من قيام الثورة
نعثر على الوثيقة رقم 1309 التي
تعلن أن السافاك اكتشف أن السفارة
الأميركية في طهران قد أبلغت
موظفيها العاملين في القطاع
النفطي الإيراني التودد للعمال
الإيرانيين نظرا لقرار هؤلاء
تنظيم اعتصامات واحتجاجات ضد
النظام قد تطول.
يظهر من خلال تتبع هذه الوثائق
بان الشاه دخل مرحلة الخريف
السياسي بالنسبة للولايات المتحدة
آنذاك، خصوصا بعد الغزو السوفياتي
لأفغانستان والحاجة الماسة
لتيارات دينية جهادية تحشد الشعوب
وليس الجيوش للوقوف أمام المد
الشيوعي الملحد، فالشاه فقد
شعبيته في الداخل وضرب الفساد
المالي والإداري كل مفاصل دولته
وسار بعلاقته مع الاتحاد
السوفياتي عكس التيار الأميركي
وتدخل بثقل رأس المال الإيراني في
الانتخابات الأميركية ولم يعد له
فائدة زمانية أو مكانية مع توفر
البديل الديني ضمن ظروف المجتمع
الدولي آنذاك، فإذا أردنا ألا
نغمط حق الشعب الإيراني في الثورة
على الشاه فإننا يجب كذلك ألا
نغمط دور الولايات المتحدة
الأميركية في إنجاح هذه الثورة
حين نصح كارتر الشاه أن يخرج من
إيران ومن ثم لم يمنحه حق اللجوء
السياسي، فتنقل بين المغرب
والمكسيك والمحيط الهادي حتى
استقبله الرئيس السادات في مصر
ليتوفى ويدفن هناك. |