الانتخابات .. وَهَم الأمنيات وأمنيات الوَهَم

 
 
 
 
شبكة المنصور
الاستاذ الدكتور كاظم عبد الحسين عباس / أكاديمي عراقي
تخطط الشعوب الحيّة للسلم وللحرب, ولا تعلن عن خططها في الاعم الاغلب لكي لاتنكشف ولا تسقط في عواقب ما هو خاطئ من الحسابات لكي لا تؤثر عثرات الدرب واخفاقاته المتوقعة على سايكولوجية وزخم الامتداد الطولي لزمن يقتضيه التغيير المرام. ومن بين ما تقتضيه كينونة اية مقاومة وطنية في العالم المعاصر بل وجزء من تعريفها الاساس هو ان يكون لها ذراع سياسي وذراع استخباري يؤهلها الدخول واستكشاف ممكنات اختراق ما هو رخو او ما هو صلب في جهة الصد المقابلة. ومن غير الذراع السياسي والمخابراتي تغدو المقاومة عرجاء تزحف كالسلاحف وسيكون تحقيق اهدافها، التكتيكية منها، والبعيدة المدى عليلا او عدَميا.


وفي حالة المقاومة العراقية وطبقا لظروف ولادتها وتشابك الظروف المحيطة بها وتعقيداتها المعروفة فان ضرورات السرية التامة شرط غير قابل لاي حوار او نقاش في شقّي عملها العسكري والسياسي. واي خلل في شرط السرية سيقود الى تراجع وخسائر قد تؤدي الى نتائج كارثية عسكريا والى خسائر اكبر في كارثيتها ذاتيا على مستوى الحاضنة الشعبية للمقاومة إن لم تقدّر الفعاليات السياسية بدقة وعناية.


ان بوسع المقاومة المسلحة والقوى الساندة لها ان تخترق الحكومة والبرلمان والتشكيلات العسكرية والامنية الاحتلالية ولن يكون لهذا الاختراق الا معنى واحد لا خلاف عليه قطعا، ألا وهو خدمة خط التحرير الشامل والناجز. وبوسعها ايضا ان تلعب بمختلف الاوراق التي تربك وتشتت وتبعثر نقاط التماسك في العملية السياسية الاحتلالية سرا وعلنا، ولن يكون لذلك غير معنى واحد ايجابي يعضد خط سيرها نحو الانتصار الحاسم.

 

والجميع يعلم ان المقاومة العراقية البطلة قد مارست هذه الممكنات وغيرها منذ بداية انطلاق اللعبة السياسية المخابراتية الاحتلالية وما زالت. غير ان البعض قد اندفع الى ما نعتقد بانه غير هذا الذي عرفناه ألا وهو اللعب علنا على ورقة الانتخابات تحت ظلال الاحتلال. واذا كان بوسعنا ان لا نمنع بعضا ممن نصفهم بالوطنية من الدخول بالعملية الانتخابية فان علينا ان لا نندفع باي حال من الاحوال على المراهنة العلنية التي يغلب عليها الحماس والانفعال وردود الافعال، أكثر من الحسابات المنطقية والعلمية، لا على فوزهم ولا على اعمال خارقة سيقومون بها لصالح الوطن والوطنيين ولا لصالح المقاومة ليس انتقاصا منهم ولا تحجرا عند موقف مضاد لدخولهم بل لاسباب اهم من هذا كله تتعلق بوهم الرهان عليهم وعلى الانتخابات كلها وعلى ما يمكن ان يحققوه لو قدر لهم الفوز. وسنضع بعض ما نؤمن به هنا في نقاط محددة:


1- العملية السياسية الاحتلالية تدار رأسيا من الدول المحتلة وهي كل من اميركا وايران والكيان الصهيوني. ولايمكن تحت اي حال من الاحوال ان يسمح هذا المثلث باسقاط نجاحاته السياسية عبر عمليته السياسية مهما كانت طفيفة بواسطة فرد او قوة تدخل قبة البرلمان او الحكومة تحت خيمة الانتخابات التي صممها كأبرز ملمح من ملامح تغيير الخارطة السياسية والاجتماعية في العراق والمنطقة برمتها.


2- ان الانتخابات تدار عمليا من قبل هيئات معينة من الاحتلال وحكومته ومن غير المعقول ان تسمح هذه الهيئات ولا الاحزاب الطائفية والعرقية التي تاسست العملية السياسية لها وعلى اكتافها بتغيير جوهري يمس جوهر العملية السياسية. ولتحقيق هذا الهدف الاحتلالي الاستراتيجي فان الاحتلال واعوانه سيلجئون الى التزوير ان اقتضى الحال ولن يكون ذلك مفاجئة لاحد بل محض تكرار لما سبق وان حصل وعلى رؤوس الاشهاد.


3- لنفترض جدلا ان بعض القوى الوطنية قد نجحت وفازت بالانتخابات فان من المستحيل ان يتخيل عاقل ان يتمكن هؤلاء الافراد من تغيير خط سير البرلمان الاحتلالي وقراراته وتوجهاته. ان من يصدق بهكذا منطق فانه يصدق ان العملية الانتخابية هي عملية ديمقراطية حقيقية ومثل هكذا تصديق يجعله في موضع القابل بالعملية السياسية حتى لو ادعى من دخوله اليها غير ذلك. ونحن نعرف ان الوطنيين النجباء لايضحكون على ذقونهم ولا على ذقون الغير.


4- ان الاحتلال واعوانه قد اصدر قرارات وقوانين ودستور واوجد مفاتيح ومقابض طائفية وعرقية في العراق ليس من باب التجريب كما يظن البعض وليس من باب عدم الدراية كما يترأى للبعض، بل ان ما انجزه هو المخطط المطلوب في اجندات الاحتلال. وان اعتقاد البعض بامكانية تحوير او الغاء لهذه الاجندات ونتائجها في المدى المنظور هو محظ وهم ولا يرتكز قطعا على اي اساس منطقي او علمي.


وتاسيسا على هذه النقاط وسواها فان الرهان على العملية الانتخابية هو رهان على وهم ليس الا. ويجب ان نؤكد من جديد ان بوسع الوطنيين والاحرار ومقاومتهم ان يلعبوا بالاوراق التي توهن وتضعف العملية السياسية ولكن دون ان يربطوا هذا اللعب بنتائج معلنة كرهان للوطنيين والاحرار لان هكذا رهان سيكون خاسرا لا محال ونتائج الخسارة ستكون مدمرة سياسيا واجتماعيا لمن اعلن عن الرهان والاخطر من ذلك انها ستكون كارثية على المقاومة الوطنية المسلحة وستستخدم سلاح تدمير اعلامي وتسقيط سياسي بعد ظهور نتائج الانتخابات من قبل اعوان الاحتلال المجرم.


ان لعبة الترغيب والترهيب المخابراتية والضغط النفسي الهائل وقطع الارزاق والاعتقالات والمداهمات والاغتيالات التي بدأت ضد عناصر القوى الوطنية والقومية والاسلامية مع دخول الاحتلال لها هدف واحد هو تصفية تاثيرات هذه القوى واجتثاث وجودها ولايوجد من سبيل امام احرار هذه القوى الا الصمود والمطاولة والصبر ودعم عناصر الحياة الجهادية بكل ما يترتب عليها من معاناة وتضحيات ودعم المقاومة المسلحة كطريق وحيد للعودة الى الحياة الطبيعية. وغير ذلك سيكون له مسلك واحد لا غير ألا وهو الاستسلام والقبول بنتائج الامر الواقع الذي يفرضه الظلم والتعسف والارهاب الذي يمارسه الاحتلال واعوانه العملاء والخونة وهذا ما تنبئ به مؤشرات التعاطي مع العملية الانتخابية والتعامل معها على انها مدخل يراهن على نتائجه الاحرار ويربطون به مستقبلهم لمرحلة سنوات ما بعد الانتخابات الباطلة والمحسومة النتائج سلفا.


وخلاصة القول هنا ... ونحن هنا نجتهد كحق للرأي الحر , ان على القوى الوطنية ان تلعب بممكناتها غير المسلحة ولكن دون ان تعلن عن اوراق اللعب هذه لان الاعلان عن التعاطي مع العملية السياسية هو جر وسحب الى العملية المصممة من اعظم قوى التخابر امكانات في العالم شاء من شاء وابى من ابى . اما حزب البعث العربي الاشتراكي فان خياره الوحيد في هذه المرحلة على ما نظن هو الخيار المسلح مع استخدام ذكي ومقنن ومدروس للتلاعب بمكونات العملية السياسية المجرمة بالتعاون المدروس والدقيق مع كل حلفاءه ومن يرى غير هذا الطريق, سواءا من بعض المحسوبين على البعث او من اصدقاءه, فان عليه ان يعيد قراءة المشهد لان خسارة البعث لاسمح الله ان راهن على نتائج الانتخابات ستكون اشد وطأة من نتائج الاجتثاث المجرم مع يقيننا وعلمنا ان للبعث قواعده الجماهيرية التي بوسعها ان تقلب تركيبة البرلمان الاحتلالي لو كانت الانتخابات ديمقراطية فعلا ووضع الحزب طبيعي وليس ماهو عليه الان, كما ان قيادة البعث المجاهدة تعلم يقينا ان اي انخراط في العملية الاحتلالية هو انتحار سياسي للبعث لا اكثر ولا اقل. وليتذكر احرار العراق ان ثمة من ظل ينادي بالغاء قانون الاجتثاث وتغيير الدستور من داخل العملية السياسية الاحتلالية لاكثر من ست سنوات الان دون ان يصل صوته الى خلية من خلايا اذن احمد الجلبي وعلي اللامي ولا الى خلية من خلايا اذن اوباما، والقول الفصل هو أن يظل هناك حجاب حاجز بين رئة الاحتلال المنخورة وقلب المقاومة الواعد بنبض حياة حرة كريمة.

 
aarabnation@yahoo.com
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الجمعة / ٠٨ مـحـرم ١٤٣١ هـ

***

 الموافق  ٢٥ / كانون الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور