التوافق تحت التبني .. وحقيقة المتوافقون !

 
 
 
شبكة المنصور
الاستاذ الدكتور كاظم عبد الحسين عباس - أكاديمي عراقي

حين نجزم بأن العملية السياسية الامريكية الايرانية الصهيونية في العراق هي محض وليد منغولي من نطفة عهر سياسي، فاننا لا ننطلق من هوى للنفس ولا من امنيات قانطين. هذا الجزم مؤسس على فهم عميق واصيل لحركة الحياة العراقية وفهم ألمعي لجذوة الرفض المتقدة دوما والمتجذرة في الذات والروح العراقية العروبية المسلمة, ومن معطيات الوعي الراقي بان طلائع العراقيين واحراره ترفض الاحتلال وكل تفريخاته. وأهم من كل هذا, فنحن نؤسس منطلقاتنا النظرية والعملية الميدانية على فهمنا الواسع والعميق لطبيعة القوى التي تحالفت مع الغزو والاحتلال وامسكت تحت حرابه وقبضته العسكرية بالعملية السياسية التي انجبها الاحتلال. ان من غير الممكن لهذه القوى ان تتعايش وتتوافق مع بعضها البعض بذات الطريقة التي يمليها عليها وتجبرها اطراف الاحتلال المعروفة حين يسقط التبني الاحتلالي لهذه القوى يوم تنسحب اميركا بالكامل او تخفض قواتها التي تحرس عملية التوافق بالتبني حيث ان الانسحاب سيفضي الى معطيات جديدة سياسية واجتماعية واقتصادية ستزيد من مقومات الخلاف والتناقض العقائدي والسياسي فيما بين هذه الاطراف ... بل ان بوسعنا القول ان التعايش التوافقي سيكون هو المحال بعينه.

 

السبب الاول هو ان هذه القوى لايجمعها جامع ولا يقع بينها عامل مشترك, لا سياسي ولا اجتماعي ولا ديني ولا مصالح مشتركة اقتصادية, ولا رباط وطني, ولا تقف على اعتاب شراكة عشائرية من اي نوع كان. الجامع الوحيد الذي كان يجمعها هو اتفاقها مع الاطراف المخططة للغزو والاحتلال (الامبريالية والصهيونية وايران) وهوس وجنون مسك سلطة في المناطق التي خططوا للاستيلاء عليها بنيّة الانفصال الى كيانات بغيضة على انقاض العراق الموحد منذ الازل. وحال خروج الاحتلال الذي يتبناها ويفرض عليها الاتفاق  فانها ستصطرع ولن يكون صراعها لا سياسي ولا ديمقراطي، بل بالسلاح لان الافتراق سيحصل فورا بين النوايا والاهداف الفردية والفئوية والعرقية لهذه الاطراف.

 

لو درسنا الواقع الطائفي والعرقي لهذه القوى فسنجد انها متشرذمة حتى ضمن هذا الواقع، فثمة عداء مستحكم بين الصدرية وبدر والدعوة ومنظمة العمل الاسلامي مثلا. وفيما بين هذه الاطراف وبين كيانات اخرى فارسية أو موالية لفارس اصغر من هذه الكيانات العميلة. ان هذا العداء سيأخذ طريقه الى فوهات البنادق فور استلام هذه الاطراف العميلة لحكم العراق كلا او جزءا إن قدر لها ذلك بعد الانسحاب المتوقع وكلُ سيكون ممثلا لأجندة خارجية تعمل على اسطوانة ملئ الفراغ الذي يوهمون انفسهم بحصوله بحكم الحقد أو قصر النظر الذي يحاول جاهدا ابعاد المقاومة البطلة وحاضنتها العراقية الواسعة عن واجهات المعادلات السياسية الواقعية. ان من بين ابرز عوامل الافتراق العميق فيما بين هذه التكتلات هي درجة الولاء لايران ومقدار الاستعداد للخضوع المطلق لها ودرجة العداء للعروبة والعرب ومصالح ادارة المراقد المقدسة وأموالها وما يرتبط بذلك من جمع أموال الخمس والزكاة والتفاخر والتناحر المؤسس على (درجة) الوطنية والانتماء الى الداخل العراقي فضلا عن العداء المضموم داخل نفوس ظلامية فاسدة متأت عن الولاءات المختلفة لمرجعيات وحوزات مختلفة.

 

وهناك الطبيعة الجشعة للمعممين والطمع القاتل الساكن مستوطنا في نفوس هذه الطبقة والمعروفة لكل العراقيين بكونها طبقة طفيلية لا تجيد ولا تستطيع العمل و ليس بوسعها ان تنتج شيئا، وسبيلها الوحيد للثراء الفاحش والحياة المرفهة مرتبط بكهنوتيتها وسلطتها الدينية المزيفة, ستكون من بين عوامل الاقتتال الذي سيعلن, بعد خروج المحتل, عن الطبيعة المتخلفة والبدائية والفطرية الحيوانية لهذه الاطراف. ان اكثر ما يمكن ان يعمله المعمم للعيش هو الخطابة على المنابر الحسينية واجراء عقود الزواج والطلاق في مكتب أو بيت، وقد اضيف بعد الاحتلال بعدُ متطفل فاسد جديد هو ادارة عقود المقاولات الوهمية والرواتب الوهمية والوساطة المدفوعة الثمن من عامة الناس للانضمام الى وظائف الحكومة الحقيقية منها والوهمية أو الى الشرطة أو الجيش.

 

ان جزءا من عوامل التناحر والفساد والانانية المفرطة والطفيلية ينسحب الى المكون الطائفي الاخر المنخرط بالعملية السياسية فضلا عن اصطدام هذا المكون بدرجات وعي شعبي ثوري وطني عروبي مسلم أعلى وأهم, وولاء أقل للاطراف الاجنبية. ما نقصده هنا ضعف الولاء لايران مقارنة بواقع الوسط والجنوب الذي استطاعت ان تؤسس فيه ايران عبر باطنيتها وخبثها وسكن جاليتها الطويل المقترن بالمصاهرة وتداخل المصالح قدرا أكبر من الولاء لها, وبالنفوذ من نافذة الادعاء بمحبة أهل البيت ومراقدهم والشعائر المرتبطة بهذه المراقد والتي لاتجد ذات الفهم ولا ذات الاندفاعات الهوجاء, التي تتعارض في كثير من حيثياتها مع الدين الحنيف, مع وجود الحب والاحترام المطلوب لأهل بيت رسول الرحمة (ص). هنا يكمن عامل تناحر عقيدي فكري طائفي سيكون عامل افتراق مؤكد بين المكونين الطائفين السياسيين لانعرف في الافق مخرجا منه الا التطهير العرقي أو ارغام أحد المكونين للاخر للانتقال الى العقيدة الطائفية الثانية على غرار تجربة ايران الصفوية!. ويجب التنويه هنا الى ان عوامل التأثير الفارسية المشار اليها أعلاه قد تصاحبت دوما بموقف عروبي نافر ومناقض لها يوازي احداثيات الولاء التي أشرنا اليها.

 

كلا المكونين الطائفيين ومعهم المكون العرقي الكردي سيصطدمون بشعب العراق حين تحين ساعة تنفيذ المشروع الاستراتيجي لتقسيم العراق. المكون العرقي الكردي أسس بقوة لكونفدرالية تحت سطوة الاحتلال وولاءه المطلق له. وسوف يجد نفسه امام خيارين لا ثالث لهما بعد رحيل المحتل .. فاما اعلان الانفصال التام الذي سيجد امامه ألف عائق وعائق أو ان تحذو المكونات الطائفية حذوه لتحقق قدرا من التوافق لفترة معينة من الزمن عن طريق تنفيذ اجندة التقسيم الفيدرالي ... وهنا سيحصل الصدام الأكبر بين هذه المكونات الثلاث وبين شعب العراق الذي لن يسمح قطعا بتمزيق بلده.

 

ظل ان نحسب حساب القوى السياسية الوطنية والقومية والاسلامية وحاضنتها من أبناء العراق وهم غالبية ابناء شعبنا الساحقة التي اختارت طريق الكفاح المسلح والمقاومة والرفض للاحتلال ومشروعه والتي سيكون لها قول غير قول المتناحرين على السلطة والمال والولاء للمشروع التفتيتي الاجنبي والارتماء بأحضان الامبريالية والصهيونية بالطريقة التي استفزت وداست على مشاعر العراقيين المسلمين النجباء واجبرتهم على انتظار لحظة رحيل الاحتلال لكي تتقابل الوجوه مع الوجوه وحينها سيقرر العراق وابناءه من يبقى جزءا من الحياة السياسية للبلد, ومن سينزوي ليعيش مع ذكريات دماء أسالها غدرا وغيلة وبلد دُمر تحت نزوة الحكم الفاسد الذليل, ومن سيغادر غير مأسوف عليه. سيقرر العراق عبر ميزان القانون والعدالة ودولة الديمقراطية الحقة, دولة الشعب العظيم, من سيدفع الديّة للعراق وشعبه, ومن سيُترك كلوثة في تاريخ فرضته اميركا والصهيونية وبلاد فارس بالغزو والتدمير باستخدام كل ادوات التكنولوجيا المجرمة.

 

لهذه الاسباب وغيرها كثير, نحن نؤمن على ان التوافق تحت قبة برلمان الاحتلال والاخذ والرد تحت رداء ديمقراطيته المزيفة وكذا التوافق في حكومة ينصبها الاحتلال ويقودها استشاريوه سوف ينتهي فور انطلاق دبابات وصواريخ اميركا عائدة من حيث اتت بل هو يتآكل مع تقادم صفحات الاضطرار للتوافق ويعبر عن ذلك بالتفجيرات التي تطال ابناء شعبنا والتي هي نتاج بذور الخلاف والشقاق الذي يغذي انفاس المتعاقدين للحكم تحت حراب الاحتلال .. وسيقول شعبنا وقواه المجاهدة عندها حكمه وكلمة الفصل في كل ما حصل على ايدي من جلبوا الغزو ووطّنوا الاحتلال والقتل والتهجير والتدمير والاعتقال والتهريب والسرقة والارتشاء .. وبحق كل من اقصى واجتث وحل وفك وررزم. وسيرى المراهنون على العملية الاحتلالية انهم لم ولن يكسبوا من اللهاث وراء سرابها غير مزيد من العار والاغتسال بدماء الابرياء وشقاء العراقيين لان الدين والمنطق والعلم قد برهن دوما على ان البناء على الحقد والثار والضغائن ينهدم لا محال. 

 
aarabnation@yahoo.com
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاربعاء / ٢٢ ذو الحجة ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ٠٩ / كانون الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور