عروبة المقاومة ووطنيتها تحصين لأهدافها ونتائجها

 
 
 
شبكة المنصور
حسن خليل غريب
من بديهيات المفاهيم الوطنية والقومية العربية تعلمنا أن الاستعمار والصهيونية وضعا في أولويات أهدافهما السيطرة على الوطن العربي لأكثر من سبب.

 

وقد أعَّدا استراتيجياتهما معاً منذ أكثر من قرن من الزمن، وكان احتلال فلسطين في العام 1948، يمثل الخطوة الأولى التي تم تنفيذها، على أن يتم استكمال المخطط خطوة خطوة، وقطراً قطراً، على أن تنتشر إشعاعات الاحتلال بعد هضم الفريسة الأولى في أرض فلسطين إلى أراضٍ عربية أخرى، ولكنها لا تزال تتعثَّر لأكثر من عامل من أهمها انطلاقة المقاومة الفلسطينية من بوابة كفركلا في جنوب لبنان، في أواسط الستينيات من القرن الماضي. وجرَّب التحالف المذكور احتواء لبنان أو احتلاله وفشل في ذلك في مراحل عديدة ولعوامل عديدة وكان من أهم العوامل انطلاقة المقاومة اللبنانية في الطيبة في جنوب لبنان في الفاتح من كانون الثاني من العام 1975. ولأن المقاومة الشعبية المسلحة واجهته وأعاقت انتشاره في فلسطين. وأدمته في لبنان وأرغمته على الانسحاب، التفَّ عليها أخيراً من البوابة العراقية لعلَّه يفلح في العراق بما فشل فيه في فلسطين ولبنان، إلاَّ أن المقاومة الشعبية اندلعت في العاشر من نيسان من العام 2003، وهي لم تعق احتلاله فحسب بل أرغمته على إعلان الانسحاب أيضاً.


استراتيجية التحالف الاستعماري – الصهيوني في الوطن العربي واحدة، سواءٌ لبست ثوب احتلال فلسطين أم ثوب احتلال لبنان أم ثوب احتلال العراق، وهي احتلال الوطن العربي كله، على الرغم من تجزئته إلى مراحل.
واستراتيجية المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق هي مواجهة التحالف إياه، فأينما حققت المقاومة نجاحاً ونصراً، تنعكس تأثيراته الإيجابية على المقاومة في القطر الآخر. وفي أي مكان انتصرت فهي تعمل على إضعاف طرفيْ التحالف الاستعماري – الصهيوني.


وإذا كانت المقاومة في الأقطار الثلاثة تحصد عدداً من النتائج التاريخية العالية الأهمية، وتتبادل عوامل القوة والتأثير الإيجابي، إلاَّ أن عدداً من المهمات المطلوبة تدفعنا إلى الإشارة إليها، لكي تكون نتائج المقاومة أكثر تأثيراً وسرعة.


هذا الواقع التاريخي الوصفي للصراع بين التحالف الاستعماري – الصهيوني من جهة والمقاومة العربية من جهة أخرى، يطرح على المقاومة عدداً من المهمات الرئيسية، ولعلَّ اعتبار مكاييل وطنية المقاومة وعروبتها هي الأكثر إلحاحاً وحاجة في هذا الوقت بالذات الذي يعمل فيه التحالف الشرير على التقاط أنفاسه بعد أن أدمته المقاومة، أو كسرت قرونه.


أما عن وطنية المقاومة، فنرى أنه إذا كانت المقاومة من أهم وسائل التحرر من الاحتلال الأجنبي. وإذا كانت نتائج التحرير تصب في مصلحة كل أبناء الوطن. فأهداف المقاومة إذن تكون وطنية من دون أدنى شك، ونتائجها وطنية. فلماذا لا تكون وسائلها وطنية أيضاً؟


وأما عن عروبتها، فنرى أنه إذا كان العدو المحتل لأرض قطر من الأقطار العربية، يُراد منه التمهيد لاحتلال القطر الآخر، فأهداف احتلال هذا القطر إذن هو بداية لاحتلال الوطن العربي قطراً إثر قطر، وهذا يعني أن مشاركة العرب جميعهم في تحرير القطر المحتل وكأنه دفاع عن أنفسهم. فلماذا لا تكون وسائل المقاومة قومية أيضاً؟


من كل ذلك نخلص إلى أنه لا بُدَّ من العمل لتثبيت أسس وطنية للمقاومة العربية، ليس في الشعارات فحسب، وإنما في الممارسة والأداء أيضاً. ويتم ذلك عبر أُطُر جبهوية تنضم إليها كل القوى والأحزاب في القطر المحتل من دون النظر إلى ماهيتها الحزبية أو الدينية. وإنه لما كان المفهوم الوطني للمقاومة حاجة أساسية، هدفاً ونتيجة، فالوسيلة إذن في هذه المقاومة لا يجوز إلاَّ أن تقوم على جهود أبناء الوطن جميعهم. ولما كان تعريف الوطنية يشمل مجموع الشعب الذي يعيش على أرض واحدة، بمعزل عن انتماءاته الدينية والمذهبية والعرقية، يوجب ذلك أن تكتسب المقاومة صفة الوطنية، شكلاً ومضموناً.


كما نخلص إلى أنه لما كانت أهداف التحالف الاستعماري –الصهيوني السيطرة على الوطن العربي كله، ولن يكتفي بقطر دون آخر، فعلى المقاومة أينما كانت أن ترفد جهود المقاومة على كل الأرض العربية. ولن نألو جهداً في تفسير ذلك، بل علينا أن نتَّعظ من استراتيجية التحالف المذكور الذي يعمل على اجتثاث كل المقاومات في الوطن العربي رزمة واحدة، وإن كان يعمل على تنفيذها خطوة تليها خطوة. كما علينا أن نتصور عوامل القوة التي تحصدها المقاومة العربية وهي تفتح ثلاث جبهات دفعة واحدة في فلسطين ولبنان والعراق. كما علينا أن نتصور كم من الضعف ستحصد كل مقاومة منها إذا ما استكانت إحدى المقاومات لسبب أو لآخر.


استناداً إلى تعريفنا بوجوب وطنية المقاومة وعروبتها، نرى أن كل المسميات، من إسلامية أو حزبية فئوية أو غيرها، التي تطلق اليوم على المقاومة في كل أرض عربية، على الرغم من أنها تؤدي مهمة تاريخية لا يجوز التشكيك بها وبنتائجها، تصبح بعيدة عن مألوف المفاهيم الوطنية، خاصة أن تلك المفاهيم أصبحت واقعاً يستحيل التشكيك فيه أيضاً. ولكن لو وُصفت المقاومة استناداً إلى مواقعها الجغرافية لتمييزها فقط، كأن تكون فلسطينية أو لبنانية أو عراقية أو غيرها، فإن هذا لا ينفي عنها صفتها القومية العربية.


وتفصيلاً، ماذا تستفيد الحركة الإسلامية في فلسطين أو لبنان أو العراق من تسمية نفسها بـ(المقاومة الإسلامية) إذا ميَّزت نفسها بصفة إسلامية طالما أن نتائج مقاومتها ستصب في مصلحة المسيحيين والمسلمين معاً؟ أي أبناء الوطن الواحد والقومية الواحدة.


وبماذا تستفيد الحركة المسيحية مما إذا تكررت التجربة عبرها؟
إن الأزمة في الواقع الراهن، حول هذه الإشكالية، تعود إلى الخلاف حول تحديد هويتنا، والتي ترقى إلى الجدل الدائر الواصل إلى حدود النزاع والتناقض، هل نكتسب هويتنا على أساس وطني - قومي أم على أساس ديني. أي هل نحن عرب؟ أم هل نحن مسلمون؟ أم هل نحن مسيحيون؟ وهل نحن كاثوليك أم أرثوذكس؟ أم نحن سُنَّة أم شيعة؟


بانكفاء سلطة الكنيسة في الغرب عن ممارسة أي دور سياسي في أنظمة الحكم، وبانكفاء الإمبراطورية الإسلامية، إلى كنف سلطة الدولة القومية، تغيَّرت معايير تصنيف الإنسان، وانتقلت من مرحلة نسبته إلى دينه ومذهبه إلى مرحلة نسبته إلى قوميته. فاحتلت الصفة القومية مكانة الثابت الأول، والصفة الدينية والمذهبية إلى مكانة المتغير.
استناداً إلى مفهومنا هذا أصبحت العروبة هي الثابت وغيرها من المتغيرات. فالمسلم والمسيحي ينتسبان إلى العروبة أولاً، ووضع نفس كل منهما في خدمة القضية العربية هي المعيار الأول الذي يُقاس على أساسه كل جهد يبذله أي منهما، وفي مقدمة تلك الجهود تأتي المقاومة التي يخوضها العرب الآن في مرحلة التحرر الوطني. إلاَّ أن هذا لا يعني أن لا يستفيد العرب من كل التراكمات الحضارية التي أنتجوها طوال تاريخهم، بل العكس هو الصحيح والواجب. فالتراث، الذي أثبت قيمته وصلاحيته لتوحيد العرب وتعزيز حضارتهم التي تواكب متغيرات العصر، يعتبر من أهم أركان التراكم الحضاري الذي لا يخدم مصلحة الأمة فحسب، بل هو يخدم مصلحة الإنسانية أيضاً.


فالعروبة، بهذا المعنى، هي التي تشكل الحصانة الأولى والأخيرة التي تمنع انحراف بوصلة المقاومة إلى أي اتجاه لا يخدم قضايا العروبة ومصالحها.


من كل ذلك نرى أنه لا بُدَّ، في مرحلة التحرر الوطني من الاحتلال، من تحييد الدين والتصنيفات الدينية عن المقاومة العربية، بالشكل والمضمون. إلاَّ أن هذا لا يعني حرمان التعدديات، الدينية والإثنية، من حقوقها في ممارسة خصوصيات معتقداتها التي لا تتناقض مع مفاهيم بناء نظام سياسي في مرحلة البناء الوطني والقومي الداخلي، أي بعد إنجاز مرحلة التحرير من الاحتلال الأجنبي. ولهذا موقع آخر يُترك تحديد أصوله النظرية والعملية إلى ما بعد مرحلة خلاص رأس الوطن من القطع.

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

السبت / ٠٢ مـحـرم ١٤٣١ هـ

***

 الموافق  ١٩ / كانون الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور