أقطاع وفساد سياسي وإرهاب مليشياوي وبلد مستباح

 
 
 
شبكة المنصور
د. مهند العزاوي
مركز صقر للدراسات الإستراتيجية والعسكرية

لا لدولة المكونات بدل العراق ,لا لحكومة الخطوط الحمر ,لا للإقطاع والإرهاب السياسي ,لا لصراع الكراسي الدموي ,لا لقدسية العملية السياسية مقابل دماء الشعب العراقي لا للإرهاب أي أن كان شكله.الكاتب

 

امريكا: مسئولية ومسائلة وتقييم ومراجعة

عملية سياسية محنطة استنزفت الشعب العراقي

امن مفقود وقوات أمنية مدمجة وبلد مستباح

العراق ملفات سوداء وحلول مؤجلة

 

يشهد العراق طيلة السنوات الماضية فوضى سياسية دموية طالت غالبية مدنه وبالأخص بغداد , وقد ذهب ضحيتها آلاف من العراقيين في حرب التغيير الدموغرافي قربانا للطبقة السياسية وأحزابها الفاسدة وشخوصها المرتزقة, وهم يشكلون الهيكل الهرمي لما يسمى العملية السياسية التي يباد الشعب العراقي لتستمر كونها غاية وليست وسيلة بمفهوم السياسيين الجدد, تمهيدا لتقسيم العراق إلى كردستان-شيعستان-سنستان وهو المشروع القديم الجديد لتقسيم العراق, وبات من الواضح أن غالبية القوى السياسية تمثل زعانف مخابراتية ذات صبغة سياسية تمثل مصالح أجنبية وإقليمية وتلقي بضلالها على المشهد الامني والعسكري الهش, ويبدو أن التفجيرات النمطية ذات التوصيف الأربعاء الأحد الثلاثاء الدامي احد تكتيكات "مشروع تقسيم العراق" واستهداف بنيته التحتية الاجتماعية لفصلها عن عمد وإحالتها إلى مكونات وطوائف(دولة المكونات) , مما جعل أمن ومقدرات الشعب العراقي رهينة بيد الجهلة وقطاع الطرق والمرتزقة وسماسرة الجريمة المنظمة, والذين قد دربوا دول أجنبية كأوراق ضغط سياسية على العراق قبل غزوه , وأضحت هذه العناصر الخارجة عن القانون اليوم تمسك بزمام المشهد الامني الذي لا يمر يوم في حياة العراقيين غير دامي نظرا لاختلاف الأجندات الأجنبية والإقليمية (تقسيم الكعكة) وتنعكس على الشعب العراقي برسائل دموية تستهدف مناطقه ومدنه الآمنة لصنع حالة رعب وهلع وتدجينه ومصادرة حقه في تقرير المصير وبقاء العراق متخلفا مقسما .

 

ساهم العالم في غزو وتدمير العراق , ويقف اليوم متفرجا على المجازر الجماعية وحمامات الدم التي تعصف بالشعب العراقي منذ غزو العراق عام2003 , ويفترض أن نصف العراق الدامي بسنواته العجاف التي نحرت كل معالم الإنسانية وحولت هذا البلد العريق إلى دويلات أحزاب ومليشيات وإقطاع سياسي طائفي وعرقي موشح كذبا بيافطة الدموقراطية, لقد ارتكب العالم خطيئة إستراتيجية وجريمة أخلاقية بمساهمته  المباشرة في غزو وتدمير العراق وذبح شعبه, وأضحى شبح الموت وحمامات الدم المنظر السائد في المشهد العراقي, ولا أقف أمام خطوط حمراء أو تحديدات يضعها مجرمي العصر, قتلة العراقيين من الأحزاب والمليشيات وظل قوات الاحتلال , الذين استباحوا جميع المحرمات وانتهكوا حقوق الإنسان بأبشع الصور, مما يدل أن امريكا جلبت التدمير منهجا رديفا للتحرير, وتتحمل كامل المسئولية عن دماء العراقيين وفقا للمعايير والقوانين الدولية , فهل من مسائلة وتقييم ومراجعة للمشهد الدامي في العراق؟, وهل أن الطبقة السياسية بشخوصها الحالية منزلة من السماء بحيث تستبيح دماء العراقيين دون مسائلة قانونية؟ , هل تحنيط العملية السياسية فشل أم مطلب أمريكي متفق عليه؟ , وهل خلقت الفوضى الهدامة الأمريكية طبقة سياسية طفيلية تقتاد على دماء العراقيين وهو أمرا منظور غير مخفي؟,وهل القوات الأمنية المدمجة تمثل الشعب العراقي وحامية لدماء أبنائه؟ أم فوضى سياسية تقود لبلد مستباح تلقي بظلالها على تشكيل تلك القوات الغير متجانسة, أليس من المفترض محاكمة كل من تشدق بالدمقراطية ونادى بها ولم يطبق ابسط مقومتها كما نشهدها في العالم,هل يستفيق العالم من سباته وينقذ الإنسانية المعذبة في العراق وخارجه؟ وإطلاق مشروع عالميا"الرفق بالعراق وشعبه" نخاطب الرئيس الأمريكي اوباما أين انسحابكم المسئول والياته والمراحل الآمنة وتسليم العراق إلى أهله أحياء أم قتلى؟

 

امريكا: مسئولية ومسائلة وتقييم ومراجعة

أصبح العالم بأسره يعلم أن غزو العراق اكبر الأخطاء الستراتيجية التي ارتكبتها امريكا والغرب ,وبالتأكيد ان هذا التعبير دقيق لأنه يخضع لمعايير ستراتيجية وعسكرية تتعلق بمعادلة التوازن الدولي والتي تلقي بظلالها على التوازن العربي والإقليمي في منطقة الشرق الأوسط, كون العراق يشكل همزة وصل ستراتيجية ويفترض أن يكون دولة مستقرة سياسيا وموحدة جغرافيا يعمها الرخاء والتماسك الاجتماعي,لقد شهد العراق أبشع أنواع القرصنة والخصخصة الجشعة على حساب الشعب العراقي وتماسكه, بل والأكثر خطورة خصخصة الارهاب والعنف الذي يضرب العراق من كافة الجوانب , ويرتكز بنيويا على الإقطاع السياسي الطائفي والعرقي ويتغذى على الفساد السياسي والمالي, ويشكل بمجمله بناء هش مشوه لم يتجانس مع البيئة العراقية وتطلعات شعبه الساعي للحرية والتقدم والديمقراطية الحقيقية في ظل دولة المؤسسات والنضوج السياسي, وقد عضدت الطبقة السياسية الإقطاعية الحالية  بدستور يقسم العراق ويخصخص ثروات شعبه لرؤساء الأحزاب الطائفية والعرقية والمتاجرين بالطائفة والمذهب والعرق كهبة لدورهم المحوري في غزو وتدمير العراق, وقد أفصح احد الدبلوماسيين الأمريكيين بأنه قد ساهم في أخراج الدستور بشكله الحالي مقابل أسهم شركات نفط ومبالغ مالية.

 

يشير القانون الدولي إلى ان الولايات المتحدة الأمريكية مسئولة عن توفير الحماية لشعب العراق كونه تحت الحماية الدولية وفق البند السابع وتحت الوصاية الأمريكية وفق الاتفاقيات المبرمة , وهي المصنع الأساسي للمشهد العراقي السياسي وبشكله الدموي الحالي, وابرز ما فعلته هو تدمير المؤسسات العراقية الرصينة بالكامل وإعادة تشكيلها على أسس ارتزاقية وحزبية مليشياوية تخضع للعقيدة الأمريكية الحربية والأمنية والتي لتتجانس مع البيئة الأمنية العراقية والسؤل ماهية الأولويات الأمنية امن المواطن العراقي أم امن قوات الاحتلال في العراق؟بالرغم من وجود أكثر من مليون ونصف من القوات الأمنية التي تعجز عن تحقيق الأمن طيلة تلك السنوات, ويبدو أن القادة السياسيين والعسكريين الأمريكيين يستخدمون سياسة القوالب الثابتة ومنها خلق طبقة ارستقراطية سياسية تحتكم على أموال الدولة ومؤسساتها وتخصخص تلك المؤسسات لأغراض شخصية وحزبية, مما يجعل هذا البناء هشا مفككا ويخضع لاعتبارات الإقطاع السياسي الجشع الذي يمول نفسه من خلال الارهاب السياسي المليشياوي, ولذا يفترض من المسئولين الأمريكان ومراكز الدراسات الرصينة النظر إلى المشهد العراقي من كافة الجوانب وبما يتلاءم مع بيئته وليس وفق منظور المصالح الأمريكية فقط أو الاستناد على مناخ البيئة الأمريكية والغربية, خصوصا أن قابلية التحول الدمقراطي تأتي بشكل انسيابي متقن وليس بشكل عشوائي وجشع كما شاهدناه, ولذا يفترض أعادة النظر بشجاعة في تفكيك الأزمة العراقية ومساعدة العراقيين بإعادة رسم المشهد العراقي بتوافق وطني عراقي, تضبط إيقاعه منظومة قوانين رصينة وليس قوانين قمعية وقتية ردعية مثل قانون مكافحة الارهاب الذي أحيل غالبية العراقيين وفق المادة 4 إرهاب وبمعونة المخبر السري لتكميم الأفواه وأبعاد السياسيين الوطنيين واستهداف الكفاءات الوطنية الصادقة ومنعها من أعادة تشكيل الدولة العراقية العصرية.

 

عملية سياسية محنطة استنزفت الشعب العراقي

شكلت العملية السياسية في العراق على أسس دولة المكونات والطوائف , وسرعان ما شهد المشهد العراقي ظاهرة المتحولون السياسيون والانتهازيون رجال كل زمان لان جميعهم كانوا أعضاء في حزب البعث وفي السلطة, لأنه الحزب الوحيد في المشهد السياسي لمدة35 سنة قبل الغزو,وارتكبت الولايات المتحدة الأمريكية خطا سياسيا فادحا عندما جعلت من اللصوص والمحكوم عليهم ومن ذوي السوابق الإجرامية سياسيين, وسمحت لهم بإشغال مقاعد سياسية ومناصب أمنية, لان الكثير ممن حكم عليهم بجرائم اختلاس وسرقة هربوا خارج العراق بأموال الشعب العراقي, وبات يتحكم البعض منهم بمقدرات العراق وامن شعبه وبالتأكيد "فاقد الشيء لا يعطيه" , ويمكن تقييم العملية السياسية وفق المعايير الرسمية والستراتيجية ضمن حسابات الكلفة والمردود والتنمية وحساب المصالح المشتركة, سنجد أن العملية السياسية قدمت الشعب العراقي قرابين بشرية لبقاء مراهقين سياسيين فاشلين في المشهد السياسي وضباط مدمجين منتمين للأحزاب على مفاصل الدولة الأمنية, وهيمنتهم على إيرادات الدولة العراقية ونهبها بشكل منظم, ونجد أن العملية السياسية بمفهوم هؤلاء السياسيين الجدد غاية وليست وسيلة لتحقيق الاستقرار السياسي والتكامل العسكري الذي يلقي بظلاله على المشهد الامني والتنمية والرخاء , وشهدنا بعد كل تفجير إرهابي يتعرض له الأبرياء من الشعب العراقي ويذهب ضحيته المئات بل ألآلاف, يخرج علينا المسئول مصرحا أنها مستهدفة العملية السياسية ولم نشهد مقتل مسئول أو مشترك بالعملية السياسية , وكان العملية السياسية غاية يفترض تقديم الشعب العراقي قرابين لشخوصها في عبودية منقطعة النظير, ويفترض أن العملية السياسية وسيلة متطورة ناضجة لتحقق الرفاهية والاستقرار للشعب العراقي, وفي جرد حساب بسيط نجد أن التضحيات التي قدمها العراقيين بأرقام فلكية من مهجرين وشهداء ومغيبين ومعوقين ومعتقلين وأرامل وأيتام, وعندما نضعها في حسابات التقييم لأداء الطبقة السياسية والحكومة يستوجب مسائلتها قانونيا وشعبيا وأخلاقيا, وهذا لينفي المسئولية عن مصنع هذه العملية بشكلها المقيت, لقد منحت هذه العملية شخوصها أرصدة ملياريه من أموال الشعب مما جعلهم إقطاعيين سياسيين يتاجرون بالملة والمذهب والطائفة والعرق ويتحكمون بمقدراتهم المعيشية بل وأصبح الشعب ميدان لصراع النفوذ والمناصب فيما بينهم , وغالبية تلك التفجيرات الآثمة يقف خلفها زعانف هؤلاء السياسيين والأحزاب من قتلة مأجورين أو مليشيات لحصد البسمة وزرع الخوف والرعب في قلوب الشعب العراقي.

 

امن مفقود وقوات أمنية مدمجة وبلد مستباح

المشهد الأمني في العراق ليس معضلة عصية عن الحل في ظل إمكانيات العراق البشرية والمادية الجبارة , لان الأمن منظومة عناصرها الأساسية السيادة الحقيقة والاستقرار السياسي والاقتصادي والتكامل العسكري والتعزيز التقني والمعلوماتي المبني على التماسك المجتمعي, كما ان الأمن يعتبر مطلبا اجتماعيا شعبيا يرتكز على منظومة القيم الوطنية, وهو عقد اجتماعي بين المواطن والدولة يتنازل المواطن عن جزء بسيط من حريته لتعوضه الدولة استقرار وامن وتنمية ورفاهية ورخاء, وهذا ما تؤمنه السلطة الوطنية للشعب أو المجتمع, وخلافا لذلك تفقد أي حكومة شرعيتها ومشروعيتها حتى وان كانت منتخبة من قبل الشعب", ومفهوم الآمن مفهوم مركب ومعقد مقارنة مع بساطة المصطلح,فالآمن هو العمود الفقري في سياسة أي دولة بل هو مبرر وجود الدولة ككيان سياسي وهي قاعدة فقهية سياسية وأمنية, أن المهمة الأساسية والأولى للدولة هو تحقيق الأمن  والدفاع , والخروج من حالة الفوضى وشريعة الغاب, والأمن بمفهومه البسيط هو "غياب الخوف واختفاء التهديد وسيادة الاطمئنان النفسي لدى الفرد والمجتمع" وهذا ما لم تستطيع تحقيقه قوات الاحتلال والحكومات المتعاقبة طيلة سنوات الماضية للشعب العراقي نظرا لهشاشة البنية السياسية والعسكرية والاختلاف الشعبي على مشروعيتها في ظل الاحتلال, لقد ارتكز مفهوم الأمن في العراق على سياقات مجتزأة ومشوهة وعلى هياكل تنظيمية مزدوجة الولاء والارتزاق, ولعل أبرز كارثة مهنية أرستها دوائر الاحتلال هي دمج المليشيات الطائفية والعرقية في القوات المسلحة الحالية طبقا لقانون برايمر 91, ويفترض أن القوات المسلحة هي انعكاس للشعب وخادمة له وتقوم بمهام الأمن والدفاع (الأمن الشخصي والشخصي العام- الأمن المجتمعي الشامل- والأمن الوطني الشامل),كما أن تلك القوات تتبع بالغالب التوجيهات والوصايا الصادرة من قوات الاحتلال من جهة وانتمائها الأجنبي والإقليمي ذو الطابع الحزبي من جهة أخرى, ولم نشهد سياسة دفاعية عراقية تستند على مبادئ وأسس وواقع يحدد التهديدات والأخطار الخارجية والداخلية الحالية والمحتملة, فلا يمكن اعتماد عقيدة عسكرية لدولة ما لم تكن قد حددت في الأصل اتجاهات سياستها العامة(العقيدة السياسية),التي بموجبها تحدد كيفية صياغة العلاقة بين الدولة وبقية الدول وفق أسبقية التهديدات والمخاطر التي تعترض الغاية الإستراتيجية للبلد, وكذلك شكل التعامل مع الجمهور أو الشعب او المجتمع الذي يشكل عنصر بقائها الأساسي , ونجد ان إستراتيجية الأمن القومي العراقية تعتبر أبناء شعب العراق تهديد والاحتلال الأجنبي والنفوذ الإيراني مشروعا , ونذكر أن السياسة الأمنية ابرز مقوماته هو الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي وتتبعه القدرة والحرفية العسكرية والأمنية واحترام القانون وحقوق الإنسان والمجتمع والمواطن وبالتأكيد ليمكن لعنصر مليشيات ارتكب جرائم قطع الطرق واللصوصية والعمالة والخيانة الوطنية أن يحقق الأمن لأبناء شعبه وهذه قاعدة مهنية ليمكن القفز عليها..

 

تزايدت وتيرة العنف والإرهاب السياسي بعد أعلن الرئيس الأمريكي "اوباما" إستراتيجية "انسحاب القوات-Withdrawal Forces" وإنهاء الحرب في العراق والانسحاب وفق المراحل والتوقيتات المعلنة بجدولة الانسحاب وحتى الانسحاب النهائي عام2011,بغض النظر عن حقيقة الانسحاب أو تأجيله , أي يعني هناك ملفات حقيقية يفترض معالجتها بموضوعية وعدم ترحليها او القفز عليها , وهناك عناصر مختلفة ترفض فكرة الانسحاب من العراق خصوصا التي ارتبطت بأجندات خارجية وتخشى رد فعل الشعب كونها تستقوي بالأجنبي, وشهد شعب العراق أيام  دامية ذات طابع سياسي تبرز حجم الخلاف والصراع بين الطبقة السياسية , وكانت أبرزها أيام الأربعاء-الأحد وأخيرا الثلاثاء الدامي , وجميعها لها قاسم مشترك واحد استخدمت لأغراض  الدعاية الانتخابية بطابع دموي واستقطاب طائفي مقيت, وكذلك صرف الأنظار عن الفشل السياسي والعسكري والاستحقاقات الجماهيرية لغرض البقاء مدة أطول في المنصب والسلطة , والشعب العراقي يذبح من الوريد إلى الوريد, وبنفس يوم الفاجعة(الثلاثاء) نجد عدد من السياسيين يطالب بإعدام وزير الدفاع السابق سلطان هاشم  وما ربطه بالموضوع الامني والحدث الجلل وهو معتقل ,ويبدوا أنها جاءت وفقا لتوصيات شركة دعاية انتخابية فرنسية تعاقد معها احد المسئولين كون هذا الإعدام يزيد شعبيته وشعبية حزبه, وبات الدم العراقي مادة إعلامية وانتخابية ومنصة دموية لارتقاء المناصب والمغانم, والملفت للنظر أن ضابط في قسم معين دائرة في وزارة يكيل التهم إلى دول عربية في خرق منهجي للعرف الدبلوماسي, والتخصص السياسي, وسياقات عمل الدولة , هذه الفوضى والمهزلة السياسية تقدم دماء الشعب العراقي قرابين من اجل بقائهم في السلطة وجعلوا هذا البلد العريق مستباحا تنهش به قوى الظلام,ان ضبابية الانسحاب الأمريكي وضعف الآليات الواقعية للانسحاب مهدت الطريق لجعل المشهد العراقي دمويا تسوده الصراعات السياسية وتنخره العمليات الإرهابية ذات الطابع المليشياوي لطمس معالم الفساد المالي للأحزاب والسلطة من خلال تفجير الوزارات والمؤسسات , وبذلك يتم حرق وتدمير كافة الأدلة الجنائية التي تدينهم بالفساد وسرقة المال العام, بالتأكيد أن امريكا في مأزق كبير نظرا لفشل المضلع الثلاثي في تطويع وتدجين العراق يا ترى ماهية مفردات الانسحاب المسئول وما هي آلياته وما هي مراحله والشعب العراقي في أيامه الدامية. 

 

العراق ملفات سوداء وحلول مؤجلة

نفترض أن الإدارة الأمريكية تنتهج المنحى العقلاني والسيناريو المثالي في معالجة الملفات الستراتيجية السوداء التي خلفتها الإدارة السابقة,وان إستراتيجية الانسحاب حقيقية ليست مناورة ستراتيجية(إعادة انتشار وترقيق القطعات وترحيل العمليات),وان الرئيس الأمريكي جاد في تنفيذ وعوده الانتخابية للشعب الأمريكي بإنهاء كابوس"احتلال العراق"فعلا, لذا من الضروري أن  يكون الانسحاب الأمريكي مسئولا وليس هزيمة أي الخروج بدون آليات الإصلاح والثورة الناعمة, لان الولايات المتحدة الأمريكية تمتلك اليوم منظومات متكاملة تعني بالشأن العراقي, ويفترض تفكيك المشهد العراقي إلى عوامله الأولية وبانسيابية متقنة وتبدأ بمعالجة الملفات المتفجرة التي أوجدتها السياسات الخاطئة والمتسرعة للدوائر السياسية الأمريكية في العراق ,وأبرزها المشهد السياسي وإعادة تشكيله بشكل ناضج يستند على التقييم والمسائلة القانونية لكل من أجرم بحق العراقيين قبل وبعد غزو العراق, وتطويع منظومة القيم الوطنية واجترار تجربة جنوب أفريقيا في التوافق الوطني, وضرورة تحقيق النضوج السياسي والتعددية السياسية وفق أسس دموقراطية أسوة بما تشهده المجتمعات الغربية لضمان حقوق الإنسان والمواطنة , وتطبيق باب الحقوق والحريات ضمن الدستور الحالي, وإعادة النظر بالدستور خصوصا بما يتعلق بوحدة العراق بعد أن سقطت فلسفة الفدراليات وعدم موائمتها في البيئة العراقية ذات الطابع الاجتماعي المنصهر فيما بينه والمتصاهر في كافة مكوناته والمتماسك بالرغم من جميع محاولات التجريف الاجتماعي التي مورست ضده بالقوة او بالتقطيع الناعم سياسيا, مع الاحتفاظ بخصوصية شمال العراق, لم تحقق بنود الدستور فيما يخص الثروات الرفاهية والرخاء والاستثمار الأمن في العراق نظرا لخصخصته إلى رؤساء الأحزاب دون مسائلة أو رقابة , وقد كان هذا الدستور مطاطا وفق رغبات الأشخاص والسياسيين كل يفسره على هواه ويجتزئون تطبيقاته,  لقد أوقفت الحكومة الحالية العمل بالحياة الدستورية وخصوصا فيما يخص الحقوق والحريات , وباتت تنفذ الاعتقالات دون مذكرة قضائية أو استخدام العمل القضائي الانسيابي الذي يبدأ بطلب الحضور والاستقدام وأخير ألقاء القبض وتلك مفاهيم وأسس قضائية تعود العراق استخدامها, وشهدنا إعدامات علنية وقوات حكومية تنحر المواطنين بالشوارع وأخرى تعدم بإطلاق الرصاص قرب مناطق سكنهم وكأننا نعيش عصر النازية والإبادة البشرية, أين المسائلة والقانون والدستور وحقوق المواطنة؟ لذا يتطلب الانسحاب الأمريكي أرادة حقيقية واليات موضوعية قابلة للتطبيق ومسائلة ورقابة ,ليجوز أن تقف الولايات المتحدة الأمريكية وهي سبب كل ما جرى واقفة تترقب المشهد وتداعياته ثم تركب الموجة من جديد , لان العراق يحتاج إلى ارداة دولية حقيقة لإنقاذه من براثن الارهاب والفساد والإقطاع السياسي ومجازر المليشيات, ويحتاج العالم إلى العراق دولة موحدة وليست دولة مكونات ويحتاج إلى دولة مؤسسات وليست دولة خطوط حمر ونحتاج إلى شعب متماسك يخدم البشرية بقدراته لا أن يقدم قرابين على مذبح العملية السياسية الفاشلة بشكلها وشخوصها, نحتاج إلى وقفة دولية شجاعة لإنهاء الاحتلال, أعيدوا حساباتكم وصححوا أخطائكم لان العراق حر وشعبه حي قادر على التغيير بأذن الله.

 

د. مهند العزاوي

مركز صقر للدراسات الإستراتيجية والعسكرية

‏الخميس‏ ١٠‏ كانون الأول‏  ٢٠٠٩

 
saqarc@yahoo.com
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الخميس / ٢٣ ذو الحجة ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ١٠ / كانون الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور