من أجل انتفاضة دائمة وفاعلة تُنهي مسار الزيغ والانحراف

 
 
 
شبكة المنصور
عبد الكريم بن حميدة
في هذه الأيام تمرّ الذكرى الثانية والعشرون لاندلاع الانتفاضة الأولى، تلك التي اصطلح
على تسميتها بانتفاضة الحجارة، أو انتفاضة أطفال الحجارة.. وهي الانتفاضة التي جاءت ردّا على تجاهل المجتمع الدولي للمطالب الفلسطينيّة من جهة، وردّا حيّا وواقعيّا على عقم مسار التفاوض وخط التسوية التي كانت تُطبخ في أكثر من عاصمة عربيّة ودوليّة..


كان هذا قبل مؤتمر مدريد أواخر 1991، وهو المؤتمر الذي شقّ خريطة التسوية المذلّة التي قبلت بها الأنظمة العربيّة، بل واعتبرتها أفضل ما يمكن الحصول عليه في ظلّ واقع عربيّ مهزوز زادته حرب تدمير العراق مرارة وإحباطا..


علينا أن نتذكّر في هذا السياق أنّ مشاريع التسوية وخطط الاستسلام كانت حاضرة في كلّ المناسبات، غير أنّ الذي كان يئدها أو يجهضها هو إرادة سياسيّة وطنيّة صادقة تلتفّ حولها جماهير الشعب العربيّ وتدافع عنها وعن خياراتها...حدث ذلك مع الزعيم جمال عبد الناصر قبل عقود يوم كانت مصر في موقع يسمح لها أن تعبّر عن نبض الشارع العربيّ وتلتزم به.. يومها جاءتها الزعامة منقادة لم ينافسها فيها أحد، كما لم يدّع أحد أنّه ندّ لها.. وأقصى ما كان المناوئون يقدرون عليه أن يقودوا حملات التشكيك والتشويه ضدّ الزعيم عبد الناصر. وهي حملات لم يكن يصدّقها عاقل أوحصيف.


عندما غابت القيادة التاريخيّة التي حملت هموم الأمّة وأحيت آمالها في الحريّة والوحدة ظلّت العروبة تتلمّس في العتمة طريق الخلاص، وتبحث في الليلة الظلماء عمّن يعيد إلى المشروع القوميّ وهجه فيستردّ عنفوانه ويستأنف مسيرته.. غير أنّ الذين راهنت عليهم الأمّة سرعان ما سقطوا في اختبار بدا أحيانا أكبر من قدراتهم، وفي خضمّ محيط بدا أحيان عاصفا بما لا يتيح لهم مواجهته.


سقطت الرهانات، وتراجعت الآمال. وكان على الأمّة أن تتلمّس بنفسها طريق الخلاص، وأن تفرز من داخلها.. من بين أهدابها ومن ثنايا آمالها وأوجاعها شكلا للمقاومة يُبقي إرادة التصدّي قائمة حتّى في أحلك الظروف وأعقد المنعطفات..


لم يكن المطلوب من انتفاضة الحجارة تحرير أرض أو إجلاء عدوّ، فذلك ببساطة أمر لم يكن متاحا. ولا أعتقد أنّ العقلاء كانوا يراهنون على تحرير فلسطين أو جزء منها بانتفاضة يقودها أطفال لا سلاح لهم غير الحجارة.


بوركت الحجارة، وبورك أطفال فلسطين الذين حوّلوها بأيديهم إلى سلاح أذلّ الأعداء وهزم صلفهم وكشف سوءاتهم إلى الحدّ الذي جعلنا نشاهد بأمّ العين كيف أنّ دبّابة صهيونيّة كانت تتقهقر أمام طفل فلسطينيّ يرشقها بحجر فلسطينيّ. وهل من منصف يطمح إلى أكثر ممّا قدّمته الانتفاضة على طريق تثبيت الحقّ وترسيخ فكر المقاومة؟


إنّ رهانات بعضنا على تحرير الأرض بمجرّد التعويل على انتفاضة محدودة في الزمان وفي المكان، معدومة الإمكانيّات لا يؤدّي سوى إلى جملة نتائج ستكون فيما بعد عبئا على أيّ تحرّك شعبيّ واسع. ومن هذه النتائج أنّنا نحمّل أطفالنا ما لا يطيقون وما لم يكن واردا في أذهانهم، ومنها أنّ أيّة انتكاسة لهذه الانتفاضة أو تلك ستصيب جيلا كاملا بحالة من الإحباط مردّها إلى تهاوي الأحلام. ونضيف إلى هذه النتائج أنّنا وفق هذه الرهانات نبحث لأنفسنا عن محطّة للدّعة نخرج بموجبها من معادلة الصراع لأنّنا لم نعد طرفا فيه طالما أنّنا أوكلنا  هذه المهمّة إلى أطفالنا.


إنّني أعتقد أنّ نجاح أيّة انتفاضة موكول إلى جماهير الأمّة العربيّة كلّها بلا استثناء، فالصراع -إضافة إلى طابعه القوميّ الذي لم يعد محلّ تشكيك أو اتّهام- متعدّد الجبهات، معقّد المسالك. وهو لذلك يتطلّب تضحيات جمّة لا يقدر عليها الفلسطينيّون وحدهم، بل لا يقدر عليها أيّ طرف عربيّ وحده. وإذا كان النظام الرسميّ العربيّ قد نفض يديه من الصراع منذ سنوات عندما ابتدع مصطلح "الصراع الفلسطينيّ-الإسرائيليّ" وعبارة "السلام خيارنا الاستراتيجي الأوحد" فإنّ المعوَّل عليه في أيّة مواجهة قادمة مهما كان شكلها وحجمها ومداها إنما هم جماهير الأمّة


وقواها الحيّة الفاعلة ونخبها المؤمنة بأنّ ما أخذ بالقوّة لا يُستردّ بالإذعان والتسليم والتفاوض ..

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

السبت / ٢٥ ذو الحجة ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ١٢ / كانون الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور