عزف منفرد - الحسين والسلطة

 
 
 
شبكة المنصور
سلام الشماع - البلاد البحرينية
لا بدّ من أن من قتلوا الحسين بن علي بن أبي طالب في مثل هذه الأيام، قبل 1370 سنة قمرية، أو 1329 سنة شمسية، كانوا قد شعروا بالزهو والفخر والفرح لظنهم أنهم انتصروا عليه وقضي الأمر، ولكن سرعان ما تبخرت نشوتهم حين أدركوا أن الحسين هو الذي انتصر عليهم وبقي نجماً لامعاً مضيئاً في سموات الإسلام في حين لعن التاريخ قاتليه ومازال يكيل إليهم اللعنات تلو اللعنات.


خاض الإمام الحسين سبط النبي الأكرم محمد صلوات الله وسلامه عليه معركة غير متكافئة في الحسابات العسكرية، ومع علمه بذلك أصرّ على خوض تلك المعركة دفاعا عن دين جده الذي أراد أن يحرّفه المحرفون... وتلك لعمري بطولة لا ترقى إليها بطولة أن يعرف الإنسان أنه مقتول لا محالة ومع ذلك يخوض حرباً شرسة دفاعاً عن مبادئه.


كان جيش الأمويين يزيد بـ (30) ألف مقاتل على أنصار الحسين بن علي، لذلك فإن ما جرى في كربلاء في العاشر من محرم الحرام كان مذبحة بشعة في وضح النهار.


لقد بدأت المأساة عندما بعث يزيد بن معاوية إلى واليه على المدينة الوليد بن عتبة ليأخذ البيعة من أهلها، بعد توليه الخلافة عقب موت أبيه معاوية، فامتنع الحسين عن البيعة، وخرج إلى مكة وأقام فيها، ثم أتته كتب أهل الكوفة في العراق تبايعه على الخلافة وتدعوه إلى الخروج إليهم، فتجهز مع جملة من أنصاره للتوجه إلى العراق، ونصحه بعض أقاربه وأصحابه بالبقاء في مكة وعدم الاستجابة لأهل العراق، ومنهم عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن جعفر، وجابر بن عبد الله، كما كتبت إليه إحدى النساء وتسمى (عمرة) تقول: حدثتني عائشة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “يقتل الحسين بأرض بابل” فلما قرأ كتابها قال: “فلا بدّ إذاً من مصرعي”، وخرج بمن معه متوجّهاً إلى العراق.


يقول أحد الكتاب: “وواضح أن الحسين عرف أن قوّته قليلة من حيث الجند، لكن إيمانه كان كبيرا بدينه، فهو سيّد الثائرين والشهداء لأنه ثار من أجل إصلاح الوضع والإطاحة بحكم يزيد... والغريب ما ذهب إليه بعض المؤرخين بأن الحسين أخطأ، وأنه خرج ولم يعدّ نفسه لهذه الموقعة، وكأنه خرج يطلب الملك. ولكنّ الحسين خرج ليقول كلمة الحق”.


لكن كل متابع للأمور يعرف أن سبب قتل الإمام الحسين، على هذه الصورة، هو من اجل إبعاده هو وذريته عن سدّة الحكم ومركز القوة والتأثير في الدولة الإسلامية... وهذا يضعنا أمام سؤال: هل الحسين ذهب إلى العراق طلباً للسلطة أم خروجاً عليها؟


بث الإعلام الأموي بين الناس، بعد واقعة عاشوراء عام 61 للهجرة مباشرة، أن الحسين خرج على وليّ أمر المسلمين وأنه خرج طلباً للسلطة، وذلك لإسقاط الشرعية عن حركته وسلبها موقعها الرائد في نفوس الناس، بصفتها سعت الى الإطاحة بالنظام السياسي القائم، ووظف الأمويون من أجل ذلك كمّاً هائلاً من الأحاديث المزورة وغير الصحيحة التي انبرى وعّاظ السلاطين وفقهاء الجور الى وضعها ونسبتها الى رسول الله صلوات الله وسلامه عليه مقابل حفنة من الأموال او منصب دنيوي زائل.


إن كتاباً كثيرين منذ مقتل الإمام الحسين إلى الآن رفضوا أن الحسين خرج على وليّ أمر المسلمين ورفضوا كذلك أنه خرج طلباً للسلطة، وقال غيرهم خلاف ذلك، ولكن كاتباً معاصراً هو نزار حيدر قال: “يفسر البعض حركة السبط الشهيد الإمام الحسين بن علي بن ابي طالب بن فاطمة الزهراء بنت رسول الله (ص) في عاشوراء عام 61 للهجرة، على أنها (خروج على السلطة) والصحيح هي أنها (خروج للسلطة) والفرق، كما هو واضح، كبير جدا، فالتفسير الأول يقصد منه الطعن بشرعية الحركة، أما الثاني فيعني بأن الحركة تتمتع بالشرعية الذاتية، أي إنها تحمل شرعيتها بذاتها وليس بعوامل خارجية أو مساعدة”.


ولنترك الكتاب والمؤرخين يتجادلون ولنقل: إن الوقفة الفدائية التي وقفها الحسين في كربلاء لو كان هدفها طلب السلطة بذاته لما خلّدها التاريخ إلى الآن ولما استلهمت حركات المقاومة والتحرر في العالم الدروس العظيمة منها وجعلتها رمزاً لها فما زال الذين يقاومون الظلم والتعسف والاحتلال يتخذون من الشعار الذي رفعه الحسين في كربلاء رمزاً لهم: “هيهات منا الذلة”، والمقاومة العراقية التي تقاتل المحتلين الآن على الرغم من عدم تكافؤ معركتها مع قوات الاحتلال المدججة بأحدث ما أنتجه العقل البشري من أسلحة الفتك وأدوات القتل ووسائل الدمار تصر على مواصلة قتالها مستلهمة من وقفة الحسين في كربلاء معاني الصمود وكيفية انتصار الدم على السيف.


وسلام عليك سيد الشهداء وعلى المستشهدين بين يديك ...

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاربعاء / ٠٦ مـحـرم ١٤٣١ هـ

***

 الموافق  ٢٣ / كانون الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور