عزف منفرد - رقصة الموت وصحافة الفنادق

 
 
 
شبكة المنصور
سلام الشماع - البلاد البحرينية
في إشارة رمزية إلى (رقصة الموت الأخيرة) الأفريقية الأصل، أطلق الجيش الأميركي على (قناص بغداد) اسم (جوبا)، فقد أردى هذا المقاوم العراقي عشرات القتلى من جند الاحتلال منذ بداية الاحتلال حتى (أكتوبر 2006)، وأثير حول الرجل العديد من الروايات وغرائب الحكايات بوصفه ظاهرة محيرة، يتداولها جنود الولايات المتحدة بخليط من الخوف والإعجاب، فوصفته بـ (الشبح) الغامض، والرجل (المجهول) و(البندقية الحاذقة) و(القدر) الذي تحيرت في أمره منظومة الاستخبارات ووكالة المخابرات المركزية، فلم تتمكن هذه الأجهزة من التعرف على هويته حتى الآن.


يقول معجم الأساطير الأميركية عن قناص بغداد: "إنه صاحب (الإطلاقة) الواحدة التي تلتقط هدفها بمهارة عجيبة في (التسديد)، ولا يعرف أحد حتى الآن من أين يأتي؟! ولا أين يختبئ؟! إنه يختار أهدافه ببراعة متناهية، إنه (صياد) الجند الحاضر في كل مكان، يتنقل كما ومضة الضوء، ويختفي بلمح البصر، وأصبح في ذاكرة الجندية الأميركية، رمزاً للموت المؤكد، وكابوساً مروِّعاً يقضّ مضاجع الجنود... عاد كابوس (جوبا) مجددا ليبثّ الرعب بين صفوف المرتزقة، ويكشف للشعب الأميركي كذب ادعاءات حكومته، إنه (قناص بغداد) أو كما يسميه الأميركان جوبا، الرجل الأسطورة، الذي قرر أن يمنح الأعداء فرصة التقاط الأنفاس قبل أن يشهدوا رقصة الموت الأخيرة".


وينتقل المعجم إلى مصطلح آخر شاع في عهد الرئيس بوش... إنه مصطلح (ابن السماء النبيل)، فيبين: "هكذا وصفت عرافّة مدينة الرذيلة (لاس فيغاس) سيدها القابع في (البيت الأبيض) الذي أراد أن يطفئ شمس العراق، لأنها تناقض مقولته الشهيرة إنه ينفذ أمر السماء، ولأن (الرب الأميركي) كلفه بقتل ما يزيد على مليون عراقي، لم ينس الرئيس الصغير أيضاً بأن السماء كلفته بأن يعيد إحياء عهد الفاشية وتقاليد الدم في العصور الظلامية الغابرة، ليجيء ويحدثنا عن الحضارة والحرية والتقدم والقيم الأميركية، وعن الرسالة المقدسة التي حمل أمانتها وتصميمه على قتل العراقيين على الشبهة، وبطريقة عمياء، وإرسال عشرات الألوف إلى جحيم المعتقلات والسجون، وأن يبقى هؤلاء قيد الإقامة في غياهب الزنازين حتى يتم (المخلص بوش) رسالته المقدسة، ليحقق نبوءة (فوكاياما) بـ (نهاية التاريخ)، عبر (أمركة) العراق والوطن العربي، ولكي يمضي في مشروعه التوراتي، عليه أن لا يتوقف عن قطع أعناق الرجال والأطفال والأمهات، لأنه ينفذ إرادة السماء؟!".


أما صحـافة الفـنادق فهي تعبير ورد في مقال روبرت فيسك في الاندبندنت اللندنية وأصبح مصطلحا إعلاميا شائع الاستعمال، في الدلالة على أن غالبية تقارير المراسلين في العاصمة العراقية، يتم إعدادها في غرف مغلقة أو أماكن حصينة في منأى عن رقعة الموت وميادين القتال، وصحفيو الفنادق القابعون في حيز ضيق يخلقونه لأنفسهم، أما إذا فكر هؤلاء في الخروج إلى (غزوة ما)، فعليهم أن يذهبوا وهم محاطون بحراسة مشددة وبعربات مدرعة. فالمرء الذي يعمل بصفة مراسل أجنبي في بغداد يجد نفسه سجينا في منزله، يتجنب مغادرة (الملجأ)، ولا يفكر للحظة واحدة في النزول إلى الشارع، ولا يستطيع الركوب في سيارة إلا إذا كانت ضد الرصاص أو مصفحة، ولا يمكن أن يكون فضوليا بشأن ما يتحدث عنه الناس أو يفعلونه أو ما يشعرون به. لقد أقرّت مراسلة الغارديان “ماجي أوكين” بذلك عندما قالت: "لم نعرف ما يجري من حولنا، ولكننا ندّعي أننا نعرف!!".


أما الشيء المثير للغرابة فهو المقال الذي كتبه - مارك وانر- في مجلة: New York Review of Books الذي جاء فيه: إن المراسل الذي تشاهدونه يوقع مقاله المسائي من منطقة الحرب وكتب اسمه والصحيفة التي يراسلها وتاريخ رسالته في بغداد، هو في العادة يخاطبكم من (فندق)، محاط بحراسات كثيفة وبأحزمة من النيران الأميركية، لا يمكن الاقتراب منها أو اختراقها، أما إذا حدث وغادر الفندق فهو لا يبرح مكانه إلا بعربة قتال أو بسيارة مصفحة وتكون وجهته إما لحضور مؤتمر صحافي أو للاستماع لإيجاز ما، أو لإجراء مقابلة معدة مسبقا في مكان ما من الملجأ الشاسع الذي يحكمه الأميركيون المعروف باسم: المنطقة الخضراء؟!


وتناول المعجم مصطلح “الحرب القذرة”، وهو المصطلح الذي أطلق على الحملة الأميركية عشية العدوان على العراق وشاع استخدامه في الأوساط المناهضة  للسياسات الإمبريالية في قارات العالم، وبصرف النظر عن الخسائر الباهظة لهذه الحرب التي كلفت الولايات المتحدة أموالا طائلة وقتلى لا يحصى لهم عدد، وفضائح يندى لوحشية جرائمها جبين الإنسانية، فإن النتائج الأولية تشير بشهادة ميدان القتال إلى سقوط الولايات المتحدة في العار الأبدي، بعد أن برهنت نظريا وعمليا بأنها الإمبراطورية الإرهابية الأولى في العالم، التي تسعى بكل صلف وحماقة، إلى اقتلاع هوية الأمم والأوطان، بعد أن جعلت العالم معلقا على قرني الثور الأميركي الهائج، الذي أخذت المقاومة العراقية على عاتقها مسؤولية انتزاع قرنيه، بل والإجهاز عليه تماما، لذلك فإن واشنطن، لن تحصد من حربها القذرة، غير عمى (أوديب) وعينيه الداميتين، بعد أن أسقط الشعب العراقي المقاوم هيبة الإمبراطورية الأولى المدججة بالسلاح، بالمقاومة النبيلة، التي نهض بها من قبل الأنبياء والثوار المرابطون، حسب المعجم نفسه.

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاحد / ٢٦ ذو الحجة ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ١٣ / كانون الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور